in

التحقيق العلمي في الادعاءات العلمية للشيخ محمد راتب النابلسي: تفسير الأية الأولى من سورة البروج

محمد راتب النابلسي

إن دين الإسلام فريد من نوعه بين الديانات بكثير من صفاته، فبالإضافة لكونه دينًا هو قانون وسياسة، هو نظام شمولي استبدادي، وهو دين قام بتسييسه العرب القدماء ببراعة جعلت منه دينًا (في ظاهره) محكمًا على نقيض الديانة المسيحية أو اليهودية، إلا أن إحدى مميزات دين الإسلام الفريدة حقًا هي أنه قد انتقل من محاربة العلم وجهًا لوجه (بالغالب – لم يصل هناك بعد مع نظرية التطور) إلى محاولته تجنيد العلم (بعد تحريف وتزوير بالغ) ليقوي ويدعم دوغمائيته. لذلك، قمت بتأسيس هذه السلسلة كمشروع للرقابة على رجال الدين المسلمين في محاولاتهم المستمرة للوي الحقائق وتلفيق الأرقام وتحريف النظريات لدعم خطابهم الديني. فلا مشكلة لدي مع الخطاب الديني ذاته، لكن حين يصل رجال الدين لوقاحة تسمح لهم بتحريف العلم وتجنيده للضحك على عقول الناس عندها تصبح مشكلتهم مشكلة شخصية مع كل إنسان يحترم عقله ويحترم العلم.

ستتخذ هذه السلسلة منهجين: الأول، اقتباس مقتطفات من خطب ومحاضرات لرجال الدين المعروفين بسياسة إذهال العوام بالخطاب شبه العلمي المليء بالأرقام والكلمات المعقدة لإعطاء كلامهم صفة موثوقة، كأمثال زغلول النجار وعلي الكيالي ومحمد راتب النابلسي، وتفنيد خطابهم بشكل علمي حقيقي لكشف أخطائهم ومغالطاتهم العلمية (سواء مقصودة أو غير مقصودة).

أما المنهج الثاني فسيهتم بتفنيد أبرز ادعاءات ما يسمى ”الإعجاز العلمي“ في القرآن، بحيث سيتم وضع هذه الادعاءات تحت منهجية اختبار محكمة والتأكد من مصداقيتها باستخدام منهجية علمية شفافة.

سأبدأ السلسلة اليوم بتقديم مقتطف قصير من محاضرة للداعية الإسلامي محمد راتب النابلسي.

ولد النابلسي سنة ١٩٣٩ في سوريا، وهو يعد من أشهر أعلام ما يسمى ”الإسلام التفكري،“ فيغلب على خطبه ومحاضراته طابع الكلام المسرد والنسيج النثري الجميل لترك انطباع في جمهوره، وهو أسلوب مؤثر وناجع. ويتخلل سرده التفكري هذا، بطبيعة الأمر، ما يدعوه النابلسي ”التفكر في آيات الله“ وبهذه الخطب يقوم النابلسي بإبهار جمهوره بعشرات الحقائق والأرقام التي لا تخدم أي غرض حقيقي سوى إعطاء كلامه سلطة علمية كاذبة، فمتى أسر قلب مشاهديه ببعض المعلومات العامة سهلة التكرار؛ يدلي النابلسي بالرابط العجيب الذي يجعل من بعض هذه الحقائق؛ والتي يكثر فيها المغلوط والمفبرك، ”آيات“ عن عظمة الإله الإسلامي.

ويمتلك النابلسي عددًا وفيرًا من الخطب والمحاضرات المغلفة بطابع علمي، فقد ألف ”موسوعة“ أسماها: موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة، والمكونة من جزءين، الأول: أيات الله في الإنسان، والثاني: آيات الله في الآفاق.

