in

8 حقائق حول (لوبركاليا)، المهرجان القديم الحافل بالجَلد والعُري والقرابين المقدسة

مهرجان لوبركاليا

بمزيج من طقوس الجنس والثمالة والعنف، كان مهرجان (لوبركاليا) واحداً من أشهر الاحتفالات الرومانية القديمة وأكبرها، الذي استمر إحياؤه حتى مع ظهور الديانة المسيحية، كما يزعم البعض أن هذا الاحتفال كان السبب وراء ظهور عيد الحب الحديث (الفلانتين)، فما هي القصة الحقيقية وراء هذا المهرجان وما علاقته بعيد الحب؟

القرابين المقدسة غير المألوفة

صورة: Labrouste Del/Mary Evans Picture Library/Alamy

في الخامس عشر من فبراير، يُستَهل الاحتفال بالذهاب إلى كهف (لوبركال)، الموقع الأسطوري حيث أُرضِعَ (رومولوس وريموس)، هناك تتم التضحية بكلب وماعز.

وفقا للباحث (كيث هوبكنز)، كان هذا الأمر في حد ذاته غير مألوف، فقد جرت العادة على التضحية بالخنازير أو الأغنام أو الثيران كقرابين مقدسة.

يجري بعد ذلك تلطيخ وجوه اثنين من الشباب بدماء الذبائح بوساطة سكين، فيما يرغمون على الضحك، قبل أن تمسح الدماء عن وجوههم بقطع من الصوف مغموسة بالحليب.

طقوس الجلد

بعد الإثارة التي تقدمها الطقوس الدموية لذبح القرابين؛ يأتي دور ما كان يعتبر الحدث الأكثر جذباً للناس خلال المهرجان، طقس العدائين.

يتم التحضير لهذا الطقس بسلخ جلود الذبائح التي جرى تقديمها كقرابين، وتحويلها إلى ما يشبه السيور والمشدات ليرتديها العداؤون، الذين يتم تقسيمهم إلى مجموعتين، يضاف إليهم مجموعة ثالثة في وقت لاحق، فيما يشقون طريقهم جرياً عبر أزقة المدينة يجلدون بالسياط كل من يقابلون في طريقهم.

ووفقاً للعديد من الروايات، فإن النساء آنذاك كنّ يقدمْنَ طوعاً على الجلد، إذ كان يعتقد أن ذلك من شأنه أن يزيد من خصوبتهن وييسّر مخاض من كانت منهنّ حبلى. لكن ومع مرور السنين، تغيرت الأمور فبحلول القرن الثالث، بدأت تلك الطبيعة الطوعية لمشاركة المواطنين في تلك الطقوس تنحسر.

يزعم (هوبكنز) أن الفسيفساء التي تصوّر احتفالًا في (لوبركاليا) وتعرض رجلَين يحملان امرأة عارية بالقوة، فيما يجلد رجل ثالثُ نصف عارٍ فخذيها، ويصوّر الرجال في حالة من النشوة والسَكَر، تترافق مع آلام واضحة تبديها المرأة جراء الجلد.

التعرّي

لطالما ظل الجدال قائماً حول درجة التعري في مهرجان (لوبركاليا)، فقد أشارت العديد من المراجع إلى شيوع مظاهر التعري خلال المهرجان، وهذا لا يعني بالضرورة العري الجسدي الكامل، إنما الاكتفاء بخلع الرداء الرئيسي، ربما في إشارة إلى العدائين الذين يرتدون جلود الماعز، فيما يشير كتّاب آخرون بشكل واضح إلى التعري الكامل كجزء رئيسي من الاحتفال، ليظل الجدل قائماً حول هذه المسألة.

الغموض الذي يكتنف نسب الاحتفال

مهرجان لوبركاليا
مهرجان لوبركاليا

يقدم المؤرخ (ماركوس تيرينتيوس فارو) الذي عاش في القرن الأول قبل الميلاد، شرحاً يقول فيه ”جاءت تسمية اللوبركاليين لأنهم يقدمون القرابين في لوبركال خلال مهرجان لوبركاليا… وسُمْي المهرجان لوبركاليا لأن اللوبركاليين يقدمون القرابين في لوبركال. أدى هذا التعريف الدائري والمظلل، إلى قرون من الجدل حول بمن، أو بماذا، كان يُحتَفَل خلال المهرجان“.

