اللاجنسيّة هي انعدام وجود أي إنجذاب جنسي لدى الشخص تجاه الآخرين، أو انخفاض، أو غياب الاهتمام أو الرغبة في النشاط الجنسي. يمكن للاجنسين الانخراط في نشاط جنسي حتى بغياب الرغبة الجنسيّة، وقد يكون ذلك بهدف إرضاء الشريك أو الرغبة بالإنجاب. واللاجنسيّة لا تعني إنعدام مشاعر الحب بل تقتصر فقط على انعدام الرغبة الجنسيّة.
نشهد في وقتنا الحاضر انفتاح المشاهير والشخصيات المعروفة على التحدث عن هويتهم وميولهم الجنسي، كما يُلاحظ انفتاح المجتمع وتقبله للهويات الجنسية المختلفة وللتوجهات الجنسية –على الأقل في الغرب ودول أوروبا. يتضمن هذا الانفتاح تقبل الأشخاص اللاجنسين أيضاً.
بالطبع لم تكن الحال كذلك دوماً، وعبر التاريخ اعتبر الأشخاص الذين لم يبدوا رغبة جنسيّة مثلييّ الجنس. كان هذا الاعتقاد صحيحاً في بعض الأحيان، لكن في أوقاتٍ أخرى كان هؤلاء الأشخاص لاجنسيين فعلاً. نستعرض اليوم بعض مشاهير الفن والآداب والعلوم الذين يُعتقد بكونهم لاجنسيين، سنلاحظ أن بعض هؤلاء الأشخاص قد تجنبوا ممارسة الجنس لأسبابٍ دينيّة، فاختاروا لأنفسهم حياة التبتّل، فيما فرض التبتّل على آخرين، وهنالك من ابتعد عن ممارسة الجنس لأنه وببساطة لم يثر الأمر اهتمامه، وفي بعض الحالات كان الشخص رومانسيّاً يحلم بالحب وبروعة الحب وبأن ينتمي لشخصٍ ما في علاقة سعيدة، لكنهم لم يكونوا مهتمين بالجزء الجنسيّ من الأمر، بينما آخرون فضلّوا تكريس طاقتهم للعمل ونظروا للجنس على أنه مضيعة للوقت.
وهكذا إليكم 10 من هؤلاء الأشخاص مع علاقة كلٍّ منهم بالجنس:
1. السير جيمس ماثيو باري
كان السير (جيمس ماثيو باري) –والذي يعرف بلقب (J. M. Barrie)– مؤلفاً غزير الإنتاج، حيث قام بنشر العديد من الأعمال الناجحة، لكن اسمه اقترن دائما بأشهر أعماله وهو (بيتر بان، الفتى الذي رفض أن يكبر).
يرى العديد من الأشخاص قصة (بيتر بان) والأولاد الضائعين على أنها تعكس الرغبة بالبقاء في مرحلة الطفولة، والتشبث بمشاعر الفضول والبراءة. وطبقاً للعديد من المؤرخين فهذا بالضبط ما رغب به الكاتب لنفسه. كما وحينما يتحدثون عن حياته الجنسية يصفها العديد منهم بالبريئة، وهي تظهر جليّة في أعماله.
كان الاهتمام بنشاط (باري) الجنسي مصدر نقاش بين العديد من الباحثين والمعجبين على حد سواء، لكن ما اتفق عليه الجميع هو كون طفولته الحزينة قد خلفت فيه أثراً نفسيّاً دائماً. ولد (باري) في أسرة ثريّة وذات امتيازات، لكن والده عمل على تجاهله باستمرار، وقامت والدته بمعاملته بطريقة سيئة، وقد نبعت هذه التصرفات من فقدان الأبوين لطفلهما (ديفيد) الذي كان يكبر (باري) بقليل.
كان (ديفيد) هو الطفل المفضل لدى الأم، وهكذا حينما فقدته بدأت الأم بمخاطبة (باري) باسم (ديفيد) كما ألبست الصغير ثياب أخيه –في مصادر أخرى كان (باري) هو من فعل ذلك بهدف إرضاء والدته وجذب انتباهها–.
تشير العديد من الدلائل أن (باري) لم يمارس الجنس إطلاقاً بالرغم من كونه تزوج. إذ قابل (ماري آينسل) في عام 1891م وتزوجا بعدها بثلاثة أعوام. طبقاً للعديد من معارف الزوجين فقد كان زواجهما بلا جنس، ولم يتفاجأ الناس حينما بدأت (ماري) بإقامة علاقة مع أحد الممثلين. حينما علم (باري) بالأمر، طلب منها أن تضع حداً لهذه العلاقة لكن (ماري) رفضت ذلك فقام هو بالتقدم بطلب الطلاق على أساس الخيانة الزوجيّة، وهكذا انفصل الزوجان.
