هل سبق وسمعت بتأثير (ماكولو)؟ إنها تلك الحيلة الغريبة الخاصة بالدماغ حيث، بعد قضاء مدة محدقا إلى صورة تحتوي على شكل ”شبكي“ أو خطوط متداخلة، يبدأ دماغك برؤية أثر زهري أو بلون آخر عندما تنظر إلى الخطوط ذات اللون الأبيض والأسود بعد ذلك.
يقال أنه من أجل إثارة هذا التأثير، عليك ببساطة التحديق في مركز صورتين محفزتين ملونتين لمدة تقدر بعدة دقائق أو تزيد عنها قليلا، مبدلا رؤيتك فيما بينها بصورة متكررة.
يعمل هذا الأمر بشكل أفضل مع الشبكات الملونة باللونين الأخضر أو الأحمر، ثم عندما تنظر إلى الخطوط العمودية ذات اللونين الأسود والأبيض، تجدها تبدو حمراء، وخضراء، أو زهرية في بعض الأماكن.
كما أن إمالة رأسك على زاوية تسعين درجة قد يخفض من هذا التأثير أو يزيد منه، بل في الواقع قد يؤدي تدوير الصور المحفزة ثم التحديق بها إلى عكس هذا التأثير، وكلما حدقت لوقت أطول إلى الصور المحفزة الأصلية، كلما طالت مدة التأثير، وذلك لساعات، أو أيام، أو حتى أشهر في بعض الحالات.
لكن هل كان كل مما سبق صحيحا؟ وما الذي يسببه إذا كان الأمر كذلك يا ترى؟
تمت تسمية هذا التأثير تيمنا بمكتشفته، وهي خبيرة علم النفس الأمريكية (سيليستي ماكولو هاورد)، فقد كانت هي أول شخص يكتشف وجود ما يسمى بـ(ما بعد التأثير المشروط) Contingent Aftereffect، وهو وهم يؤثر على الدماغ لمدة طويلة نسبيا من الزمن.
مع مرور السنوات، كان هناك عدد من الدراسات التي أجريت في سبيل فهم هذا التأثير فهما أعمق: في الماضي، وبالتحديد في سنة 1975، قام باحثان بأداء التجارب على خمسة مجموعات، تتكون كل واحدة منها من 16 شخصا، وبشكل مثير، لم تظهر إحدى المجموعات أي تناقص أو تضاؤل في قوة التأثير بعد خمسة أيام كاملة، في الواقع، بقيت قوة التأثير أفضل من النصف لدى أربعة مجموعات لمدة وصلت إلى 2040 ساعة لاحقا -أو ما يقارب الثلاثة أشهر.
بإمكانك تجربة التأثير بنفسك، باستعمال الصور المحفزة في الأسفل.
ملاحظة: هناك احتمال كبير أن يؤثر هذا التأثير على رؤيتك لمدة طويلة -على الرغم من كونه يتحفز لدى رؤية خطوط أفقية أو عمودية فقط بعد ذلك- كما أنه لا يبدو وأنه يتسبب في أية أضرار، لذا فالقرار يعود إليك إذا ما كنت ترغب في تجريبه أم لا.
ننتقل الآن إلى السؤال التالي في موضوعنا هذا وهو:
ما الذي يتسبب في حدوث هذا التأثير؟
لقد كان هناك جدل كبير حول هذا الجزء بالتحديد في السابق، هذا الجدل الذي أسفر عن ثلاثة أفكار رئيسية تفسر التأثير: الفكرة الأولى تفيد بأن للأمر علاقة بالخلايا العصبية في العصب البصري، والفكرة الثانية ترمي إلى أن الدماغ يحاول تلوين العالم بلون صحيح يراه واقعيا فيصبح بذلك عالقا قليلا في أثناء القيام بذلك، بينما تفيد الفكرة الثالثة بأنه نوع من الأعراض “الانسحابية”، وفي هذه الحالة يعتبر غيابا للألوان.
