عادة ما تتبع أحكام القضاء نمطا عاماً معيناً مهما اختلف نوع انتهاك القانون الذي يقوم به الفرد، تكون معظم الأحكام التي ينطق بها القضاة متمثلة في مزيج أو واحد من العقوبات المألوفة، المتمثلة إما في قضاء مدة معينة في السجن أو دفع غرامة تحدد من قبل هيئة المحكمة، لكن في بعض الأحيان يُظهر القاضي ”الجانب الإبداعي“ لأحكامه من خلال ابتكار عقوبة فريدة تناسب الجريمة المقترفة، تتراوح نتائجها بين أحكامٍ ساخرة وأخرى انتقامية نوعاً ما.
إليك بعض الأحكام الغريبة التي تفنن القضاة في إصدارها:
إرغام مجموعة من المراهقين على الاستماع إلى (بارني)
في عالم مليء بالمجرمين الذين يرتكبون جرائم فضيعة؛ من الصعب أن يكون المرء غاضبا من مجموعة مراهقين يقومون بتشغيل الموسيقى بصوت عال، لدرجة تقديم شكوى ضدهم لدى السلطات.
بالتأكيد لا يحب أحد أن يستيقظ وهو يشعر بالفزع جراء سماعه موسيقى صاخبة قوية وغير مرغوب فيها. في الولايات المتحدة عندما يقوم المراهقون بإزعاج الناس عن طريق تشغيل موسيقى عالية بدرجة مبالغ فيها تكون عقوبتهم غالباً هي إجبارهم على دفع غرامة تقدر بـ100 دولار، بالإضافة إلى تسديد تكاليف المحكمة. يعتبر القاضي (بول ساكو) أن تلك الأحكام لا تفي بالغرض لهذا السبب قرر أن تصبح أحكامه على مرتكبي مثل هذه الأفعال أكثر إزعاجاً لأولئك المراهقين.
اعتبارا من عام 1999، أي شخص يقوم بانتهاك ”مرسوم ضوضاء المدينة“ في منطقة (فورت لوبتون) في ولاية (كولورادو) الأمريكية –والمتمثل في تشغيل موسيقى مسموعة على بعد 7 أمتار– عليه أن يخضع لـ”برنامج الغمر الموسيقى“ المزعج، الهدف من البرنامج هو قلب الطاولة على هؤلاء الجانحين وإجبارهم على الاستماع إلى موسيقى نفس فئة الناس الذين كانوا يتسببون لهم بالإزعاج أكثر من غيرهم وهم الأطفال الصغار وكبار السن.
تحقيقا لهذه الغاية؛ يتم ادخال الجناة إلى غرفة ما وإجبارهم على الاستماع إلى أسوء أنواع الموسيقى التي يمكن العثور عليها، بدأ تنفيذ هذا النوع من الأحكام في عام 1999، مما يعني أن القاضي وقتها كان لديه بعض الخيارات المروعة التي بإمكانه استعمالها في هذا النوع من العقوبات مثل موسيقى (ياني) و(باري مانيلو) و(دين مارتن) وحتى محبوب الأطفال الصغار الديناصور الأرجواني (بارني).
يتم ارغام المراهقين الجانحين على الإستماع إلى موسيقى مزعجة (بالنسبة لهم) إلى أن يصبحوا غير قادرين على تحملها فيتم العفو عنهم وتغييرها إلى أنغام أغنية «كوباكابانا» المثيرة لكي لا يصابون بالجنون، ثم يطلق سراحهم بعد تلك التجربة ”المروعة“.
أجرت مجلة (شيكاغو تريبيون) مقابلة مع عدد من المراهقين الذين نالوا هذه العقوبة ”القاسية“ وغير الاعتيادية، من بين 50 مراهقا تعرضوا للغمر الموسيقي لم يكرر أحد منهم فعلته تلك.
تملصت من الدفع لسائق أجرة فأجبرت على السير نفس تلك المسافة على الأقدام
من المعروف لدى الكثيرين أن ركوب سيارة الأجرة يكون غير مريح في معظم الأحيان، فأغلب تلك المركبات ليست نظيفة للغاية وسائقوها فظاظ ويبدو أنهم غير قادرين على التوقف عن الكلام، فيقومون بازعاج الركاب بمواضيع مختلفة تبدأ من حالة الطقس وتنتهي بالسؤال عن تفاصيل حياتهم الشخصية.
