in

النبي آدم وخرافة الستين ذراعاً — ما يقارب الـ28 مترًا

ضخامة آدم مقارنة بالأباتوصور (نوع من أنواع الصوروبودات) والفيل والإنسان الطبيعي (الأبعاد بالمتر)

يعتبر آدم أحد أشهر الأعلام على هذه الأرض، فأسطورته تكوّن المحور الرئيسي لعقيدة الخلق الإبراهيمية، فهو حسب الأسطورة أول البشر وسلف الجميع، وهو كذلك أول من ارتكب المعصية وأدى بهذا لإخراجه وزوجه من جنة عدن إلى أرض مليئة بالمشقة والعذاب والموت له ولسلالته أجمعين إلى يوم الحساب.

وبصفته ديانة مستوحاة من العقيدة اليهودو-مسيحية، قام الإسلام باقتباس أسطورة آدم بشكل شبه مطابق، إلا أنه أضاف إليها وعدلها بعض الشيء. من هذه الإضافات، الوصف المفصل لهيئة آدم، ومن هذا الوصف يتفق رجال الدين المسلمين على أنه كان بطول ستين ذراعًا (أي ما يقارب ثمانية وعشرين مترًا)، وهذا الوصف يرد في الصحيحين، وهو وصف فريد للإسلام دون باقي الأديان التي تعتمد صورة أو أخرى من أسطورة آدم وبدء الخلق.

وهنا يتوجب وضع مثل هذا الرقم في منظاره الصحيح. إن أكبر الكائنات البرية التي وطأت الأرض هي الديناصورات الوركية (الصوروبودات) وهي نوع من الديناصورات العملاقة آكلة الأعشاب. وزنت أعظم هذه العمالقة حوالي مائة طنٍ في أوجها، وتراوح طولها بين عشرين وخمسة وثلاثين مترًا، بينما وصل ارتفاعها الشاهق لأكثر من أربعة عشر مترًا. إلا أن عمالقة الأرض هذه تبدو كالأقزام مقارنة بوصف آدم في الإسلام، حيث يقف آدم بارتفاع يساوي ضعفي ارتفاع أعظم الكائنات البرية على الإطلاق، جاعلة إياه ثاني أكبر كائن حي على الأرض بحرًا ويابسة، بعد الحوت الأزرق.

ضخامة آدم مقارنة بالأباتوصور (نوع من أنواع الصوروبودات) والفيل والإنسان الطبيعي (الأبعاد بالمتر)
ضخامة آدم مقارنة بالأباتوصور (نوع من أنواع الصوروبودات) والفيل والإنسان الطبيعي (الأبعاد بالمتر)

في هذا المقال، سأستعرض بشكل ملخص أهم المعطيات الأحفورية والفيسيولوجية والرياضية التي تحول دون إمكانية وجود هكذا كائن بأية صورة من الصور.

سجل الأحافير وتاريخ طول البشر

بدأ ظهور الإنسان على الأرض قبل حوالي مليوني سنة، وكان أقدم أنواع الإنسان يدعى الإنسان الماهر (Homo Habilis)، وقد أشعل هذا بداية جنس الإنسان (Homo). لو فرضنا أن آدم كان ”أول إنسان“ (مع التحفظ على هذا المصطلح لأنه ليس علميّاً)، فمن المحتمل أنه انتمى لنوع الإنسان الماهر، وهذا يضع معدل طوله بحسب السجل الأحفوري عند حوالي ١٣٥ سم، أي أنه أقصر بكثير من الادعاء القائل بأن طوله كان ٢٨ مترا؛ بل وأقصر من معدل طول الإنسان الحديث.

الإنسان الماهر (Homo Habilis)
الإنسان الماهر (Homo Habilis)

أما لو افترضنا أن آدم كان أول بشري، أو ما يسمى الإنسان العاقل (Homo Sapiens)، فإن أقدم أحفورة وجدت للإنسان العاقل (أي نحن) كشف عنها في جبل إيغود في المغرب، والتي يقدر عمرها بما لا يقل عن ثلاثمائة ألف سنة، والتي تتكون من قطع عظمية من الوجه والرأس لخمسة أفراد.

والجدير بالذكر أن أبعاد جميع هذه الأحافير وقعت ضمن المدى المتوقع، وهو معدل الحجم الطبيعي للإنسان الحديث، والأمر كذلك في جميع الحالات من أقدم الأحافير لأحدثها، ومع أن متوسط الطول البشري أخذ في التناقص خلال الأربعين ألف سنة الماضية، إلا أن أطول معدل وصل له البشر في تاريخهم لم يزد عن ١٨٣ سم، أقصر بمراحل من الادعاء الإسلامي.

