in

ماذا لو امتلكت وكالة ناسا ميزانيةَ الجيش الأمريكي البالغة أكثر من 600 مليار دولار؟

الفضاء، حدودنا الأخيرة، التي نسعى إلى اكتشاف ما ورائها، لكننا لا نملك بعد سفناً فضائية تمكننا من ذلك، لأن حكومة الولايات المتحدة الأمريكية توجه معظم اهتمامها لحاملات الطائرات، وطائرات F35، والسفن المليئة بالبنادق.

تنفق الولايات المتحدة سنوياً حوالي 600 مليار دولار على الجيش. أي ما يقدر ب 54٪ من الميزانية التقديرية السنوية تقريباً. بالمقابل لا تحصل وكالة ناسا سوى على 18.5 مليار دولار سنوياً، أي أقل من 0.5٪ من الميزانية الوطنية. لن نخوض الآن في نقاش حول ما إذا كانت الولايات المتحدة بحاجة إلى مثل هذا الجيش الضخم أم لا، إنما سنستكشف بعض الحقائق السريعة.

تعد الصين ثاني أكبر منفق على التسليح، بميزانية تقدر بـ 190 مليار دولار في السنة. وتمتلك 500 دبابة من طراز 99، والتي تتفوق عليها دبابات «أبرامز م1» التي تملك الولايات المتحدة 8700 آليّة منها، كما تملك 10 حاملات للطائرات. بينما تملك دول العالم مجتمعة 10 منها أصغر حجماً، وهناك 8400 مروحية هجومية حول العالم، تمتلك الولايات المتحدة 6400 منها. هذا ما يتعلق بالآليّات. من جهة أخرة، يكلف صاروخ «توماهوك» واحد حوالي 1.5 مليون دولار. ومن ثم تأتي الرواتب، والوقود، والذخيرة وغيرها. كل هذه النفقات تضاف إلى هذا الرقم الضخم 600 مليار دولار في السنة!

قوات أمريكية تجري تدريباتها في بولندا. صورة: Natalia Dobryszycka / AFP
قوات أمريكية تجري تدريباتها في بولندا. صورة: Natalia Dobryszycka/AFP

تضاءل الاهتمام الشعبي باستكشاف الفضاء تدريجياً منذ سباق الفضاء في الحرب الباردة. فلا يوجد اليوم شيوعيون يحاولون مزاحمة الأمريكان على الوصول الى القمر، فلِمَ نشعر بالحاجة إلى إنفاق موارد كبيرة على المهام الجديدة؟!
ولكن ماذا لو افترضنا أن وكالة ناسا حصلت على ميزانية الجيش؟ ما الذي ستستطيع فعله؟ آخذين بعين الاعتبار أن التكلفة الإجمالية لبرنامج أبولو بلغت 136 مليار دولار في عام 2007. ذلك على مدى 13 سنة، أي ما يزيد قليلاً عن 10 مليار دولار سنويًا.

تخيل الآن ما الذي يمكن صنعه بالميزانية العسكرية الأمريكية التي تبلغ 600 مليار دولار، في حين أن أحد أعظم الإنجازات العلمية في التاريخ أُنجز بجزء بسيط من ذلك المبلغ. لن نتحدث هنا عن أشياء صغيرة مثل البيروقراطية والجداول الزمنية للبحث والتطوير، سنحاول التفكير بأمور أخرى.

أولاً، توجه وكالة ناسا أغلب اهتماها نحو التلسكوبات والمسبارات الفضائية والأقمار الصناعية. بميزانية ضخمة، سنقدر على تخفيض السنوات العشر أو العشرين التي كانت الوكالة ستستغرقونها لإطلاق جميع مشاريعها، إلى سنة أو سنتين فقط. وسنرى تلسكوبات متطورة جداً، سيبدو تلسكوب «هابل» أمامها كاللعبة. ويمكن تطوير البنية التحتية للسماح بنقل أسرع للبيانات من البعثات الجديدة.

مع كل مصادر المعلومات هذه، التي تحوم في المدار، سيكون هناك اكتشافات جديدة لا محالة، على الأرض وفي الفضاء. ويمكن لذلك أن يعيد إحياء التعطش للاستكشاف لدى الجمهور.

وربما يكون التوجه نحو تمويل المجموعات الصغيرة العاملة في مجال استكشاف الفضاء والمملوكة من قبل القطاع الخاص أذكى قرار يمكن أن تتخذه وكالة ناسا، مثل شركة SpaceX التي تملك سجلاً حافلاً. فيمكن للأخيرة تمويل محطات فضائية جديدة، وصناعة طائرات فضائية قابلة لإعادة الاستخدام، وعمليات التعدين على الكويكبات وإنشاء قواعد على القمر.

وفي حال تمادينا قليلاً في الخيال العلمي، بمجرد إنشاء قاعدة قمرية، يمكن للقاذفات الكهرومغناطيسية على القمر وضع سفن كبيرة أو محطات فضائية في المدار القمري، ومن ثم في مسار المريخ وما بعده.