تعرّف (باري) لاحقاً على عائلة (لويليين ديفيس) حينما كان يتجول في منتزه لندن عام 1897م، وقد أحب العائلة منذ أن قابلها. كان يقوم بتسلية وإضحاك الأطفال عن طريق قيامه بتحريك أذنيه ورسم تعابير مضحكة على وجهه، وبالطبع بقصّ القصص عليهم.
كان (باري) –أو كما دعاه الأطفال (العم جيم)– مقرباً من الطفلين (بيتر) و(مايكل) وقد أثيرت الأقاويل عن طبيعة علاقة (باري) بالأطفال لكن أصغر الأطفال (نيكولاس) صرّح لاحقاً قائلاً: ”لا أعتقد أن العم (جيم) قد اختبر في حياته أيّ رغبة تجاه أيٍّ كان امرأة أم رجلاً أم طفلاً“، وأضاف ”لقد كان بريئاً تماماً ولولا ذلك لما استطاع أن يكتب (بيتر بان).“
بقي (باري) مقرباً من الأطفال (بل قام بتبنيهم لاحقاً بعد وفاة والديهما)، وقد حطمه تماماً نبأ وفاة (جورج) في ساحة القتال خلال الحرب العالمية الأولى، ولاحقاً حينما غرق (مايكل) –أو أغرق نفسه– عندما كان يدرس في جامعة (أوكسفورد). بعد ذلك أخذت كتاباته منعطفاً مظلماً.
توفيّ (باري) في يونيو عام 1937م نتيجة التهاب رئويّ، ولم يكن لديه أي أولاد من صُلبه بل كانت كتبه التي خلفها وراءه هي أعظم إنجاز مازال أطفال اليوم يستمتعون به.
2. إيميلي برونتي
كانت (إيميلي) واحدةً من أعظم عباقرة الأدب –جنباً إلى جنب مع شقيقاتها–، وقد نجحت في إنتاج أعمال أدبيّة لامعة منها قصائد ومقالات وبالطبع روايتها (مرتفعات ويذرينغ) بالرغم من كلّ ما تعرضت له من تميز عنصري لكونها أنثى في ذلك الوقت، وبالمقارنة مع وقتنا هذا شخصٌ بموهبتها كان سيلقى الكثير من الشهرة والمال لو كان ذكراً.
يعتقد العديد من الباحثين أن (إميلي) لم تكن تشعر بالعاطفة المتقدة التي تميّز بها بطلا روايتها (كاثرين) و(هيثكليف)، بل ويذهب آخرون للزعم بأن (إميلي) كانت لاجنسيّة.
كانت (إيميلي جين برونتي) هي ثالث أكبر إخوتها الذين بقوا على قيد الحياة، وقد ولدت ونشأت في مقاطعة (يورك شيير) في شمال (إنجلترا)، كان والدها قسيساً في الكنيسة الإيرلنديّة، وقد شجّع طموح أولاده الأدبي. كانت (إيميلي) وأشقاؤها قراء شرِهين، وقد سمح لها تعليمها المنزلي بالحصول على عملٍ كمدرسة في الريف حينما بلغت العشرين من العمر، لكنها لم تلبث أن استقالت من وظيفتها إذ لم تناسبها الحياة في المنطقة.
سافرت لاحقاً إلى (بلجيكا) لتعلم اللغة الفرنسيّة وتحسين لغتها الألمانيّة. كانت حذقة جداً وكانت مصممة على البقاء هناك لمدة أطول لولا وفاة عمتها المفاجئ، الأمر الذي حثها على العودة مسرعة إلى (يورك شيير). ما لبثت (إيميلي) أن عادت إلى موطنها وأصبحت أكثر عزلة وتكتماً، وقد وافقت على مضض أن تقدّم قصائدها للنشر، ثمّ وفي عام 1847م تمّ نشر روايتها العظيمة، وقد استخدمت اسماً مستعار لنشر الكتاب وهو (إليس بيل).
الأمر المثير للاهتمام هو اعتقاد العديد من الأشخاص أن الكاتب هو رجل بسبب الشغف الذي يملأ الرواية بالإضافة إلى التوتر الجنسي بين الشخصيات، لكن الحقيقة أن (إيميلي) نفسها لم تكن خبيرة في أمور الحب والرومانسية والشهوة، إذ أنها اشتهرت بعزلتها مفضلة التجول لوحدها أو برفقة الحيوانات في الطبيعة عوضاً عن رفقة البشر.