لكن على الرغم من سمعة سيارة الأجرة السيئة، فإن سائقيها ما زالوا يعملون بجد في مجتمعهم ويستحقون أن يحصلوا على مقابل لخدماتهم، فإذا كنت غير قادر على تحمل ركوب سيارة الأجرة أو كنت لا تملك المال الكافي لتسديد مستحقات رحلتك على متنها؛ بإمكانك الذهاب إلى وجهتك سيراً على الأقدام أو إيجاد حل آخر، لكن إياك التهرب من تسديد مقابل توصيلة سائق أجرة.
في عام 2015 قررت مراهقة تدعى (فيكتوريا باسكوم) أن عليها الاستعانة بسيارة أجرة، كانت تتواجد وقتها في مدينة (كليفلاند) الأمريكية، ولسبب ما أرادت الذهاب إلى مدينة (بينسفيل). استوقفت (باسكوم) سيارة أجرة وركبت على متنها وعندما وصلت إلى وجهتها التي تبعد مسافة 50 كيلومترا فتحت قفل الباب وقفزت من السيارة هاربة دون تسديد الأجرة للسائق.
تم تتبعها من طرف السلطات بعد أن أبلغ السائق عن الحادثة وقدم لهم أوصافها فتم القبض عليها على الفور، ومثلت وقتها أمام القاضي أصدر جملة أحكام في حقها مفادها أنه بالإضافة إلى تسديد أجرة السيارة كان على (باسكوم) الإختيار بين عقوبتين، إما قضاء 30 يومًا في السجن أو قطع نفس المسافة التي قضتها على متن سيارة الأجرة مشياً على الأقدام، اختارت الفتاة المسكينة السير لمسافة 50 كيلومترا، وأعطاها القاضي مهلة 48 ساعة لإكمال مشوارها.
ذهبت (باسكوم) إلى أرض التجمعات والإحتفالات المحلية لبدء تنفيذ عقوبتها ولكن بدلاً من السير على الأسفلت مثلما كان أي شخص عادي ليفعل؛ أمضت أول 24 ساعة تمشي على الوحل الذي أبطأ من حركتها بشكل كبير. نظرا لتصرفات الفتاة الغريبة تيقن القاضي من أن الفتاة لا تتمتع بنسبة ذكاء عالية وشعر بالشفقة تجاهها فقرر خفض مسافة العقوبة إلى 30 كيلومترا، كان هذا الخبر سارا جدا بالنسبة لـ(باسكوم) لكن ستكون تلك العقوبة بالتأكيد كافية لتُذكرها في المستقبل بضرورة حمل المال معها ودفع مستحقات أي خدمة تحصل عليها مهما كانت.
من أغرب أحكام القضاء أن تحضى بسمعة سيئة لدى الجميع ولسنوات
يعتبر الزوجان (إلويز) و(دانيال ميرليس) من الأشخاص المكروهين في المنطقة التي يعيشون فيها، فقد خطط الإثنان لسرقة مبلغ ضخم قدره 250٫000 دولار، وقامت بعدها (إلويز) بأخذ المال من مكان عملها كموظفة في مقاطعة (هاريس) في ولاية (تكساس). لم يكن ذلك المال مخصصا للأشغال العامة في المدينة أو عبارة عن حوافز للموظفين بل كان مخصصاً لعمل أهم بكثير وهو مساعدة ضحايا الجرائم في المنطقة.
توسلت (إلويز) بشكل مبالغ فيه للقاضي ورجته بأن يكون متساهلاً معها –ربما لأنها كانت على وشك خسارة 250 ألف دولار–، لكن القاضي (كيفن فاين) لم يبال بها وفكر في واحدة من أغرب أحكام القضاء، حيث حكم على الزوجين بعقوبة مذلة للغاية مقسمة إلى ثلاث أجزاء.