أجريت دراسة مثيرة للاهتمام على الموضوع في سنة 1995، قام فيها الباحثون آنذاك بتفحص مريض واحد فقط، مريض كان قد عانى من تضرر دماغي بالغ، ووفقا للباحثين، ”كان هذا المريض قادرا على رؤية الألوان، لكن لا شيء سواها تقريبا“.
بعد أن تم تقديم شبكات له تحتوي خطوطا عمودية وأفقية متوازية باللونين الأخضر والأحمر، صرح المريض بأن التأثير كان يتفعل كذلك حتى عند استعمال “الشبكات” ذات اللونين الأسود والأبيض بعدها.
استنتج الباحثون إلى أن التأثير قد يكون يحدث على مستوى العصب البصري، أو في مكان ما بين العين والدماغ.
تم تقديم مذكرة بحث من طرف (جوليان سيروكس) إلى جامعة (أدنبره) تتوافق مع هذا الطرح، حيث كتب: “بأن الآليات الداخلة في عمل تأثير (ماكولو) تقع في معظمها في العصب البصري الرئيسي، حتى ولو كان التغيير في هذه المنطقة من الجهاز البصري يؤدي إلى حدوث تغييرات في نمط نشاط مناطق بصرية أعلى”.
عمدت بعض الدراسات إلى التركيز في سواد التأثير، حيث اكتشفت إحدى هذه الدراسات في سنة 1969 إلى أن العديد من الأشرطة الملونة باللونين الأحمر والأخضر أدت إلى حدوث ما بعد التأثير.
بشكل غريب، وجدت ذات الدراسة أنه لو كانت الصورة المحفزة لديك خضراء، فسترى بعدها ألوانا حمراء على الشبكات العمودية وألوانا خضراء على الشبكات الأفقية، أما إذا تم استعمال صورة محفزة حمراء، فستنعكس الألوان السابقة ذكرها.
وما كان أكثر غرابة في الأمر، هو أنه فقط اللونان الأخضر والأحمر كان يعملان بشكل مثالي في تحفيز التأثير، حيث ورد في الدراسة: ”كانت الألوان القريبة من الأزرق التام، والأصفر التام، اللذان كانا يحتويان على نسبة قليلة من اللون الأحمر والأخضر، تسفر عن ما بعد تأثير ضعيف“، ولحد الساعة لا يوجد تفسير جيد للسبب الذي يجعل اللونين الأخضر والأحمر ينتجان تأثيرا قويا جدا مقارنة بالألوان الأخرى.
أما بالنسبة للشبكة، فقد يكون للأمر علاقة بالخلايا العصبية في العصب البصري واستجابتها بشكل أقوى لـ”توجهاتها وذبذتها المكانية المفضلة”، وذلك وفقا لدراسة أخرى.
عمدت ذات الدراسة حتى لاقتراح نظرية مثيرة أكثر للإهتمام، وهي أن الصور ذات بنية JPEG استعملت أنماطا مشابهة أكثر لـ”مربع النقش“، الذي هو بشكل أساسي صورتان شبكيتان موضوعتان فوق بعضهما البعض.
كتب الباحثون وراء هذه الدراسة: ”لربما كانت فعالية هذا النوع من التمثيل تشير إلى أن أمرا مشابها يتم استعماله من طرف الجهاز البصري“، وهو ما وجدنا أنفسنا بصدده الآن، حيث يبدو تماما بأن العصب البصري يقوم بفعل ما يجعل دماغك يتم خداعه بطريقة أو بأخرى.
إلا أن الآليات الدقيقة التي تقف وراء ذلك لم يتم فهمها بشكل كامل حتى الآن، وغير ذلك، يبدو الأمر حقا وكأنه حيلة يمارسها الدماغ، وليس مشكلة على مستوى الأعين نفسها، كما أن التأثير يعتبر مذكرا جيدا على أن أدمغتنا سهلة خداعها، على غرار صعوبتها في تمييز ما إذا كانت خطوط معينة متوازية، أو ارتباكها فيما يخص الدوائر المتوالية، ومنه فإن الأدمغة غريبة بحق، أليس كذلك؟