in

تعرف على أكبر وأشهر عمليات الاحتيال في التاريخ، والتي تثبت عبقرية مبتكريها

لا شيء تغير في عمليات الاحتيال والاختلاس والخداع منذ قديم الزمان، في عام 193 ميلادي مثًلا، عُرضَ عرش الإمبراطورية الرومانية للبيع بالمزاد لأعلى مزايد من قبل الحرس البريتيوري (الإمبراطوري)، ليشتريه (ديديوس يوليانوس) سيء الحظ مقابل مبلغٍ ضخمٍ ويتمتع بملكية ومزايا الامبراطورية لمدة تسعة أسابيع، قبل أن يسير القائد العسكري (سبتيموس سيفيروس) إلى روما ويعدم (يوليانوس).

لا يكون الدافع وراء الاحتيال دائمًا هو الرغبة في تحقيق مكاسب مالية، بل قد يشمل ذلك كل شيء، من الاكتشافات الجغرافية إلى التحصيل العلمي، من المعتقدات الدينية إلى السلطة السياسية، كل ذلك كان في وقتٍ أو آخر موضوعًا للخداع أو التلاعب.

الغش، بطبيعة الحال، يعتمد إلى حد كبير على سرعة تصديق وسذاجة الضحية، أو الضحايا، لكنه يتطلب أيضًا الكثير من المهارة والبراعة من جانب المحتال. ربما هذا هو السبب في أن الناس يٌحبون سماع قصة عن عملية احتيال جيدة التنفيذ ومدروسة بأناقة، بافتراض، بالطبع، أن الضحية شخص آخر وليست هم، ولا سيما شخص يستحق الخداع. فيما يلي قائمة ببعض أكثر المحتالين إبداعًا وجرأة ونجاحًا، فنانو النّصب وتُجّار الاحتيال في التاريخ، وقصص تملّصهم الأكثر إبداعًا. وبالتأكيد تمامًا هنالك العديد من الأشخاص الآخرين الجديرين بالذكر، لكن هؤلاء ربما الأوفر حظًا.

1. وليام تشالونر

اسحاق نيوتن، قيّم دار السلك الملكي. صورة: Wikimedia Commons

من المحتمل أن يكون (ويليام تشالونر) معروفًا بشكل أكبر بسبب هوية من ضبط عمليات الاحتيال التي ارتكبها أخيرًا. فكان التزوير لعبته، و(إسحاق نيوتن) العظيم خصمه. تبدأ القصة في عام 1650، بعد أن حظي أحد مواطني ووركشاير الفقراء على صبي غير عادي، نما الطفل ليصبح شابًا جامح له ميول غير شريفة، مما دفع والده اليائس إلى أرساله إلى صانع مسامير من برمنغهام للتدريب.

كانت برمنغهام في ذلك الوقت مركزًا مزدهرًا لنشاطات غير قانونية تشمل تزوير عملة قديمة من الفضة بقيمة أربع بنسات. كانت النسخة المزيفة مصنوعة بإتقان من الحديد، وعادةً ما دخلت السوق دون أن تثير الكثير من الشكوك. كان التزوير عملاً محفوفًا بالمخاطر، مع وجود عقوبات تراوحت ما بين الشنق والاحراق، كما تطلب الانتقال من تزوير تلك العملة المتواضعة إلى العملات الفرنسية الإنجليزية الأكثر قيمة شجاعة ومهارة مُذهلين.

بحلول ذلك الوقت، كان (وليام تشالونر) يعمل في مجال الصناعات المزيفة المزدهرة في لندن، ويزداد ثراءً فيه. في السبعينيات من القرن السابع عشر، اشترى عقارًا كبيرًا في الريف، وبذلك ابتعد في عملية سك العملة المزورة عن أعين القانون. الخطر الرئيسي كان في تداول العملات المزيفة في السوق، ولهذا استأجر وسطاء استطاعوا تجنب القبض عليهم وشنقهم بشكل مُنّظم. حقيقة أن (تشالونر) يتقدم بخطوة أمام القانون هي شهادة على أنه كان شخصية جذقة بالفعل.

في عام 1696، قَبِل الفيزيائي الإنجليزي الكبير، السير (إسحاق نيوتن)، بعد حياة مهنية طويلة وناجحة بشكل مُذهل، منصب قيّم دار السك الملكي. كانت العملة الإنجليزية تتجه نحو الصكوك والأوراق النقدية، ولا حاجة للقول إن (ويليام تشالونر) لم يضيع الوقت في تطبيق مهاراته عليها. وبالكاد نجا من عدة محاولات لتجريمه، فقد تجنب العقوبة لمجرد أن عملية تطوير واستخدام تلك النقود الورقية سبقت إنشاء أي قوانين لحظر تزويرها. ومع ذلك، بات الآن في مواجهة مباشرة مع المؤسسة المصرفية، ومن كان يقود تلك المؤسسة.

ما تلا ذلك كان لعبة القط والفأر بين رجلين ذكيين للغاية. ومع ذلك، كان تاريخ (تشالونر) الحافل بسلسلة طويلة من مذكرات الاعتقال والاتهامات، التي وصل إليها أو تخلص منها، قد رسم وشكّل صورة كاملة لمهنة طويلة خارجة عن القانون. كما قام أيضًا، بشراء حريته مرات عديدة مقابل الوشاية بزملائه المُزيّفين، ومن أولئك الذين فرّوا من المشنقة، كان السير (إسحاق) قادرًا على جمع العديد منهم وهم على استعداد لتوجيه أصابع الاتهام.

تم القبض على (ويليام تشالونر) وتقديمه للمحاكمة ليواجه شهادة أصدقائه القدامى وأعدائه الحاليين، وأرامل الكثيرين ممن فقدوا حياتهم بسبب. ترأس (نيوتن) الجلسات، وألقى القاضي السيد (سالاثيل لوفيل)، الحكم بقرار الإدانة، وعقوبة الإعدام.

متظاهرًا بالجنون، والخداع، والتواطؤ، ومحاولة الابتزاز ونداءات طلب المغفرة، وصل (ويليام شالونر) إلى المشنقة في 22 آذار 1699، وبذا انتهت مهنة التزوير الاحترافي الطويلة والمربحة، للأبد.

2. جريجور ماكجريجور

صورة: NLS

غالبًا ما يُنظر إلى هذا المحتال غير المشهور على أنه ”ملك الاحتيال“، خالق أمة زائفة، وهو حقًا يستحق شهرة أكثر مما قدّم له التاريخ.

جوهر الاحتيال الممتاز هو جعل الناس يؤمنون بشيء غير موجود، لقد اعتمدت آلة الدعاية النازية على مبدأ أنه كلما أعدت تكرار الأكاذيب كلما زاد احتمال تصديقها. أما (جريجور ماكجريجور) فلم يكن أقل احتيالًا من النازية، وربما تعتبر خدعته هذه على الأرجح حيلة الائتمان الأكبر على الإطلاق.

