in

حرب الإيمو العظيمة: الجيش الأسترالي مقابل مجموعة من الطيور

حرب الإيمو

عندما تسمع كلمة حرب، لا شك بأنك كما الجميع ستفكر بمجموعة من الجنود الذين يقاتلون بعضهم بعضاً لغاية ما أو لخلاف سياسي بين بلدين أو أطراف من نفس البلد في حالة الحرب الأهلية، وكما هو واضح فالمتقاتلون في الحروب هم بشر عادة، لكن هذه القاعدة العامة لا تنطبق على حرب الإيمو العظيمة، حيث أن هذه الحرب كانت بين الجيش الأسترالي وطيور الإيمو التي لا تستطيع الطيران وتشبه النعامة ولو بحجم أصغر نسبياً.

بالطبع فتسمية «حرب الإيمو العظيمة» ساخرة كما هو واضح، فهذه الحرب من الممكن أن توصف بالعديد من الأوصاف والعظمة ليست واحدة منها، ومع أنها كما هو متوقع انتهت بانتصار البشر في النهاية، فالمسير الأولي لها لم يكن كذلك، ومن الممكن القول أن هذه الطيور الغبية هي الفائز في المعارك الأولى على الأقل.

ما هو سر هذه الحرب الغريبة؟

أستراليا كما الأمريكيتان تعد من بلدان ”العالم الجديد“، حيث أنها كانت منسية أو مجهولة من العالم القديم (آسيا وأوروبا وأفريقيا)، وبعد اكتشافها في القرن السابع عشر احتاج الأمر لعدة قرون ريثما تمتلك تعداداً سكانياً كبيراً. لكن وعلى عكس معظم بلدان العالم الجديد، فأستراليا بلد صحراوي قاحل للغاية في معظم أجزائه، ومع كون التربة سيئة للغاية وتفتقد الخصوبة فقد كان المزارعون يعانون بشدة من الأمر، وليزداد الطين بلة فقد كانت معظم مناطق المزارع تتعرض لغزوات دائمة من طيور الإيمو.

هذه الطيور العاجزة عن الطيران تشبه النعامة للغاية في الواقع، فهي كبيرة الحجم إلى حد بعيد، كما تمتلك رقبة طويلة وجسماً ضخماً مع سيقان طويلة، لكن على عكس النعام فهي اجتماعية عادة وتسير في قطعان كبيرة للغاية. في حال دخلت إلى مزرعة فالأرجح أنها لن تترك أية محاصيل سليمة، فهي تدوس وتتغوط على كل شيء وتترك المزرعة مدمرة بشكل كامل عند مغادرتها.

طيور الإيمو.
طيور الإيمو.

خلال مطلع القرن العشرين وبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى وجد المزارعون الأستراليون أنفسهم في صراع مع الحكومة للحصول على التمويل، حيث كانوا قد وعدوا بتمويل حكومي مراراً وتكراراً دون أن يصل، وعندما بدأ ”الكساد العظيم“ في العشرينيات كان لا بد من تصرف حكومي، لذا وبدلاً من دفع مساعدات مالية لا تستطيع الحكومة تحملها، تقرر إرسال وحدة من الجيش لمحاربة طيور الإيمو التي تخرب المحاصيل كوسيلة لإرضاء المزارعين.

أحداث الحرب

كان المخطط الأول أن يبدأ تدخل الجيش الأسترالي للتخلص من طيور الإيمو خلال شهر تشرين الأول/أكتوبر من عام 1932، حيث وضع ثلاثة ضباط من الجيش الملكي الأسترالي للقيام بالمهمة، وزودوا برشاشين كبيرين و10 آلاف رصاصة من الذخيرة، وبعد تأخير لعدة أسابيع بسبب الأمطار الغزيرة بدأت ”الحرب“ في شهر تشرين الثاني/نوفمبر من عام 1932.

المحاولة الأولى

في يوم 2 تشرين الثاني/نوفمبر من عام 1932 بدأ الحملة العسكرية على مجموعات الطيور، لكن الجنود بدأوا بإطلاق النار قبل أن يصبحوا على مسافة قريبة كفاية من الطيور، بالنتيجة كانت الطيور خارج المدى المجدي للرصاص، وأد الصوت إلى تشتتها بسرعة إلى مجموعات صغيرة من بضعة طيور فقط يصعب استهدافها أو إصابتها بالرصاص، وبعد يوم غير مجدٍ تقريباً تمكن الجنود من قتل بضعة طيور في نهاية اليوم.

في المرة اللاحقة قرر الضباط تأجيل إطلاق النار حتى تصبح الطيور قريبة كفاية لتتأثر بالرصاص حقاً، لذا فقد نصبوا فخاً وانتظروا قطيعاً كبيراً حتى بات قريباً للغاية منهم، لكن على عكس المتوقع توقفت الرشاشات عن العمل بسرعة ولم يقتل سوى 12 طيراً فقط خلال المحاولة، وسرعان ما هربت الطيور وانتشرت في مجموعات صغيرة.

