سفيان عشي
لدى مشروب الشوكولا الساخنة اللذيذ ذلك الذي تمتع به نفسك في أيام الشتاء الباردة تاريخ عريق وحافل، حيث كان حاضرا في الخطوط الأمامية للحروب، كما تسبب في إثارة جدل كبير داخل الكنيسة الكاثوليكية، وشهد نشأة العديد من الإمبراطوريات وأفولها.
في مقالنا هذا على موقع ”دخلك بتعرف“ جمعنا لك بعض الحقائق الممتعة لتتذكرها في المرة القادمة التي تتناول فيها مشروب الشوكولا الساخنة اللذيذ:
1. يعود تاريخه إلى آلاف السنين في الماضي:
قبل وقت طويل من عصرنا هذا الذي نستمتع فيه بأصابع الشوكولا ومختلف أنواع الكعك المعد باستخدامها، كانت الشوكولا تستهلك في حالتها السائلة، ويرجع المؤرخون أول استهلاك للشوكولا في التاريخ لحضارة الأولمك Olmec Civilization في جنوب المكسيك ما قبل التاريخ، وكان شعب الأولمك أول من قام بتحميص ثمار الكاكاو ثم طحنها ومزجها مع الماء وبعض المكونات الأخرى واستهلكها في شكل مشروب، وبذلك هم أول من صنع مشروب الشوكولا وتناوله.
عثر المؤرخون كذلك على بعض التحف الفخارية التي تعود لحضارة الأولمك تحتوي على بقايا الشوكولا يعود تاريخها إلى 1700 سنة قبل الميلاد.
2. لم يكن مشروب الشوكولا الساخنة دائما حلو المذاق، ولا ساخنا:
كان كل من شعبي المايا والأزتيك، الذين نقلوا هذه العادة عن شعب الأولومك، يشربون مزيجا مرا نوعا ما كانوا يطلقون عليه اسم (كزوكواتل)، وكان هذا المزيج يحضّر باستعمال الفلافل الحارة، والمياه والذرة المحمصة، وكان يقدم دافئا وزبديا.
أحضر الإسبانيون من المعمرين الأوائل للقارة الأمريكية مشروبات الكاكاو هذه معهم إلى أوروبا، وهناك أضاف عليها الأوروبيون بعض القرفة والسكر وبعض التوابل الأخرى لتصبح حلوة المذاق قليلا، لكن مع ذلك فهي تبقى بعيدة جدا عما نعرفه اليوم كمشروب الشوكولا الساخنة اللذيذ.
3. كان يُعتقد أن له خصائص طبية علاجية:
كان مشروب الكاكاو النقي الذي صنعته الشعوب القديمة في الحضارات التي تموقعت في الأمريكيتين يحتوي على نسب عالية من السعرات الحرارية ومضادات الأكسدة، وكان يمنح مستهلكه شحنة كبيرة من مادة الكافيين، لذا آمن هؤلاء بشكل طبيعي بكونه يحتوي على خصائص شفائية مقوية.
كان محاربوا الأزتيك قديما يتناولون الكاكاو قبل الذهاب للقتال في المعارك، بينما شاع أن (مونتيزوما الثاني) أحد أباطرة شعب الأزتيك كان يتناول ما يزيد عن خمسين كوبا من مشروب الشوكولا الساخنة في اليوم الواحد.
حظي هذا المشروب كذلك بشعبية كبيرة في كونه محفزا جنسيا ومثيرا للشهوة الجنسية، وبعد أن وصلت وصفة تحضيره إلى إسبانيا في القرن السادس عشر، عمل الرهبان على إخفائها عن الناس وحجزها من أجل منع انتشار ”الشهوات“ وتفشي ”النزوات“ بين المجتمع.
4. كان مصدر جدل ديني داخل الكنيسة الكاثوليكية:
عندما أصبحت مشروبات الشوكولا الساخنة تستهلك بشكل كبير خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر، وبشكل واسع بين الطبقات الراقية من المجتمع، ظهر نوع من الجدل حول ما إذا كان مشروبا أم طعاما؟ وكان التمييز هنا مهما للغاية في تحديد ما إذا كان بإمكان الكاثوليكيين الرومان في أوروبا آنذاك تناوله خلال أيام صيامهم أم لا، هذا الصيام الذي كان يمارس في عدة مناسبات على مدار السنة.