ولد في عشية عيد الميلاد عام 1786 في منزل أجداد عشيرة ماكجريجور على الشاطئ الشمالي للوخ كاترين في اسكتلندا. بعد مسيرته في الجيش البريطاني، شق طريقه إلى أمريكا الجنوبية للقتال كجندي مرتزق في حرب الاستقلال الفنزويلية. تزوج من ابن عمة (سيمون بوليفار)، وقاد عددًا من الحملات العسكرية إلى منطقة البحر الكاريبي بغية السلب. بعد كمّ كبير من المغامرات، بدا أن الثروة كانت دائمًا بعيدة المنال، حتى أتى يوم وضع فيه مخططًا بسيطًا ولكنه جريء. في عام 1820، أقنع أحد الملوك الأوصياء على الشعوب الأصلية، (جورج فريدريك أوغسطس)، بمنحه 8 ملايين فدان من ساحل البعوض، وهي منطقة شاسعة من الغابات البكر تقع شرقي نيكاراغوا وهندوراس، وبناءً على هذا اخترع وأقام بلدًا خياليًا تمامًا.

في منتصف عام 1921، عاد (ماكجريجور) إلى إنجلترا، حيث قدم نفسه في المجتمع البريطاني باسم Cazique of Poyais، وهو لقب أمير البلد غير الموجود الذي صوّره على أنه مزدهر ومليء بالموارد الطبيعية وبأمس الحاجة للاستثمار الأجنبي. وقال إن شعب البويايس الأصليين هم أناس ودودون ويعملون بجد، والعاصمة سانتجوزيف St Joseph هي مستوطنة أوروبية خلابة، فيها مباني مدنية مجهزة جيدًا ودار للأوبرا. كما يوفر ميناء الدولة سهولة الوصول إليها، وفيها مناخ لطيف يمنع الأمراض المدارية المعتادة. فكانت دولة بوياس جنة على الأرض تنتظر فقط اهتمام العاصمة البريطانية.

نُقل كل هذا إلى الشعب الإنجليزي من خلال حملة دعاية متقنة باستخدام كتيبات إرشادية وشهادات ورسوم توضيحية فخمة ومعاطف عسكرية وعملات وأعلام. قام جزء كبير من عملية الدعاية الجيدة فقط على جملة ”صاحب السمو جريجور“. قام المستوطنون المحتملون بشراء قطع أرض مساحتها 100 فدان من الأراضي البعيدة مقابل 11 جنيهًا إسترلينيًا، بينما اشترى رجال عسكريون رُتبًا في جيش بوياس مقابل أكثر من ذلك بكثير. بيعت سندات لفتح البنوك والأعمال التجارية، وعرض موظفو الخدمة المدنية المحتملين العمل بعقود مريحة مقابل رسوم رمزية.

يجري تقدير المبلغ الذي جمعه (جريجور ماكجريجور) من هذا الاحتيال بحوالي 200.000 جنيه إسترليني، وهو ما كان في ذلك الوقت مبلغًا هائلاً تمامًا. بلغت عمليات الاحتيال الأخرى في سوق السندات نحو 1.3 مليون جنيه إسترليني، والتي من المحتمل أن تكون في حدود 4.6 مليار دولار اليوم.

عندما وصلت أول دفعة من المستوطنين إلى بويايس، وجدوا بيئة برية ملية بالأمراض، وبطبيعة الحال، فرّ الملك العظيم بأمواله واستقر لفترة من الوقت في باريس. توفي في فنزويلا عام 1845، وهو في قمة الثراء، ولم يدان قط بأي جريمة.

3. جان دي فالوا سان ريمي

صورة: Wikimedia Commons

تُعد قضية العقد الماسي عام 1756 واحدة من أكثر الحيل الجريئة في التاريخ، مع أثرها الكبير المتمثل في انهيار الملكية الفرنسية قبيل الثورة وأسقاط المقصلة على رأس الملكة (ماري أنطوانيت).

تبدأ القصة بكاردينال فرنسي يائس اسمه (لويس رينيه إدوار دي روان)، وهو شخصية وسيمة من شخصيات الكنيسة الفرنسية لكنه فاقد للمسؤولة إلى حد كبير، فقد قام، من خلال حوادث اجتماعية وسياسية مختلفة، بتلطيخ صفحته مع الملكية الفرنسية. كان من المعتاد في تلك الأيام أن يتولى كبار الشخصيات في الكنيسة مناصب سياسية رفيعة، ولكن يبدو أن علاقات (روان) الضعيفة مع التاج الفرنسي من المحتمل أن تحبط هذا وتأتي عليه بكثير من التبعات.

في عام 1785، حظي (روان) بعشيقةً اسمها (جان دي فالوا سان ريمي)، وهي إحدى أفراد الفرع غير الشرعي لعائلة (فالوا) الملكية، وبذلك كانت تُعرف باسم الكونتيسة دو لاموت. من المفترض أن الحديث قاد هذين الشخصين إلى التطرق لطموحات (روان) المحبطة، و وضع (جان) الداهية لخطة تستغله فيها. زعمت أنها صديقة مقربة لـ (ماري أنطوانيت)، و وعدت (روان) بالتدخل لإيصاله إليها. بعد ذلك كان هنالك مراسلات طويلة بين (روان) والملكة في ظاهر الأمر. تضمنت غفران (ماري أنطوانيت) لـ (روان) عن انتهاكاته و وعدت برد اعتباره في المحكمة وألمحت إلى احتمال وجود علاقة حب.

الرسائل، بطبيعة الحال، كُتبت على يد (جان دي لا موت) وزوجها، ولكن (روان) انساق بها بالكامل. وعندما أصرّ على لقاء مع الملكة، قامت (جان) بإخراجه إلى حدائق فرساي، وأقرنته مع عاهرة تشبه (ماري أنطوانيت).

قبل ذلك بفترة قصيرة قام ملك فرنسا لويس الخامس عشر، الذي كان يرغب في إثارة إعجاب عشيقته، بأمر الجواهريين الملكيين بإنشاء عقد ماسي ذا قيمة فلكية، لكنه توفي قبل أن يتمكن من تسلُّمه. حاول الجوهريون اقناع (ماري أنطوانيت) بشرائه، فلا يمكن لأحد سوى الملوك دفع ثمنه، لكنها، ربما على دراية بظروف تلك الفترة، رفضت.

