in

تجارب نووية مع أخطاء كادت أن تؤدي إلى كوارث كبرى

انفجار نووي

عند الحديث عن الكوارث النووية فلحسن الحظ هي ليست بالكثيرة، فلا توجد حقا كوارث نووية شهيرة عَدا عن قصف هيروشيما وناغازاكي وكارثة شيرنوبل وفوكوشيما مؤخرا، لكن غياب وجود هذه الكوارث ليس بسبب الحذر الشديد أو شيء من هذا القبيل (خصوصاً في العقود الأولى من اكتشاف الطاقة النووية) بل أنه إلى حد بعيد يأتي من الحظ الجيد للغاية كمل ستظهر الأمثلة الخمسة التي ستذكر ضمن هذا المقال.

عبر السنوات كان هناك العديد من التجارب النووية التي كان معظمها خلال الخمسينيات والستينيات، ومع أن الكثير منها كان آمناً إلى حد بعيد، فالعديد منها جرت بشكل خاطئ أو مخالف للتوقعات بحيث أبقت العالم على بعد ضربة حظ من كارثة يبدو أنها بانتظار أن تحدث حتى اليوم.

للمقارنة، فقوة القنابل النووية تقاس عادة بواحدات كيلو طن وميغا طن، هذه الواحدات لا تتعلق بنوع أو كتلة القنبلة في الواقع، بل أنها تتعلق بالقدرة التدميرية التي تسببها القنبلة وكمية متفجرات TNT اللازمة لإحداث تفجير مماثل.

تجربة Starfish Prime في الولايات المتحدة عام 1962

التجربة هنا كانت من أوائل التجارب على الرؤوس الحربية التي تحمل على صواريخ بالستية، حيث تم التفجير فوق المحيط الهادئ في الطبقات العليا من الغلاف الجوي وعلى بعد حوالي 1000 كيلومتر عن أرخبيل هاواي.

بلغ ارتفاع الانفجار حوالي 400 كيلومتر فوق سطح الأرض، أي أنه من حيث المبدأ كان في الفضاء، حيث أنه كان على ارتفاع يماثل البعد المتوسط لمحطة الفضاء الدولية في مدارها حول الأرض.

كان التفجير أيضا ناجحاً لكن نتائجه كانت غير محسوبة بدقة، فقد تمكن من تحقيق أضرار على الأرض على الرغم من ارتفاعه الكبير جداً.

كان التفجير أكبر من المتوقع بحيث أنه تسبب بفشل بعض أجهزة القياس التي لم تكن كافية لقياس قوته، فالقوة الإجمالية كانت حوالي 1.4 ميغا طن أي أقوى من قنبلتي هيروشيما وناغازاكي معاً بأربعين ضعفاً.

تسبب التفجير بأضرار كبرى على الكهرباء والاتصالات في هاواي، البعيدة حوالي 1450 كيلومتراً من مكان التفجير، حيث تسبب بتوقف الكهرباء عن عدد من المنازل ودمر مصابيح الإنارة في الشوارع، عدا عن الأضرار الكبرى بمعدات الاتصالات لشركة Microwave Link التي تعمل هناك. [مصدر]

تجربة Operation Plumbbob في الولايات المتحدة عام 1957

خلال الفترة التالية للحرب العالمية الثانية وبعد معرفة الناس بالدمار المخيف للأسلحة النووية والأنباء عن امتلاك الاتحاد السوفييتي لأسلحة نووية، زاد التوتر الشعبي تجاه الأمر خصوصاً مع التجارب التي كانت تتم على الأراضي الأمريكية والتي تسببت بجدل هدد استمرارها، مما دعا للقيام باختبار يهدف إلى التوعية إلى كون التجارب النووية على ارتفاعات عالية لا تتسبب بأضرار كبيرة على البشر وليست خطراً حقيقياً، لذا فقد تم الاختبار على ارتفاع حوالي 6 كيلومترات في الجو بينما كان 5 عسكريين ومصور يقفون على الأرض تحت نقطة التفجير تماماً.

للوهلة الأولى بدت التجربة ناجحة جداً (خصوصاً وأن التفجير كان صغيراً جداً بمعايير اليوم وحتى بمعايير أول القنابل النووية حيث بلغت قوته 2 كيلو طن فقط) وتم النشر عنها وعن كيفية كون التجارب غير خطيرة حقاً على البشر.

اكتُشف لاحقا أن الرجال الستة كانوا قد أصيبوا بأنواع مختلفة من السرطانات، لكن لحسن حظهم فقد تمكنوا من التعافي وعاشوا حياة مديدة نسبياً حيث توفي أولهم عام 1990 (أي بعد 33 عاماً على التفجير) وتوفي الأخير عام 2014 (أي بعد 57 سنة من حدوث التفجير).

يذكر أن المصور وأحد الجنود الذين كانوا لا يزالون أحياء التقيا معاً للمرة الأولى بعد التفجير عام 2012 في مطعم وسط بعض التغطية الإعلامية. [مصدر]

تجربة بحيرة Chagan في الاتحاد السوفييتي عام 1965

في الستينيات، كانت الولايات المتحدة قد بدأت مشروعاً يتضمن استخدام القنابل والرؤوس الحربية النووية في تفجيرات ذات أهداف مدنية لتحسين الحياة والاستفادة من القوة الهائلة للانفجارات النووية، حيث قامت بصنع بحيرة بانفجار نووي مما دفع السوفييت للبدء بمشروع مشابه تضمن استخدام 124 تفجيراً نووياً للمساعدة في إنشاء بنى تحتية أفضل، كحفر الأنفاق وصنع القنوات وحتى البحيرات الصناعية، وكان أبرز أجزاء هذا المشروع هو بحيرة (شاغان) التي تم صنعها على ضفة النهر الذي يحمل نفس الاسم في دولة كزخستان التي كانت جمهورية سوفييتية حينها.

