in

إليك آخر الدراسات التي تكشف عن الأصل الغامض وغير المتوقع لليهود الأشكناز

من أين جاء الشعب اليهودي هو سؤال درسه علماء الأنثروبولوجيا والمؤرخون واللاهوتيون لآلاف السنين.

بحسب الأساطير، ينحدر اليهود من ثلاثة: إبراهيم وإسحاق ويعقوب، الذين دفنوا في كهف البطاركة (المسجد الإبراهيميّ) في المدينة الفلسطينية وموقع التراث العالمي جنوب الضفة الغربية؛ الخليل، ويقال إنهم دفنوا مع آدم وحواء والأمهات الحاكمات الأربع، سارة زوجة ابراهيم، وريبيكا زوجة اسحاق، وليا وراشيل زوجتا يعقوب.

لم يتم التنقيب في الكهف مطلقًا، ولكن فوقه يعلو مبنى حديث نسبيًا، يعود لمنتصف القرن الأول، بناه حاكم الجليل وملك اليهودية (هيرودس الأول) كتكريم لأسلافه على الأرجح.

من هم الأشكناز

الأشكناز هم اليهود الذين عاشوا في وادي نهر الراين وفي أجزاء فرنسا المجاورة، قبل هجرتهم وأحفادهم شرقًا إلى الأراضي السلافية (كبولندا وليتوانيا وروسيا) بعد الحروب الصليبية (القرنين 11 و13). وبعد اضطهاد القرن السابع عشر في أوروبا الشرقية، أعيد توطين أعداد كبيرة من هؤلاء اليهود في أوروبا الغربية، حيث جرى استيعابهم، كما حصل في أوروبا الشرقية، مع المجتمعات اليهودية الأخرى.

لاحقًا، تمت الإشارة إلى جميع اليهود الذين تبنوا طقوس الكنيس الألماني باسم ”أشكناز“ لتمييزهم عن اليهود السفارديم (الطقوس الإسبانية).

يختلف الأشكناز عن السفارديم في نطقهم للعبرية، وفي التقاليد الثقافية، وفي الطعميم (الغناء والابتهال)، وفي استخدامهم الواسع لليديشية (حتى القرن العشرين). أما الاختلافات الدينية فغير جوهرية وتقوم فقط على اختلاف الأصول.

فالإشكناز تَبنَّوا الصيغة الفلسطينية لليهودية، مقابل الصيغة البابلية التي تبناها السفارديم. إلا أن كلاهما تبنى التلمود البابلي مرجعًا أوحد في الأمور الدينية والفقهية، رغم بعض الاختلافات البسيطة.

يتحدث معظم الأشكناز اللغة «اليديشية» والتي كانت لهجة ألمانية خاصة باليهود في أوروبا، استخدموها منذ القرن العاشر الميلادي، ورغم تبني العبرية لاحقًا ما تزال اليديشية مستخدمة حتى الآن من قبل 1.5 مليون شخص، ومعترف بها كلغة أقلية في روسيا والسويد.

كلمة يديشية مكتوبة بالعبرية
كلمة يديشية مكتوبة بالعبرية. صورة: Public Domain

ثمانون بالمائة من كلمات اللغة هي ألمانية في الأصل، بالإضافة إلى بعض الكلمات من العبرية والسلافية، وخاصة البولندية بعد فرار اليهود إلى بولندا وشرق أوروبا بسبب الحروب الصليبية، وعادة ما تكتب اللغة اليديشية بالحروف العبرية.

يشكل الأشكناز اليوم أكثر من 80 في المئة من جميع اليهود في العالم، ويفوق عدد اليهود السفارديم بشكل كبير. في أوائل القرن الحادي والعشرين، بلغ عدد اليهود الأشكناز حوالي 11 مليون.

في إسرائيل، عدد الأشكناز والسفارديم متساو تقريبًا، ولدى الحاخامية الرئيسية حاخام أشكنازي وآخر من السفارديم على حد سواء، وتنتمي جميع الجماعات اليهودية الإصلاحية والمحافظة إلى الفرع الأشكنازي.

للوصول إلى نظرة علمية أكثر في الجدل حول الأصل اليهودي، كشف تحليل الحمض النووي حديث لليهود الأشكناز بشكل مفاجيء أن نسبهم يعود لأوروبا، على عكس المعروف سابقًا. وقد وجد أيضًا أن حمضهم النووي يحتوي فقط على 3٪ يعود لأصول قديمة تربطهم بشرق البحر الأبيض المتوسط، فلسطين ولبنان وأجزاء من سوريا وغرب الأردن، إذ يُقال، وفقًا للعهد القديم، أنه هذا هو الجزء الذي جاء منه اليهود في الأصل وانتشروا في العالم، لكن 3٪ نسبة ضئيلة جدًا، ومشابهة لما يشاركه الأوروبيون الحديثون ككل مع سلفهم النياندرتال.

لذا، بالنظر إلى أن ارتباط النسب الوراثي منخفض جدًا، يجب أن يكون أسلاف اليهود الأشكناز من مكان آخر.

ليس من قبيلة واحدة، بل من عدة

مكان انطلاق الأشكيناز والمكان الذي نالو اسمهم منه Iskenaz

لفهم القصة، نحتاج العودة إلى الوقت المناسب فنعرف من أين جاء أسلافهم الآخرون الأساسيون هؤلاء، والأصل يبدأ في بلاد فارس خلال القرن السادس. إنه المكان الذي عاش فيه معظم يهود العالم في ذلك الوقت.