هنا تعود (جان دي لا موت) مرة أخرى. فمع اعتقاد الكاردينال أنها صديقة حميمة للملكة، فإن الجواهريين كانوا يصدّقون الأمر نفسه، ولذلك تقرّبوا منها لاستخدام نفوذها الكبير لإقناع الملكة بشراء العقد قبل إفلاسهم بسببه. توجهت (جان) على الفور لـ (روان) العاشق، الذي اعتقد، بعد مقابلته مع عاهرة حدائق فرساي، أن الملكة كانت واقعة في حبه. بمهارة مهيبة، تم التلاعب به لشراء العقد الثمين، وهو ما فعله، وسلمه بعد ذلك إلى (جان) لتوصله للملكة، وبالطبع لم يصل العقد أبدًا.

وُضعت (ماري أنطوانيت)، التي كانت بريئة فيما يتعلق بتلك القضية، موضع اتهامات كبيرة للغاية، مما زاد من زخم الثورة، بينما تم القبض على (روان) و(جان) ومحاكمتهما. نجا (روان) بفضل مكانته الدينية، على الرغم من أن الثمن الذي دفعه مقابل العقد أهوّن بكثير من ملاقاة نفس حكم (جان) التي انتهت بالسجن المؤبد والجلد و وسمها بعلامة بالنار على جسدها. ما حدث للعقد، بالطبع، أنه جُزِّىء وبيعَ في لندن.

4. فيكتور لوستيج

صورة: Youtube

كان (فيكتور لوستج) ”الرجل الذي باع برج إيفل“، المعروف أيضًا بلقب أبرع محتال عاش على الإطلاق. المرة الأولى التي باع فيها برج إيفل -قام بذلك مرتين- كانت في عام 1925، لكن ذلك لم يكن بأي حال من الأحوال خدعته الأكثر أناقة أو ربحًا. فقد كان (لوستج) في الخداع بمثابة (مايكل أنجلو) في الفن. عمله الرئيسي كان التزوير، والتزوير هو الذي أودى به، لكن قضية برج إيفل هي ما جعلت منه مشهورًا.

بحلول عام 1925، خرجت فرنسا من الحرب العالمية الأولى، ومثل بقية العالم الصناعي، كانت باريس مدينة مزدهرة. قرأ (لوستيج)، وهو مجري نمساوي، ذات صباح في الصحيفة، أن سلطات المدينة تشعر بالقلق إزاء تكلفة صيانة برج إيفل، الأمر الذي أعطاه فكرة. امتلك (لوستج) بطاقة عمل مزيفة مع الحكومة دعا بموجبها ستة من تجار المعادن إلى اجتماع سرى في واحد من فنادق باريس القديمة رفيعة المستوى. هناك، قدّم (لوستج) نفسه على انه نائب مدير عام وزارة البريد والتلغراف، وشرح أنه جرى اختيارهم بناءً على سمعتهم الجيدة كرجال اعمل أمناء.

بعد عقد الاجتماع استأجر سيارة ليموزين وقام معهم بجولة تفقدية للبرج. أظهر (لوستج) أداءً بارعًا، وبحلول المساء كان في منتصف الطريق لإقناعهم بالكامل، إلا أن زوجة أحد هؤلاء الستة كاد شكها يودي بالصفقة بأكملها.

فقد تساءلت عن السبب في كون العملية سرية للغاية؟ أخذها (لوستيج) جانبًا واعترف بأنه مسؤولٌ فاسد. كانت الصفقة تحت الطاولة، وبطبيعة الحال توجب أن تُقام في سرية. كان هذا شيئًا يمكن أن تفهمه هي وكل شخص، إذ كان الفساد منتشراً في فرنسا، وكان الموظف المدني المرتشي أسهل في التعامل من الموظف الملتزم. تم إتمام الاتفاق واستلام الأموال، وليس قبل مضي وقت طويل كان (لوستيج) على متن قطار متجه إلى فيينا مع حقيبة مليئة بالنقود.
بعد بضعة أشهر، عاد (لوستيج) إلى باريس، وفوجئ وسعد لاكتشاف أن الضحية، تاجر اسمه (أندريه بويسون)، تعرض للإهانة بسبب خداعه بسهولة إلى درجة أنه لم يجرؤ على تقديم أي شكوى رسمية. قام (لوستيج) بجمع مستنداته المزيفة واقترب من مجموعة جديدة من تجار الخردة، ولكن هذه المرة وصلت الحيلة إلى آذان الشرطة، وتم إحباط المحاولة. تجاهل (لوستيج) فشله هذا، وانساب بسهولة من العدالة واستأنف مسيرته المهنية كمحتال محترف.

في عام 1935 كان في الولايات المتحدة، وهناك اعتقل أخيرًا. وجدت السلطات بحوزته مفتاحاً تتبعوه إلى خزانة في محطة مترو أنفاق تايمز سكوير. هنالك وجدوا داخل الخزانة 51000 دولار على شكل عملة مزيفة والآلات التي طبعت منها، فكان ذلك دليل الإدانة المطلوب.

تم حبس (لوستيج)، لكنه هرب قبل يوم من محاكمته. كانت حيلته في التواري ضعيفة، حيث أعيد احتجازه وحوكم، حُكم عليه بالسجن لمدة 20 عامًا في سجن بجزيرة ألكاتراز. أمضى اثني عشر عامًا في الحبس قبل وفاته بالالتهاب الرئوي في 9 آذار 1947. وبهذا يكون قد توفي واحد من أنجح وأكبر مُنفذي عمليات الاحتيال في العصر.

5. جورج سي باركر

صورة: Wikimedia Commons

من المؤكد أن بيع برج إيفل كان علامة بارزة في عالم لعبة الثقة، ولكن بيع جسر بروكلين مرتين في الأسبوع لمدة ثلاثين عامًا يفوق ذلك في جرأته.

كانت نيويورك في الثمانينات من القرن الماضي محطّ استقبال المهاجرين الذين وصلوا إلى العالم الجديد من جميع أنحاء العالم. جاء معظمهم في حالة فقر، ولكن كان هناك من وصل برأس مال استثماري، متحمسًا للاستفادة من الحلم الأمريكي. قد يلاحظ الوافد الجديد التعيس عندما يتجول في أنحاء المدينة لوحة ”للبيع“ معلقة على دعامة من جسر بروكلين المهيب الذي تم الانتهاء منه مؤخرًا.

من المحتمل بعدها أن يلتقي به رجل حسن المظهر يرتدي ربطة عنق وقبعة مسطحة يُعرّف عن نفسه على أنه مالك الجسر، وفي خضم المحادثة، يكشف أنه، (جورج سي باركر)، الذي يفكر في إقامة كشك لدفع رسم المرور على الجسر، والذي توقع أن يجني ثروة. وصادف أنه كان يبحث عن شخص يمكن الاعتماد عليه للعمل في الكشك، وبما أن الوافد كانًا جديدًا في نيويورك، فإن (باركر)، بطبيعة الحال، سيكون سعيدًا بعرض الوظيفة عليه.