توفيّت (إيميلي) في عام 1848م وكانت حينها تناهز الثلاثين من العمر، ولم يتسنى لها أن تشهد نجاح (مرتفعات ويذرينغ). ماتت (إيميلي) عذراء ويسود الآن الاعتقاد بكونها لاجنسيّة لكنّ هذا لا يعني أنها كانت لارومانسيّة، ويجادل العديد من المؤرخين أنه بالرغم من عدم اهتمامها بالجزء الجسدي من الحب لكنها تطلّعت لأن تعيش قصة رومانسيّة كتلك التي اختبرتها بطلتها (كاثرين)، ومن المحزن أنها توفيّت قبل أن تحقق أمنيتها تلك.
3. جورج برنارد شو
كان لدى العملاق الأدبي الإيرلندي (جورج برنارد شو) العديد من الاهتمامات، منها التأمل في الدين وطبيعة الإنسان، كما اهتمّ بالسياسة وكان لديه تعليقات على الفاشيّة ومدح في مناسباتٍ معينة كلاً من النازيّة والاشتراكيّة. أتى (شو) على طرح العديد من المواضيع في كتاباته لكن الأمر الذي بالكاد تطرّق له هو الجنس، والأمر غير مفاجئ، فقد كان (شو) بعيداً كلّ البعد عن كونه زير نساء، بالإضافة لعدم وجود دليل على كونه مثليّاً. وبأخذ كل ما نعرفه عنه بعين الاعتبار فهو إما كان عازباً عن طيب خاطر مفضلاً عمله على الأمور الجنسيّة أو أنه كان لاجنسيّاَ.
ولد (شو) في (دبلن-إيرلندا) عام 1856م، وانتقل للعيش في (لندن-بريطانيا) بعد عشرين عاماً من مولده. وقد كافح لسنوات طويلة حتى صنع لنفسه اسماً ككاتب، وباستمراره في الاجتهاد أصبح شيئاً فشيئاً ناقداً موسيقياً ومسرحيّاً مقدرّاً.
انضم لاحقاً إلى مجتمع (فابيان)، وهو عبارة عن منظمة اشتراكيّة بريطانيّة، هدفها النهوض بمبادئ الاشتراكيّة الديمقراطيّة من خلال الإصلاح الديمقراطي عوضاً عن الإطاحة الثوريّة، وقد قام (شو) خلال الفترة التي انضم فيها إلى (الفابيان) بتطوير مهاراته الدراميّة كما أنجز العديد من المسرحيات ذات الطابع السياسيّ.
دفعه نجاحه المبدئي للعمل طوال اليوم، وحينما لم يكن يعمل خلف آلته الكاتبة، كان ينشغل بالسياسة المحليّة. لم يمضِ وقتٌ طويل حتى نال منه التعب والإعياء بسبب الجهد الضخم الذي كان يبذله، بالإضافة إلى التوتر الذي كان يصيبه، ما أدى إلى انهياره في نهاية الأمر.
في عام 1898م قامت سيدة تدعى (شارلوت باين تاونشند) بالتكفل برعاية (شو) حتى تعافيه، ولكن وبسبب الحالة السيئة جداً التي كان يمر بها، اضطرت (تاونشند) للانتقال لمنزله في لندن، وتجنباً للفضيحة قام (شو) بطلب يدها للزواج، وقبلت هي بالعرض.
بالرغم من عيشهما معاً فإن اتحادهما كزوجين لم يتم أبداً، حيث لم يظهر (شو) أي اهتمام بالجنس، بالإضافة لأنه كان لديه العديد من الكتب التي عليه إنجازها. لم يؤدي النقص في العلاقة الحميميّة بين الزوجين إلى ضعف العلاقة بل بقيا معاً وانتقلا سوياً في عام 1906م للعيش في الريف الإنجليزي إلى نهاية حياتهما.
اعترف (شو) لأصدقائه ومعارفه في مناسبات عديدة أن الأمور الجسديّة لا تثير أدنى اهتمامٍ لديه. هناك احتمالٌ أنه كان متبتلاً (أي ممتنعاً عن الجنس لأسباب دينيّة)، ولكن من الممكن أنه كان لاجنسيّاً، ويذهب بعض المؤرخين للقول بأن (شو) كان متبتلاً مثليّاً. توفيّ (شو) بكراً وبلا أطفال تاركاً المؤرخين والباحثين في حيرة من أمرهم يبنون نظريات حول لاجنسيته ولارومانسيته.
4. فلورنس نايتنجيل
تعد حرب القرم إحدى أكثر الأحداث دمويّةً في التاريخ، وقد وقعت بين الإمبراطوريّة الروسيّة والدولة العثمانيّة وحُلفائهما، استمرت الحرب لثلاثة سنين وراح ضحيتها حوالي 35.000 شخص.
