in

ثلاثة حيوانات تقوم بتشييع موتاها

قردة الشمبانزي تشيع موتاها

إذا كنت قد خضتَ تجربة فقدان شخص عزيز إليك، فأنت تدرك شعور الكُربة الذي تسبّبه هذه التجربة. في لحظة سماعك للخبر، يستغرق عقلك دقيقة، أو عشرين، أو يوم، أو شهر، أو حتى سنة كاملة لاستيعابه، وأن ذلك الشخص العزيز قد ذهب إلى الأبد.

نحن البشر لسنا الوحيدين؛ تشعر الحيوانات بالحزن عند الفراق أيضاً. لن يستغرب مربّي الحيوانات الأليفة ومحبي الحياة البرية لسماع هذه المعلومة، ولكن الكثير من الحيوانات ينتابها الصمت حداداً على موت أفرادها.

تجاوزت بعض الحيوانات هذه المرحلة، حيث أنها تقوم بـ”طقوس تعزية“ كتعبيرٍ للحزن عند فقدان أحد أفرادها. أطلق على الظاهرة ما تشاء، ولكن بغض النظر عن التسمية، رؤية هذه الحيوانات حزينةً على فراق بعضها يشعرنا حقاً بقربها لنا.

قردة الشمبانزي:

قردة الشمبانزي تشيع موتاها

قردة الشمبانزي هي من أقرب القردة العليا لنا، لذلك فإنه ليس من الغريب أن تكون لديهم مشاعر قريبة من تلك التي لدينا نحن. لكن إلى أيّ مدى؟

دعونا نسلّط الضوء على ”دوروثي“، قردة الشمبانزي المسنّة التي ماتت عند بلوغها قرابة الخمسين سنة في مركز الـ”سانغا يونغ“ لإنقاذ الشمبانزي شرق الكاميرون. كان العاملون في المركز على دراية بأن دوروثي كانت ”شخصية معروفة“ في عائلتها المكونة من خمسة وعشرون قرد شمبانزي، لكنهم لم يكونوا على استعداد للذي حصل لدوروثي عندما تم نقلها لمرقدها الأخير.

اصطَفّت عائلة الشمبانزي على طول سياج المأوى، محدّقين بدوروثي بهدوء بينما تم نقلها لقبرها على عربة في الجهة الأخرى من السياج. وضعوا أيديهم على أكتاف بعضهم البعض، ربما حداداً، أو ربما مواساةً لبعضهم، ناظرين بصمتٍ تام، في حالة غير عادية بالنسبة لهذه الحيوانات المشاكسة كثيرة الضجة.

تقول مونيكا زوبيدر، ملتقطة الصورة: ”هذه لقطة عزاء. كنّا ندفن دوروثي. نقلناها بالعربة لكي تراها بقية القرود. كان مشهداً مؤثراً حقاً. كنّا جميعاً مذهولين. حتى العاملين الذين منهم من من تربّى في القرى التي من المحتمل فيها أكل القرود استمتاعاً بمذاقها، قبل أن يكونوا مشتهين، كانوا متعاطفين. أعتقد أن كل واحدٍ منا انتابه الصمت بسبب هدوء القردة.“

الفيَلة:

فيل حزين على موت احد افراد عائلته

ستصيبك الدهشة لو علمت كم هي ذكية وحسّاسة ومبدعة هذهِ الحيوانات. في الحقيقة، الفيلة قادرة على الكثير. تعيش في مجتمعات لها تقاليدها الخاصة، تعالج نفسها بالأعشاب، تحمي البشر والحيوانات الأخرى عند المآزق، وتلوّن. نعم تلوّن! هل منكم من شعر بالحرج قليلاً من عدم قدرته على مجاراة الموهبة الفنيّة لدى الفيلة؟

تعيش الفيلة في مجموعات اجتماعية شديدة الترابط لدرجة شعورها بالضّيق لأبعد الحدود عند موت أحدها. بين جميع طقوس الحداد والحزن عند الحيوانات، لا يوجد منها ماهو موثّق أو متعارف عليه كالذي عند الفيلة.

