in

كيف دعمت الولايات المتحدة قتل مئات الآلاف حول العالم

خلال فترة الهيمنة العالمية الأمريكية والتي تمتد منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، قامت الحكومة الأمريكية بدعم عشرات الحركات الانقلابية والانفصالية حول العالم لتحقيق مصالحها من ناحية ولمحاربة عدوها الأول المتمثل بالاتحاد السوفييتي السابق.

بطبيعة الحال فالتدخل الأمريكي بالشؤون الدولية حول العالم لم يتوقف مع انهيار الاتحاد السوفييتي، لكنه كان أوضح بكثير ومباشراً أكثر من الوقت الحالي حيث أصبحت سياستها الخارجية ”ناعمة“ أكثر ولو أنها ما تزال تحمل نفس الأسس والأهداف وتتسبب بنفس الدموية.

هنا خمس مرات تسبب فيها انحياز الولايات المتحدة لأطراف سياسية أو دعمها لحركات انقلابية بقتل الكثيرين وتدمير حياة العديدين غيرهم:

1. البرازيل:

من اليمين، الرئيس الأمريكي جون كينيدي وتشارلز موراي والرئيس البرازيلي جواو جولارت
من اليمين، الرئيس الأمريكي جون كينيدي وتشارلز موراي والرئيس البرازيلي جواو جولارت

مع بداية ستينيات القرن العشرين، كانت الثورة الكوبية التي قادها كاسترو ملهماً أساسياً لليساريين الشيوعيين في مختلف الأماكن وبالأخص أمريكا اللاتينية، حيث أقلق هذا التمدد اليساري الولايات المتحدة التي ضغطت على الرئيس البرازيلي حينها (جواو جولارت) للحد من هذا التمدد المثير للقلق.

لم يكن جولارت مؤيداً تماماً لآراء الولايات المتحدة مما دفعه إلى إجراء إصلاحات زراعية وتعديلات على القوانين أثارت تحفظ الطبقة المالكة للأراضي (والتي كان هو نفسه ينتمي إليها)، والتي طلبت مساعدة الأمريكيين الذين ساعدوا بتدريبهم ودعمهم للجنرال كاستيلو برانكو بالإضافة لإنزال قوات من المارينز في ساو باولو لدعم الانقلابين في حال احتاجوا ذلك.

تمكن برانكو المدعوم أمريكياً من السيطرة على ساو باولو دون حاجة لمساعدة المارينز، وحكم البرازيل لعقدين تاليين على شكل دكتاتورية عسكرية راح ضحاياها العديد من البرازيليين في أقبية السجون وغرف التعذيب.

2. شيلي:

وزير الخارجية الأمريكي هنري كسنجر في لقاء مع الجنرال بينوشيه
وزير الخارجية الأمريكي هنري كسنجر في لقاء مع الجنرال بينوشيه

عام 1973، في الحادي عشر من سبتمبر تمت الإطاحة بالرئيس الشيلي سلفادور الليندي – الذي صعد للحكم بموجب انتخابات قبلها بثلاثة أعوام – ليستولي الجنرال بينوشيه والجنود الموالون له على الحكم حيث قتل الليندي وشوهت جثته وانتشرت الدبابات في الشوارع مع تحليق الطيران الحربي فوق المدن.

تفجيزات المقر الرئاسي في شيلي
تفجيزات المقر الرئاسي في شيلي

الانقلاب كان مدعوماً بشكل كبير من الخارجية الأمريكية ووزيرها آنذاك هنري كسنجر، حيث يعتقد أن الدعم الأمريكي وصل حتى اغتيال دبلوماسيين شيليين في الولايات المتحدة الأمريكية بسبب دعمهم للرئيس المنتخب.

تضمنت فترة حكم بينوشيه إقرار حزم قوانين رأسمالية متعددة أدت إلى رفع الأسعار بشكل كبير كما أن حكمه كان دكتاتورياً للغاية مع إعدامات جماعية للقادة النقابيين والقادة السابقين للجيش وغيرهم، مع توقع أن حصيلة قتلى هذا الحكم وصلت حتى 50,000.

3. رومانيا:

الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون في لقاء مع الرئيس الروماني تشاوتشيسكو
الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون في لقاء مع الرئيس الروماني تشاوتشيسكو

خلال فترة النفوذ السوفييتي في أوروبا الشرقية كانت رومانيا واحدة من مناطق النفوذ الأساسية للسوفييت، وعلى الرغم من أن الرئيس الروماني تشاوتشيسكو لم يكن يحظى بعلاقات طيبة تماماً مع السوفييت فقد كان يمرر القوانين التي يرغبون بها بشكل شبه أوتوماتيكي.

