in

دخلك بتعرف قصة (هيو غلاس) الذي نجا بأعجوبة من هجوم أنثى دب هائجة في البرية

هيو غلاس

لعل أكثر المشاهد التي علقت في أذهاننا من فيلم (العائد) The Revenant كان المشهد الذي يصارع فيه (هيو غلاس) -الذي لعب دوره (ليوناردو دي كابريو) ونال بفضله جائزة الأوسكار- دباً برياً رمادياً هائجاً، فيمكننا القول بأن هذا المشهد هو واحد من أفضل المشاهد التي تصور هجوم دب على إنسان بطريقة واقعية لا تشوبها شائبة حتى الآن.

ولو لم يكن هذا المشهد مبنياً على حادثة حقيقة لصدّع النقاد رؤوسنا بعدم إمكانية نجاة شخص من مثل هكذا هجوم، ثم الزحف الذي تلاه لمئات الأميال عبر الغابة ليصل في النهاية إلى بر الأمان.

كان (هيو غلاس) واحدًا من أعتى رجال الجبال في أوائل القرن التاسع عشر في غرب أميركا، وكان أحد صائدي الفراء الذين يطاردون القنادس من أجل الحصول على فرائها وبيعه لصانعي القبعات في أميركا وأوروبا.

كانت تجارة (غلاس) تجارةً مربحةً للغاية ولكنها خطيرة جداً، حيث كان ينبغي على الرجال الذين يمتهنونها أن يعيشوا حياتهم في الجبال بغرض مطاردة واصطياد الحيوانات ذات الفراء في ذلك الزمن.

كان متسلقو الجبال رجالاً أشداء جسورين متمردين، تعلموا كيفية البقاء على قيد الحياة في البرية مع إمكانيات محدودة (بندقية وبعض الأدوات)، وكانت أعمارهم تتراوح بين الـ30 والـ40 عاماً، ولكن قصة نجاة (هيو غلاس) وصموده أمام الصعاب كانت مدهشةً ومميزةً لدرجة أنه أصبح أسطورةً بين متسلقي الجبال أنفسهم.

رسم لشكل (هيو غلاس) الحقيقي على اليمين، و(ليوناردو دي كابريو) في شخصية (هيو غلاس) على اليسار.
رسم لشكل (هيو غلاس) الحقيقي على اليمين، و(ليوناردو دي كابريو) في شخصية (هيو غلاس) على اليسار.

في عام 1832، كان (هيو غلاس) جزءاً من حملة تجارة الفرو التي كان يقودها الجنرال (ويليام هنري أشلي) عبر نهر (ميسوري).

في مكان ما على طول ضفاف النهر في ولاية (داكوتا الجنوبية) هاجم محاربو (الأريكارا) -إحدى قبائل الهنود الحمر- الحملة، مما أجبر الرجال على الانقسام إلى مجموعتين منفصلتين، وقررت المجموعة التي تضم (غلاس) السفر براً نحو نهر (يلوستون).

كان (غلاس) يستكشف المنطقة -قرب تشعب النهر الكبير، أي بقرب بلدة (ليمون) في وقتنا الحالي- لمجموعته متقدماً عنهم بمفرده، عندما فاجأ وجوده أنثى دب وصغيريها، وقبل أن يتمكن (غلاس) من إطلاق النار من بندقيته قفزت أنثى الدب فوقه ونهشته، سارع أصدقاؤه في المجموعة لإطلاق الرصاص على أنثى الدب عندما سمعوا عويله، ولكن تبعاً لبعض الروايات فإن (غلاس) تمكن من قتلها لوحده باستخدام سكين فقط.

جُرح ظهر (هيو غلاس) وفروة رأسه، وخُرقت حنجرته، وكُسرت ساقه جراء هجوم الدبّة الثقيل وأنيابها الحادة، اعتقد جميع أصدقائه أنه لن يعيش ليرى صباح اليوم التالي، ولكن عندما أتى هذا اليوم سحب الرجال كلامهم وبنوا نقالة حملوه عليها ومشوا به على مدى يومين بغية الوصول لنهر (يلوستون).