تضمن المشروع تفجير رأس نووي بقوة 144 كيلو طن (أكبر من قوة قنبلتي هيروشيما وناغازاكي بأربع مرات تقريباً) تحت الأرض حيث تم صنع فوهة بعمق 100 متر تقريباً وقطر أكبر بقليل من 400 متر، ومن ثم صنع نفق بين البحيرة وضفة النهر بحيث تمتلئ البحيرة بمائه في موسم الأمطار.

كان المشروع ناجحاً في البداية خصوصاً مع كون الانفجار تسبب بتحويل صخور قاع البحيرة إلى مادة زجاجية بفعل الحرارة، لكن المشاكل بدأت من كون حوالي 20٪ من التربة المزاحة تم دفعها إلى الغلاف الجوي حيث وصلت إلى اليابان حتى، كما أن البحيرة كانت مشعة وبشكل كبير جعل مياهها غير صالحة لأي استخدامات سواء للشرب أو الري، كونها تسبب التسمم الإشعاعي، وهي ما تزال مشعة حتى الآن. [مصدر]

تجربة فوهة Sedan في الولايات المتحدة عام 1962

عندما قام السوفييت بتجربة صنع بحيرة (شاغان) عام 1965 فقد كانوا في الواقع يستنسخون هذه التجربة الأمريكية بشكل مطابق تقريباً، لكن استنساخ السوفييت لها لم يعني أنها كانت تجربة ناجحة حيث تعد أكبر حدث نووي أثر على الولايات المتحدة على الإطلاق، وكانت جزءاً من مجموعة تجارب لاختبار إمكانية استخدام الأسلحة النووية لأغراض التنقيب وحفر الأنفاق (أي إعادة الاستفادة منها بدلاً من تخزينها كرؤوس حربية).

على عكس بحيرة (شاغان) التي كان من المخطط أصلاً تحويلها إلى بحيرة، فالفوهة هنا كانت مصنوعة كتجربة فقط حيث لم يكن هناك أنهار قريبة منها وبقيت كمكان غير مستخدم حتى الآن.

تم التفجير باستخدام قنبلة نووية بقوة 104 كيلو طن كانت قد وضعت تحت الأرض، وعند التفجير تسبب الأمر بصعود موجة من التربة إلى ارتفاع يزيد عن تسعين متراً بدأت بالانتشار بعدها على شكل غمامة من الغبار بارتفاع 3 كيلومترات.

لم يبق الغبار المشع الناتج عن الانفجار محصوراً ضمن ولاية نيفادا (موقع التفجير) بل انتشر إلى ولايات أخرى مثل أيوا ونبراسكا وداكوتا الجنوبية (علماً أن أياً من هذه الولايات تحد نيفادا) مسبباً انتشار الإشعاع بشكل كبير حيث يقدر أن 7٪ من كل الإشعاع الذي حصل في الولايات المتحدة يأتي من هذا التفجير وحده.

جدير بالذكر أن الفوهة الناتجة كانت كبيرة كفاية لتعتبر أكبر فوهة صنعها البشر في الولايات المتحدة (لكن ليس في العالم). [مصدر]

تحطم طائرة B-52 في الولايات المتحدة عام 1961

عام 1961 وخلال رحلة لطائرة قاذفة من نوع B-52 مع قنبلتين نوويتين كل منهما بقوة تتراوح بين 3 و4 ميغا طن؛ تعرضت الطائرة لخلل ميكانيكي خطير أدى إلى تهديدها بالتحطم في حال عدم القيام بتخفيف وزنها.

في البداية تم رمي القنبلتين المحمولتين على متن الطائرة ومن ثم قفز 6 من أفراد الطاقم حيث نجا منهم 5 بينما بقي الطيار ومساعده ليموتا في تحطم الطائرة.

لكن بغض النظر عن الوفيات التي حصلت، فعدد الوفيات التي كانت ممكنة كان أكبر بكثير في الواقع ويقدر ببضعة عشرات من الآلاف على الأقل.

كانت إحدى القنبلتين قد هبطت بسلام كونها غير معدة للتفجير والصدمة لم تؤدي لأي مشاكل إضافية، لكن القنبلة الأخرى عانت من خطأ أدى إلى كونها مجهزة للقذف ومرت بجميع مراحل التفجير النهائية عدا المرحلة الأخيرة وعثر عليها لاحقاً على بعد خطأ صغير من أن تنفجر.

في حال كانت القنبلة قد انفجرت في الهواء أو حتى عند ملامستها للأرض فقد كانت لتتسبب بانفجار يبلغ حوالي 100 ضعف للقنبلتين التين سقطتا على اليابان، حيث أن المدى الأولي للانفجار كان مدى قتل محتم يمتد لـ23 كيلومتراً من مكان سقوط القنبلة بالإضافة للإشعاع الناتج والكثير من الغبار المشع الذي سينتشر في حال التفجير قرب سطح الأرض. [مصدر]

مقالات إعلانية