بعد ذلك سيصل الحديث إلى أن الجسر كان معروضًا للبيع حقًا، ومن هنا جاءت لوحات ”للبيع“ المثبتة عليه، وإذا أراد مهاجرنا الجديد كسب ثروة حقًا، فيمكنه شراء الجسر مقابل مبلغ معقول جدًا وإقامة كشك تحصيل بنفسه.

كم مرة نجحت هذه الحيلة هو شيء لا يعرفه أي شخص، لكن الأسطورة باتت تحكي أن (جورج سي باركر) باع الجسر مرتين في الأسبوع لمدة ثلاثين عامًا. تراوحت المبالغ المدفوعة بين 50 إلى 50.000 دولار، وهذا يتوقف على هوية المهاجر الجديد. بمجرد إبرام الاتفاق، سيتم توجيه الضحية إلى مكتب رسمي لإتمام معاملة الشراء، مع تقديم أوراق رسمية مزورة تشبه الأصلية للغاية، وبعد استلام المال لن تتم رؤية (باركر) مرة أخرى حتى يفقد الضحية الأمل.

في الأيام التي كانت فيها الأعمال التجارية القائمة على بيع الجسر هادئة، انخرط (باركر) في بيع المعالم الرئيسية الأخرى في نيويورك، لقد باع في مناسبات مختلفة قاعة ماديسون سكوير جاردن، ومتحف متروبوليتان للفنون، وقبر غرانت وتمثال الحرية. لقد عمل بنجاح لأكثر من أربعين عامًا، قبل أن يُحاكم أخيرًا في 17 كانون الاول 1928 ويدان بثلاث تهم بالاحتيال. أكسبته جرائمه عقوبة السجن مدى الحياة الإلزامية في سجن سينغ سينغ الشهير في نيويورك.

ومع ذلك، فلم تتجاوز اقامته الثمان سنوات، إذ توفي (جورج سي باركر) خلف القضبان في عام 1936. ومع ذلك، فإن قصته تعيش في مصطلح شائع في أمريكا يقول: ”إذا كنت تصدق ما أقول، فأنا عندي جسر لأبيعك إياه!“.

6. تشارلز داوسون

تشارلز داوسون. صورة: Wikimedia Commons

كان (تشارلز داوسون) عالم آثار إنجليزي هاوي مسؤول عن اكتشاف أحفورة «إنسان بلتداون» الشهيرة. تثبت هذه الحكاية أنه لا يتم ارتكاب جميع الحيل والخدع لأجل المال، بل أن الرغبة في الظهور أو الشهرة أو المكانة المهنية يمكن أن تكون دافعًا قويًا لقيامك بمحاولة خداع العالم.

كمحام وعضو متحمس في جمعية الهواة الأثرية في إنجلترا نهاية القرن العشرين، قدّم (داوسون) في 18 كانون الأول 1912 تصريحًا إلى الجمعية الجيولوجية الملكية بلندن كان من شأنه قلب العالم الأكاديمي رأسًا على عقب. في منجم حصى في بلتداون شرق ساسكس في إنجلترا، اكتشف (داوسون) بقايا من عظم فك وجمجمة، ادعى أنها تمثل نوعًا لم يكن معروفًا سابقًا من انسان منقرض، وأطلق عليها اسم الأنسان الفجري أو Eoanthropus باللاتينية.

تم تقديم الاكتشافات على النحو الواجب إلى قسم علم الحفريات في المتحف البريطاني، وبعد إجراء اختبارات وفحص شاملين، تم قبول Eoanthropus وفقًا لذلك على أنه صلة الوصل المنشودة بين الإنسان والقرد، والمعروفة آنذاك باسم “الحلقة المفقودة”، فدخل إنسان بلتداون السجلات العلمية بالصفة التي ادعاها مكتشفه على وجه التحديد.

على مدى العامين القادمين اكتشف (داوسون) العديد من الأدوات والبقايا الأخرى التي ادعى أنها جزء من اكتشافه السابق، كلها جرى الاعتراف بها وقبولها من قبل المؤسسة. وطالما تم الاعتراف بإنسان بلتداون، فإن الاكتشافات الحاصلة في إفريقيا أنذك بخصوص الانسان المنتصب Homo Erectus، لا يمكن أن تكتسب قوة أكاديمية. ومع ذلك، بقيت نظرية إنسان بلتداون ذات مكانة عليا إلى أن كشفت دراسة جيولوجية لمنجم الحصى في عام 1926 بعد حفرها وتقصيها في المكان أنه لم يكن قديمًا كما كان يُعتقد سابقًا. استمر البحث الأثري عن المزيد من الكائنات البشرية القديمة لكن دون جدوى، لذا سرعان ما تم عزل أحافير إنسان بلتداون من السجل الأثري الذي بدأ فيه تحقيق متعمّق وأكثر تفصيلا في الآثار المكتشفة.

في النهاية، جرى اثبات أن بقايا إنسان بلتداون كانت مجرد عظم فك وأسنان شبيه بقرود الأورانغوتان والشمبانزي، جميعها جرى معالجتها بمحلول حمض كبريتات الحديد لزيادة عمرها. تم تعديل شكل الأسنان أيضًا لتقليد وضع الاسنان المسطحة الإنسانية. كان (تشارلز داوسون)، لحسن حظه، قد مات منذ زمن بحلول تلك الواقعة، فنجا من السخرية المهنية والشخصية التي كانت ستتبعها بالتأكيد. والسؤال الوحيد الذي بقي هو من زوّر الآثار، ظل هذا الأمر لغزًا لفترة طويلة جدًا، مع وجود العديد من المتهمين المحتملين. ومع ذلك، في عام 2009، بدأ العلماء في جامعة جون مورس في ليفربول بإجراءات لمزيد من التحقيق. تحاليل الحمض النووي لم تؤكد فقط أن الأسنان والفك على شاكلة اسنان قردة الأورانغوتان، ولكنه لواحدٍ منها.

جرى الاعتقاد دائمًا أن شخصًا آخر غير (تشارلز داوسون) هو من جهّز تلك الأثار المزورة، إلا أنه في النهاية، تشير الأدلة إليه. صحيح أنه لم يكسب أي أموال، لكن بالنسبة لبقية حياته، فقد تمتع بثقة وتقدير مجتمع أعظم علماء الآثار في بريطانيا، وهذا ما كان يبتغيه على كل حال.

7. تشارلز بونزي

تشارلز بونزاي. صورة: Wikimedia Commons

واحدة من أكثر الحيل سيئة السمعة، والتي لا تزال شائعة بشكل مدهش، هي «سلسلة بونزي» العظيمة. يعبر المحققون وعلماء الإجرام والاقتصاديون باستمرار عن دهشتهم من أن هذه الحيل البسيطة، التي لا تزال دائمة النجاح، لا تزال تجني الكثير من المكاسب المربحة. أعظم عملية احتيال في التاريخ الحديث، بعدما استغل رجل الأعمال (بيرني مادوف) سلسلة أو حركية أو هرم بونزي، حققت 65 مليار دولار أمريكي كأعلى خسارة تتسبب بها عملية احتيال لمشغل سوق أو موظف أو رئيس مؤسسة مالية حتى الآن، وبذلك يدين (مادوف) للرجل الذي خلق هذه الحيلة وأعطى اسمه إلى خدعة المخطط الهرمي، (تشارلز بونزي).

