in

مشكلة المياه في المملكة العربية السعودية: حلول مبتكرة لكنها غير كافية

صورة: Tom Hanley/Alamy

تشتهر المملكة العربية السعودية بثروتها النفطية التي أثرت النظام الملكي، ولكن بعيداً عن الثروة النفطية، هناك مورد آخر ثمين في جوف الصحراء العربية الجافة، وهو المياه الجوفية، التي جعلت من الزراعة في وسط الصحراء أمراً ممكناً.

يوجد 18 دولة فقط على هذا الكوكب خالية من الأنهار، والمملكة العربية السعودية هي أكبرها، معظم الدول الخالية من الأنهار عبارة عن دولة جزرية صغيرة تضاريسها غير مهيأة لتشكل الأنهار.

معظم أراضي المملكة العربية السعودية عبارة عن صحاري، وهي خالية من الأنهار، وعوضاً عنها هناك الوديان، والتي هي عبارة عن مجاري أنهار جافة وموسمية، مثل وادي حنيفة الذي يمر عبر عاصمة البلاد، الرياض.

بالنسبة لباقي تضاريس البلاد، تمتد جبال العسير على طول الساحل حتى البحر الأحمر، المناخ هناك أكثر برودة، كما تهطل الأمطار بغزارة في هذه المنطقة خلال موسم الرياح الموسمية في المحيط الهندي. أما في باقي أنحاء البلاد تكون الأمطار نادرة وغير منتظمة، أي أنها غير كافية للحفاظ على الثروة الزراعية والحيوانية.

هذه القنوات هي التي تنقل المياه العذبة من الآبار العميقة ومحطات التحلية إلى المزارع والمنازل. صورة: Tom Hanley/Alamy

بسبب ندرة المياه، تعمل المملكة العربية السعودية جاهدة للحفاظ على الزراعة وتجنب الاعتماد شبه الكلي على الواردات، لذلك أنشأت السعودية العديد من السدود لتخزين مياه الأمطار واستخدامها في الري وخاصةً في المناطق الواقعة جنوب غرب البلاد، كسد بيش وسد الملك فهد الذي يحتوي على أكبر خزان في البلاد.

أظهرت البلاد في السبعينيات والثمانينيات رغبة سياسية في تحقيق الاكتفاء الذاتي، لذلك مضت السعودية قدماً في العديد من المشاريع لتطوير القطاع الزراعي.

الآن، إذا نظرت إلى الصحراء من الفضاء، ستلاحظ وجود مساحات زراعية كبيرة على شكل دوائر، تعتمد السعودية في ري هذه المساحات الزراعية على الري المحوري المركزي، حيث يتم ضخ المياه الجوفية التي تجمعت في جوف الأرض خلال العصر الجليدي عندما كان المناخ في هذه المنطقة أكثر برودة.

ولكن هذا الحل ليس دائماً، فالمياه الجوفية في هذه المنطقة غير قابلة للتجديد بسبب قلة الأمطار هناك، حيث تعاني المملكة العربية السعودية من مشكلة نضوب المياه الجوفية، فخلال 25 عاماً انخفض منسوب المياه الجوفية في حوض الإحساء المائي بمقدار 150 متراً، أي حوالي 492 قدم، كما أن الحقول الخضراء الدائرية تتلاشى في الصحراء.

في عام 2008، كان على المملكة العربية السعودية تعديل مسارها، لذلك تخلت المملكة عن فكرة تحويل صحاريها إلى أراضٍ زراعية خصبة.

مبادرة الاستثمار الزراعي في الخارج

صورة جوية للحقول الزراعية في المملكة. صورة: Wikipedia

الهدف من هذه المبادرة هو شراء أراضي في بلدان أخرى وزراعتها، حيث تستحوذ شركات الأغذية السعودية على أراضي زراعية في الأرجنتين وتزرعها بالبرسيم، ثم تعمل على استيرادها إلى المملكة العربية السعودية واستخدامه كعلف للأبقار، وبهذه الطريقة لن تضطر السعودية إلى الضغط على مخزون المياه الجوفية لديها، أي أنها باتت تستورد المياه.

كما تستأجر هذه الشركات أراضي في السودان وفي زامبيا وإثيوبيا، حيث يوجد عقد إيجار بين شركة Saudi Star PLC وإثيوبيا لاستئجار أرض بمساحة 140 ألف هكتار، كما تسعى هذه الشركة لاستئجار 500 ألف هكتار في المستقبل، ولكن يمكن لهذه الاستثمارات أن تخلق مستقبلاً صراعاً على المياه، نظراً لأن أغلب المناطق التي يتم تأجير الأرض فيها تعاني من نقص المياه.

تستثمر المملكة العربية السعودية أموالاً طائلة في تحلية مياه البحر بغرض توفير المياه لمواطنيها، حيث تعتبر السعودية اليوم أكبر منتج للمياه المحلاة في العالم. فعلى سبيل المثال، أغلب مياه المدينة المنورة مصدرها محطة تحلية على البحر الأحمر، أما مياه الشرب في العاصمة الرياض مصدرها محطة الجبيل لتحلية المياه في الخليج العربي، والتي تقع على بعد 500 كيلومتر أو 310 ميل، حيث يتم ضخ المياه عبر خط أنابيب.

محطة تحلية مياه البحر في الجبيل. صورة: EJAtlas

تدعم المملكة العربية السعودية إمدادات المياه بشكل كبير، حيث كلفت الحكومة عدد من الشركات الخاصة من جميع أنحاء العالم لإنشاء محطات التحلية هذه، كما تشتري الحكومة المياه من هذه الشركات وتبيعها للأسر السعودية بسعر أقل للحفاظ على التكاليف المنخفضة بالنسبة للمستهلك.

هناك العديد من العمليات التقنية لتحلية مياه البحر، ولكن التقنية الأكثر شيوعاً هي التحلية الحرارية، حيث يتم غلي الماء وبالتالي فصله عن الملح، كما يوجد طريقة أخرى لتحلية المياه وتسمى بعملية ”التناضخ العكسي“، حيث ينتقل الماء من المحلول الأعلى تركيزاً نحو الأدنى عبر غشاء شبه نافذ باستخدام الضغط، وبالتالي ينفصل الملح عن الماء.

لتحلية المياه فائدة كبيرة في توفير المياه الصالحة للشرب لسكان المملكة، لكن عواقبها البيئية خطيرة جداً. صورة: Patrick T. Fallon/Bloomberg/Getty Images

حالياً، حوالي نصف مياه الشرب هي في الواقع مياه محلاة، ولكن هناك عدداً من العيوب لهذه التقنيات، ولاسيما تأثيرها البيئي، حيث تتخلص محطات التحلية من المحلول الملحي، وهو سائل ذو تركيز ملحي مرتفع، عبر مياه الصرف الصحي ثم ينتقل إلى المحيط مسبباً أضرار بيئية لا تعد ولا تحصى.

المملكة العربية السعودية لديها القدرة على تحلية كميات كبيرة من المياه نظراً لإنتاجها الوقود الأحفوري اللازم لتوليد الحرارة، أما في تقنية التناضخ العكسي، تنتج المملكة العربية السعودية الغاز الطبيعي اللازم لتوليد الكهرباء لتحلية المياه بهذه التقنية، أي أن عملية تحلية المياه ليست عملية مستدامة، لهذا السبب تستثمر المملكة العربية أيضاً في محطات تعمل بالطاقة الشمسية، ولكنها حتى الآن لا تزال تعتمد بشكل كبير على الوقود الأحفوري لتحلية المياه.

مقالات إعلانية