كانت الجهود التي بذلتها (فلورنس نايتنجيل) سبباً في تقليل عدد الضحايا على الجانب البريطاني الذي حارب كحليفٍ للدولة العثمانيّة. في الحقيقة، لم ينحصر تأثير (نايتنجيل) على مستشفيات شبه جزيرة القرم، بل امتدّ ليحدث ثورةً في عالم التمريض، وماتزال العديد من الممارسات التي قامت بتطبيقها في تلك الفترة تُتبّع اليوم.
لا يوجد شكٌّ في مدى عبقريّة (نايتنجيل) المهنيّة، ولكن الشكّ يكمن في مدى معرفتنا عن حياتها الشخصيّة، إذ كان هذا الموضوع محطّ العديد من النقاشات والتكهنات، والسؤال هو: هل كانت سيدة المصباح لاجنسيّة؟
ولدت (نايتنجيل) لعائلة من الطبقة العليا في لندن عام 1820م، وكان والداها من الأشخاص المؤمنين بأهميّة التعليم بالنسبة للمرأة. كانت أيضاً سيدة جذابة وفاتنة وقد تقدّم لخطبتها العديد من الأشخاص ومن بينهم السياسيّ والشاعر (ريتشارد مونكتون) الذي لم يفقد الأمل في موافقتها على الزواج منه طوال تسع سنين إلى أن طلبت منه (نايتنجيل) الكفّ عن المحاولة والاستسلام.
سافرت سيدة المصباح على نطاق واسع حتى أنها وصلت إلى مصر، وعندما اندلعت حرب القرم ووصل إلى مسامعها خبر عن كون الجنود يتساقطون موتى بسبب غياب الإسعافات الأوليّة البسيطة، لم تلبث أن حزمت أمتعتها وذهبت برفقة عدد من الممرضات إلى هناك. كان ذلك في أكتوبر من عام 1854م، ولم يمضِ وقتٌ طويل حتى أحدثت تغيرات جذريّة أدّت إلى انخفاض معدلات الوفيات في المستشفيات المدنية، حيث جعلت تهتم بالنظافة العامة و التهوية الجيدة، وقد صنعت لنفسها اسماً كمقدمة رعاية ورافقتها صفتا الطيبة والرحمة.
وفقاً للعديد من المؤرخين كانت حياة (نايتنجيل) مشغولةً جداً ولم يكن لديها وقت لأن تلتفت إلى الجانب العاطفي، حيث صبّت تركيزها على الاعتناء بالآخرين ولم تجد فرصةً لأن تبحث عن الحب أو الزواج. لكنّ مؤرخين آخرين يقولون أنّ ما دفعها لأن تصبح ممرضة في بداية الأمر هو اعتقادها بأنها تقوم بعمل كلفها الله به، وهذا الإعتقاد هو ما دفعها لأن تمتنع عن الجنس.
هناك نظرية أخرى تقول أن السبب الحقيقي لبقائها وحيدة هو كونها لم تكن مهتمة بأيٍّ من الجنس أو الرومانسيّة وأن سيدة المصباح لم تضئ مصباح قلبها لرجل أو أنثى بسبب افتقارها للرغبة.
5. توماس إدوارد لورانس
عدُّ (لورانس) رجلاً إنجليزيّاً نموذجيّاً، وذلك من عدة جوانب حيث كان وسيماً وجذاباً وعلى القدر نفسه من المهارة باستخدام القلم والبندقيّة. كان عالم آثار، وضابطاً في الجيش البريطاني، كما كان مغامراً ودبلوماسيّاً ومؤلفاً. وقد خُلّد شخصه في فيلم (لورنس العرب) Lawrence of Arabia عام 1962م، وهذا الفيلم يستند على مآثر (لورانس) خلال تواجده في الشرق الأوسط خلال الحرب العالميّة الأولى.
دوّن (لورانس) كل ما قام به من أعمال ومآثر في العديد من المذكِّرات والمقالات والقصائد، لكن ميوليه الجنسيّة بقيت مطروحة على طاولة النقاش، مع موافقة العديد من معاصريه على فكرة أن (لورانس) كان لاجنسيّاً.
ولد (لورانس) خارج عشّ الزوجيّة في أغسطس عام 1888م في (ويلز-بريطانيا)، وورثَ والده لقب بارون عام 1914م. تسّلم ولده اللقب لكنه لم ينتقل للعيش في منزل العائلة، وقد تنقلت عائلة (لورانس) كثيراً وعاشت فترة في مقاطعة (هامشاير).