طيور الإيمو.
طيور الإيمو.

بعد عدة محاولات فاشلة بسبب إطلاق النار المبكر أو مشاكل في الرشاشات، قرر الضابط المسؤول عن المهمة أن يضع الرشاشات على سيارات بحيث يمكن للجنود إطلاق النار من على متنها وإصابة الطيور بفعالية أكبر من السابق، لكن هذه المحاولة كانت فاشلة تماماً لأن السيارة كانت تهتز بشكل عنيف للغاية بسبب وعورة الطريق، وبالتالي لم يكن من الممكن إطلاق النار من الرشاشات أصلاً.

بعد أيام من الفشل المتتالي في قتل الطيور بأعداد كبيرة كفاية، كانت الحملة قد تحولت لنكتة بالنسبة للصحافة، حيث كانت فكرة فشل جنود مزودين برشاشات بقتل طيور لا تمتلك أية وسيلة دفاعية مضحكة للغاية، وبعد أسبوع فقط من بداية المحاولة الأولى أجرى البرلمان الأسترالي اجتماعاً لمناقشة الحملة وادعاءات الجنود بأن طيور الإيمو تستخدم ”تكتيكات حرب العصابات“ وتمتلك قادة ينظمون هروبها وحركها.

بالطبع فقد قاد الإحراج الشديد أمام الصحافة إلى قيام البرلمان بإنهاء مهمة الحملة، حيث أن الجنود كانوا قد أهدروا 2500 رصاصة ولم يقتلوا سوى 50 طيراً فقط وفق بعض التقديرات، لكن التقديرات اللاحقة أشارت إلى كون عدد الطيور المقتولة يصل إلى 300.

المحاولة الثانية

بعد انسحاب الجيش الأسترالي كانت ردود أفعال المزارعين غاضبة للغاية، حيث عادت غارات الطيور على المزارع بقوة من جديد، كما أن المحاولة الأولى لم تحدث أي تغيير حقيقي. لذا وفي يوم 12 تشرين الثاني/نوفمبر أمر وزير الدفاع الأسترالي باستئناف الحملة مجدداً، وعاد الجيش الأسترالي ليطارد هذه الطيور من جديد.

خلال الأيام الأولى تمكنت الحملة من تحقيق نجاح نسبي مقابل المحاولة الأولى، لكنها سرعان ما فقدت الحملة زخمها وانخفض عدد الطيور المقتولة إلى قرابة 100 كل أسبوع فقط، وبعد أقل من شهر تم إنهاء الحملة بشكل نهائي يوم 10 كانون الأول/ديسمبر، ومع عدد ضحايا هو 986 طيراً مقتولاً فقط فقد كان الأمر محرجاً للغاية للحكومة الأسترالية.

بهذا انتهى الجزء الأساسي من حرب الإيمو العظيمة، ومع أن الأستراليين لم يتعرضوا لأي قتلى أو مصابين، وبالمقابل خسرت الطيور بضعة مئات منها، فنتائج الحروب لا تقاس هكذا. ببساطة كان هدف الأستراليين هو التخلص من الطيور، بينما كان هدف الطيور الاستمرار بالبقاء، وكون الطيور بقيت في الواقع فالأستراليون قد هزموا في هذه الحرب التي تبدو كنكتة.

الأحداث التالية للحرب

بعد إنهاء الحملة على طيور الإيمو بشكل نهائي، عاد المزارعون الأستراليون للمطالبة بالتدخل العسكري مراراً وتكراراً، لكن في هذه المرات كان الإحراج الذي تعرضت له الحكومة أكبر من أن تذعن لهذه المطالب. لذا وكمحاولة لإرضاء المزارعين فقد أعيد العمل بنظام المكافئات الذي كان قد أقر عام 1923 وأوقف مؤقتا، ببساطة قم بقتل طير إيمو وأثبت ذلك، وستحصل على مكافئة مالية.

فكرة الدفع مقابل قتل الطيور أثبتت كونها فعالة أكثر من الحملات العسكرية عموماً، حيث قتل أكثر من 50 ألف طيراً خلال السنوات التالية لإعادة المكافئة، لكن مع تعداد بمئات الآلاف بقي الأمر مشكلة كبرى للمزارعين، حيث لم يتم حل الأمر حقاً حتى اليوم، وبالنتيجة وجد المزارعون أنفسهم مرغمين على وضع أسيجة مكونة من الأسلاك المعدنية المتداخلة لمنع الطيور والأرانب البرية من تخريب مزروعاتهم.

اليوم يعتقد أن تعداد طيور الإيمو هو الأعلى في التاريخ المعروف للمنطقة ويتخطى عدد الطيور في الفترة السابقة لوصول الأوروبيين إلى أستراليا، ومع أن طيور الإيمو كانت العدو الحرفي للجيش الأسترالي أثناء الحرب، فالطير موجود في شعار الجيش الأسترالي كما أنه الطائر الرسمي لأستراليا، وهذا ما يجعل هذه الحرب المضحكة أصلاً محط سخرية أكبر حتى.

مقالات إعلانية