in

دخلك بتعرف ”النار الإغريقية“، واحدة من أكثر الأسرار العسكرية المحفوظة في التاريخ

قد تكون الجيوش الحديثة مجهزة بطائرات عسكرية بدون طيار، وصواريخ ذكية تتعقب أهدافها من خلال حرارتها، لكن أسياد الحروب القدامى ومحطمو الجيوش الحقيقيين كانوا قد ماتوا واندثروا بزمن طويل قبل أن يُعرف للجيوش الحالية وجود.

صورة من لعبة assasin's greed

قديما في القرن السابع للميلاد، كان البيزنطيون –وليس الإغريق– قد ابتكروا سلاحا عرف باسم ”النار الإغريقية“ من أجل حماية القسطنطينية خلال الحصار الذي فرضه عليه العرب، وكانت الامبراطورية البيزنطية هي الجناح الأيمن للإمبراطورية الرومانية الذي كان يتكلم اللغة اليونانية، وقد تأسست في (بيزانتيوم) وقد كانت ناجحة بمفردها وقائمة بذاتها لدرجة أنها استمرت بعد انهيار الإمبراطورية الرومانية الغربية بألف سنة كاملة.

كان لدى البيزنطيين أسماء قليلة يشيرون بها إلى ”النار الإغريقية“، مثل ”نار البحر“، و”النار السائلة“، وبينما لم يكن هذا السلاح أول سلاح حارق يخترعه الإنسان، فإنه كان أكثرها نجاحا وفعالية، ومازلنا نتحدث عنه حتى يومنا هذا بسبب أن لا أحد يعلم بمكوناته تماما التي كانت تدخل في تركيبه.

في الواقع، كانت الجيوش التي تمكنت من الحصول على هذا السائل الحارق بطريقة أو بأخرى، وكذا الحصول على المعدات التي كانت تستخدم في إطلاقه وإشعاله وتوجيهه نحو الأعداء، عاجزة على إعادة صناعة أيّ من السلاح أو الآلة التي تستخدم في تفعيله.

واحدة من أقدم اللوحات التي تبرز سلاح النار الإغريقية قيد الاستخدام.
واحدة من أقدم اللوحات التي تبرز سلاح النار الإغريقية قيد الاستخدام في المعارك البحرية.

لطالما أسر الغموض الذي أحاط بالنار الإغريقية العلماء والمؤرخين على مر العصور، وقد يكون هو العنصر الملهم الذي ألهم الجيوش المعاصرة لاختراع أسلحة الـ(نابالم) وقاذفات اللهب الحديثة كما نعرفها، وعلى الرغم من أنه يستعمل غالبا كمصطلح جامع يصف مجموعة متنوعة من التركيبات الفرعية، فإن النار الإغريقية الحقيقية كانت سائلا حارقا وخاصا جدا كان يتم تسخينه ثم ضغطه ثم إطلاقه عبر أنابيب وأسطوانات.

تضمنت بعض الخصائص التي جعلت منه سلاحا فريدا من نوعه قدرته على الاحتراق فوق الماء والبقاء مشتعلا على سطحه، وقدرته على الالتصاق ببقية الأسطح التي يلقى عليها، ولم يكن متاحا إخماده إلا بواسطة الرمل أو الخل أو –على قدر الغرابة التي يبدو عليها الأمر– البول القديم، ويعتقد بعض المؤرخين أنه كان حتى بالامكان إشعاله باستخدام الماء.

تم محاكاة عدة عن هذا السلاح من طرف الشعوب الأخرى على مر العصور، ولكن لم يكن أي منها يتمتع بجميع الصفات التي امتاز بها، حيث أن التركيبة البيزنطية الحقيقية للنار الإغريقية ماتت مع أفول شمس هذه الإمبراطورية، وعلى الرغم من ذلك يُعتقد أن البترول والجير والكبريت ونترات الصوديوم كانت فقط بعضاً من المكونات الكيميائية التي دخلت في تركيبه، وهو ما اقترحه بعض المؤرخين في العصر الحديث.

يبرز شريط الفيديو أدناه من برنامج «اكتشافات قديمة» قاذف اللهب البيزنطي اليدوي المحمول وهو قيد الاستعمال الذي يتم ملؤه بهذا السائل الناري الحارق ثم تفعيله، لكن لم تستعمل فيه النار الإغريقية لأن وصفة تركيبها ما تزال مجهولة إلى يومنا هذا.

ومثلما يتضح لنا من الفيديو، فإن حتى نسخة مصغرة ومقلدة عن هذا السلاح هي قوية بشكل مرعب.

من أجل تبيان أن ذلك السلاح قاذف اللهب المحمول يدويا لم يكن من مجرد نسج مخيلة منتجي البرنامج السابق، وأنه كان أمرا حقيقيا جدا، إليك صورة قديمة تبرز استعماله من طرف جندي بيزنطي قديم.

جندي بيزنطي قديم يستخدم قاذف لهب يدوي مزود بالنار الإغريقية.
جندي بيزنطي قديم يستخدم قاذف لهب يدوي مزود بالنار الإغريقية.

كانت القنابل اليدوية كذلك تستعمل في الأزمنة القديمة، لقد كان يتم ملؤها بالنار الإغريقية ثم كانت تغلق بإحكام حتى يصبح كل ما يجب على الجندي فعله هو القذف بها ناحية العدو من أجل تصفيته، وتعتبر القنابل اليدوية التي تستعمل من طرف جيوش يومنا الحاضر سلفا مباشرا لهذه الابتكارات القديمة، وكل ما فعلناه حديثا هو أننا حدثنا مفهومها الأولي من خلال جعلها متفجرة بدلا من حارقة.

قنابل يدوية كانت تستعمل داخلها النار البيزنطية، بين القرنين الثامن والعاشر للميلاد.
قنابل يدوية كانت تستعمل داخلها النار البيزنطية، بين القرنين الثامن والعاشر للميلاد.

وتماما مثل القنابل اليدوية، فقد وجد العالم الحديث وسيلة ما من أجل ابتكار نسخته الخاصة عن سلاح النار الإغريقية القديم، ألا وهو سلاح ”النابالم“، حيث أن لفظة (نابالم) نفسها لها جذور إغريقية ولاتينية وهي (نافتثا)، ومن اللغة الإنجليزية حمض البالميتيك.

في الفيديو أدناه يعرض علينا قاذف اللهب من طراز «أم 9» الذي يعد النابالم المكثف كمصدر وقود له.

ظهر سلاح النار الإغريقية لاحقا في ألعاب الفيديو مثل Assassins’s Greed والمؤلفات الأدبية الخيالية مثل (هاري بوتر)، وأثبت أنه مهما بلغنا من التقدم من درجة، ومهما نلنا من التكنولوجيا، فإن أفضل الأفكار وأكثرها إثارة للاهتمام قد تكون الأقدم على الإطلاق.

مقالات إعلانية