in

لماذا اعتاد الناس هنا على البصق على هذه الأحجار بشكل قلب؟

البصق على قلب ميدلوثيان في شوارع أدنبره

يعتبر البصق في الشوارع بشكل عام سلوكاً غير متحضر، لكنه في شارع (رويال مايل) في أدنبره في اسكتلندا يعتبر شعيرة يداوم عليها الناس هناك.

يعتبر موضوع استياء الناس في أدنبره في الشارع الآنف ذكره والذي يجعلهم يبصقون عليه كلما مروا به فسيفساء حجرية بشكل قلب بين أحجار الرصيف، وهي مجموعة الأحجار التي اشتهرت باسم «قلب ميدلوثيان»، وهي تمثل الموقع الذي كان في يوم من الأيام ينتصب فيه مدخل سجن (أولد طولبوث) سيئ السمعة، وقد كان ذلك المكان الذي كان فيه سكان أدنبره يتجمعون ليشهدوا عمليات الإعدام العلنية، وكانوا آنذاك يبصقون على باب السجن ازدراءً تجاه المسجونين داخله.

شُيّد سجن (ذا أولد طولبوث) في زمن ما في القرن الرابع عشر، من أجل احتواء مجلس (بورغ) والمحكمة ومبنى السجن، كما كان المكان الذي كان فيه سكان أدنبره يدفعون ضرائبهم، ومنه جاء اسمه (طولبوث) الذي يعني ”الكشك الذي يدفع فيه الناس ضرائبهم أو رسومهم“.

سجن (أولد طولبوث) سيئ السمعة.
سجن (أولد طولبوث) سيئ السمعة.

استُخدم سجن (ذا أولد طولبوث) بشكل أساسي من أجل احتواء المحكوم عليهم بالإعدام، الذين كان من المقرر إعدامهم في أقرب الآجال شنقاً، وساءت سمعة السجن بشكل أكبر بسبب تردي الأوضاع المعيشية داخله بشكل فادح، كما اشتهر لكونه يتم بين جدرانه تعذيب المساجين بشتى الطرق، وإلى جانب عمليات التعذيب المعتادة في القرون الوسطى، كانت أعضاء مساجينه الذين تم إعدامهم، في الغالب رؤوسهم، وجثثهم تعلق على جدرانه.

في سنة 1581، أُعدم إيرل (مورتون) وهو (جايمس دوغلاس) بتهمة اغتيال لورد (دارنلي) وزوج الملكة الإسكتلندية، ووضع رأسه على رمح في أعلى حجر في المبنى، وبقي هناك معلقاً لمدة ثمانية عشر شهراً، كما تم تعليق رأس المحكوم عليه بالإعدام (جايمس غراهام)، وهو أول ماركيز لـ(مونتروز)، والذي شارك في الحرب الأهلية الإسكتلندية وعرض لمدة خمسة سنوات كاملة.

”قلب ميدلوثيان“.
”قلب ميدلوثيان“.

يأتي أكثر وصف مفصّل عن الظروف المتردية داخل سجن (أولد طولبوث) بريشة المؤرخ (هيوغو أرنوت) في القرن الثامن عشر، والذي كتب فيه على أنه لا يحتوي على أية مراوح أو فتحات تهوية، ولا يحتوي على أنابيب مدّ للمياه، أو أية مراحيض، فقال:

”يُلقى بالقذارة التي تتجمع في السجن في حفرة داخل المبنى عند نهاية السلالم، والتي زُعم أنها تؤدي إلى حفرة مرحاضية، لكن حتى لو كان ذلك حقيقياً، فإنه لمن الصادم معرفة أنها لا تؤدي أية خدمة عدا ملء فضاء السجن برائحة لا تطاق“، واستطرد في وصفه قائلاً:

”عندما زرنا السجن؛ كان مسجونا بين أسواره حوالي 29 سجيناً، وكان بضعهم مديونين، وبعضهم الآخر ارتكب جنحاً، وكانت خمسة أو أربعة منهم نساءً، وكان هناك خمسة صبية. كان لبعض هؤلاء ما عرف باسم حرية السجن، وهو أنهم لم يكونوا يسجنون في زنزانة واحدة، بل كانوا يتمتعون بحرية التجول بين أرجاء السجن، وكانوا يحافظون على نوع من النظافة داخل غرفهم التي كانت تتضمن أسرّة مخصصة لهم، وفي إحدى الغرف التي تعود لهم لاحظنا وجود قدر على النار. لكننا كلما وجدنا سجناء ملزمين بالاحتجاز داخل زنزانة واحدة، سواء كان ذلك بسبب جنح ارتكبوها أو أنهم لم يكن بمقدورهم الدفع مقابل حريتهم الضئيلة، كانت زنزاناتهم لا تحتوي أياً من المرافق الضرورية، وكانت قذرة للغاية“.

كان السجن في حالة يرثى لها لدرجة أنه عندما زارته الملكة (ماري)، ملكة إسكتلندا في سنة 1561، أمرت بأن يتم تدمير المبنى كله. وبناء على ذلك بنى مجلس المدينة مبنى آخر ليلتقي فيه أعضاء مجلس (بورغ)، كما استخدموا مبنى آخر من أجل اجتماعات البرلمان والمحكمة، وظل (ذا أولد طولبوث) منتصباً لمدة مائتي عام أخرى قبل أن يدمر أخيراً في سنة 1817.

لكن سكان أدنبره لم يكونوا مستعدين بعد للتخلي عن إرثه، فبعد عام على هدمه، ألّف الروائي الإسكتلندي السير (والتر سكوت) كتاباً بعنوان «قلب ميدلوثيان»، وهي رواية حول سجن (أولد طولبوث)، الذي أصبح يعرف بعدها باسم «قلب ميدلوثيان»، ويعتبر هذا الكتاب من أفضل أعمال (سكوت) الأدبية على الإطلاق.

أشخاص يبصقون على قلب ميدلوثيان في أدنبره
أشخاص يبصقون على قلب ميدلوثيان في أدنبره

بعد فترة وجيزة، تم وضع فسيفساء القلب الحجري في الموقع الذي كان فيه في يوم من الأيام مدخل السجن سيئ السمعة، ومنذ ذلك الحين أصبح من عادة سكان المدينة البصق عليه كلما مروا به من أجل نيل الحظ السعيد.

مقالات إعلانية