تعرض (هيو غلاس) للهجوم من قبل أنثى الدب الرمادية الهائجة.
صورة من صحيفة قديمة يعود تاريخها لـ3 حزيران عام 1832 تُظهر تعرض (هيو غلاس) للهجوم من قبل أنثى الدب الرمادية الهائجة.

كانت المجموعة على عجلة من أمرها بغرض الوصول لـ(يلوستون)، والأمر الذي كان يخيف أفرادها هو تجوّل عصابات معادية من الهنود، أما الأمر الذي أثقل كاهلهم كان حملهم لـ(غلاس) لأنه كان يُبطء من حركتهم ويدفعهم لأخذ فترات اسراحة، لذلك قرر قادة المجموعة إبقاء رجلين مع (غلاس) حتى يحين موعد وفاته ومن ثم إقامة مراسم دفن مسيحية مناسبة له ولشجاعته.

تطوع الحطّاب (جون فيتزجيرالد) والشاب الصغير (جيم بريدجر) -الذي كانت هذه الرحلة هي أول رحلة صيد يقوم بها في حياته- للقيام بهذه المهمة والبقاء مع (غلاس) حتى يموت.

تكفّل الرجلان برعاية (غلاس) على مدى ثلاثة أيام، خلالها كانت حركات (غلاس) المرئية هي فقط حركة عينيه وحركاته التنفسية، ومع مرور كل يوم كان أصدقاؤهم في المجموعة يبتعدون عنهم أكثر فأكثر، وأخيراً أقنع (فيتزجيرالد) رفيقه (بريدجر) بالتخلي عن (غلاس) بحجة أن حياتهما في خطر في ظل انتشار الهنود في المنطقة، وقاما بوضعه في قبر سطحي طيني وأخذا بندقيته وسكينه وبقية الأغراض الخاصة به، وانطلقا محاولين اللحاق بركب المجموعة، وفعلاً تمكنا من ذلك لاحقاً وكذبا بأن صرحا بأن المنية قد وافت (غلاس)، ولهذا أخذا أسلحته وأدواته لأن (الرجل الميت لا يحتاج لأسلحة) على حد تعبيرهما.

استعاد (غلاس) قوته على الرغم من إصابته بجروح خطيرة، وبدأ بالزحف والمشي باتجاه أقرب مستوطنة أمريكية في (فورت كيوا) Fort Kiowa، أو حصن (كيوا)، على نهر (ميسوري).

باستطاعة هذا المكان أن يؤمن له الحماية من هجوم الهنود المنتشرين في جميع الأرجاء، مدفوعاً فقط بإرادة البقاء على قيد الحياة، ومشتعلاً برغبة الانتقام من الرجلين الذين تخليا عنه وتركاه ليلقى حتفه.

اقتات (غلاس) على التوت البري وجذور النباتات والحشرات والثعابين وأي شيء وقعت عليه عيناه، وفي إحدى المناسبات تمكن من إبعاد ذئبين عن عجل أمريكي، واقتات على لحمه النيء، إلى أن ساعده بعض السكان الأمريكيين الأصليين الودودين وقاموا بخياطة جراحه وتغطيتها بجلد دب ميت، كما زودوه أيضاً بالطعام والأسلحة.

لوحة بعنوان (على حين غرّة)، للفنان (ديفيد رايت).
لوحة بعنوان (على حين غرّة)، للفنان (ديفيد رايت) David Wright.

بعد ستة أسابيع من المعاناة، تمكن (غلاس) من الوصول إلى حصن (كيوا) حيث بقي يتعافى من جراحه لعدة أسابيع، وحينما شفي بشكل كامل شد الرحال مرة ثانية واضعاً نصب عينيه العثور على غريميه: (فيتزجيرالد) و(بردجير)، والتقى بهما في نهاية المطاف، ولكن لم تجر معركة دموية بين (غلاس) والرجلين كما يُظهر الفيلم، بل عفا (غلاس) عنهما وسامحهما مُظهراً أخلاقاً كريمةً ليس لها مثيل.

