in

دخلك بتعرف نيكولاس سين: الطبيب الذي كان ينفخ غاز الهيدروجين في مؤخرات مرضاه!

من وسائل الدكتور سين الجراحية

لنفترض أنك تعرضت لطلق ناري على مستوى البطن، تقصد عيادة الطبيب، فيقوم بتجريدك من بنطالك ويبدأ في نفخ غاز الهيدروجين في مؤخرتك، ثم يقوم بإضرام النار فيك. هل يبدو هذا مألوفا لك؟ إذن فقد كنت تقصد الطبيب الخطأ منذ زمن طويل عزيزي القارئ.

دعونا في مقالنا هذا على موقعنا «دخلك بتعرف» نعرفكم على الدكتور (نيكولاس سين)، وهو جراح أمريكي ومؤسس جمعية الجراحين العسكريين في الولايات المتحدة، كما كان رئيس الجمعية الطبية الأمريكية من سنة 1897 إلى غاية سنة 1898، وشغل كذلك منصب رئيس الجراحين على مستوى الفوج السادس في الجيش الأمريكي خلال الحرب الأمريكية الإسبانية في سنة 1898.

الطبيب نيكولاس سين.
الطبيب نيكولاس سين.

بينما كان يؤدي خدمته أثناء الحرب، كان (سين) غالبا ما يصادف جنودا تعرضوا لإصابات بعيارات نارية على مستوى البطن. كان (سين) آنذاك يفتقر لوسائل التشخيص الملائمة على غرار التصوير بالأشعة السينية، ومنه كان هو وفريقه يعانون الأمرين في سبيل تحديد ما إن كان الجرح الماثل أمامهم بسيطا أم معقدا بواسطة إصابة على مستوى الأمعاء، أي ما إن كانت الرصاصة المسؤولة عن الجرح قد اخترقت الأمعاء أم لا.

لا تمثل الإصابة على مستوى الأمعاء أي أعراض معتمدة يمكن للجراح البناء عليها وإجراء تشخيص إيجابي، كما لم تكن هذه الجروح المعقدة واضحة عند إجراء أي اختبار جسدي.

بدر للطبيب والجراح (سين) في تلك الأثناء أن أي جرح حاصل على مستوى الأمعاء يمكن رصده والكشف عنه بنفس الطريقة التي يكشف فيها السمكري عن أي ثقب في أنابيب الغاز المنزلية. من أجل تحقيق هذا، اقترح (سين) جعل الأمعاء تنتفخ بواسطة غاز غير مضر عن طريق المستقيم (المؤخرة). إذا كان هناك تسرب، سيقوم الغاز بمغادرة الأمعاء إلى داخل التجويف الصفاقي، ومن هناك كان يخرج عبر الجرح الخارجي، ومنه يثبت الجراح وجود ضرر في الأمعاء بطريقة دقيقة.

اقترح (سين) استخدام غاز الهيدروجين لأنه خال من أي خصائص سامة، وهو لا يسبب التهيج عندما يحتك مع الأنسجة الحية، كما أن الأنسجة تمتصه بسرعة. إلى جانب ذلك، سيكون من السهل جدا رصد غاز الهيدروجين المتسرب من الجسم من خلال إضرام النار فيه.

وقد كان إضرام النار داخل بطن جندي جريح يعتبر أيضا وسيلة فعالة لتطهير الجرح من أي التهابات وتعقيمه في نظر (سين).

أجرى (نيكولاس سين) عدة تجارب على الكلاب أولا. في هذه التجارب، كان يتم تقييد الحيوانات بإحكام على طاولات العمليات الجراحية، ثم كان يتم تخديرها، ثم يُطلق عليها النار من على مسافة قريبة على مستوى البطن بواسطة مسدس من عيار 32 ميليمتر.

ومباشرة بعد إطلاق النار، يتم وصل بالون مطاطي مملوء بغاز الهيدروجين بفتحة الشرج الخاصة بالحيوان، ثم يبدأ ضخ الغاز تدريجيا داخل أمعائه. عندما يتعرض الغاز لشعلة نار يتم تقريبها من الجرح، يشتعل الغاز وتكون الشعلة الناتجة ذات لون أزرق، مما يشير إلى أن الرصاصة قد اخترقت الأمعاء.