تلقى (لورانس) في المقاطعة تعليماً مسيحيّاً صارماً، وقد غرس المعلمون في عقله فكرة أنه لا يمكن أن تقبل امرأة محترمة الزواج من رجلٍ لقيط مثله، والسؤال هو: هل كان لهذه الأفكار دورٌ بأن جعلت منه حذراً من أي مساعٍ رومانسيّة في عمرٍ مبكرٍ؟ يجيب بعض المؤرخين بنعم.
بعد أن صنع لنفسه اسماً في صفوف علماء الآثار، تمّ استدعاء (لورانس) من قبل المخابرات العسكرية، وذلك حينما اندلعت الحرب عام 1914م وعوضاً عن أن يتم إرساله إلى الجبهة الغربيّة أُرسل لمساعدة العرب في ثورتهم ضدّ الإمبراطوريّة العثمانيّة. كانت مآثره البطوليّة التي نشرت في أشهر الصحف العالميّة سبباً في جعله مشهوراً، ولكن وعلى عكس العديد من أبطال الحروب لم يبالي (لورانس) باهتمام النساء، كما لم يكن لديه أي اصدقاء رجال مقربين، أو عشاقٍ محتملين. خَلُصَ العديد من معاصريه أنه وببساطه لم يكن مهتماً بالجنس أي أنه وبلغة اليوم كان لاجنسيّاً.
يذهب بعض الباحثين إلى حد القول أن طفولة (لورانس) القاسية أوقفت أي تطورٍ جنسيٍ كان لديه، ويقترح آخرون إلى كون مآثره وبطولاته في زمن الحرب هي ما دفعته إلى تجنب الأمور الجنسيّة.
يصف (لورانس) في كتاباته كيف تمّ تعذيبه وإهانته من قِبل الأتراك العثمانيين بعد أن قُبِض عليه في إحدى المرات، وقد ساد الإعتقاد عن كونه بتولاً في تلك الفترة، فهل من الممكن أن تلك الظروف هي من حررته من أية رغبة جنسيّة؟ على الأرجح أنّ (لورانس) كان سيجيب عن هذه التساؤلات لو أنه عاش لفترة أطول، فقد توفيّ في حادث سيرٍ مأساويّ وهو يقود دراجته الناريّة عن عمر ناهز 46 عاماً، كان ذلك عام 1935م ويقال أن هذه الحادثة كانت مدبرّة.
6. إسحاق نيوتن
وفقاً للأسطورة الشعبيّة فقد اعترف (نيوتن) على فراش الموت أنه لم ”يعرف“ امرأةً قط. وبما أنه كان لديه العديد من المعارف الإناث في حياته فقد فُسّر الكلام على أنه توفيّ بتولاً. بالطبع هناك احتمالٌ بأن يكون (نيوتن) قد عرف رجلاً أو حتى عدة رجال في حياته، لكن الإجماع العام هو أن (نيوتن) كان لاجنسيّاً، كما أنه تجنب التوددات الجسديّة مفضلاً أن يكون حميميّاً مع أعماله المرتبطة بالكون عوضاً عن البشر.
قد يكون وصفنا لـ(نيوتن) بالعبقري تقليلٌ من شأنه، فقد ولد هذا العالم في عام 1642م وتم قبوله في جامعة (كامبريدج) قبل أن يتجاوز عمره العشرين عاماً. أنجز خلال الوقت الذي أمضاه في الجامعة الجزء الأكبر من أعماله بما في ذلك دراسته الرائدة في مجال التفاضل والتكامل والفيزياء، وكذلك رؤاه غير المسبوقة بشأن الجاذبيّة الأرضيّة وحركة الكواكب.
تلقى (نيوتن) في حياته العديد من الجوائز والكثير من التزلّف ويعود ذلك لاكتشافاته العلمية ومنشوراته البحثيّة، لكن كلّ ذلك لم يترجم إلى شعبيّة أو حتى إلى حب، حيث عُرِف عنه انعزاله واحتفاظه بخصوصيته. لم يكن (نيوتن) يختلط بالناس سوى لمناقشتهم أو لافتعال المشاكل، وقد صنع في حياته العديد من الأعداء.
وفقاً لبعض المؤرخين فإن (نيوتن) قد كان ببساطة مشغولاً جداً وليس لديه أي وقت للسعي وراء علاقاتٍ عاطفيّة، وقد علّق بنفسه قائلاً: ”إذا كنت قد حققت أي اكتشافات قيّمة فإن ذلك يعود إلى الانتباه الدقيق أكثر من أي موهبة“، ومن الممكن أيضاً كونه لاجنسيّا.