أولاً يجب أن يقضي الإثنان مدة 180 يومًا خلف أسوار السجن، لكن بدلاً من قضاء مدتهم تلك على التوالي كغالب الأحكام العادية؛ يجب عليهم تقسيم المدة إلى أجزاء حيث يدخل كل منهما إلى السجن شهرا واحدا كل عام لمدة ست سنوات. ثانياً، يتوجب عليهما وضع لافتة أمام منزلهما بكتب عليها: ”إن مالكا هذا السكن (دانيال) و(إلويز ميرليس) مدانان بالسرقة“ –ستحول تلك اللافتة حياة الزوجين مع الجيران إلى جحيم بالتأكيد–.
ثم في النهاية؛ وهنا يكمن الجزء الأكثر إذلالاً حيث أنه يتوجب على كل واحد منهما أن يضع توقيعه على لافتة كتب عليها: ”أنا لص سرقت 250 ألف دولار من صندوق ضحايا جرائم هاريس كاونتي“، ومن ثم عليه حملها والذهاب إلى أكثر نقاط (هيوستن) ازدحاماً والبقاء واقفاً لمدة خمس ساعات في اليوم كل يوم سبت وأحد ولمدة ست سنوات.
لقد أراد الإثنان الحصول على حق الطعن في الحكم لكن المحامي الفعلي المكلف بالدفاع عنهما كان متفقاً تماماً مع العقوبة وقد صرح قائلاً: ”أعتقد أن موكليَّ سيقفان بكل سرور على زاوية الطريق ويعترفان بما فعلاه مراراً وتكراراً، بما أنهما سيكونان قادران على البقاء خارج السجن ويستطيعان بذلك إعالة عائلتهما“.
بالنسبة إلى المدعي العام كان سعيداً جداً بتلك العقوبة وقال أنه سيذهب إلى ذلك التقاطع باستمرار ويتأكد من أن المجرمين المدانين يقومان بإذلال نفسيهما بشكل علني بما فيه الكفاية، إذا لم يتمكن الإثنان في السنوات الست القادمة من إيجاد طريقة لإقناع القاضي بندمهما وشعورهما بالخجل مما فعلاه سيتم إرسالهما إلى السجن لمدة عشر سنوات. لا يسعنا إلا أن نأمل أنهما سيحتفضان بلوحاتهما المخزية لوضعها خارج الزنزانات.
إجبار رجل وامرأة على الزواج؛ لابد أن يكون من أغرب أحكام القضاء
تكون الفكرة في الأفلام الرومنسية عادة هي أن أي شخص إذا كان يهتم كثيرا لأمر شخص ما سيكون بالتأكيد على استعداد لأن يضع سعادة حبيبه الخاصة على حساب سعادته هو، حتى لو كان ذلك يعني أنه لن يكون جزءًا منها، وبالطبع توجد تلك الفكرة الأخرى التي يعني فيها حبك لشخص ما لا يبادلك نفس الشعور، أنك تقوم بمطاردته وارغامه على الإستسلام لحبك. أما في الحياة الحقيقية يكون الأمر مختلفاً كما حصل مع (جوستن باندي)، الذي قام بمطاردة صديقته السابقة ليتعرف على هوية صديقها الحالي ويقوم بلكمه على وجهه.
بعد تقديم الضحية لشكايته لدى المحكمة، جعله القاضي يختار بين عقوبتين إما أن يمضي مدة 15 يوما في السجن أو أن يحضى بإطلاق سراح مشروط، ثم عليه أن يكتب جملة تقول: ”إذا حفر أحد حفرة وقع فيها“ 25 مرة في اليوم، بالإضافة إلى أنه سيضطر وقتها إلى الزواج من صديقته السابقة في مدة لا تتجاوز 30 يوما. اختار (باندي) إطلاق السراح المشروط المرفوق بالزواج على أن يمضي يوما واحدا في السجن.
من الصعب معرفة ما إذا كان القاضي يقوم بخداع (باندي) ليعترف بأنه لا يبالِ حقيقةً بتلك الفتاة، ولكن (بوندي) اجتاز ذلك الاختبار، ووافقت صديقته بشكل غير متوقع على الانضمام إليه في هذه العقوبة السخيفة. ربما اعتَقدَت أنه من الجميل أن يتزوجها فقط ليتجنب الدخول إلى السجن؟ تشبه هذه الأحداث نهاية فيلم (ذي نوتبوك).