يقترح (أوفيد)، شاعر روماني شهير، أن الاحتفال كان تضرّعاً لـ(فانوس) Faunus (إله الرعاة الروماني)، ويشير (ليفي)، مؤرخ روماني شهير، أنه كان لـ(إينوس) Inuus (إله الخصوبة)، فيما يذهب (فارو) Varro إلى أن إلهة الذئاب كانت تدعى لوبركا، إذ ترتبط مجموعتا العدائين بالأسطورة المتعلقة بمؤسسي روما –رومولوس وريموس– اللذين أرضعا من قبل أنثى ذئب.

لكن المربك هنا أن (ليفي) يشير الى أن التوأم قد تعرض لكمين من قطاع الطرق أثناء الاحتفال بلوبركاليا، مما دفع بعض العلماء إلى اقتراح أن المهرجان كان موجوداً قبل رومولوس وريموس.

في حين يشير (تينانت)، باحث جنوب إفريقي، أثناء مناقشته لموضوع رومولوس وريموس ولوبركاليا إلى أنه يبدو واضحاً أن معظم الأفكار المعروضة في هذا الصدد هي تخمينية، شأنها شأن جميع النظريات الأخرى التي تناقش نسب مهرجان لوبركاليا.

يوليوس قيصر ومهرجان لوبركاليا

اليوم تنبع شهرة مهرجان لوبركاليا أكثر بسبب ما حدث في الخامس عشر من فبراير عام 44 قبل الميلاد. في ذلك اليوم، كان مارك أنتوني ”عارياً وثملاً تفوح منه رائحة العطر“ واحداً من العدائين بينما يتابع يوليوس قيصر الاحتفال من على العرش، ليصعد مارك أنتوني إلى يوليوس قيصر مع إكليل في يده (نوع من التاج أو عصابة الرأس) ليشير المؤرخون لاحقاً أنه حاول إعطائه لقيصر وإعلانه ملكًا.

كانت استجابة الحشد فاترة، ولكن عندما رفض قيصر التاج هللوا. حاول أنتوني ثانيةً، فرفض قيصر مرة أخرى، لينفجر الحشد تهليلاً، ليأمر قيصر بنقل التاج إلى معبد (جوبيتير) لأنه ملك روما الأوحد. حين تمت مناقشة الغاية من وراء هذا الفعل، اقترح البعض أن أنتوني فعل ذلك بمفرده إما لإرضاء قيصر أو إحراجه، بينما كان يعتقد في ذلك الوقت أن قيصر دبر هذه الحيلة كطريقة لجس نبض الشعب ومعرفة ما إذا كان الناس سيقبلونه ملكًا. في كلتا الحالتين، لم ينجح الأمر مع قيصر، إذ تم اغتياله بعد تلك الحادثة بشهر واحد.

انتقاد البابا للمهرجان

صورة: Domenico Beccafumi/Public Domain

واحدة من أبرز القضايا الملفتة في مهرجان لوبركاليا هي استمراريته لمدة طويلة. نعرف ذلك لأن حوالي عام 494 م، كتب البابا (جيلاسيوس) رسالة ينتقد فيها المشاركة المسيحية في المهرجان، وعلق على كيف كان النبلاء يركضون في الأيام الخوالي مثل اللوبركاليين ويضربون الرعاة العراة، وكيف يجب أن يكون المشاركون الحديثون مستعدين للركض عراة بالمثل.

في وقت (جيلاسيوس)، كانت الأمور قد تغيرت بشكل كبير، مما دفعه إلى الإعلان من خلال قوله ”يجب أن يملي عليكم حياؤكم أن مهرجان لوبركاليا ما هو إلا جريمة علنية، ليس خلاصاً ولا عبادة إلهية، يخجل منها كل رجل حكيم. بل إن لوبركاليا هي أداة فساد، يشهد بها عقلك على نفسه، ويخجل من تحقيقها“.

تعد هذه الرسالة مرجعاً بالغ الأهمية لدى المؤرخين ذلك لأسباب عديدة. أولاً، لأن (جيلاسيوس) بذل قصارى جهده في وصف العديد من الطقوس غير المحتشمة، كما سمحت هذه الرسالة للمؤرخين بتحليل كيفية تحول مهرجان لوبركاليا مع مرور الوقت وتغيره داخل مخيلة المؤلف.

على سبيل المثال، أشار (جيلاسيوس) إلى أنه بحلول القرن الخامس كان العداؤون من الطبقات الدنيا في المجتمع، في حين شاركت شخصيات مهمة مثل مارك أنتوني في الفعاليات سابقاً.