يعمل مخطط بونزي على صيغة بسيطة ولكنها فعالة جدًا. يقود الطمع كل خدعة ثقة ناجحة، ولا يبدو أن رغبة الأشخاص الأذكياء والمتعلمين تخالف ذلك وتمنعهم من عدم التصديق في حال وجود فرصة لتحقيق ربح سريع ومشروع.

لعب (تشارلز بونزي) على هذا الوتر في نجاح سلسلته الاحتيالية. كل ذلك بعدما ولد في بارما، إيطاليا عام 1882، و وصل مفلسًا في بوسطن في عام 1903. ومثل معظم المهاجرين، بدأ العمل في وظائف غريبة، إضافة لقيامه ومشاركته في كثير من عمليات الاحتيال والاعمال غير المشروعة، ما أكسبه ثلاث سنوات في سجن في كيبيك. أمضى عامين آخرين في السجن في اتلانتا بسبب تهريب المهاجرين الإيطاليين بين الحدود الأمريكية الكندية، قبل أن يصل أخيرًا إلى الفكرة التي ستجعله ذا ثروة.

في يوم من الأيام، تلقى رسالة من شركة إسبانية تضمنت ما كان يعرف آنذاك باسم كوبون الرد الدولي. ما يسمح للمستلم بشراء الطوابع على حساب المرسل عن طريق صرف القسيمة في مكتب بريد محلي، أي استبدال القسائم بطوابع بريدية كبديل للنقود على أن يُرسل دليل تجاري كان قد كتبه بنفسه إلى إسبانيا. أدرك (بونزي) أن المبلغ المحدد في إيطاليا كقيمة مستردة للقسائم، كان أقل بكثير من تكلفة الطوابع في الولايات المتحدة، لذلك بدأ في تنظيم شبكة من الموردين في الخارج ليرسلوا له هذه القسائم، والتي استخدمها لشراء الطوابع، والتي باعها بعد ذلك لتحقيق الربح.

لقد كان نموذجًا تجاريًا بسيطًا وشرعيًا بشكل معقول، ولكن لزيادة المبيعات، عرض الدخول في هذه السلسلة من عمليات الشراء والبيع عن طريق الاستثمار، ما تحوّل بسرعة كبيرة إلى مخطط هرمي. وعد المستثمرين بعائدات كبيرة دائمة، أي استخدم نمط الجذب بالاستثمار ودفع العوائد الموعودة من خلال استغلال الاستثمارات الجديدة. بات هذا المفهوم شائع الآن ومفهوم لمعظم الناس، لكن في تلك الأيام القاسية التي سبقت الانهيار الكبير في سوق الأسهم، كانت فكرة جديدة، وحقق (بونزي) ثروة من ورائها.

بما أنه كان لا مفر من تلك النهاية، بدأ المخطط في الانهيار حيث شرعت الصحافة في التحقيق في العوائد الفلكية الموعودة. أدى التحقيق إلى التضيّيق على شركة بونزي، ما أدى لانهيارها، تم القبض على (بونزي) في 12 آب 1920 و وجهت إليه 86 تهمة احتيال. بعد ذلك أمضى 14 عامًا في السجن وتوفي مفلسًا في ريو دي جانيرو عام 1949.

ربما يكون (تشارلز بونزي) قد جنى الثروات وخسرها، لكن عبقرية مخططه تكمن في بساطته وإمكانية تطبيقه على كم هائل من الناس. وطالما كان الانسان مدفوعًا بالجشع أو الحاجة، فإن خفة اليد وبراعة اللسان للرجال مثل (تشارلز بونزي) ستغري المستثمرين لوضع أيديهم في جيوبهم وتسليم المدخرات بحثًا عن ربح سريع وسهل.

8. أوسكار هارتزيل

السير فرانسيس دريك. صورة: Wikimedia Commons

واحدة من أكثر الحيل الناجحة والجريئة في التاريخ الحديث كانت عملية ثروة دريك، وهي من تنفيذ مُحتال لامع استعان بخدعة رائعة.

ولد (أوسكار هارتزيل) عام 1876، وهو ابن مزارع متواضع الثراء من مقاطعة ماديسون بولاية أيوا. في وقت ما من عام 1915، صادف مُحتالين اثنين وعداه بأن يتمكنوا من تحويل 6000 دولار من ثروة والدته إلى 6 ملايين دولار عن طريق اقتناصهم حصة من الميراث الذي لم يطالب به أحد من ثروة المستكشف البحري الإنجليزي العظيم السير (فرانسيس دريك).

مات السيد (فرانسيس دريك) وهو رجل ثري للغاية، لقد كان نائب الأميرال الملاح الإنجليزي، تاجر الرقيق، السياسي والمدني ومهندس العصر الإليزابيثي، والرجل الثاني في قيادة الأسطول الإنجليزي ضد البحرية الإسبانية في 1588. حينها فوّض التاج العديد من القراصنة الرسميين لمهاجمة الأسطول الإسباني، ونهب الموانئ الإسبانية في منطقة البحر الكاريبي، وهو ما فعله (دريك) بكل سرور وبنجاح هائل، ذهبت بعض الغنائم إلى التاج البريطاني، لكن معظمهما ظلّ في يده.

لم يحصل (هارتزيل) على شيء على الإطلاق بعدما ذهب المحتالان في حال سبيلهما، لكن الفكرة استقرت في ذهنه، وفكّر في أنه سيحاول تجربتها بنفسه. لكنه قرر طرح الخدعة بطريقة علمية أكثر قليلاً، فابتكر وثائق ومستندات اعتماد مزيفة وبدأ البحث والتواصل مع أي شخص في ولاية أيوا من آل ”دريك“، فكان أكثر دقة في اختيار الضحايا لكنه عمل على نفس الخطوط الأساسية للخطة.

ادعى (أوسكار هارتزيل) أنه عند وفاة (دريك) في عام 1596، لم تُفرز أملاكه إلى ورثته أبدًا، مما أدى إلى بقائها في بنك إنجلترا مستحقًة للفائدة المتراكمة، وقد تجاوزت قيمتها الآن 100 مليار دولار. كان لكل شخص يحمل اسم ”دريك“ الحق في الحصول على حصة، على افتراض أن الحملة القانونية لمقاضاة الحكومة البريطانية للإفراج عن الأموال كانت ناجحة. ودعا لاستثمار أي مبلغ تراه مناسبًا، واعدًا بعائد قدره 500 دولار على كل دولار واحد مستثمر. لإضافة القليل من الطَعم إلى الطُعم، ذكر أيضًا أن الميراث يشمل مدينة بورتسموث البريطانية بأكملها.