يضيف لسلطة النابلسي العلمية الزائفة أنه حائز على درجة الدكتوراه (من جامعة دبلن) مما يعطيه اللقب السلطوي المبجل: الشيخ الدكتور محمد راتب النابلسي، لكن ما يجهله (أو يتغاضى عنه) الكثير من متابعيه أن دكتوراه النابلسي ليست في العلوم ولا حتى في اللاهوت، بل هي في التربية والتعليم، ولعل هذا ما يجعل منه محاضرًا فعالًا وذا أثر عميق، فقد ترجمت أعماله لأكثر من ست لغات غير العربية، إلا أنها لا تضيف لمؤهلاته العلمية شيئًا.

مقتطف اليوم هو من تفسير محمد راتب النابلسي للآية الأولى من سورة البروج، والتي نجد فيها التشويه الفاحش لأساسيات علوم الفيزياء والفضاء في محاولة لإضافة السلطة العلمية الكاذبة للدين. ما يلي اقتباس متصرف لهذا التفسير.

”وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ (1)“

فالأرض كما تعلمون تدور حول الشَّمْس في ثلاث مائة وخمْسة وستِّين يوماً ورُبْعاً، سُرعة الأرض حول الشَّمس ثلاثون كيلومتر في الثانِيَة. فَمُنْذ أن أذَّنَ الظُّهْر مضى ثلاثون دقيقة، أي حوالي خمسين ألف كيلومتر ونحن نمشي من أذان الظهر إلى الآن، من أذان الظُّهر وحتى هذه الساعة قطَعَتْ الأرض خمسين ألف كيلومتر وسرعتها ثلاثون كيلومتر في الثانِيَة، في هذه الدَّوْرة أيها الإخوة تَمُرّ بِبُروج.

وهناك اثنى عشَرة بُرجاً؛ بُرج العقرب وبرج الأسد وبرج الجدي إلخ… أحد هذه البروج هو برْج العقرب، فيه نَجْمٌ أحمر اللَّون ومتألِّق صغير. قالوا: هذا النَّجْم يتَّسِعُ للأرض والشَّمْس مع المسافة بينهما! والشَّمس تَكْبُرُ الأرض بِمِليون وثلاث مائة ألف مرَّة، وبين الأرض والشَّمْس مائة وخمسون كيلومتر، وهذا النَّجْم الضغير يتَّسِعُ للأرض والشَّمْس مع المسافة بينهما!

رئيس أكبر قاعدة فضاء أمريكِيَّة مُسْلم من مِصْر، سُئِل في لِقاء عن الشُّموس فقال: ”الشُّموس لها ثلاثة أطوار؛ الطَّوْر الأحمر، والطَّوْر الأبيَض والطَّوْر الأَسْوَد، شَمْسُنا شَمْسٌ حَمْراء اللَّون…“ وحينما تتجاوَزُ الشَّمْس الطَّوْر الأوَّل تنتقِلُ إلى الطَّوْر الثاني ويزيد حَجْمُها مراتٍ كثيرة، ثُمَّ تَنْكَمِشُ فجْأةً إلى واحد بالمائة، وتنقلِبُ أَشِعَّتُها من حمْراء إلى بيْضاء، وعِنْدئِذٍ تتضاعَفُ حرارتها أضْعافاً كثيرة، ثُمَّ تدْخل الشَّمْس في مرحلةٍ ثالثة وهي مرحلة السَّوَاد، تَصَوَّر متر كلغ مُكَعَّب من الحديد ضُغَطَ في ذَرَّة لا تُرى بالعَيْن ولا بِالمِجْهر، وحينها تدْخُل الشَّمْس في مرْحلة التَّكَدُّس فَتَنْكَمِشُ إلى حجْمٍ قليل جداً من شِدَّة الضَّغْط الذي تتحَمَّلُه وينعدِمُ خروج الشُّعاع منها…

هذا الثُّقْبُ الأسود مَقْبرة النُّجوم ولو أنَّ الأرض اقْتربَت من هذا الثُّقْب لأصْبَحَت في حجْم البَيْضَة مع الوَزْن نفْسه، وهذا أحدَث ما في العِلْم الشَّمْس الحَمْراء والشَّمْس البيْضاء والشَّمْس السَّوداء …قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ”أوقدت النار ألف سنة حتى احمرت، ثم أوقد عليها ألف سنة حتى ابيضت، ثم أوقد عليها ألف سنة حتى اسودت، فهي سوداء مظلمة“.

