منذ البدايات الأولى لشركة (آبل)، كان (ستيف جوبز) واثقاً من رغبته في بناء شركة ناجحة، حتى أنه في مرحلة ما قام بتوظيف مدراء محترفين للشركة لكنه سرعان ما قام بطردهم، وقال في هذا الصدد: ”لم يفلح الأمر أبداً“، وأضاف: ”معظمهم كانوا رجالا سيئي الخلق، يعرفون مهام المدير لكن لا شيء آخر“.
بعد طرده المتكرر لأصحاب الخبرة في مجال الإدارة، بدأ (ستيف جوبز) بالبحث عن صفة واحدة، وهي الشغف، يقول: ”كنا نبحث عن الأشخاص الذين يملكون الخبرة ويعرفون ما يفعلون، لكن لم يكن ضروريا أن يكونوا من المحترفين المشهورين“، ويضيف: ”لكن كنا نبحث عن الذين يمتلكون كمية الشغف اللازمة لمعرفة وضع التكنولوجيا حالياً وما بإمكانهم تحقيقه من خلالها“، فهو لم يهتم بالسيرة التي يقدمها الشخص، أو بالمناصب الحساسة التي شغلها سابقا، بل كل ما كان يبحث عنه هو إنسان لديه الشغف والإمكانية لحل المشاكل، ليضعه مكان المدراء ذوي الشخصية المرموقة الذي كان قد طردهم سابقاً.
ثم وقع الاختيار على (ديبي كولمان) التي كانت تبلغ من العمر 32 عاماً وتعمل في قسم آخر من الشركة، دون خبرة سابقة في مجال الإدارة وتحمل شهادة في الأدب الإنجليزي -ومن محض الصدفة أن هذا الاختيار جاء مطابقاً لما توقعه الملياردير ورجل الأعمال وشخصية برنامج ”حوض القروش“ Mark Cuban بأن يجلب النجاح للشركة في السنوات القادمة-. أخيراً وجد (جوبز) مديرا تمكن من البقاء في منصبه، وبعد عدة سنوات من عملها كمديرة إنتاج، تم ترقية (ديبي) إلى منصب المدير المالي للشركة في سن الـ35.
يتابع (ستيف) الشرح قائلاً بأن الموظف الذي يمتلك الشغف والذكاء والدافع الكافي لا يحتاج من يديره، فهو سيكون قادرا على إدارة نفسه بشرط أن يكون لديه فهم تام لرؤية الشركة تجاه المستقبل، وهنا يأتي دور المدير، ليس عليه أن يشرف على قيام الجميع بالعمل المطلوب منهم، لكن عليه أن يساهم في قولبة رؤية مشتركة لدى الجميع لكي يتمكنوا من الوصول إلى الهدف المشترك.
بعد هذا أصبح جميع المتقدمين لطلبات العمل لدى شركة (آبل) يحاولون تعلم كيفية التركيز على شغفهم وإبرازه جيدا خلال مقابلات العمل. يقول (آندي هيرتزفلد) أحد أول المبرمجين في الشركة بأن فريق العمل كان يعرض النموذج الأول لجهاز (ماكنتوش) للشخص الذين يجري معه المقابلة ثم يراقب ردة فعله تجاه الأمر، فإذا لم يبدِ الكثير من الحماس، كان الفريق يدرك تماماً صعوبة تحقيقه لرؤية الشركة، حيث يقول (آندي): ”كان يريد أن يرى الشرارة التي تشتعل في أعينهم، والحماس يسيطر عليهم، ومن ثم كنا ندرك أن من يملك هذا الشغف قد أصبح واحداً منا“.

ولم يكن (ستيف جوبز) نفسه على دراية كافية بالنواحي البرمجية اللازمة لإيصال الشركة إلى ما هي عليه اليوم، في الواقع هو لم يقم بكتابة أي سطر برمجي في تاريخ استلامه رئاسة الشركة ومنذ انطلاقها، لكنه كان مدركاً تماماً للهدف الذي يريد الوصول إليه، ورافضاً أن يحول أي شيء بينه وبين هدفه.
وما أبدع به (ستيف) جداً كان قدرته الرائعة على التسويق، حيث كان بارعاً جداً في تسويق المنتجات وجعلها تباع بسرعة، هذا بالإضافة إلى كونه مهووسا بالمثالية (كلنا نعرف قصة اتصاله مع نائب مدير شركة غوغل في فترة بعد الظهر من يوم الأحد ليخبره بأن تدرج اللون الأصفر في ثالث أحرف الكلمة من تطبيقهم على جهاز الآيفون لم يكن مطابقاً لما هو عليه في الحقيقة)، وهذا كله ينطوي تحت شغف (ستيف) ورغبته في جعل حلمه واقعاً، وهو ما نجح فيه بكل تأكيد.
لذلك إن كنت ترغب في إطلاق عمل صغير أو افتتاح مؤسسة ما، كل ما عليك فعله هو البحث عن موظفين يملكون الشغف الكافي ليشاركوك حلمك في الوصول إلى النجاح.