تدفقت الأموال عليه من عشرات الآلاف من الناس سريعي التصديق الذين سلموا مدخراتهم دون تفكير طويل. ثم قام (هارتزيل) بتوسيع الحيلة لزيادة المشاركين من خارج ولاية أيوا، بما في ذلك الكثيرين ممن ليس لهم صلة باسم (دريك) على الإطلاق، ما زاد من تدفق المال. ومع إدراكه أنه ربما كان قد بدأ وقت التحرك، انطلق (هارتزيل) إلى لندن، ظاهريًا لإتمام الإجراءات القانونية، ولكن في الواقع للعيش في ترف وبزخ بينما كان المال ما يزال يتدفق عليه، وقد قدم بشكل دوري طلبًات للحصول على أموال إضافية، والتي كان يحصل عليها دائمًا. بطريقة ما تمكن من الحفاظ على اتزان الخدعة حتى وقوع الكساد العظيم، وحتى ذلك الحين استمر عدد قليل من المؤمنين به في دعمه.

لم يكن حتى عام 1933 أن اكتشف القانون لعلبته وألقى القبض عليه في النهاية. تم ترحيله من بريطانيا إلى الولايات المتحدة، حيث حوكم بتهمة الاحتيال. توفي في ليفنوورث في عام 1943، وترك ما يصل إلى 100.000 شخص لا يزالون ينتظرون حصتهم من ثروة (دريك). حتى في السجن، ظلت تصله النقود بغيه الاستثمار.

9. فريدريك كوك

صورة: Youtube

هذا الرجل بالتأكيد لم يقم بحيلته من أجل المال، لكن المشكلة، مع ذلك، هو ما إذا كان قد قام بحيلة على الإطلاق. يمكن للجدل حول قضية من وصل إلى القطب الشمالي أولاً أن يضع (فريديرك كوك) في مقعد الاتهام بالاحتيال، لكن يمكن بسهولة وضع منافسه، (روبرت بيري)، في نفس المقعد، وهذا ما يجعل هذه القصة مثيرة للاهتمام.

كان (كوك) ابنًا لمهاجرين ألمان شقوا طريقهم في حياة نيويورك الشاقة. في عام 1890، تخرج من كلية الطب بجامعة نيويورك، لكنه فقد زوجته أثناء الولادة، وسعى إلى السلوى بدوره كطبيب مرافق في أول رحلة استكشافية رئيسية للمستكشف والضابط (روبرت بيري).

كان (بيري)، ضابطًا متفاخرًا في البحرية الأمريكية يسعى إلى المجد، مهتمًا بالشهرة بقدر ما كان مهتمًا باكتشاف جغرافي جديد. كقائد للحملة، كان يميل إلى تحقيق مصالحه الخاصة على حساب طاقمه، وعليه، لم تنجو صداقته مع (كوك) حتى قبل مغامرتهما الأولى، حينها وقف الرجلان في منافسة من هو أول من سيصل إلى القطب الشمالي.
انطلق (كوك) من مدينة غلوستر، ماساتشوستس، في تموز 1907، في حين أن بعثة (بيري) قد انطلقت إلى الشمال بعد عام تقريبًا بالضبط، في آب 1908. كان (كوك) أول من خرج، وفي شباط 1908، بعد 14 شهرًا تقريبًا من انطلاقه، أعلن للعالم أنه وصل القطب الشمالي.

في البداية، تم التعامل مع ادعائه باحترام مستحق، وأدرجت المسألة في السجلات الرسمية. ومع ذلك، سرعان ما عاد (بيري) إلى العالم المتحضر بنفسه، وادعى أيضًا أنه وصل إلى القطب. عاد أيضًا عبر محطة أنواتوك، ولكن بمجرد مروره، في طريقه جنوبًا لتقديم ادعاءاته باكتشافه، لم تتم مشاهدة أي من سجلات (كوك) أو الوثائق أو أجهزته مرة أخرى.

تحدى (بيري)، مع المؤسسة البحرية التي تقف وراءه، (كوك) لإثبات أنه هو من اكتشف القطب البعيد، وهو ما لم يتمكن الأخير من فعله بدون وثائقه الضائعة. قدمت وثائق (بيري) الخاصة صورة أكثر تصديقًا من عدم وجود صور على الإطلاق، وفي النهاية أعيد كتابة السجل التاريخي لصالحه. انسحب (كوك) من المعركة، ولم يحاول مطلقًا المجادلة مجددًا، لكنه لسنوات اعتبر ما جرى عملية احتيال. غير أن المقارنات الحديثة بين وصف (كوك) للقطب و وصف المستكشفين الحديثين تميل إلى تعزيز ادعائه. نظرًا لاختلاف وصفه عن وصف (بيري)، ما يعني أن واحدًا منهم كان يكذب، لكن يبقى السؤال، من هو الكاذب بينهما؟

تم تقديم أول ادعاء بالوصول إلى القطب الشمالي بلا مجال للشك في 19 نيسان 1968 من قبل المستكشف الأمريكي (رالف بلاستيد).

10. دونالد كراوهرست

صورة: Alamy

يذهب المركز الأول في هذه القائمة إلى الرجل الذي زوّر فوزه في سباق صنداي تايمز غولدن غلوب، وهو سباق بدون توقف لبحّار واحد حول العالم في اليخوت. قصة (دونالد كراوهرست) هي مجموع مغامرة واحتيال ومأساة كاملين.
تبدأ القصة في عام 1968 مع إطلاق جريدة الصنداي تايمز البريطانية لمسابقة بجائزة قدرها 5000 جنيه إسترليني. اجتذب السباق نخبة عالم سباقات اليخوت المنفردة الدولية، ولكن أحد المشاركين المتأخرين كان من خارج المجال بالكامل. حينها سجّل مهندس الإلكترونيات الإنجليزي (دونالد كراوهرست)، اسمه في اللحظة الأخيرة.

كان ينظر إلى (كراوهرست) على أنه هاوي متحمس، فلم يكن له خبرة في الإبحار سوى في عطلة نهاية الأسبوع، لا شيء أكثر من ذلك. كان قد اختراع عدة أجهزة ملاحة بحرية، وكان لديه اهتمام شديد في البحار، ولكن بدون تجربة حقيقية على الإطلاق. رهن منزله وأعماله التجارية لبناء قاربه الخاص بطول أربعون قدم. فكان تصميمًا لم يتم اختباره من قبل وفي التجارب أظهر أداءً سيئًا، لكن مع اقتراب موعد السباق، لم يكن لدى (كراوهرست) أي خيار سوى دفعه إلى البحر وإعداده على عجل وتجهيزه لرحلة حول العالم.

