in

هل لكوننا أربعة أبعاد كما قال أينشتاين؟ أم أنها أكثر بكثير من ذلك؟

ابعاد الكون

نحن نحظى بكثير من المتعة في حياتنا، نستطيع التحرك بحرية والتنقل والتجول في الأرجاء، ولكن هل فكرت بدور أبعاد عالمنا الفيزيائي في ذلك؟

البعد هو محور مستقل أو اتجاه مستقل في الفضاء، يترتب على فهم الأبعاد فهم كثير من لأمور المتعلقة بالرياضيات والفيزياء والحياة أيضا ككل. حيث أن البعد هو اتجاه للحركة، فلنتخيل الوضع كالآتي:

لديك عالم مكون من بعد مكاني واحد، فيه كائنات أحادية البعد، هل تستطيع تخيل ذلك؟

في العالم أحادي البعد يجب أن لا تكون ملولا لأنه ممل جدا بالفعل، العالم أحادي البعد هذا عبارة عن خط وكل من فيه نقطة أو مجموعة نقاط في اتجاه واحد، يسير كل شيء فيه في اتجاه واحد فقط للأمام والخلف، ليس عنده خيارات أخرى، إذا أردت أن تذهب لمكان ما في العالم أحادي البعد فيجدر بك أن تنتظر كل الواقفين أمامك حتى يتحركوا، على كل حال لا يوجد مكان لتذهب إليه في العالم الأحادي البعد لأنك لن تجد شيئا على جانبك، هناك فقط نقاط أمامك وخلفك وليس لديك مكان تمشي فيه سوى هذا الخط.

لنتخيل أن الأصدقاء في العالم أحادي البعد قد طوروا آلة تنشئ له بعدا ثانيا مكانيا، وبهذا سيكون عالمهم سطحا مستويا بدلا من أن يكون خطيا وسيحصلون على الكثير من المرح بسبب البعد العرضي، حيث أنهم سيستطيعون الانتشار على المسطح بدلا من أن يتراصفوا في خط واحد.

نحن لحسن الحظ نعيش في عالم ثلاثي الأبعاد المكانية ونستطيع التحرك بحرية للأمام والخلف واليمين واليسار ولأعلى وأسفل، وهذا يجعل حياتنا أسهل وأكثر مرحا وتنوعا عن العالم ثنائي الأبعاد لأننا نملك عمقا يمثل الأعلى والأسفل.

حين تتعلم الهندسة يحب عليك أن تستحضر الأبعاد ليزيد فهمك، فالنقاط هي أماكن عديمة الأبعاد، أي أن البعد في نقطة مفردة هو بعد صفري، فإذا تحركت في أي اتجاه انطلاقا من تلك النقطة فسيكون لديه بعد وهذا البعد يمثل البعد رقم واحد، إذا تحركت في اتجاه آخر من تلك النقطة فإنك ستصير في البعد آخر هو البعد رقم 2، وحين تتحرك في اتجاه آخر غير الاثنين السابقين فسوف تصير في البعد رقم 3، وحين تتحرك (نظريا) في اتجاه مختلف عن الثلاثة السابقين فسوف تصير في البعد رقم 4 وهكذا.

اقترح ألبرت آينشتاين أن الزمن هو بعد مستقل في الفضاء ولكنه ليس بعدا مكانيا، فالأحداث تحصل في الزمان في محور (ماضي -مستقبل)، وهو مميز عن الأبعاد المكانية لأنه غير قابل للعودة، فالذي يحصل في الماضي لا يمكن أن يعود بينما حين تنتقل من النقطة A إلى النقطة B في المكان فأنت تستطيع أن تعود للنقطة A، بينما حين يحصل حدث P مثلا في في عالم محتوي على زمان ومكان فإن الحدث p لن يعود حين تنتقل في البعد الزمني إلى اللحظة التي تلي الحدث p.