يتوقّف قطيع الفيلة للتّحري فور رؤية عظام أو جثة لفيلٍ آخر، حتى لو لم تكن هناك صلة للفيل بالمجموعة. تشمل الطقوس ملامسة الخرطوم للعظام بلطف، وتغطية الجسد بالأوراق والعشب بهدوءٍ تام، والبقاء مع الجثة لعدّة أيام، أو أسابيع متواصلة لو كان الفيل معروفاً عند القطيع.

يقول الباحث مارتين ميريديث المختص بالفيلة: ”كان جميع أفراد عائلة قائدة القطيع، بما في ذلك صغيرها، يتحسسون بخراطيمهم على جسدها، محاولين حملها. كان كل من في القطيع ينهم بصخب. ولوحِظ لنا أن الدّغفل* كان يبكي وأصدر صوتاً أشبه بالصراخ، لكن بعد ذلك عمّ بينهم صمتٌ لا يصدّق. ثم بدأوا بوضع الأوراق والتربة عليها وكسروا أغصان أشجارٍ لتغطيتها. قضوا اليومان التاليان واقفين قرب جيفتها. كانوا فقط يذهبون لحاجتهم للماء والطعام، ولكن كانوا دائما ما يعودون.“

الفيلة حيوانات متعاطفة جداً لدرجة أنها تدفن وتحدّ على موت أكثر من يقتلها… نحن. تناول تقريرٌ أخباري في كينيا خبر فيلٍ قام بدهس امرأة وطفلها وتوقف بعد ذلك لدفنهما قبل أن يتلاشى بين الأشجار.

الحقيقة هي أنه من الواضح لنا رؤية الفيلة يحدّون على موتاهم ولعلهم على الأقل بطريقةٍ ما متنازلين عاطفياً عندما نتجول نحن ونذبح قطعاناً بأكملها.. فلنخرج ونتظاهر بلافتات ”حافظوا على الفيلة“!

*الدُغفل: صغير الفيل.

غربان العقعق:

غربان العقعق

هذه الطيور ليست أول مايخطر ببالنا عندما نفكر بالذكاء، ولكنه يعتقَد بأنها واحدٌ من أذكى المخلوقات في المملكة الحيوانية، حتى أنّه باستطاعتها التعرّف على نفسها في المرآة (الكائن الوحيد غير الثدي الذي باستطاعته فعل ذلك).

لكن ذكاءها يتجاوز الوعي الذاتي بمراحل. غربان العقعق متعاطفةٌ بشكلٍ مدهش مع أفرادها من نفس النوع، مشابهةً بذلك الغُداف والدّجاج. يلاحظُ عليها أنها تشرك بعضها في طقوس اجتماعية معقّدة بين الحين والآخر، مما يدفع العلماء والباحثين المهتمين للحيرة.

درس الدكتور بيكوف من جامعة كولورادو هذه الطقوس واستنتج أن غربان العقعق ”تشعر بالأسى وتقيم الجنازات.“ راقب الدكتور أربعة غربان عقعق ألقت اهتماماً لجثة غراب من نفس النوع وسجّل تصرفاتهم.

يذكر الدكتور: ”اقترب أحدهم للجثّة، نقر عليها بلطف، تماماً كتحسس فيلٍ لجثة فيلٍ آخر بخرطومه، ثم تراجع للخلف. فعلَ غرابُ عقعقٍ آخر نفس الشيء. وفي المرة التالية، طار أحدهم وعاد ومعه حشائش وضعها بالقرب من الجثة. فعل غرابُ آخر نفس الشيء. ثم وقف الأربعة كلهم يقظين بجوار الجسد لبضعة ثوانٍ وحلقّوا بعيداً واحداً تلوَ الآخر.“

كتب الدكتور بيكوف في مذكّرته العاطفة، المكان والمجتمع: ”لا يمكننا أن نعرف بماذا كانوا يفكّرون أو يشعرون، لكنه ومن قراءتنا لحركاتهم، لا نجد سبباً في عدم التصديق بأن هذه الطيور كانت تلقي وداعاً غرابياً لصديقهم.“

من كان يتوقع أن غربان العقعق المزعجة يمكن أن تثير دهشتنا؟

مقالات إعلانية