أجرى (سين) تجاربه هذه على عدد من مرضاه من البشر من أجل تحديد الأعراض الجانبية –إن كانت موجودة– الخاصة بإدخال غاز الهيدروجين إلى المسار الهضمي.

كان يعتريه الفضول حيال ما يبدو عليه شعور أن ينفخ في داخل أمعائه غاز الهيدروجين لدرجة أنه قرر تجربته على نفسه شخصيا، فجعل أحد مساعديه ينفخ داخله غاز الهيدروجين عبر فتحة الشرج.

قال (سين) في هذه التجربة ما يلي:

تحت ضغط 4 كيلوغرامات، تقريبا تم نفخ حوالي 6 ليترات من الهيدروجين عبر المستقيم. تسبب انتفاخ القولون في شعور بالنفخ امتد عبر القولون، لكن بمجرد أن وصل الغاز إلى المعي الدقيق، اختبرت بعض آلام المغص، والتي زادت حدتها بتقدم الانتفاخ صعودا، ولم تخفّ إلا بعد أن خرج الغاز كله من الجسم، وهو الأمر الذي استغرق ساعة ونصف الساعة من الزمن. عندما أصبحت المعدة والأمعاء منتفخان بشكل كامل، كان الشعور بالنفخ مؤلما جدا، وكان مصحوبا بشعور بالدوار أو الإغماء. خرج قسم كبير من الغاز من خلال التجشؤ عبر الفم، وهو ما صاحبه شعور كبير بالارتياح.

كانت آلام المغص التي صاحبت انتفاخ الأمعاء الدقيقة سواء بواسطة الهواء أو الغاز ناجمة عن زيادة حركة الأمعاء في محاولة منها لتفريغ محتوياتها، ذلك أنها كانت تفترض دائما وجود أمر ما متقطع داخلها، وعادت إلى طبيعتها بمجرد خروج الغازات.

على الرغم من أن أول مريض بشري، والذي كان شابا أسود البشرة يبلغ من العمر 27 سنة تعرض لطلق ناري من عيار 38 ميليمتر على مستوى البطن، لم ينج من هذه التجربة، فإن العملية في حد ذاتها كانت تعتبر نجاحا ساحقا، وفي نهاية المطاف أصبح جميع الجراحين العسكريين يستخدمونها من أجل الكشف عن جروح على مستوى الأمعاء لدى الجنود المصابين.

لم تعد طرائق الطبيب (سين) هذه تعتبر عديمة الجدوى إلا بعد أن شاع استخدام التصوير بالأشعة السينية كوسيلة تشخيصية.

كان الطبيب (نيكولاس سين) رائدا في مجال الجراحة الطبية، وبغض النظر عن أعماله على الإصابات المتعلقة بالمسار الهضمي والمعوي، كان للطبيب (سين) عدة أبحاث وتجارب في مجالات طبية أخرى، منها على داء البنكرياس الحاد، والعمليات الجراحية التجميلية، وعلم أورام الدماغ والعنق، وكذا علاج اللوكيميا بالأشعة السينية.

كان كذلك من أشد الداعمين لإجراء العمليات الجراحية لاستئصال الزائدة الدودية، وهي ممارسة لم تكن شائعة كثيرا في تلك الحقبة. كما كان ينادي بضرورة وأهمية الإسعافات الأولية، التي أدخلها أول مرة قيد الممارسة العسكرية الجراح العسكري الألماني (فريدريك فون إيسمارك) في سنة 1870، حيث كان (سين) غالبا ما يقتبس قول الجراح الألماني السابق: ”إن مصير الجرحى يقع بين يدي أول من يتقدم لمساعدتهم“.

الطبيب (نيكولاس سين)، وهو يجري تجربة جراحية أمام مجموعة من طلبة الطب في سنة 1895.
الطبيب (نيكولاس سين)، وهو يجري تجربة جراحية أمام مجموعة من طلبة الطب في سنة 1895.

مقالات إعلانية