in

دخلك بتعرف قصة (آني جونز)، تلك المرأة الملتحية!

السيدة (جونز)

لطالما شكلت النساء الملتحيات فقرة مهمة جدا في العروض الحية والسيرك منذ فجر التاريخ، وكنّ يتصدرن لائحة تلك العروض وكان يشار إليهن باسم ”المسوخ“، وقد كانت (آني جونز) ”السيدة الملتحية“ التي برزت ضمن عرض (بارنوم) -كان (بارنوم) أكثر منظم عروض شهرة ونجاحا في أمريكا- بعنوان «أعظم عرض على الأرض» من أكثر هذه ”السيدات الملتحيات“ نجاحا في التاريخ، لكن هذا لم يمنع حياتها من أن تتحول إلى مأساة حقيقية.

وُلدت (آني جونز) في (فيرجينيا) بالولايات المتحدة في سنة 1865، ويقال أنها خرجت من رحم والدتها ووجها يغطيه شعر الذقن تماما مثل ذلك الذي ينمو لدى الرجال البالغين، وسرعان ما زالت صدمة والديها بمجرد أن أدركا الفرصة الذهبية التي لاحت أمامهما في استغلال هذا الأمر الخارق للعادة من أجل تحقيق المال والشهرة.

ملصق إعلاني بلجيكي خاص بأحد عروض ”السيدة الملتحية“ (آني جونز).
ملصق إعلاني بلجيكي خاص بأحد عروض ”السيدة الملتحية“ (آني جونز).

لم تبلغ (جونز) من العمر سنة واحدة عندما دفع بها والداها إلى أحد عروض (بارنوم) المقام في مدينة نيويورك، وقد أطلق على الطفلة الصغيرة اسم ”الطفلة عيسو“، في إشارة إلى شقيق ”النبي“ يعقوب كثيف الشعر الذي وردت قصصه في التوراة.

لاحقا وُصفت (آني جونز) على أنها: ”أكثر مثال مذهل عن حالة كثافة الشعر ونموه المفرط التي عُرفت منذ أيام ’عيسو‘“، ومنه بدأت مهنتها في مجال عروض السيرك قبل حتى أن تتمكن من خطو أولى خطواتها، وكانت مصدر جذب كبير للجماهير لدرجة أن السيد (بارنوم) نفسه عرض على والدتها عقدا يدوم لثلاثة سنوات مقابل أجر 150 دولارا. لكن (جونز) في الحقيقة ستستمر بالعمل كمصدر جذب لعشاق المظاهر الخارقة للعادة لمدة أطول من ذلك بكثير، وبمرور السنوات تطورت ”الطفلة عيسو“ لتصبح ”السيدة عيسو“، وأخيرا أصبحت تعرف باسم ”السيدة الملتحية“.

خلال العروض التي كانت تقدَّم فيها، كانت (جونز) تعمل على إطراء الجماهير من خلال إبراز جوانبها الأنثوية بالتمايز مع شعر وجهها الذكوري الكثيف، وكانت ترتدي ملابس أنثوية رائجة مطابقة لمعايير الصيحة آنذاك، كما كانت تتعلم كيف تعزف على بعض الآلات الموسيقية المختلفة، وعمل هذا التمايز بين جانبيها الذكوري والأنثوي وألقى بسحره على الجماهير بشكل جيد، وأثبتت (آني جونز) أنها كانت واحدة من أكثر نجوم العروض المقدمة من طرف (بارنوم) التي خلدها التاريخ والذاكرة.

المرأة خلف ”المسخ“:

السيدة (جونز)
السيدة (جونز)

إلى يومنا هذا مازال السبب وراء حالة (آني جونز) غير الطبيعية مجهولا، على الرغم من أنه يُعزى بشكل كبير إلى فرط نمو الشعر التي هي حالة تتسبب في ”نمو شعر خشن لدى الإناث يتوزع على أجسامهن مثلما يتوزع لدى الذكور“، ويُقدر أن هذه الحالة بالذات تصيب حوالي خمسة إلى عشرة بالمائة من النساء حول العالم.

وعلى الرغم من أن (جونز) تعتبر أشهر سيدة ملتحية في العالم في تلك الحقبة -بفضل مشاركتها في عروض مؤسسة (بارنوم) وبرنامجه الشهير بعنوان «أعظم عرض في الأرض»- لكنها لم تكن المرأة الوحيدة في ذلك، فقد كانت (جوليا باسترانا)، التي ولدت في سنة 1834، امرأة مكسيكية كان جسمها كله تقريبا مغطى بالشعر الكثيف الخشن مما جعل الناس يطلقون عليها اسم ”المرأة القرد“، وقد كانت (باسترانا) إحدى مشاهير العصر الفيكتوري الأقل شهرة التي شاركت في العروض في مختلف البلدان الأوروبية، وليس فقط خلال حياتها بل حتى بعد موتها لأن زوجها استغل جثتها وحفظها بشكل جيد وجعل العروض تقام لها في العديد من العواصم الأوروبية لكسب المال. بإمكانك عزيزي القارئ مطالعة مقال (جوليا باسترانا) والاطلاع على قصتها كاملة على موقعنا.

تماما مثل (باسترانا)، لم تعش (آني جونز) حياة طويلة، بل عاشت حياة قصيرة لم تسنح لها الفرصة فيها في أن تزدهر خارج خيم السيرك. تزوجت (جونز) سنة 1880 من رجل يعرف باسم (ريتشارد إليوت) الذي كان يعمل ”صيّاح“ عروض يقدم نوعا من الإشهارات خارج أبواب السيرك لجلب المارة وحثهم على الدخول، وبسبب كونها لم تتجاوز سن الخامسة عشر آنذاك، فقد قام (إيليوت) بالتعتيم على سنّها على الرغم من عدم موفقة والديها على الزواج أساساً.

قصة (آني جونز)، تلك المرأة الملتحية
السيدة (جونز)

دام زواجها هذا خمسة عشر سنة إلى أن تطلق الزوجان في سنة 1895، وبعد مدة وجيزة تزوجت (جونز) مرة ثانية من رجل يدعى (ويليام دونوفان)، وقرر الثنائي بعدها السفر في جولات عروض تجمعها كشريكين لمدة من الزمن أقاما خلالها العروض حول أوروبا قبل أن يفارق زوجها الحياة بطريقة غير متوقعة بعد أربعة سنوات فقط من زواجهما، وبدلا من الاستمرار لمفردها قررت (جونز) العودة إلى المنزل الوحيد الذي عرفته في حياتها، وعادت للانضمام إلى برنامج (بارنوم) بعنوان «أعظم عرض على الأرض».

على الرغم من أن (جونز) كانت تدين بكل شهرتها والثروة التي حققتها للقب ”المسخ“ الذي اشتهرت به في سيرك (بارنوم)، فإنها في هذه المرحلة من حياتها المهنية بدأت بالاحتجاج ضد استعمال هذه الكلمة بالذات لوصف أيٍّ من مؤدي العروض، لكنها فارقت الحياة بعد مدة وجيزة من ذلك عن عمر ناهز 37 سنة أثناء زيارة لأمها أصابها فيها مرض السل، وهي بذلك لم تعش طويلا لتعرف حياة أخرى غير حياة ”المسخ“.

مقالات إعلانية