تُعد سمرقد ثالث أكبر مدينة في أوزبكستان وواحدة من أقدم المدن الإسلامية التي لا تزال مأهولة بالسكان في آسيا الوسطى. كانت مباني هذه المدينة العتيقة ترمم باستمرار وتمت المحافظة عليها بشكل جيد، حيث نجت المدينة من حملات التدمير المنهجية للآثار التي شنتها مجموعة من المتطرفين في العقد الحالي على عدة مناطق أثرية من الشرق الأوسط.
تم اكتشاف سمرقند في القرن الثامن أو التاسع قبل الميلاد، ولها تاريخ طويل وصاخب يبدأ من الوقت الذي مر فيه الإسكندر الأكبر من المنطقة وحط الرحال في المدينة، منذ ذلك الحين تم الاستيلاء عليها في العديد من المرات وتداول على حكمها الكثير من الحكام من جنسيات مختلفة كالفرس واليونانيين والأتراك والمغول والصينيين وحتى الروس. ذُكرت سمرقند في كتابات العديد المؤرخين والكتّاب مثل الرحالة المغربي بن بطوطة، والباحثَين الصينيَين (فاكسيان) و(شوانزانغ)، و(ماركو بولو).
زار بن بطوطة سمرقند في أوائل القرن الثالث عشر وقال عنها: ”هي واحدة من أعظم وأرقى المدن وأكثرها مثالية من ناحية الجمال“.
تم الإستيلاء على المدينة من قبل (جنكيز خان)، وهو مؤسس وإمبراطور الإمبراطورية المغولية، في القرن الثالث عشر حيث تم تدمير جزءٍ كبير منها، وبقيت على حالها إلى حين وصول (تيمور) –مؤسس وحاكم الإمبراطورية التيمورية– إليها، فقام بترميم ما أمكن من المباني وأعاد بناء المدينة كاملة فيما بعد.
بعد أن جعل تيمور سمرقند عاصمةً لبلاده، قام بإحضار أفضل النحاتين والحرفيين الذين استطاع إيجادهم من كل مكان من إمبراطوريته الشاسعة وحتى من المناطق المجاورة، وكان (تيمور) جاداً بقدر كبير فيما يخص إعادة بناء المدينة. وُصفت الطريقة التي قام بها (تيمور) في تنفيذ هذه المهمة في ويكيبيديا كالتالي:
إن شغف (تيمور) بالفنون بدا واضحاً وجلياً في الطريقة التي عامل بها أولئك الأشخاص الذين أيقن أنهم يملكون قدرات فنية خاصة، فقد تصرف معهم برحمة وعطف كبيرين، على عكس طبيعته العدوانية التي جعلته لا يرحم أعداءه مطلقاً. لقد أنقذ حياة الفنانين والحرفيين والمهندسين المعماريين من مختلف المناطق حتى يتمكن من جلبهم لتحسين وتجميل العاصمة، كما أنه كان مشاركاً بشكلٍ مباشر في مشاريع البناء الخاصة به وكثيراً ما تجاوزت رُآه قدرات عماله الفنية. علاوة على ذلك، كان (تيمور) صارما جدا فيما يتعلق بعمليات البناء حيث أنه كان في كثير من الأحيان يعاين المباني ويقيم مدى جودتها وإذا كانت النتيجة غير مرضية بالنسبة له يأمر العمال بإعادة بنائها وبسرعة، فقد كانت المدينة في حالة بناء مستمرة“.
أمر (تيمور) في إحدى المرات بطبخ كميات كبيرة من اللحوم وإلقائها على العمال الذين كانوا يعملون على بناء مسجد (بيبي خانيم) لتتواصل عملية البناء ليلاً نهاراً ودون توقف، وفي بعض الأحيان كان يرمي لهم النقود المعدنية عندما كانت نتيجة عملهم تنال رضاه.
استمرت هذه الفترة العظيمة لإعادة إعمار سمرقند لمدة خمسة وثلاثين عامًا حتى موت (تيمور) عام 1405، وبحلول ذلك الوقت تحدد نمط وأسلوب مباني المدينة وتميز كثيراً عن غيره، حيث ظهر جلياً في الحدائق والقصور والأضرحة وخاصة في هندسة المساجد المذهلة.
لقد أجريت الكثير من الترميمات على هذه المباني الرائعة، وتمت إعادة بناء العديد منها قبل حوالي خمسين عامًا أثناء فترة الحكم السوفييتي في المنطقة. تركت قرونٌ من الحرب وبعض الزلازل القوية التي اجتاحت المدينة آثاراً كبيرة على العديد من المباني وجعلتها في حالة خراب، تم ترميم بعضها بشكل كامل مؤخراً منذ عشر سنوات مثل مقبرة (شاه زنده) وكانت أعمال الترميم الكاملة تلك مثيرة للجدل بالنسبة للبعض لأنهم اعتبروا أنها أفقدت المكان أصالته الأثرية.
في الحقيقة لو لم تتم تلك الترميمات وبصورتها الكاملة لكان هذا الموروث الثقافي والعمراني الهش قد اختفى الآن وتلاشت معه معالم إحدى أجمل المدن الإسلامية القديمة.