in

دخلك بتعرف أول فرعون يحصل على بطاقة هوية مصرية

تمثال رمسيس الثاني

يتعلق الأمر هنا بالفرعون والملك المصري رمسيس الثاني، الفرعون الأكثر قوة والأوسع شهرة في عهد الإمبراطورية المصرية، وهو الفرعون الثالث من حكام الأسرة التاسعة عشر، وقد لقّبه خلفاؤه بالجدّ الأعظم. تعدّ فترة حكمه ثاني أطول عهدة في التاريخ المصري، إذ دامت من 1279 إلى 1213 قبل الميلاد، ما قارب الـ67 عاماً. لم تكن أصول عائلة رمسيس الثاني مَلكيّة، فقد استلم جده رمسيس الأول الحكم بعد أن كان نائباً على الجيش في فترة حكم الملك حورمحب.

اشتهر رمسيس الثاني ببنائه المدن والمعابد والمعالم الأثريّة، فقد قام بتأسيس مدينة (بي رمسيس) في دلتا النيل لكون منزل عائلته في تلك المنطقة، وكذلك بسبب موقعها المناسب من أجل حملاته العسكرية على آسيا، وعُرف عن المدينة جمالها الأخاذ، واشتهرت بحدائقها الخلابة ومياهها البديعة.

مدخل المعبد الكبير: تبرز في هذه الصورة التماثيل الأربعة الضخمة ويُلاحظ تماثيل أصغر حجماً تمثّل أفراداً من عائلة رمسيس الثاني
مدخل المعبد الكبير: تبرز في هذه الصورة التماثيل الأربعة الضخمة ويُلاحظ تماثيل أصغر حجماً تمثّل أفراداً من عائلة رمسيس الثاني.

بالإضافة إلى بناء مدينته الخاصة، فقد أنشأ رمسيس ما يعرف بـ”أبو سمبل“، وهو عبارة عن معبد مزدوج، القسم الأكبر منه يحوي ستة حجرات وتحرسه أربعة تماثيل ضخمة للفرعون.

معبد حتحور ونفرتاري، أصغر المعبدين في أبو سمبل، بناه رمسيس الثاني
معبد حتحور ونفرتاري، أصغر المعبدين في أبو سمبل، بناه رمسيس الثاني

والقسم الآخر من المعبد كان مكرساً لعبادة آلهة الحب ”حتحور“، وأهداه لزوجته المفضلة نفرتاري (وهنا نقول مفضلة حيث كان لرمسيس الثاني العديد من الزوجات، ثلاثة منهن كنّ من بين بناته)

أبو سمبل، على اليسار، وعلى اليمين معبد نفرتاري
أبو سمبل، على اليسار، وعلى اليمين معبد نفرتاري

إنّ شهرة رمسيس الثاني لم تأت فقط بسبب اهتمامه بأعمال البناء، بل أتت أيضاً من قوته العسكريّة، والتي يحيط بها في حقيقة الأمر بعض الجدل، فقد قاد رمسيس في سنوات حكمه الأولى حملة ضدّ الحثيين لاسترداد بعضٍ من الأراضي التي خسرها الفراعنة أمامهم سابقاً، لكنه وقع في فخٍ نصبه له أعداؤه، مما جعل جيشه يلوذ بالفرار تاركاً إياه برفقه حرسه الشخصي وحسب، لكنه نجا في نهاية الأمر وبأعجوبة، فقد وصلت الإمدادات في الوقت المناسب. عاد رمسيس بعدها إلى مصر وأشاع أنه انتصر على الحثيين وهزمهم بمفرده بعد أن خذله جيشه، فمجده شعبه واحتفوا به.

استمرت المعارك بين المصريين والحثيين طوال خمس عشرة عام دون أن يحقق أيٌّ من الطرفين النصر على الآخر ما أدى في نهاية الأمر إلى عقد معاهدة سلام، وتعد هذه المعاهدة الأقدم في التاريخ. (هناك نسخة من المعاهدة معلقة على جدار مقر الجمعيّة العامة للأمم المتحدة.)