مع كون الولايات المتحدة هي العدو الأول للسوفييت، فقد سعت جاهدة لإبعاد رومانيا عن النفوذ الشيوعي السوفييتي حيث نجحت بذلك مع انضمام رومانيا لصندوق النقد الدولي وبدأ تعاملاتها الاقتصادية والمالية مع الغرب، لكن ذلك كان على حساب شعبية تشاوتشيسكو التي انحدرت بشكل كبير بسبب سياساته.

جنود يلقون القبض على داعم معروف لنظام تشاتشيسكو في مدينة تيميسوارا اثناء الثورة الرومانية، ديسمبر 1989
جنود يلقون القبض على داعم معروف لنظام تشاتشيسكو في مدينة تيميسوارا اثناء الثورة الرومانية، ديسمبر 1989

خلال فترة حكم تشاتشيسكو الممتدة لـ23 عاماً منعت الحكومة وسائل منع الحمل وتحديد النسل بهدف زيادة عدد السكان لكن الأمر تضخم بشكل لا يمكن التحكم به، حيث أنتشر الأطفال الغير مرغوب بهم في كل مكن مع امتلاء دور الأيتام وانتشار الأمراض بينهم، وهؤلاء الأطفال الناتجون عن سياسات حكومة تشاوتشيسكو هم من أطاحوا بها لاحقاً حيث كان الاقتصاد الروماني مدمراً مع قروض جعلت الدين الخارجي يتضاعف لثلاث مرات بالتناسب مع نمو ثروة الدكتاتور الشيوعي ليصبح من أثرى الأشخاص في العالم.

4. كوريا الجنوبية:

الرئيس الأمريكي جون كينيدي في لقاء مع الجنرال بارك شونج
الرئيس الأمريكي جون كينيدي في لقاء مع الجنرال بارك شونج

على الرغم من أن صيت الدكتاتورية دائماً ما يرتبط بكوريا الشمالية المحكومة بشيوعية مطلقة، فجارتها الجنوبية عانت بدورها من الدكتاتورية وبشكل كبير كذلك، فخلال الخمسينيات (قبل الحرب الكورية حتى) كان النصف الجنوبي لشبه الجزير محكوماً من سينجمان ري وهو واحد من أكثر أعداء الشيوعية شراسة، وبرهن ذلك بحملات إعدام لأي شيوعيين أو أي من يشك بميله لليسار عموماً مع حصيلة قتلى تصل حتى 100,000 وفق تحقيق حكومي أجري عام 2006.

بحلول 1961 كان الحكم قد وصل للجنرال بارك شونج المدعوم أمريكياً – كما سابقه – الذي وصل إلى السلطة بانقلاب عسكري حيث أعلن الأحكام العرفية وعدل الدستور ليعطيه سلطات لا محدودة على البلاد، وتضمن عهده قمعاً كبيراً للحريات بداية من تحديد طول شعر الرجال وطول فساتين النساء وحتى إعدام أي حقوقي يجد آرائه لا تتفق معه، حيث استمر عهده وعلاقاته القوية مع الأمريكيين حتى اغتياله عام 1979.

5. أوزباكستان:

هيلاري كلينتون مع الدكتاتور كريموف
هيلاري كلينتون مع الدكتاتور كريموف

مع كون معظم الدكتاتوريات الدموية المدعومة أمريكياً قد انتهت منذ بضعة عقود، فالأمر مختلف لأوزبكستان التي لم ينتهِ الأمر فيها حتى العام الماضي 2016 مع وفاة الدكتاتور كريموف.

دكتاتورية كريموف كانت معادية بشدة للمجتمع الإسلامي في البلاد مع قمع مؤسساتي ممنهج لهذا المجتمع – حسب تعبير تقرير الأمم المتحدة – وقتل واختفاء العديد من القادة المحليين والمواطنين المسلمين ليصل الأمر إلى ذروته بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر الإرهابية والتي أتاحت علاقات قوية مع الأمريكيين، الذين اعتبروا الدكتاتور الأوزبكي ركناً هاماً لمحاربة التطرف الإسلامي.

لاجئون اوزباكستانيون نائمون في الخلاء في مخيم خارج قرية كيرجيز بباراش، الصورة التقطت يوم 20 مايو 2005. الحكومة الاوزباكستانية اجلت ردها على المطالبة بتحقيق دولي حول الحملة العسكرية التي خلفت مئات القتلى وهو ما انكره الرئيس اسلام كاريموف في مكالمة هاتفية مع الامين العام للامم المتحدة.

خلال فترة حكمه تورط الدكتاتور آنف الذكر بقضايا مثيرة للجدل مثل قتل المتظاهرين أو حتى غلي المنشقين عن نظامه بالماء وهم أحياء، ومع استمراره بهذه الأساليب التعسفية فقد استمر الدعم الأمريكي له حتى وفاته.

مقالات إعلانية