على الأرجح لا علاقة للمهرجان، بعيد الحب

تزعم العديد من المواقع الثقافية الشعبية والكتب أن البابا (جيلاسيوس) استبدل مهرجان لوبركاليا بمهرجان مخصص للقديس فالنتين في روما (أو ربما من تيرين فالشخصية غامضة) الذي كان له عيد في 14 فبراير. لكن كما لاحظ المؤلف البريطاني (مارك فورسيث) ذات مرة ”من المهم للغاية عند الكتابة عن التقاليد أن نتذكر أنه لا يوجد سوى 365 يومًا في السنة.. فالتراكب غير ذا أهمية (يقصد أنه من الممكن أن يتزامن حدثان في ذات اليوم، وألا يكون لهما أي علاقة ببعض)“.

يتفق معظم مؤرخي العصور الوسطى على عدم وجود أي أدلّة تشير إلى أن البابا (جيلاسيوس) قد استبدل لوبركاليا بأي مهرجان آخر (هناك زعم مماثل غير مستند إلى أي أدلة بأن كاندلماس استبدل لوبركاليا)، يقول الباحث (جاك أوروخ): ”لم يتحدث (جيلاسيوس) في أي وقت عن تسوية أو تكييف لأي عادات وثنية“، وأستاذ آخر يخبر موقع History.com: ”إن استمرار تداول هذه القصة الرومانية يدفعني إلى الجنون“.

من جهة أخرى، فإن الأساطير الشعبية التي تتحدث عن فتيات يكتبن أسماءهن على قطع من الورق ليتم سحبها من صندوق من قبل الفتيان خلال مهرجان لوبركاليا، من المحتمل أن تكون قد ألّفت في القرن الثامن عشر.

بدلاً من ذلك، يقترح معظم مؤرخي الاتجاه السائد أن يوم عيد الحب والرومانسية أصبحا مرتبطين ببعضهما البعض فقط في أواخر القرن الرابع عشر، وتحديدا بسبب قصيدة (جيفري تشوسر) المعنونة «برلمان الطيور».

قد لا يكون عيد الحب في 14 فبراير

يقول (تشوسر) في قصيدته ”لأجل ما كان في يوم القديس فالنتين / حين جاء كل طائر لاختيار رفيقه“، لكن بعض المؤرخين لاحظوا أن تاريخ 14 فبراير كان يوماً باردًا جدًا في إنجلترا ومن غير المرجح أن يكون موسمًا جيدًا للتزاوج بين الطيور.

في الثمانينيات، بدأ بعض المؤرخين بقيادة (أندي كيلي) من جامعة كاليفورنيا، في اقتراح أن فالنتين في قصيدة تشوسر هو قديس من مدينة (جنوى) الإيطالية وليس روما، يوافق عيده في 2 مايو أو 3 مايو (تختلف المصادر).

تكمن أهمية ذلك في أن الملك (ريتشارد الثاني) و(آن من بوهيميا) أبرما عقد زواجهما في 2 مايو، مما يعني أن تشوسر ربما اختار القديس فالنتين لا على التعيين لمجرد تزامن عيده مع ذلك اليوم في مايو. على مر السنين، بدأ الناس بنسيان علاقة عيد الحب بقديس (جنوى) وشهر مايو، لمصلحة القديس الأكثر شهرة فالنتين من روما.

اعترض علماء آخرون، مشيرين إلى أن هناك العديد من الإشارات إلى أن طقوس ومهرجانات الخصوبة كانت تجري في فبراير –مثل لوبركاليا- وأن تشوسر ربما كان يتحدث في قصيدته عن فالنتين روما.

فيما صرح البروفيسور (ستيفن جاستيس) من جامعة كاليفورنيا، بيركلي، لمجلة Mental Floss ”في دراسات العصور الوسطى لا يوجد إجماع ولا مناقشة مستمرة حول مسألة أي من القديسين كان في قصيدة تشوسر، حيث لم تدعم الأدلة أي حجج قاطعة، ولا يبدو السؤال مُلِحاً جدًا ما لم يكن أحد مقتنعًا بأن العيد، أيًا كان، يحدد المناسبة التاريخية للقصيدة، إذا كان لديها مناسبة، وكان مهتما بهذه المناسبة التاريخية. قد يرغب المرء في الحصول على إجابة لمجرد أن البشر لا يحبون ترك الأسئلة بلا إجابات. هناك شيء واحد واضح: اليوم سواء كنت تحتفل بيوم لوبركاليا أو عيد القديس فالنتين من روما في فبراير أو القديس فالنتين في جنوى في مايو، فمن الأفضل ترك تضحيات الماعز والركض عاريًا في الشوارع“.

مقالات إعلانية