هناك مقولات أخرى تفيد بأن (غلاس) عفا عن (بريدجر) لصغر سنّه، ولكنه لم يعف عن (فيتزجيرالد) كما لم يقم بقتله بسبب انضمامه إلى قوات الجيش، فقتلُ (فيتزجيرالد) يعني قتل جندي في الجيش، وهذا أمر لن يُسامح عليه أبداً وسيؤدي لموته.

عاد (غلاس) لمزاولة مهنته القديمة في الصيد وتجارة الفراء، لكنه مات ميتةً عنيفةً على يد قبائل (الأريكارا) في نهر (يلوستون) بعد عشر سنوات من هذه الحادثة عن عمر ناهز الخمسين عاما.

سُردت قصة نجاة (غلاس) الخارقة للعادة في عدد كبير من الكتب والروايات والمسلسلات والأفلام الدرامية خلال السنين المنصرمة، ونمت أسطورته مع كل نسخة جديدة وبدأت تختلف الأقوال وتُحرف الحقائق لغرض إضافة الحماس والإثارة، ففي إحدى القصص يقال بأن (غلاس) سمح للديدان أن تلتهم لحم جرحه الميت وذلك لمنع إصابته بـ(الغنغرينا).

قصة أخرى تفيد بأن أحد الدببة الرمادية قام بلعق جراح (غلاس) المليئة ببيوض الحشرات مما حماه من الإصابة بالعدوى ومنع عنه الموت، حتى أن مسافة رحلته التي قطعها وصولاً لحصن (كيوا) تختلف بين رواية وأخرى: فهناك روايات تقول أن المسافة هي 128 كيلومترا، وهناك روايات أخرى تقول بأنها كانت 140 كيلومترا، وحتى أنها تصل في بعض الروايات إلى 320 كم.

يوجد الآن نصبان تذكاريان لـ(هيو غلاس)، وُضع الأول -وهو عبارة عن لوحة لماعة- في مكان تعرّضه للهجوم والإصابة على الضفة الجنوبية مما يسمى في أيامنا الحالية بـ(حوض شادهيل) Shadehill Reservoir في بلدة (بيركنز) في ولاية (داكوتا) الجنوبية على مفترق مسار النهر الكبير، والنصب الثاني هو عبارة عن تمثال معدني منحوت بطريقة تحاكي صورة أنثى الدب الرمادي وهي تهاجم (غلاس) في بلدة (ليمون) الصغيرة في ولاية (داكوتا) الجنوبية، حيث تم الكشف عن النصب التذكاري الثاني في آب عام 2015 ترقباً لإطلاق فيلم (العائد) The Revenant في صالات السينما العالمية.

نصب تذكاري لـ(هيو غلاس)
نصب تذكاري لـ(هيو غلاس) – صورة: موقع travelsouthdakota
نصب تذكاري لـ(هيو غلاس)
نصب تذكاري لـ(هيو غلاس)
نصب تذكاري لـ(هيو غلاس)
نصب تذكاري لـ(هيو غلاس)
نصب تذكاري لـ(هيو غلاس)
نصب تذكاري لـ(هيو غلاس) وهو عبارة عن تمثال معدني منحوت بطريقة تحاكي صورة أنثى الدب الرمادي وهي تهاجم (غلاس) – صورة: John Lopez’s Hybrid Metal Art
نصب تذكاري لـ(هيو غلاس)
نصب تذكاري لـ(هيو غلاس) – صورة: John Lopez’s Hybrid Metal Art
نصب تذكاري لـ(هيو غلاس)
نصب تذكاري لـ(هيو غلاس) – صورة: John Lopez’s Hybrid Metal Art

مقالات إعلانية