أحفورة جبل إيغود
أحفورة جبل إيغود تبين أن أوائل البشر لم يكونوا عمالقة بأي شكل من الأشكال (صورة بعدسة جان جاك هبلين – مؤسسة ماكس بلانك في ليبزيغ)

إن الأدلة الوفيرة من السجل الأحفوري كافية للإطاحة بادعاء طول آدم الشاهق، لكن في روح إعطاء الصورة الكاملة وعدم ترك أي مجال للشك، دعنا نفترض أن الإله الإسلامي ”لحكمة لا يعلمها إلا هو“ قام بمحو أي أثر لأجدادنا العمالقة عن سطح الأرض، سواء عظامهم، أو معداتهم، أو بيوتهم، أو كهوفهم وحتى رسوماتهم. سأقوم بما يلي بفحص الطبيعة الفيسيولوجية والتشريحية لإنسان بهذا الطول الشاهق لنرى إن كان هذا الكائن قادرًا على البقاء على قيد الحياة.

قانون المربع والمكعب

يشرح هذا المبدأ الرياضي العلاقة بين حجم جسم ما ومساحة سطحه حين يتغير مقاسه، وينص هذا المبدأ على أنه في حال ازدياد مقاس جسم ما، فإن حجمه سيزيد بمقدار أعلى من مساحته. يمكن تمثيل هذا رياضيًا كالآتي.

لو افترضنا جسمًا بطول ”ل١“ ارتفع ليصبح ”ل٢“، فإن مساحته ”م“ وحجمه ”ح“ سيتغيران كالآتي:

وعلى هذا الأساس، فإن مكعبًا بطول متر واحد سيكون له مساحة سطح تعادل ٦ م٢ وحجم ١ م٣، لكن لو ضاعفنا الطول ليصبح مترين، فستتضاعف مساحة السطح أربعة أضعاف لتصبح ٢٤ م٢ وبمقابله يتضاعف الحجم ثمانية أضعاف ليصبح ٨ م٣.

رسم توضيحي يبين فرق التضاعف في المساحة والحجم لنفس وحدة تضاعف البعد
رسم توضيحي يبين فرق التضاعف في المساحة والحجم لنفس وحدة تضاعف البعد

وبناءً على هذا المبدأ الرياضي، فإن أي ازدياد معتبر في حجم كائن حي سيسفر عنه ضعفًا واضحًا في قوة عضلاته، وذلك لأن مساحة مقطع العضلات (والتي تحدد قوتها) تتضاعف بشكل مربع، بينما تتضاعف كتلته (والتي تعتمد على الحجم) بشكل مكعب، وعليه فإن العضلات (وكذلك العظام) لن تقوى على حمل الثقل الهائل المصاحب لضخامة بحجم آدم.

فتضاعف الطول بمقدار ستة عشر ضعفًا (من معدل ١٧٥ سم إلى ٢٨ م) يصاحبه تضاعف في الوزن بمقدار ٤٠٩٦ ضعف (من ٧٠ كغم لأكثر من ٢٨٥ طنًا!)، بينما عظامه المسكينة تتضاعف بمقدار ٢٥٦ ضعف فقط، أي أن على كل عظمة في بدن آدم أن تحمل ستة عشر ضعف الوزن الذي بنيت لتحمله، بينما أن عشرة أضعاف الحمل كفيلة بتهشيم عظم الفخذ.

باختصار، فإن كل خطوة يخطو بها آدم ستحطم كل عظمة في ساقيه، وهذا التأثير واضح لدى عمالقة عالم الواقع، حيث احتاج العملاق الشهير روبرت وادلو (والذي كان بطول ٢,٧ متر – أي أقل من عشر طول آدم المزعوم) لعصاة مشي ومقاويم مثبتة حول رجليه ليتمكن من المشي.

روبرت وادلو مقارنة بفتاتين بطول طبيعي
روبرت وادلو مقارنة بفتاتين بطول طبيعي

الحركة والتنقل

حتى لو تمكن آدم العملاق بطريقة ما من تجنب خطر الانهيار تحت كاهل وزنه الهائل (عظام فولاذية؟) فإن الوزن بالكاد يكون آخر مصائب صديقنا الجبار.

كبداية، فإن أول مشكلة يواجهها عملاقنا هو أنه لن يجد أرضًا يمشي عليها دون أن تنهار من تحته. كيف؟ مرة أخرى تبعًا لقانون المربع والمكعب، فإن وزنه الهائل هذا سيتركز على قدمين صغيرتين (نسبيًا)، وكما نعلم، فإن مساحة سطح خف القدمين لن تتضاعف بنفس قدر الكتلة، وبالتالي فإن مقدار الضغط (الضغط = الوزن/المساحة) سيتضاعف بشكل أسّي.

فبينما ضغط القدم الواحدة لرجل يزن سبعين كيلوغرامًا بمساحة سطح قدم تعادل ٠,٠٣ م٢ سيساوي حوالي ٢٣,٣٠٠ باسكال [على اعتبار أنه سيتكل بوزنه كله على قدم واحدة أثناء الخطي]، فإن آدم بوزنه البالغ حوالي ٢٨٥ طنًا سيمتلك قدمًا بمساحة ٧,٦٨ م٢ لا أكثر. وعليه فإن الضغط الذي ستحدثه كل خطوة يخطوها آدم سيفوق ٣٧٠ ألف باسكال! بمعنىً آخر، سيغرق آدم في معظم التربات والرمال الطبيعية حول الأرض، ولن تحمل وزنه سوى الصخور.