مِن أين جاء هذا النبي صلى الله عليه وسلَّم بِهذا العِلْم؟ هذا الحديث من دلائل النبي صلى الله عليه وسلَّم.

ها نحن ذا في تفسير أول آية من سورة البروج، وقد بدأ النابلسي بسياستة المعهودة من إغراق العوام بالأرقام والمصطلحات لإعطاء كلامه طابعًا علميًا زائفًا، ثم بعد تخدير العقول بهذه المقدمة، قام النابلسي بطرح أول ”حقيقة علمية“ ذات صلة بالموضوع، ألا وهي أن الأرض أثناء مسيرها في الفضاء تَمُرّ بِبُروج، وأنا أفترض حسن الظن هنا أن النابلسي يستوعب أن هذا ”المرور“ هو وهم بصري سببه المنظور السماوي من الأرض والمسار (في سمائنا) الذي يهيأ لنا أن الشمس تتبعه حول العام، وأن هذه الكوكبات التي اشتقت منها البروج الاثنا عشر هي بالفعل تبعد عن مجموعتنا الشمسية ما بين عشرات إلى آلاف السنين الضوئية حسب النجم، فحتى نجوم الكوكبة الواحدة تبعد عن بعضها مسافات هائلة، وقد جمعت معًا فقط لأنها تبدو من أرضنا وكأنها متقاربة.

استخدم النابلسي عددًا من ”الحقائق“ العلمية ليتوصل لإعجاز علمي مزعوم في الحديث الذي يصف أطوار نار جهنم. هذه ”الحقائق“ هي كالتالي:

• يبدأ النابلسي سلسلة “حقائقه” بادعاء أن ”رئيس أكبر قاعدة فضاء أمريكية مسلم من مصر“.

يعد مركز كينيدي للفضاء في فلوريدا التابع لوكالة ناسا الأمريكية المركز الرئيسي لعمليات إطلاق الصواريخ منذ عام ١٩٦٨، وهو المركز الذي انطلقت منه رحلة القمر الشهيرة سنة ١٩٦٩. على فرض أن هذه القاعدة هي التي يتحدث عنها النابلسي، فقد كان رئيس المركز في وقت نشر هذا التفسير (سنة ١٩٩٨) هو روي بريدجز، وهو ليس مصريًا ولا مسلمًا. بل في تاريخ القاعدة كلها، لم يكن أي من مدرائها التسع مصريًا ولا مسلمًا، وهذه أول كذبة اقترفها النابلسي في خطابه.

يقول النابلسي أن رئيسه المصري المتوهم هذا قد قال في ”مؤتمر للشموس“ (لم أسمع بمثل هكذا مؤتمر في حايتي) أن ”الشُّموس لها ثلاثة أطوار؛ الطَّوْر الأحمر، والطَّوْر الأبيَض والطَّوْر الأَسْوَد“، وهذا تبسيط بالغ (وخاطئ) لأطوار (أو مراحل حياة) النجم، سأقوم هنا بإعطاء الصورة الكاملة والصحيحة لهذه المراحل.

تبدأ حياة أي نجم على شكل نجم أولي، وهي مرحلة يكون فيها النجم عبارة عن كتلة من الغبار الكوني في طور التكدس لتكوين نجم، تستمر هذه المرحلة لمليار سنة لنجم بحجم شمسنا.