لم تنته القصة تماما عند هذا الحد، فبعد أقل من 10 أيام من حفل الزفاف، تلقى (باندي) اتصالاً من محاميه أخبره فيه أنه تم إسقاط جميع التهم الموجهة إليه. كان الأمر المثير للسخرية يكمن في كون الرجل لم يعد مرغماً على كتابة تلك الجملة إلا أنه كان لا يزال متزوجاً.
رغم كل تلك الأحداث الغريبة يبقى ما حدث مع (باندي) أفضل من السيناريو الذي حصل مع أحد منتهكي القانون الذي أجبره نفس القاضي على الزواج من صديقته الحميمة، وبعد أربعة أشهر من الزفاف دخل الزوج في غيبوبة وأصبح بعدها ميتاً دماغياً. تسبب هذا في معركة طويلة بين الزوجة التي أرادت إبقاءه متصلا بآلات دعم الحياة، والأب الذي أراد ترك الابن يرحل بسلام، وعبر الأب عن استيائه من القاضي الذي حكم من قبل على ابنه بالزواج من تلك الفتاة التي أصبحت بذلك تملك قدرة قانونية على التحكم في مصيره، وأكد أن ابنه كان على وشك المضي في اجراءات الطلاق قبل دخوله في الغيبوبة.
في الأخير بعد أن نفكر في الأمر ربما لا يكون الزواج القسري أفضل عقوبة.
يجب عليك أخذ زوجتك في موعد جميل
لا تقتصر الأحكام الغريبة على الإذلال العلني فقط، ففي بعض الأحيان يمكنها أن تحمل طابعا رومنسيا مثلما حدث مع أحد الرجال في عام 2012 حيث حُكم عليه بالذهاب إلى صالة البولينج وقضاء بعض الوقت فيها كجزء من عقوبته. بشكل أكثر تحديداً أُمر بأخذ زوجته في موعد لطيف يدوم لبضع ساعات وليس مجرد توقف في إحدى مطاعم السندويشات السريعة قبل التملص ثانية والهروب لقضاء المزيد من الوقت مع الأصدقاء، كانت العقوبة الفعلية محددة كالآتي:
على الرجل أن يتوقف أولاً عند محل الزهور ويقتني البعض منها، ويذهب بعدها إلى المنزل ليرتدي الملابس المناسبة ويصطحب زوجته ليأخذها إلى مطعم للأكلات البحرية فيتناولا طبق جراد البحر الأحمر المفضل لديها، وبعد ذلك سيكون عليهما التوجه إلى صالة البولينج وتمضية بعض الوقت فيها.
بدأ الأمر برمته عندما وقع شجار بين الإثنين سببه أن الزوج نسي تهنئة زوجته في يوم عيد ميلادها وأدى نقاشهما حول الموضوع إلى تفاقم الشجار، وصلت القضية إلى المحكمة بعدما تعرضت الزوجة إلى نوع من ”العنف المنزلي“ الذي لم يصب فيه أحد بأية طريقة، فقد قام الرجل بدفع زوجته على الأريكة لكنه لم يضربها في الواقع، وقد أوضح القاضي أنه لو كانت الأمور قد تصاعدت أكثر من ذلك لكانت العقوبة أشد بكثير.
قال القاضي: ”لقد كان مجرد حادثٍ صغير، المحكمة لن تصدر مثل هذه العقوبات عادة إذا شعرت بوجود نوع عنف أكبر من دفع شخص على الأريكة، ورأينا أن هذا كان قرارا أفضل من البدائل الأخرى“.
لذا طلب القاضي من الزوجة تحديد تاريخ ومكان الموعد، وعلى الرغم من أنها كانت تملك خيار قضائه في أي مكان في العالم، إلا أنها اختارت الذهاب إلى مطعم محلي وصالة بولينج. كانت أمامها فرصة كبيرة لإجبار زوجها قانونياً على الذهاب وتجربة القفز بالمظلة أو إلى زيارة قمة برج إيفل في باريس مثلاً، وأفضل ما خطر على بالها هو تناول بسكويت الجبن ودحرجة كرات تزن خمسة كيلوغرامات في غرفة مليئة بالسّكر وكبار السن هه.