وحتى لو تمكن آدم بطريقة ما من المشي دون الوقوع في تربة متحركة مع كل خطوة يخطوها (كالاكتفاء بالعيش على سفوح البراكين المغطاة بالبازلت مثلًا)، فسيستمر المسكين بمواجهة عقبة تلو الأخرى أثناء المشي. لعل أهمها بعد ما ذكر هو أنه سيجر قدميه ببطء لا يطاق.

كبداية، فإن تأثير الجاذبية على أعضاء جسم آدم ستجعله يتحرك ببطء نسبي شديد. يمكن إثبات هذا رياضيًا من خلال استخدام عدد فراود الذي يدرس نسبة سرعة جسم ما للحقل المحيط به (الجاذبية في هذه الحالة) ويستخدم في التحويل بين النماذج ذات الأحجام المختلفة دون تغيير خواص هذه النماذج، ويعبر عنه رياضيًا كالآتي:

حيث ”ف“ هو عدد فراود، و”ع“ هي سرعة السير، و”ل“ هو متوسط الطول، و”ج“ هو ثابت تسارع الجاذبية الأرضية.

بإمكاننا حساب عدد فراود الخاص بحركة إنسان طبيعي، والذي يسير بسرعة ”عط“ متوسطها ١٫٤ م/س، وطول ”لط“ مساوٍ لـ١,٧٥ متر كالآتي:

بتثبيت عدد فراود وتعويض القيم الأخرى للتي تمثل فيسيولوجية آدم (لآ = ٢٨ م)، بإمكاننا حساب سرعة سيره ”عآ“ كالآتي:

وعليه فإن عآ = ٥٫٦٠ م/ث. فبينما تضاعف طول آدم (ومعه بُعد خطواته) ستة عشر ضعفًا، تضاعفت سرعة مسيره بقيمة أربعة أضعاف فقط، أي أن حركة آدم أبطأ نسبيًا من الإنسان الطبيعي بمقدار أربعة مرات، جاعلة إياه من أبلد المخلوقات على الأرض.

العمليات الذهنية والحيوية

ولا تقتصر هذه البلادة على حركته، بل تمتد لتشمل سرعة تفكيره وردة فعله.

فبينما تضاعف طول آدم ست عشرة مرة، إلا أن سرعة انتقال الإشارات الكهربائية عبر الجهاز العصبي تبقى ثابتة، وهي بمقدار ١٢٠ م/ث. هذا يجعل ردة فعل آدم أبطأ من الإنسان الطبيعي بستة عشر مرة، فبينما يستجيب الإنسان الصحي لمحفز خارجي بسرعة ربع من الثانية، سيستلزم آدم أربع ثوانٍ كاملة ليستجيب (خذ دقيقة لتستوعب شدة بطء ردة الفعل هذه)، وهذا طبعًا ينعكس بذات التأثير على عملياته الذهنية، جاعلة إياه أقل فطنةً وذكاءً بست عشرة مرة من الإنسان الطبيعي.

لا يسعني إلا أن أتخيل بإعجاب مقدار الوقت الذي استلزم آدم ليتعلم الأسماء كلها وهو بهذه البلادة الذهنية.

وأخيرًا، سيعاني آدم ومن معه من مشكلة أخرى، ألا وهي أن عمليات البناء والهدم لدى كائن بهذه الضخامة تتضاعف بدورها. فبحسب قانون كلايبر، يتناسب معدل عمليات التمثيل الغذائي بشكل طردي مع ازدياد الحجم بمقدار ثلاثة أرباع الأسّ.

أي أن آدم سيستلزم حوالي ٥١٢ ضعفًا من الطعام اللازم لإنسان بالحجم الطبيعي، أي ما يقارب ١,٣ طنًا من الطعام كل يوم. هذا يعني أن آدم يستغرق معظم ساعات يومه في البحث عن الطعام وأكله. وبناءً عليه، فإن هذا الضغط الهائل على الموارد والطاقة يقلل من معدل خصوبته هو وزوجه بشكل يجعل منهما من أقل الكائنات الحية خصوبة على الأرض، ويجعل مدة الحمل تمتد لعدة سنوات، وهذا ما نراه اليوم في الكائنات العملاقة الواقعية كالفيلة والحيتان. فكيف لكائن بهذا الحجم، وبهذا الخمول الجنسي، أن يتكلف بتأهيل الأرض بذريته؟

في الختام، جميع هذه الأدلة والبراهين تثبت استحالة وجود كائن بشري (أو حتى غير بشري) بهذا الحجم الهائل في أي زمن من الأزمان، وعليه فإن من واجب المسلم العاقل أن يسأل ذاته عن صحة ما ورثه من التراث الديني والنص الإسلامي، فإما أن يرجح العقل ويعدل الرواية الدينية، أو أن يفضل النقل ويعطل دماغه في سبيل الأوهام العقائدية.

مقالات إعلانية