بعد ظهر يوم 31 تشرين الأول 1968، انطلق (كراوهرست) من بلدة تينماوث في الريف البريطاني الغربي. في البداية، بدا أن الأمور تسير على ما يرام. تلقى وكيل (كراوهرست) الصحفي في إنجلترا الأخبار يوم 10 كانون الاول، بعد حوالي ستة أسابيع في عرض البحر، عن أن موكله كان يبلغ متوسط مذهل للمسافة المقطوعة بمعدل 390 كيلومتر في اليوم، مما يضعه في المقدمة. بحلول ذلك الوقت، كان عدد كبير من منافسيه قد خرجوا مستسلمين من السباق، وكان يبدو أن البحّار المتواضع قد يحقق المستحيل. جاء عيد الميلاد، وذكر (كراوهرست) موقعه قبالة ساحل كيب تاون. بعد ذلك، في نيسان من عام 1969، جاء الإعلان عن المنتصر من خلال وصوله إلى كايب هورن، آخر بقعة من الجزء الجنوبي لأمريكا الجنوبية، وهو الآن عائد إلى الوطن مباشرة، مُبحرًا شمالًا عبر المحيط الأطلسي.

لا يحتاج الأمر إلى عبقرية لتصور ما كان يحدث. كان قارب (كراوهرست) عديم القيمة، فقد سرّب المياه مثل المنخل ولم تزد سرعته عن بضع عقد والريح خلفه تدفعه. من الصعب أن نعرف بالضبط متى بدأ ذلك، لكن في وقت ما من منتصف المحيط الأطلسي، بدأ (كراوهرست) يرسل مواقعًا خاطئة، وفيما هو مُستقر في جنوب المحيط الأطلسي، أبتهج العالم بأدائه المذهل.

ربما فكّر حينها أنه إذا لو لم يأت في المركز الأول، فلن يتم التحقيق بعمق في أدائه. وبالفعل كان هنالك منافسان يسبقانه، ولكن لسوء حظه، فقد انسحب واحد وسجّل الآخر وقتًا أبطأ، وبذلك سيكون (كراوهرست) هو الفائز.

في الأول من تموز من عام 1969 فقط، تم العثور على قارب الرجل وهو ينجرف قبالة جزر كايمان دون أي أثر لقبطانه. الجنون واليأس والعزلة قادوه بوضوح إلى إغراق نفسه. لم يتم العثور على جثته أبدًا، ولكن كشفت دفاتره عن حيلته. هذه هي قصة (دونالد كراوهرست)، بحار عطلة نهاية الأسبوع ذو الطموح الكبير.

كانت هذه بعض من أكبر عمليات الاحتيال في العالم، لكن بالتوجه إلى الشرق الأوسط لا يختلف الأمر كثيرًا ولو بطعم خاص قد لا يستسيغه الغرب، ولكن هذا يعني أنه أكثر يقظة، إليكم أفضل ست عمليات احتيال غريبة حدثت في الشرق الأوسط:

1. سحر المال

في تموز من عام 2009، قُبض على رجلين في أبو ظبي لمحاولتهما بيع مسحوق قادر على مضاعفة النقود إلى عميل سري للشرطة. حيث ادعى الرجال، من عاصمة الإمارات العربية المتحدة، أن المزيج السحري سوف يضاعف أي مبلغ من المال عندما يتم رشه على الأوراق النقدية في كيس مغلق.

نجحت عملية الاحتيال في اقناع الضحايا عبر وضع القليل من المسحوق على الأموال التي أرادوا مضاعفتها، ثم وضعها في حقيبة بينما طُلب من ضحاياهم عدم فتح الحقيبة حتى يصبح المزيج ساري المفعول. تم بعد ذلك تبديل الحقيبة بأخرى مليئة بالنقود المزوّرة المغطاة بالبودرة.

كانت الطريقة المعتادة تتمثل في إعطاء الضحايا، ومعظمهم من الإمارات الشمالية، ”توضيحاً“ أولياً لخصائص المسحوق السحري، قبل أن يُطلب منهم تسليم عدد كبير من الأوراق النقدية لمضاعفتها. أكبر عملية احتيال بهذا الشكل بلغت 1.6 مليون دولار. ونقلت صحيفة إقليمية عن ضابط شرطة محلي قوله إن ”عددًا هائلاً من الناس فقدوا أموالهم بهذه الطريقة“.

2. الحجر المُضاد للرصاص

عقيق يماني، أو Onyx كما يُسمى بالإنجليزية. صورة: el9shop

حُكم على يمني يبلغ من العمر 52 عامًا بالسجن لمدة ستة أشهر من قبل محكمة في دبي لمحاولته بيع حجر الجزع (عقيق يماني) الذي يزعم أنه يحمي حامله من الرصاص.

قال المُدعَى عليه: ”إنني على استعداد لإثبت للعالم أنه حجر عقيق واقٍ من الرصاص… أنا مستعد لمواجهة عقوبة الإعدام إذا كان هذا ما سوف يتطلبه الأمر لي لإثبات أن قوة الحجر لا يمكن انكارها على الإطلاق“. لكن بالطبع جرى رفض السماح له باختبار القدرات المزعومة الحجر. خلال الجلسة، جادل المدعى عليه بأن الحجر أثبت أنه مضاد للرصاص عندما جربه أربع مرات على الأغنام.

كان الرجل اليمني قد نشر إعلانًا في إحدى الصحف المحلية يقول إنه سيبيع الحجر مقابل حوالي 490.000 دولار في جناح كان مشاركًا فيه في معرض محلي. أما بالنسبة لأصل الحجر، فقد زعم المدعى عليه أنه عثر عليه في اليمن دون تقديم المزيد من التفاصيل. تجدر الإشارة إلى أن الحجر لم يثبت قط أنه لا يقي حامله من الرصاص.

3. سرقة المليار دولار

بعد محاولتي خداع منفصلتين في أقل من تسعة وثلاثين ساعة، ألقت شرطة أبو ظبي القبض على خمسة مشتبه بهم زُعم أنهم حاولوا سحب 42 مليار دولار من البنك المركزي في البلاد.

تضمنت المحاولة الأولى مدير أحد البنوك المحلية، حيث زعم مع اثنين آخران يزوران البلاد ويقومان بتوفير وثائق مزورة من الخارج تبين أن البنك المركزي لدولة الإمارات العربية المتحدة مَدين لقائد مجموعتهم بمبلغ 14.4 مليار دولار. عندما تم القبض على مدير البنك اعترف بأن امرأة أجنبية أقنعته أن البنك المركزي يحتفظ بـ 44 صندوق وديعة تحتوي على 14.4 مليار دولار وأنه سيحصل على 20 ٪ من المال إذا كان على استعداد للمساعدة.