وصل هذا الجدل إلى البابا (غريغوري الثالث عشر) 1572–1588، الذي أعلن أن الشوكولا التي يتم تناولها على شكل مشروب لم تكن تبطل الصيام، وهو الأمر الذي وافق عليه حتى البابوات الذين قدموا بعده، غير أن الجدل لم يزل تماما، حيث كان بعض من الرهبان والقساوسة ينادون بكونه مبطلا للصيام ولا يجب تناوله خلال أيام الصوم.
5. كان يُقدم في أباريق فاخرة:
في إنجلترا في القرن السابع عشر، راج ما كان يطلق عليه ”محلات تقديم الشوكولا“ Chocolate Houses، وكانت محلات على غرار (وايتس) White’s -الذي مازال مفتوحا إلى يومنا هذا- تقدم مشروب الشوكولا الساخنة لزبائنها الذين كانوا يرتادونه لمناقشة الأمور السياسية، والمقامرة، واستغلال كل وسائل اللهو المتنوعة والمتاحة.
وكانت هذه المؤسسات تقدم هذا المشروب في أباريق مصنوعة من الذهب، والفضة، والخزف، كما كان الخزف الفرنسي القادم من منطقة (ليموج)، المصمم بطريقة أنيقة والمزين بأشكال الورود، هو الخيار الأمثل.
6. كان جنود ثورة التحرير الأمريكية يحصلون عليه ضمن حصص وجباتهم اليومية:
امتد اعتقاد كون الشوكولا تحتوي على خصائص شفائية إلى ما بعد حقبة سواد حضارتي المايا والأزتيك، فخلال الحرب الثورية التي أفضت إلى استقلال الولايات المتحدة عن المملكة البريطانية، كان الأطباء غالبا يقدمون أكوابا من مشروب الشوكولا الساخنة للجرحى من الجنود، كما كان هذا المشروب يقدم للجنود مرة في الشهر كذلك، وأحيانا يقدم لهم كبديل عن أجورهم.
7. كان الرئيس الأمريكي الثالث (طوماس جيفرسون) من عشاقه:
تلقى الديبلوماسي ورئيس الولايات المتحدة الأمريكية الثالث (طوماس جيفرسون) أول مشروب شوكولا ساخنة في سنة 1775، وسرعان ما تعلق به، ففي سنة 1785، كتب (جيفرسون) إلى (جون أدامز) حول المستقبل الذي توقعه لمشروب الشوكولا الساخنة في أمريكا: ”سيجعل تفوق مشروب الشوكولا على المستويين الصحي والغذائي منه الشراب المفضل متجاوزا بذلك كلا من الشاي والقهوة“.
اليوم بإمكان زوار (مونتيسيلو) تذوق عينات من مشروب الشوكولا المحضر على الطريقة التي كان يفضله بها (جيفرسون): بالكاكاو المحمص باستخدام الحجارة الساخنة، والسكر، والتوابل.
8. يوجد فرق بين مشروب الشوكولا الساخنة ومشروب الكاكاو:
يشار إلى ”مشروب الشوكولا الساخنة“ إلى أي شراب ساخن يتم تحضيره من مكونات الشوكولا، وما يشربه معظم الأشخاص في الواقع هو مشروب الكاكاو الساخن، لكن ما الفرق بينهما يا ترى؟
يحضّر مسحوق الكاكاو من نبات الكاكاو الذي نزعت منه الدهون، سواء بالطريقة الطبيعية أو بالطريقة الهولندية التي تخضع المسحوق لمركب كربونات البوتاسيوم.
اخترع الكيميائي الهولندي (كونراد فان هوتن) مسحوق الكاكاو في سنة 1827، وساعد على جعل مشروب الشوكولا الساخنة متاحا بشكل واسع للجميع.