معركة قادش بين رمسيس الثاني والملك موتالي الثاني ملك الحثيين.
معركة قادش بين رمسيس الثاني والملك موتالي الثاني ملك الحثيين.

هنالك العديد من الأعمال التي قام بها رمسيس الثاني والتي لم يسبقه إليها أحد، ولعلّ أغربها هو حصوله على بطاقة شخصية وجواز سفر مصرييّن، متجاوزاً حدود الزمان والمكان! والسؤال هو: ما الذي دفع الحكومة المصريّة إلى استصدار هذه الأوراق لشخص متوفٍ منذ آلاف السنين؟

مومياء رمسيس الثاني التي تمّ اكتشافها عام 1881م في منطقة الدير البحري.
مومياء رمسيس الثاني التي تمّ اكتشافها عام 1881م في منطقة الدير البحري.

تم اكتشاف مقبرة رمسيس الثاني عام 1881م وبقي في مصر حتى عام 1974م، حين وجد علماء الآثار في مصر أن المومياء بحاجة إلى ترميم ضروري لا يمكن إتمامه في مصر، وهكذا كان لابد من نقلها إلى (باريس) حيث ستجد الخبراء اللازمين والمعدات المناسبة لإنقاذها من التلف.

لكن لم جواز السفر؟ في حقيقة الأمر هناك روايتان: الأولى هي أن قوانين فرنسا في ذلك الوقت كانت تصرّ على أن يملك الشخص أوراقاً ثبوتيّة عند دخوله إليها، بينما تشير الرواية الثانيّة إلى أن القوانين المصريّة هي التي كانت تنصّ حينها على أنه لخروج شخص من البلاد (حيّاً كان أم ميتاً) فيجب أن يملك الأوراق الثبوتيّة الضروريّة، كالبطاقة الشخصية وجواز السفر، حتى وإن كان هذا الشخص مومياءً توفيت منذ ثلاثة آلاف عام.

لا يمكنك القول بعد الآن أن لديك أسوأ صورة شخصيّة.
لا يمكنك القول بعد الآن أن لديك أسوأ صورة شخصيّة.

تبعاً للرواية المصريّة، فإن الأمر الذي قامت به مصر لم يأت وحسب من باب اتباع القوانين والإجراءات، بل لرغبة السلطات المصريّة في التأكد من عودة المومياء إلى مصر بعد الانتهاء من ترميمها، فقد اعتقدوا أن هذه الأوراق ستؤمن الحماية القانونيّة التي بدورها ستضمن عودة رمسيس إليهم، وخصوصاً أنه قد عُرِف عن المتاحف الأوروبيّة عدم احترامها حقوق ملكية مصر لآثارها الخاصة، فقد تمت سرقة ما لا يحصى من الآثار والتحف والمومياءات المصريّة في أوقات سابقة.

الأمر الظريف هو أنّ جواز السفر يتطلب تسجيل مهنة حامله عليه، وهكذا تم تسجيل مهنة رمسيس الثاني كملك راحل، ما أدى إلى استقباله في فرنسا بمراسيم عسكريّة كما كان يجري عند استقبال الملوك ”الأحياء“.

في نهاية الأمر، كشفت الدراسات التي أجريت في باريس أن طول رمسيس الثاني 1.70 متر، وكان له شعر أحمر اللون، وقد وجد على جسده آثار لندبات معارك، كما اكتشفوا أنه كان مصاباً بالتهاب المفاصل (الروماتيزم) في نهاية حياته، وأنه عانى من خراج في الأسنان.

الخبر السعيد هو أنّ الجهات الفرنسيّة التزمت بإعادة رمسيس الثاني إلى مصر سليماً دون وجود أيّة مشاكل قانونيّة، وهو يقبع الآن في المتحف المصري.

مقالات إعلانية