وبعدها يدخل النجم في مرحلته الثانية، مرحلة النسق الأساسي، وهي المرحلة التي يكون فيها النجم نجمًا بمعنى الكلمة، حيث يقوم النجم بعمليات الاندماج النووي لذرات الهيدروجين لتكوين الهيليوم، وبما أن النابلسي يحب الألوان، فسيسعد حين يعلم أن النجوم في هذه المرحلة قد تتخذ أي لون من الأحمر (أبرد النجوم) إلى الأصفر ثم الأبيض وصولًا للأزرق (أشدها حرارة وإضاءة). شمسنا بيضاء مصفرة، وليست حَمْراء اللَّون كما يدعي النابلسي.

رسم توضيحي لمراحل حياة النجوم في الكون
رسم توضيحي لمراحل حياة النجوم في الكون – صورة: موقع دخلك بتعرف

يوضح المخطط في الأعلى مراحل حياة النجوم في الكون، ونجد نقطة تفرع بعد انتهاء النسق الأساسي، والتفرع هذا يعتمد على كتلة النجم. وقد أصاب النابلسي حين قال أن الشمس في آخر حياتها ستتضخم بعد أن ينفذ مخزون الهيدروجين فيها، ولأن شمسنا صغيرة، فهي تتخذ المسار الأيسر والذي يؤدي بها في النهاية للانكماش والتحول لقزم أبيض، وهو آخر مرحلة في عمر النجم حيث تتوقف كل العمليات النووية في لب النجم ويعتمد في إضاءته على ما تبقى فيه من طاقة ناتجة عن ما سبق من العمليات النووية، وهنا يخطئ النابلسي مجددًا في ادعائه أن الشمس تتضاعَفُ حرارتها أضْعافاً كثيرة في هذه المرحلة، فالقزم الأبيض معروف بخفاتته وبرودته، فهو بكل ما في الكلمة من معنى، نجم ميت.

صحيح أن القزم يبدأ مرحلته الأخيرة هذه بحرارة عالية تفوق مائة ألف كلفن، إلا أنه سرعان ما يفقد حرارته هذه ليصل لحرارة بمعدل سبعة لثمانية آلاف كلفن، أقل من درجة حرارة الكثير من النجوم البيضاء والزرقاء. ويستمر القزم بفقدان حرارته وطاقته غير المتجددة بشكل متباطئ لأكثر من ترليون سنة قبل أن تنفذ كل طاقته ويتحول للسواد، وهذا السواد ليس طورًا من أطوار النجم، بل هو نجم ميت بارد كالحجر.

لكن هنا يفاجئنا النابلسي بقفزته العجيبة من مرحلة القزم الأبيض (النجم الميت) ويقفز للفرع الآخر ويتجاوز مرحلة السوبرنوفا (الانفجار النجمي) إلى الثقب الأسود، فحسب معلوماته، تدخُل الشمس في مرحلة التَّكَدُّس وصولًا للثقب الأسود. أود هنا أن أنوه أنه من المستحيل قطعًا بأي حال من الأحوال أن يتحول قزم أبيض لثقب أسود، فهذا الأمر وببساطة خارق لقوانين الفيزياء.

وحتى لا نترك أي مجال للجدال، فإن درجة الحرارة عند أفق الحدث (وهو النقطة التي تحدد مجال الثقب الأسود) محكومة بإشعاع هوكينغ، والذي ينتج نتيجة انبثاق الجسيمات الافتراضية من أفق الحدث، لا تتجاوز درجة حرارة الفضاء الخارجي (2,7 كلفن) في معظم الأحيان، بل إن أعظم درجة حرارة يمكن أن يصل إليها ثقب أسود قبل أن ينفجر هي بمعدل ألف ومائتي كلفن، أي أكثر بقليل من درجة الحرارة على سطح الزهرة، وأقل بأضعاف مضاعفة من درجة حرارة أي نجم، بما فيها الأقزام البيضاء.