طوال عشرين عاماً، ومنذ 1663م إلى 1683م تشارك (نيوتن) غرفته مع (جون ويكينز)، كما كان (ويكنز) زميل (نيوتن) في (كامبريدج) ولاحقاً في جامعة (ترنتيتي). لم يكن هناك أي دليل على علاقة جنسيّة بين الاثنين، ويشار دوماً أنه لو كان هناك أي دليل على أن (نيوتن) مثليّ لما كان أعداؤه سيترددون في نشر الأمر للنيل منه في ذلك الوقت.
نظراً لكون (نيوتن) لم يكتب مذكراته، ولم يرسل رسائل شخصيّة إلى أصدقائه على عكس العديد من أقرانه فإنه لا يمكننا التكهن بشأن حياته الجنسيّة بالضبط، ومع ذلك فإنه من شبه المؤكد كونه توفيّ بتولاً عن عمرٍ ناهز 84 عاماً في عام 1727م.
لاحظ وكتب الفيلسوف الفرنسيّ (فولتير) –والذي كان في لندن حينما دفن العالم العظيم- أن (نيوتن) ”لم يكن حساساً أو عاطفيّاً كما أنه لم يكن مرهوناً بالمشاعر البشريّة الهشة، ولم يكن لديه أي علاقات مع نساء، الأمر الذي أُكِدّ لي من قبل الأطباء والجراحين الذين اعتنوا به في لحظاته الأخيرة“. لربما كان هذا النقص في عواطف (نيوتن) هو ما دفعه لأن يصبح أحد أعظم العباقرة على مر الزمن.
7. نيكولا تيسلا
كان (تيسلا) عالماً صربيّاً أمريكيّاً، واشتهر بكونه غريب الطباع والأطوار. ليس هنالك أدنى شك بمدى عبقريته فقد تكلّم هذا العالم ثمانية لغاتٍ بطلاقة، وانشأ أول محرك يعمل على التيار المتردد، كما امتلك ما يقارب 300 براءة اختراع باسمه، بالإضافه لكونه من جعل الاتصالات اللاسلكيّة بعيدة المدى ممكنة، وإن لم يكن كل ذلك كافياً لإثبات عبقريته فقد زعم (تيسلا) أيضاً أنه طوّر سلاحاً فتّاكاً من شأنه أن ينهي الحروب في العالم، وآمن أنه على وشك اكتشاف الإجابة المطلقة لكل شيء.
لم يكن له مثيل مهنيّاً، وكان على نفس القدر من السحر على المستوى الشخصيّ. اعتبر (نيكولا تيسلا) شخصيّةً بارزةً في المجتمع الأمريكيّ، وكان قد هاجر إلى الولايات المتحدة عام 1884م. تميّز المخترع بطول قامته ونحفه ووسامته الكلاسيكيّة، وعلى عكس العديد من العلماء –آينشتاين مثلاً– كان (تيسلا) يهتّم بارتداء ملابس أنيقة على الدوام وكان يتوقع المِثل من الآخرين.
إن كنا سنحكم عليه من مظهره فإنه لن يخطر لشخص أن أحداً مثل (تيسلا) تنقصه الصحبة، ولكن بالنسبة له فقد أتى العمل دوماً في المقدمة، قبل النوم وقبل الجنس بالطبع.
كان عبقريّ الهندسة دقيقاً للغاية وشديد الاهتمام بالتفاصيل، حيث كان يحب تناول الطعام في نفس المكان وفي نفس الوقت من كل يوم، مفضلاً صحبة أفكاره على صحبة الآخرين، وعلى الرغم من أنه حاز على اهتمام النساء إلا أنه هو لم يكن مهتماً بهن وقد أكدّ في العديد من المناسبات أنّ أي أفكارٍ رومانسيّة أو جنسيّة من شأنها أن تعيق قدراته الإبداعيّة.
لم يكن لديه أي عشّاق ناهيك عن الزواج من أصله، وقد عانى (تيسلا) من العديد من أنواع الرهاب، منها خوفه الشديد من اللآلئ وكان يحاول الابتعاد قدر المستطاع عن أي امرأة ترتديها. علاوة على ذلك كان لديه نظام نظافة شخصيّ صارم وخوف شديد من الجراثيم ما جعل أي حميميّة بينه وبين شخصٍّ آخر أمراً غير ممكن حتى لو أنه أراد ذلك بالأساس.