بينما يتم تحضير الشوكولا الساخنة -التي يطلق عليها كذلك غالبا ”مشروب الشوكولا“- من الكاكاو كامل الدسم الذي يكون عامل الحموضة فيه كاملا كذلك.
9. كان مصدر غذاء للمستكشفين في القطب الجنوبي:
كان المستكشف البريطاني (روبرت فالكون) ورجاله يتغذون على مشروب الكاكاو الساخن خلال السنة التي قضوها في القطب الجنوبي، ووصلت هذه البعثة إلى القطب الجنوبي في شهر يناير من سنة 1912، فقط لتجد فريقا نرويجيا بقيادة (رولد أموندسن) قد وصل إلى هناك قبل شهر.
وبشكل مأساوي نفذ مخزون فريق (سكوت) من الغذاء خلال رحلة العودة وهلك أفراده تبعا لذلك، بينما عاد (أموندسن)، الذي كان قد أحضر معه خمسة أضعاف ما أحضره فريق (سكوت) من الكاكاو، ليتوج بطلا.
بعد مرور عدة عقود، وفي سنة 1989 بالتحديد، استهلك ستة أفراد من بعثة عبرت القارة القطبية الجنوبية على متن العربات التي تجرها الكلاب حوالي 2100 علبة من مشروب الكاكاو الساخن.
10. كانت ”جمعية الشبان المسيحيين“ The YMCA تقدم مشروب الكاكاو الساخن لجنود الحرب العالمية الثانية:
أرسلت جمعية الشبان المسيحيين أكثر من 25 ألف متطوع لدعم جنود الحرب العالمية الثانية والاعتناء بالجرحى وكذا الرفع من معنوياتهم بصفة عامة، وتم ذلك عبر إنشاء محطات استراحة عبر معظم جبهات القتال.
كانت هذه المحطات غالبا مزودة بالمجلات، والسجائر والسندويتشات، ناهيك عن مشروب الشوكولا الساخنة، وكان يطلق على هؤلاء لقب ”رجال المثلث الأحمر“، إشارة لشارة جمعية الشبان المسيحيين، وكانوا يتوزعون من مصر إلى روسيا، وغالبا في أماكن قريبة جدا من ساحات القتال.
11. لديه بعض الفوائد الصحية المثيرة:
أولا يجب التنويه إلى أن معظم أكياس الشوكولا المعدة لتحضير مشروب الشوكولا تحتوي على الشوكولا المعالجة -التي تحتوي بدورها على العديد من المكونات الحشوية- التي لا تقدم الكثير من الفوائد المغذية أو الصحية، لكنك كلما اقتربت أكثر من منتوج الشوكولا الحقيقي غير المعالج كلما كان ذلك أفضل.
ربطت بعض الدراسات مضادات الأكسدة التي تحتوي عليها الشوكولا بكميات كبيرة بالكثير من الفوائد الصحية من الوقاية من السرطان إلى خفض ضغط الدم.
وتحتوي الشوكولا كذلك على عنصر الـ(ثيوبرومين) الذي يعرف عنه فوائده في تحسين المزاج، كما أن إضافة الحليب إلى مشروب الشوكولا الساخنة بإمكانه كذلك زيادة الفوائد الصحية للمشروب من خلال إضافة الكالسيوم والفيتامينات إلى المزيج.
أما بخصوص ادعاء أن الشوكولا تسبب الاستثارة الجنسية، فلا أساس له من الصحة.
12. كان أكبر كوب مشروب شوكولا ساخنة يحضّر بحجم 3 آلاف ليتر:
حقق هذا الإنجاز مجموعة من الأطفال في سنة 2013 في متحف العلوم والصناعة بـ(تامبا باي)، وعمل هؤلاء التلاميذ المحليون مع المعلمين من أجل تحضير هذا المشروب الذي كان بحجم مسبح كامل، وتضمنت مقاديره 500 كيلوغراما من الكاكاو، و330 ليترا من مسحوق الحليب.
وفي ذلك الحدث الاحتفالي، قذف الأطفال بحلوى الخطمي إلى داخل مشروب الشوكولا الساخنة العملاق الذي حضروه بواسطة مجانيق مصنوعة منزليا.