وهنا يسقط ادعاء الإعجاز العلمي المزعوم الذي جاهد النابلسي في طرحه، وبحث قصير عن الحقائق يبين الكذب والتلفيق الذي ارتكبه النابلسي حتى يبين للعوام من الناس أن النار تتصرف كنجم من اختراع النابلسي يختلف لونه مع ارتفاع حرارته من الأحمر للأبيض للأسود. يبدو أن الدكتور النابلسي لم يكن حاضرًا في الصف الثالث الابتدائي حين قام المعلم بتجربة تسخين الملعقة وراقب الأطفال تغير اللون المشع من الملعقة مع ارتفاع حرارتها من الأسود (لا إشعاع) للأحمر، فالأبيض، فالأزرق. ونسي النابلسي (أو تناسى) أن الأسود ليس لونًا، وأن اللون المنبعث من النار أو النجم هو ناتج عن الإشعاع الحراري، وأن السواد يعني انعدام اللون، والذي يعني انعدام الإشعاع، أي انعدام الحرارة. لابد أن جهنم مكان لطيف إن كانت سوداء بفضل حرارتها. قد تحتاج لمعطف قبل الذهاب!

لننتقل الآن للجزء الثاني من ”التفسير“ المصاحب للآية.

أحدُ البروج بُرْج العَقْرَب، وأحَدُ نُجومِه قَلْبُ العَقْرب، ويتَّسِعُ للشَّمْس والأرض والمسافة بينهما، لذلك أنت حينما ترى النُّجوم بيضاء في الليل، وليس حمْراء، البيضاء يعني في المرحلة الثانِيَة، والسوداء لا تراها أبداً، ثُقْب أسْوَد كالمَقْبَرَة، ثُمَّ إنَّ هذه الأرض – دَقِّقوا معي – في دَوْرَتِها حول الشَّمْس، المسار إهليلجي، وسرعة الأرض ثلاثون كيلومتر بالثانِيَة، وعندنا قانون الجاذِبِيَّة، الكُتَل تتجاذب بِحَسب حُجومها مضروباً بجداء المسافة بينهما وهذا القانون الذي اكْتَشَفَهُ نيوتن والأرض حينما تقترب من القطْر الأصغري، نحن عندنا القطْر أعظمي بالشِّكْل الإهليلجي، وعندنا القطر الأصغري، الأرض حينما تصل إلى القطر الأصغري تزيد من سرعَتِها وكأنَّها عاقلة، وينشأ من هذه الزِّيادة قُوَّة نابِذة تُكافىء القُوَّة الجاذِبَة، وإلا تنجذب الأرض إلى الشَّمْس فتتبَخَّر في ثانية واحِدَة! لو بَقِيَت على سرعتها هنا لتَفَلَّتَت من جاذِبِيَّة الشَّمْس فَذَهَبَت في الفضاء الخارجي، وانْعَدَمَت أشِعَّةُ الشَّمْس في برودة مُميتة لمات على من في الأرض من أحْياء، والعلماء قالوا: لو أنَّها تفَلَّتَتْ وأرَدْنا أن نُعيدها إلى الشَّمْس كافْتِراض، قالوا: نربطها بِمِليون مليون حبْل فولاذي، قُطْر الحَبْل خَمْسة أمتار، هذه الحِبال تُزْرع على سَطح الأرض المُقابل للشَّمْس، فإذا زُرِعَت أصْبَحنا أمام غابة من الحِبال بين كُلّ حَبْلَيْن خمْس أمتار، وحينها ينعدم البناء والزِّراعة، وتنعدِمُ الشَّمْس أساساً وكُلٌّ من هذه الحِبال يتَحَمَّل قُوَّة شدّ مقدارها مليونين طنّ، فَقُوَّة جذْب الأرض للشَّمْس بِقُوَّة تُساوي مليون مليون طنّ، وَكُلّ هذه القُوَّة المُخيفة من أجل أن تحْرِف الأرض ثلاثة ملمتر كلّ ثانِيَة، قال تعالى:

”اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ(2)“

يكمل النابلسي خطابه بالمزيد من النثر المهين المشبع بالمفردات والأرقام العلمية، ثم يصل للنقطة التي تهمنا:

• الأرض حينما تصل إلى القطر الأصغري تزيد من سرعَتِها وكأنَّها عاقلة.