لخصّ (تيسلا) موقفه من أمور القلب والجسد قائلاً: ”لا أعتقد أن هناك إثارة يمكن أن يشعر بها قلب المرء كتلك التي يشعر بها المخترع حينما يشاهد ما أوجده عقله يتحول إلى نجاح أمامه… تلك المشاعر تجعل الشخص ينسى الطعام والنوم والأصدقاء والحب وكل شيء“. ليس أنه كان لهذا المخترع تجارب فعليّة يقارن بها فرحة الاختراع. توفيّ (تيسلا) بتولاً، ويعتقد أغلبية معاصريه أنه كان لاجنسيّاً ولارومنسيّاً في ذات الوقت.
8. هوارد فيليبس لوفكرافت
توفي الكاتب (لوفكرافت) دون أن يحصد أي نجاح في حياته، فقد أتت شهرته لاحقاً بعد موته. ويعدّ الكاتب المعروف بـ(إيتش. بي. لوفكرافت) أحد أكثر الشخصيات تأثيراً في القرن العشرين، وبإمكاننا القول أن حكاياته المخيفة والمليئة بالأشباح والغيلان والعوالم البديلة قد ساهمت بإطلاق نوع أدبيٍّ كامل، ومازال المؤلفون الأكثر مبيعاً في وقتنا هذا يستعينون به ويشيرون إليه وإلى ما تركه من أثر. لكنه وبينما جعل الكثيرين يفزعون مما يمكن أن يتعثروا به خلال الليل، كان هو فزعاً من شيء واحد وحسب: الجنس.
لم يكن مفاجئاً أنّ (لوفكرافت) لم يكن محباً للجنس فقد ولد وتربى خلال العصر الفيكتوري والمشهور بجوٍّ عامٍ من الإفراط في الإحتشام،كما عانى أيضاً لكونه ولد في عائلة صارمة لحد الاختناق. تزوّج (لوفكرافت) من (سونيا غرين) التي كان قد التقى بها في مؤتمرٍ للصحفيين الطموحين. لم تكن صفات (غرين) الجسديّة هي ما جذبته إليها لكن مساعدتها له بالهرب من مسقط رأسه وازدهاره ككاتبٍ في مدينة (نيويورك)، إذ زودته بالمساعدة الماليّة والدعم المعنويّ والتشجيع.
طبقاً لـ(سونيا)، فإن (لوفكرافت) كان يقوم بواجباته الزوجيّة، ولكن فقط حين يطلب ذلك منه، ولم يبادر هو أبداً كما لم يُبد أي اهتمام أو رغبة أو كفاءة في الفعل نفسه. وقد كتبت (سونيا) لاحقاً عن قدراته في غرفة النوم: ”لم أكن أتوّقع منه أن يكون معطاءاً، لكن كان لديّ بعض التوقعات السريّة بأنه قد يكون زوجاً وحبيباً جيداً. لكنني شعرت أن كبته كان ناتجاً بشكلٍ أو بآخر عن تربيته البروتستانتية المتشددة“، يتفق مؤرخو سيرة (لوفكرافت) الذاتيّة بشكل كبير مع حكم زوجته.
لم يكن (لوفكرافت) متبتلاً، إلا أنه ومن المؤكد أن هذا الكاتب العظيم لم يكن مهتماً بفكرة الجنس بل على العكس فقد كان ينفر منها تماماً.
توجد أدلة موثوقة تشير إلى أنه كان يكره الحديث عن الجنس وكل ما له علاقة به بشكل عام.
وصل زواجه من (سونيا) إلى نهاية وديّة وهو أمرٌ لا يثير الدهشة، وكان الزوجان قد انفصلا قبل طلاقهما الرسميّ بوقت طويل. تزوجت (سونيا) لاحقاً فيما بقي (لوفكرافت) عازباً بقية حياته، وتوفيّ وحيداً وفقيراً في عام 1937م.
9. فريدريك شوبان
عدّ (شوبان) في ذروة شهرته ونجاحه كنجم الروك في وقتنا هذا، أكثر من مؤلف موسيقا كلاسيكيّة، فعلى سبيل المثال كانت المعجبات ينتظرنه خارج قاعات الحفلات الموسيقيّة في (باريس)، وأينما حلّ كان يعتبر هو نخبة الحاضرين، وتتم الإشادة به لإبداعاته المبتكرة والمحركة للمشاعر. لم يستغل (شوبان) هذه الشهرة وعلى عكس نجوم الروك فهو لم يبد أي اهتمام ولو كان طفيفاً بأفراد من الجنس الآخر، ولا حتى من نفس الجنس. فهل كان هذا المبدع العبقري لاجنسيّاً قبل أن يدرك العالم؟
يعتقد العديد من المؤرخين الذين كتبوا عن حياة (شوبان) بأن المؤلف الموسيقي كان لاجنسيّاً، بالرغم من أنه قد رُبط بالعديد من النساء كما أنه كان على علاقة لسبع سنوات مع الكاتبة الفرنسيّة (جورج ساند) التي كان اسمها الحقيقي (آمانتاين دوبن). إن علاقة الاثنين لم تكن اعتياديّة ولكنها أيضاً لم تكن كاملة، فيما كان لدى (ساند) العديد من العشاق في الماضي بالإضافة لأنها كانت أمّاً، ويقول بعض المؤرخين أن (شوبان) قد فرض الامتناع عن ممارسة الجنس على (ساند). وقد جادل البعض أنه بالنسبة للعازف والمؤلف فهذه العلاقة كانت مبنيّة على الفضول والارتياح أكثر منها على الانجذاب الجنسيّ.