شملت المحاولة الثانية رجلين قاما أيضًا بإنتاج وثائق مزورة يطالبان البنك المركزي بها بمبلغ 28 مليار دولار. أحد المشتبه هو زائر للبلاد وأقر بأنه طُلب منه سحب الأموال لطرف ثالث مقابل 1٪ من المبلغ. كان دور المشتبه به الثاني هو إرشاد الرجل الذي يزور البلاد إلى الطريق نحو إمارة أخرى فيصل إلى مقر البنك المركزي.

توصل التحقيق الذي أجرته الشرطة أن كلتا المحاولتين كانتا مدبرتين من قبل الشخص السادس نفسه الذي يعيش في بلد آخر من المنطقة.

4. وظيفة الحلم

مصافي النفط في عجمان. صورة: Yellow Page

ظن رجل أسترالي أنه قد حصل على وظيفة الأحلام عندما عُرض عليه من خلال وكالة توظيف عرض عمل براتب 300.000 دولار في السنة في الشرق الأوسط، والرجل هو مهندس ميكانيكي يعمل في مجال المناجم في جميع أنحاء العالم.

بعد دفع 600 دولار لعرض سيرته الذاتية أمام أرباب العمل الكبار في منطقة الخليج، كان سعيدًا بتلقيه اتصالًا من رجل يدعي أنه رئيس الموارد البشرية لدى شركة عجمان للبترول في الإمارات العربية المتحدة، وعرض عليه منصب مُشرف على العمل بأجر كبير.

طلب رئيس الموارد البشرية الحصول على 1.546 دولار مقابل تزويده بالتأشيرة الأسترالية وغيرها من الوثائق. لم يُفكر الرجل الذي عمل سابقًا في آسيا، ولكن ليس في الشرق الأوسط، كثيرًا في الطلب وأرسل الأموال في الحال. لكن لم يمض وقت طويل حتى طلب منه مبلغ 6956 دولارًا آخر لتغطية مجموعة من الأوراق الأخرى، بما في ذلك تذاكر الطيران، فبدأت أجراس الإنذار تدق في رأس الرجل وأدرك أنه كان ضحية لما يسمى بالاحتيال النيجيري. الذي ما زال منتشرًا وبكثرة. أعلنت شركة عجمان للبترول أنها لم تسمع قط عن رئيس الموارد البشرية هذا.

5. الزئبق الأحمر

ماكينة خياطة من ماركة Singer. صورة: Youtube

في نيسان عام 2009، كانت المملكة العربية السعودية تعج بشائعات بأنه يمكن العثور على مادة الزئبق الأحمر الأسطورية في آلات الخياطة القديمة من ماركة Singer. ارتفعت أسعار الآلات لاحقًا من 53 دولار إلى 53000 دولار.

ادعت الشائعات التي بدأت على شبكة الإنترنت أن المشترين الأجانب الذين تتراوح مكانتهم بين خبراء سويسريين وأمريكيين وصولًا إلى الكويتيين الأثرياء والمخابرات الروسية كانوا يجولون في جميع أنحاء المملكة بحثًا عن آلات الخياطة القديمة. نتيجة للشائعات، بدأ الناس في البحث في الأسواق وحتى سرقة الخياطين للحصول على الآلات.

ظهرت تقارير ما يسمى ”الزئبق الأحمر“، لأول مرة في وسائل الإعلام الغربية والروسية خلال الثمانينيات من القرن الماضي بدون تفاصيل عن شكل الجسم وما هي ماهيته. على الرغم من ذلك، زعمت التقارير أن هذه المادة تشكل عنصرًا أساسيًا في صناعة الأسلحة النووية. لم يثبت أبدًا أن ”الزئبق الأحمر“ موجود فعليًا، لكن هذا لم يوقف الشائعات التي تدور حول إمكانية استخدامه لاستدعاء الجن واستخراج الذهب وتحديد موقع الكنوز المدفونة وأداء أنواع مختلفة من السحر.

وفقًا للشائعات، يجب أن يكون الشخص قادرًا على تحديد وجود الزئبق في إبرة الماكينة باستخدام هاتف محمول. إذا قُطع الخط أثناء الإمساك بالهاتف بالقرب من الإبرة، فهذا مؤشر أكيد على وجود ”الزئبق الأحمر“. ومع ذلك، لم تقدم الشائعات أي إرشادات حول كيفية استخراج المادة من الجهاز.

6. صاحب ”السحر الأسود“ الذي قاد بنك دبي الإسلامي إلى شفا الانهيار

فوتانجا باباني سيسوكو. صورة: Miami Herald

قال (فوتانجا باباني سيسوكو) لمدير فرع بنك دبي الإسلامي إنه يتمتع بقدرات القيام بالسحر الأسود وانتهى به الأمر إلى الحصول على 242 مليون دولار من البنك وجعل البنك على وشك الافلاس.

في تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية (BBC)، ذكرت الصحفية (بريجيت شيفر) أن المواطن المالي (فوتانجا باباني سيسوكو) أقنع مدير بنك دبي الإسلامي، (محمد أيوب)، بأنه يتمتع بقدرات سحرية يمكنه من خلالها جمع مبلغ كبير من المال ومضاعفته.

بنك دبي الإسلامي في كينيا.

وفقًا للتقرير ، فبعد دخول (سيسوكو) إلى المكتب الرئيسي لبنك دبي الإسلامي طلبًا للحصول على قرض سيارة ونيل الموافقة، قام بدعوة (أيوب) لتناول العشاء في منزله ومناقشة صفقة مالية مجزية، وهنالك ”كان يحمل أموال القرض الذي استلمه، ليهرع من الغرفة وهو يقول أن روحًا -جن- قد هاجمته للتو. وحذر (أيوب) من إغضاب الجن، وإلا لن يقوموا بمضاعفة أمواله“. ترك (أيوب) أمواله التي احضرها للتجربة في الغرفة السحرية وانتظر. قال إنه رأى الأنوار والدخان وسمع أصوات الأرواح، ثم حلّ الصمت: ”لقد تضاعفت الأموال بالفعل“.

وأضاف التقرير، بين عامي 1995 و1998، قام (أيوب) بإجراء 183 تحويلاً إلى حسابات (سيسوكو) حول العالم بقيمة إجمالية بلغت 242 مليون دولار، مما أدى إلى شائعات بأن البنك كان في مشكلة مما أدى إلى فتح تحقيقات في القضية والمسؤولين. تم إنقاذ البنك من قبل حكومة دبي التي تدخلت كمساهم مما أدى إلى خفض قيمة أسهم المساهمين الحاليين. أما (سيسوكو) فقد نجح في تحدي الإنتربول، وقضى 20 عامًا هاربًا وهو يُبدد أمواله ولم يعد باستطاعته مغادرة مالي. لكنه لم يدن ولم يقض يومًا واحدًا في السجن بسبب سرقة البنك باستخدام ”السحر الأسود“.

مقالات إعلانية