بنظري، هذه الجملة هي الأكثر إهانة في الخطاب كله، فإما أن النابلسي يستعبط العوام بشكل مشين أو أنه ذاته لا يفهم مبادئ عمل قانون الجاذبية.

فالأرض عمليًا في تسارع مستمر في رحلتها حول الشمس. إن أي مدار فضائي، سواء القمر حول الأرض أو نظام الأرض والقمر حول الشمس، هو بالفعل عملية سقوط حر دائم. بمعنىً آخر، في كل مرة تقترب الأرض من الشمس، هي تقترب بفعل جاذبية الشمس تمامًا كما يحدث حين تسقط حجرًا على الأرض، لكن بفعل التسارع الزاوي للأرض، تبقى في مدار ولا تسقط في الشمس، لكن المبدأ هو ذاته. فكما يمتلك الحجر أعلى سرعة قبيل ارتطامه بالأرض – أي عند أقرب نقطة له منها، كذلك تمتلك الأرض أعلى سرعة لها عند أقرب نقطة لها من الشمس، والعكس صحيح.

رسم توضيحي لسلوك الجسم المتحرك تحت تأثير الجاذبية (اليسار: الأرض حول الشمس. اليمين: قذيفة مدفع على سطح الأرض)
رسم توضيحي لسلوك الجسم المتحرك تحت تأثير الجاذبية (اليسار: الأرض حول الشمس. اليمين: قذيفة مدفع على سطح الأرض)

يوضح المخطط بالأعلى يوضح المبدأ المشترك بين قذيفة أثناء تصاعدها في السماء ثم عودتها للأرض وبين دوران الأرض حول الشمس، فبأبسط أشكاله، يعبر قانون نيوتن عن حركة السواتل في مداراتها الإهليجية بذات الطريقة التي يعبر فيها عن حركة قذيفة مدفع من الانطلاق وحتى السقوط، فكلا الحركتين محكومة بقانون يستخدمه أطفال الابتدائية كل يوم:

القوة = الكتلة × التسارع

  • في حالة مدار الأرض: الكتلة هي كتلة الأرض والتسارع هو تسارع الجاذبية الشمسية.
  • في حالة القذيفة: الكتلة كتلة القذيفة والتسارع تسارع الجاذبية الأرضية.
  • وفي كلتا الحالتين القوة هي قوة الجاذبية التي تحكم مسار الجسمين.

لا حاجة لإله خفي ”يمسك“ المدار، ولا لأرض ”عاقلة“ تزيد من سرعتها حين تقترب من الشمس. مجرد رياضيات. وكما يقولون، إن عرف السبب بطل العجب. لا أحد يفترض أن قذيفة المدفع لها عقل يخبرها أن تزيد سرعتها عند اقترابها للأرض، ولا أحد يؤمن أن الله جالس في عرشه يتحكم بسرعة القذيفة، فلماذا يفترض النابلسي أنه يفعل هذا مع الأرض؟

وبعدها يكمل النابلسي نثره المعتاد والذي لا معنىً له سوى إعماء المستمع (أو القارئ) عن حقيقة دجله وخداعه حتى يحقق أهدافه الأيديولوجية والدينية المسبقة.

عزيزي القارئ، إن أعجبك موضوع هذه السلسلة وأردت أن ترى المزيد من التحقيق العلمي خلف ادعاءات الشيوخ أو لديك خطبة أو محاضرة إسلامية اختطفت طابعًا علميًا زائفًا وتريد أن تراها تحت مجهر العلم، يمكنك مراسلتي على صفحتي الشخصية وسأقوم بإضافة طلبك للسلسلة وتناول موضوعها في المستقبل.

مقالات إعلانية