يتحدّث البعض أن كره (شوبان) للجنس والحميميّة تتأصلُ جذوره في فترة مراهقة المؤلف، إذ أنه حينما كان في سنّ المراهقة فتن بمغنيّة الأوبرا (ماريا ودزينسكا) وتمت خطبتهما للزواج، وقد ألف (شوبان) لمحبوبته أكثر من قطعةٍ موسيقيّة، لكن والد (ماريا) كان معادياً لهذا الزواج من مبدأ أن صهره المستقبلي كان غِشّاً للغاية لأن يكون مناسباً لابنته. وهكذا وحينما انفصل الاثنان بقي (شوبان) ممتعضاً لدرجة أنه فقد اهتمامه بالحب والجنس.
قد يكون (شوبان) في حقيقة الأمر عاش حياته فارضاً على نفسه التبتّل، ولكن من الممكن أيضاً أن يكون المؤرخون على حق وأن يكون المؤلف الموسيقي لاجنسيّاً منذ البداية وانفصاله عن (ماريا) هو ما وضع حداً للجزء الرومانسي فيه أيضاً.
10. سلفادور دالي
عاصر (دالي) الفنان (بابلو بيكاسو) الذي اشتهر بكونه زير نساء سيئ السمعة، لكن حياة (دالي) الجنسيّة كانت معقدة أكثر من ذلك بكثير.
اعترف الفنان الإسباني في إحدى المرات قائلاً: ”لقد جربت ممارسة الجنس مع امرأة في إحدى المرات (وهي زوجته غالا) وقد وجدت الجنس أمراً مبالغاً فيه. كما جربته مع رجل (وهو البهلوانيّ فريدريكو غارسيا لوركا) ووجدته مؤلماً للغايّة“، وهكذا على الرغم من أن (دالي) أبدى اهتماماً بموضوع الجنس والنشاط الجنسيّ من وجهة نظر فنيّة، فقد خَلُصَ العديد من كتّاب السير إلى أن (دالي) الرجل العظيم كان لاجنسيّاً.
ابتعد الفنان عن التحدث في مسألة الجنس، وعن نقاش حياته الجنسيّة في سيرته الذاتيّة «الحياة السريّة لسلفادور دالي» التي صدرت عام 1942م، في حين أنه ناقش في الكتاب مختلف الموضوعات مثل الدين والحرب والسياسة، كما تحدّث عن معتقداته ونشأته.
كان (دالي) متزوجاً لمدة طويلة من حياته، إذ كان قد قابل (غالا)، المهاجرة الروسية والتي تكبره بعقد من الزمن، عام 1929م وعلى الرغم من أنها كانت متزوجة من الشاعر الفرنسي (بول إلوارد) في ذلك الوقت فقد تزوّج (دالي) و(غالا) في حفلٍ سريّ عام 1934م ثم تبعه حفل ديني في كنيسة كاثوليكيّة بعد عام.
كان الاتحاد بين (دالي) و(غالا) بعيداً كل البعد عن العلاقات التقليديّة ومجدداً فقد كشف الفنان أنه لم تحدث أي علاقة جنسيّة بين الإثنين سوى لمرة واحدة مخيبة للآمال، ولكن بخلاف ذلك فهو لم يظهر أي اهتمام بالجنس بخلاف زوجته التي كانت نشطة جنسيّاً وأقامت العديد من العلاقات خارج نطاق الزوجيّة.
يرى بعض الباحثين أن لاجنسيّة (دالي) متجذرة في طفولته لأنه اعترف بنفسه بأنه، ومنذ سنٍّ مبكرة، كان يخشى أنّ قضيبه صغير وغير مكتمل النمو وأنه لن يكون قادراً على إرضاء النساء لدى إقامة علاقة جنسيّة، وعلى الرغم من أنه وجد المتعة بصحبة نفسه فقد تسبب له هذا الأمر لاحقاً بضيقٍ كبير.