رسم توضيحي يُظهر رواد الفضاء على المريخ، وهو ما تخطط ناسا لفعله. صورة: NASA

بالتأكيد ستكون هذه الطريقة الأسرع لاستعمار المريخ، امتلاك قواعدٍ في منتصف الطريق إليه، أي على سطح القمر، للقيام بمهام مستقبلية. أنفقت محطة الفضاء الدولية حوالي 100 مليار دولار على مدى عقد من الزمان، لذا فكر في المحطات الضخمة والمتقدمة للغاية التي يمكن بناؤها بستة أضعاف هذا المبلغ سنويًا!

كل هذا المال مع قاعدة ضخمة للعمليات في المدار سيشكل ويدعم نواة من آلاف رواد الفضاء النشطين، كل مجموعة منهم تعمل على استكشاف النظام الشمسي في مهام متزامنة مختلفة.

هنا يمكن أن يبدأ التخطيط الجاد لإرسال مهمة مأهولة إلى أقمار المشتري، ولكن حتى مع الميزانية الضخمة قد يستغرق الأمر عدة عقود قبل أن تصبح المهمة قابلة للتنفيذ. ثم هناك تلك الآلة المذهلة، التي ظلت ناسا تؤجل مشروعها لسنوات، وهي محطة الفضاء الدوارة.

محطة الفضاء الدوارة (Rotating Wheel Space Station)

رسم تخيلي لمحطة الفضاء الدوارة. صورة: Wikimedia Commons

كان هذا التصميم عنصرًا مهماً في الخيال العلمي منذ أوائل القرن العشرين. حيث سيوفر الدوران جاذبيةً اصطناعية في هذه المحطة، الأمر الذي كان شائعاً في بعض الأفلام مثل «2001 :A Space Odyssey» إلا أنها لم ترى النور بعد.

يمكن أن تكون محطة الفضاء العملاقة ذات العجلات الدوارة قاعدة متنقلة للعمليات، بالقرب من أي كوكب نريد استعماره، كما يمكن استخدامها كقاعدة أمان إذا ما حدث خطأ ما وكان لا بد من إخلاء المستعمرة مؤقتًا.

وفي حال بُنيت عدة محطات كتلك، فيمكن توزيعها بشكل استراتيجي حول النظام الشمسي لتعمل كمحطات استراحة، للرحلات المتوجه نحو الفضاء العميق.

استعمار الكواكب

رسم تخيلي يُظهر رواد الفضاء ومساكنهم على كوكب المريخ. ستحمل سفينة المريخ التي ستطلقها ناسا مجموعة من التقنيات التي ستجعل من المريخ كوكباً قابلاً للاكتشاف، وتسهل وصول رواد الفضاء إليه. صورة: NASA

بالحديث عن استعمار الكواكب، بميزانية سنوية تبلغ 600 مليار دولار، سيكون من الممكن استعمار المريخ في أقل من 10 سنوات.

فإذا تم إنفاق الميزانية بأكملها على نقل الأشخاص والإمدادات إلى المريخ على متن الصواريخ المشتركة، سيبلغ عدد سكان مستعمرات المريخ الـ 40،000 شخص في غضون 10 سنوات.

وفي حال أرادت وكالة ناسا اختبار الوضع، قبل إرسال عدد كبير من السكان، فيمكنها إنفاق الميزانية بأكملها لإرسال حوالي 14 شخصًا سنويًا، في صواريخ فردية وتفويض كل شخص بأكثر من فدان من الأراضي المريخية للعمل عليه.

الأجرام السماوية

أضخم أقمار زحل، تيتان، ووراءه ثالث الأقمار من ناحية الحجم، وهو القمر ديون. صورة: NASA / JPL-Caltech / Space Science Institute

ثم هناك الأجرام السماوية المثيرة للاهتمام، والبعيدة عن متناول البشر حاليا. يمكننا إرسال مستكشفين آليين إليها جميعًا.

مركبة إلى كوكب الزهرة وأخرى إلى تيتان أحد أقمار كوكب زحل. أو إلى يوروبا قمر المشتري، تخيل ما يمكن اكتشافه في ذلك المحيط الشاسع تحت سطح يوروبا الجليدي! يمكن أن نكون على بعد بضع سنوات من الكشف عن الحياة خارج الأرض، لو امتلكت وكالة ناسا تلك الميزانية العسكرية.

بالطبع كل هذا مجرد افتراضات، ولكن مع هذا النوع من التمويل، من الواضح أن المجتمع العلمي سيكون مغمورًا تمامًا بجبال من البيانات الجديدة ويمكن أن تصبح المستعمرات خارج الأرض حقيقة، بسهولة خلال فترة حياتك عزيزي القارئ وربما السفر بين النجوم.

من يدري، أو ربما سيقرر بعض المشاكسين الروس أنه قد حان الوقت لسباق فضائي آخر، فتضطر الحكومة الأمريكية للتبديل بين بعض الأصفار في ميزانيتها.

مقالات إعلانية