شجع تسامح الفرس اليهود على تبني الأسماء والكلمات والتقاليد والممارسات الدينية الفارسية، وتسلق السلم الاجتماعي للحصول على احتكار للتجارة، كما اعتنق أشخاص آخرين كانوا يعيشون على طول البحر الأسود عقيدتهم اليهودية. ساعد هذا على توسيع شبكتهم العالمية.

كان من بين هؤلاء المعتنقين الجدد شعب آلان (الرعاة الإيرانيين الرحل في العصور القديمة) واليونانيون والسلاف الذين أقاموا على طول الشواطئ الجنوبية للبحر الأسود. عند التحول للدين الجديد، ترجموا العهد القديم إلى اليونانية، وبنوا المعابد اليهودية، وواصلوا توسيع شبكة التجارة اليهودية.

تبنى هؤلاء اليهود اسم «اشكيناز»، ويمكن تتبع الحمض النووي لليهود الأشكناز إلى «اشكناز القديمة» وهي منطقة تقاطع طرق التجارة في شرق تركيا.

يمكن أن يكون الحمض النووي للمتحدثين باللغة اليديشية قد نشأ من أربع قرى قديمة في شمال غرب تركيا.

صعود أشينا

خاقانات الخزر أو الامبراطورية الخزرية أو خزريا
خاقانات الخزر أو الامبراطورية الخزرية أو خزريا

نعلم الآن أنه في الوقت الذي تبنى فيه هؤلاء اليهود اسم أشكيناز، اكتسبوا أيضًا طفرات آسيوية فريدة على كروموسوم Y في جيناتهم. هنا تدخل مجموعة مهمة أخرى من الناس في القصة، أولئك الذي يُطلق عليهم اسم «الغوكتورك» أو الأتراك السماويون، وهم جماعة مرتحلة من الترك البدو في آسيا الداخلية الوسطى.

خلال القرن السادس، حُكم هؤلاء البدو قبيلة ذات أصول ربما تعود لسيبيريا عاشت في الركن الشمالي من آسيا الداخلية تسمى «أشينا». أجبرتهم إمبراطورية تانغ الصينية التي استولت على السلطة في الصين في ذلك الوقت، على الهجرة غربًا نحو البحر الأسود.

بفضل مهاراتهم التنظيمية والعسكرية؛ وحّدت أشينا العديد من القبائل في هذه المنطقة فولدت إمبراطورية جديدة تسمى «خاقانات الخزر» (خاقان لقب لكل ملك من ملوك الترك والتتار ويختصر اللقب إلى خان أو قان والخزر هم من الشعوب التركية القديمة التي ظهرت بين سواحل اتيل وشبه جزيرة القرم في شمال القوقاز واستقرت في منطقة الفولغا السفلى). فضلت «خاقانات الخزر» حرية العبادة والضرائب على التجارة.

نشأت مجموعة طفرات الحمض النووي الآسيوية هذه، والتي وجدت في جينات اليهود الأشكناز، على الأرجح من امتزاج نخبة الأشينا وعشائر الخزر الأخرى، الذين تحولوا من العقيدة الشامانية إلى اليهودية. وهذا يعني أن اليهود الأشكناز اندمجوا بعشائر الأشينا والخزر الأساسية. وفي هذا الوقت أيضًا، تبنت النخبة اليهودية العديد من العادات السلافية.

 

الفصل الأخير

زوجان يهوديان من مدينة فورمز بألمانيا، يحملان شارة صفراء إلزامية على ملابسهما. يحمل الرجل كيسًا من النقود وبصيلات من الثوم، حيث استخدم كلاهما غالبًا في تصوير اليهود. القرن السادس عشر. صورة: Public Domain

ما حدث تاليًا هو أن الإمبراطورية اليهودية بدأت في الانهيار. بحلول القرن العاشر، هاجر يهود البحر الأسود إلى أوكرانيا وإيطاليا. أصبحت اللغة اليديشية اللغة المشتركة لليهود الأشكناز التي قامت على العديد من الكلمات الألمانية مع الحفاظ على قواعد السلافية. ومع انتقال التجارة العالمية إلى أيدي الإيطاليين والهولنديين والإنجليز، وُضع اليهود جانبًا.

خلاصة

وجدت الدراسات السابقة أن 50-80٪ من الحمض النووي الاشكنازي من جهة الأب نشأت في الشرق الأدنى. لذا ليس من المستغرب أن يكون هناك اعتقاد مشترك بأن إسرائيل والشرق الأدنى كان وطنهم القديم. لكن الدراسات الحديثة أظهرت أن 80٪ من سلالة يهود الأشكناز تأتي من أوروبا، وفقط عدد قليل منهم يملك جينات الشرق الأدنى.

كما قال البروفيسور (مارتن ريتشاردز)، عالم الآثار في «جامعة هيدرسفيلد» في إنجلترا، في دراسة أجراها: ”يشير هذا إلى أنه على الرغم من أن الرجال اليهود ربما هاجروا بالفعل إلى أوروبا من فلسطين منذ 2000 عام تقريبًا، يبدو أنهم تزوجوا من نساء أوروبيات.“

يبدو أن غالبية الأوروبيين الذين تحولوا إلى اليهودية خلال السنوات الأولى من الشتات كانوا من النساء. وهذا يساعد على تفسير سبب قدرة الأشكناز على تتبع نسب الأم إلى جنوب وغرب أوروبا.

مقالات إعلانية