كما أننا حين نحلل المتجهات في الزمكان رباعي الأبعاد فإننا نأخذ له أربع مركبات تمثل الأتجاهات في الأبعاد المكانية والبعد الزمني (ct,X1,X2,X3)

في عام 1919 اقترح تيودور كالوزا من جامعة ننغيسبيرغ فكرة ثورية، وهي أن عالمنا قد يحتوي على أبعاد أكثر من الأبعاد الزمكانية الأربعة.

نظرية كالوزا تقترح طريقة لدمج النسبية العامة ونظرية ماكسويل في الكهرومغناطيسية، وقد نقح عالم الرياضيات أوسكار كلاين نظرية كالوزا واقترح وجود نوعين من الأبعاد، أبعاد ممتدة وواضحة، وأبعاد متقلصة ومتجعدة لا يمكن رؤيتها لأنها تتجعد في نطاق صغير جدا جدا حتى خارج قدرات قياسنا الحالية في العالم الصغري التي تبلغ قرابة 18-^10 (عشرة موفوعة للقوة سالب 18، أي جزء من بليون جزء من البليون جزء من المتر).

حين أضاف كالوزا بعدا آخر للنسبية العامة استنبط مجموعة من المعادلات وجد أنها لم تكن في الحقيقة سوى معادلات ماكسويل التي استنبطها جميس كلارك ماكسويل في عام 1880، والتي توحد الكهرباء والمغناطيسية في قوة واحدة، الجديد في نظرية كالوزا أنها تربط الجاذبية والكهرومغناطيسية اللتان ظهرتا على أنهما غير مترابطتين أبدا، وبذلك استنتح كالوزا أن موجات الجاذبية تسري في الأبعاد الممتدة بينما تسري الموجات الكهرومغاطيسية في البعد الرابع الذي اقترحه.

أرسل كالوزا بحثه إلى آينشتاين وقد نال على إعجاب أينشتاين ولكنه كان مثيرا للشكوك، وبعد فترة أرسل آينشتاين البحث لكي يتم دراسته بشكل عملي، أظهرت النتائج التجريبية وقتها نتائج كارثية بسبب ضعف القدرات التقنية آنذاك.

غاصت نظرية كالوزا في الأعماق بسبب عدم اهتمام تيار الفيزياء الأساسي آنذاك بأي شيء عدا ميكانيكا الكم، وسبر أغوار الذرات والكشف عن الميكانيكا التي تحكم عملها. أصبح العلماء يطلقون على الإطار النظري الذي يقترح الأبعاد الإضافية (نظرية كالوزا-كلاين). التعمق أكثر من هذا في موضوع الأبعاد يتطلب الدخول إلى نظرية الأوتار وهذا يجعل الأمور غير مؤكدة حتى الآن للأسف.

اقترح رواد نظرية الأوتار الشهيرون غاري هيروبتس وأندر سترومنغر من جامعة كاليفورنيا والعالم الشهير إدروارد ويتن أن الأبعاد الإضافية لا تتجعد بأي شكل بل هناك أشكال معينة تتجعد خلالها تسمى أشكال أو فضاءات (كالابي-ياو/Calabi-Yau).

شكل كالابي-ياو Calabi-Yau
شكل كالابي-ياو Calabi-Yau

كما تقترح نظرية الأوتار وجود ستة أبعاد مكانية متجعدة تتجعد بأحد أشكال كالابي-ياو تتذبذب خلالها الأوتار المقترحة، المشكلة أن أشكال كالابي-ياو كثيرة ولا يستطيع العلماء الجزم بأن أحدها هو الشكل الصحيح وهذه هي المشكلة الكبرى التي تعانيها نظرية الأوتار (مع وجود الكثير من المشاكل العويصة الأخرى).

نظريا وبالاعتماد على فرضية الأبعاد المتجعدة في فضاءات كلابي-ياو فأنت حين تحرك يدك أو تتحرك أنت في الأبعاد المكانية المعروفة فأنت تتحرك كذلك في الأبعاد المتجعدة ولكنك لا تحس بذلك بسبب صغر تلك الأبعاد وتاثيراتها على الأشياء في نطاقها المتناه في الصغر.

مقالات إعلانية