in

حينما حاكم الفن ’الإله‘.. خمسة (5) أفلام ربحت القضية

رجل يحاكم الإله

لطالما عهدنا أن تتمثل أطراف جلسات المحاكم الدينية في قاضٍ وهيئة اتهام تطلب العقاب لأحد ما قام بالإساءة للذات العليا، الأمر بسيط للغاية: الدستور الذي كتبه الإله هو ذاته الفيصل بينه وبين المتهم، أو كما يقول المتنبي ”فيك الخصام وأنت الخصم والحكم“.

ولكن بعد قرون عدة قرر البعض نقل ملفات القضية إلى محاكم ذات طبيعة خاصة، تترك المجال لأحكام متنوعة وفقا لما يراه كل شخص قام بحضور الجلسة، المحكمة المقصودة هي السينما، وكان المتهم هذه المرة الإله ذاته، وتراوح الحكم النهائي بين مذنب أو بريء عدة مرات.

وللخوض في أرشيف تلك المحاكمات كان علينا النظر بعيدا صوب هوليود والسينما الأوروبية، حيث أن تلك النوعية من جلسات الاتهام لن تجدها في دول الشرق الأوسط، الذي إذا نظرت إلى أعلى قائمة الممنوعات فنيا به يمكنك أن تشاهد بوضوح أن الإله يمسك في يديه مقص الرقابة، ويلقي بالفرص العادلة للمحاكمات إلى سلة المهملات، وقد يتعدى ذلك إلى توكيل أحدهم لرفع قضية باسمه ضد صناع مثل تلك الأعمال.

القضية رقم 1: بين اليهود والإله في God on Trial

فيلم God On Trial

تدور أحداث الفيلم في أحد أماكن الاحتجاز داخل معسكرات النازية فترة حكم (أدولف هتلر)، حيث قررت مجموعة متنوعة للغاية –من حاخام ومثقفين وملحدين ومتحمسين دينيا تعود جميع أصولهم إلى اليهودية– محاكمة الإله على ما آلت إليه أمورهم.

احتكموا إلى كتابهم المقدس ”التوراة“، وبدأوا في تشكيل هيئة اتهام صغيرة وثلاثة قضاة وبعض من وكلاء الدفاع من المتدينين يعاونهم حاخام ومتهم واحد وهو الإله، وتستطيع أن تلاحظ ببساطة أن هيئة الاتهام تلك تتخذ شكلا أكبر كلما مرت أحداث الفيلم، حتى يصبح تقريبا كل من في ذلك المكان ضمن هيئة الاتهام إلا قليلا، وكان الاتهام الأساسي إخلال الرب بعقده ”التوراة“ الذي أبرمه مع موسى وجدد طوال التاريخ اليهودي، وانتهت المحاكمة بأنهم قد وجدوا الإله مذنبا بالفعل.

الفيلم من إنتاج الولايات المتحدة عام 2008 للمخرج (أندي تومسون).

القضية رقم 2: الإله ولعبة التسلية في The Brand New Testament

فيلم The Brand New testament

يعيش الإله في شقة صغيرة برفقة زوجته وابنه ”المسيح“ وابنة صغيرة لم يعلم أحد عنها شيئا من قبل. تبدأ أحداث الفيلم في الإثارة حينما قررت ابنة الإله الصغيرة أن تخوض تجربتها الخاصة في حمل رسالة والنزول بها إلى الواقع لقيادة الناس إلى مصير مختلف عما قرره والدها، وبعد تفكير في الطرق التي تمكنها من تخريب خطط ذلك الإله، توصلت إلى فكرة عبقرية تقضي بإرسال رسالة إلى جميع البشر تعلمهم فيها بموعد موتهم، وبذلك خسر الإله أحد أهم مصادر قوته الغيبية في التحكم، وبعد ذلك استعانت بأخيها عيسى ليضع لها خطة الهروب من الشقة إلى الشوارع.

ولكي تصبح الأمور أكثر إثارة يقرر والدها النزول خلفها لمنعها من إحداث المزيد من التغييرات، وهنا يجد نفسه في موقف غاية في الصعوبة، حيث يضطر إلى العيش وفقا للقوانين التي حددها بنفسه من قبل، من معاناة ومواجهات ضد أشرار وأشياء أخرى جعلته يظهر بمظهر المتشرد خلال ساعات قليلة فقط، قبل أن تلعب الأم الصامتة طوال أحداث الفيلم دورا هاما وتقرر العبث بحاسوب الأب الغائب وتعديل الشر إلى الخير حتى في أبسط الأمور مثل لون السماء وأعقدها مثل الموت.

الفيلم من إنتاج روسيا عام 2015 للمخرج (جاكو فان دورمايل).

القضية رقم 3: جنون العظمة يصيب الإله في Mother

فيلم Mother

يعد ذلك الفيلم من أكثر الأفلام إثارة للغضب، فالإله هنا هو كاتب الروايات الذي يعيش برفقة زوجته حياة هادئة في بقعة خضراء، حتى يقرر بأنه في حاجة إلى معجبين فيقوم بفتح أبواب منزله وتبدأ الدراما في تكتل المجموعات التي تنادي بأن تكون هي المجموعة الرسمية لحمل محبة ذلك الروائي، وفي ظل استمتاعه بتلك الحرب التي تدور داخل جدران المنزل فإن زوجته التي تمثل ”الطبيعة“ تعيش معاناة الحفاظ على منزلها الهادئ الجميل من أيادي المعجبين الذين خلفوا الكثير من الفوضى أينما ذهبوا.

لم ينس صناع العمل الإشارة الواضحة ليسوع المتمثل في الطفل الذي سرقه الكاتب من والدته، ليعطيه إلى معجبيه الذين يتهافتون لحمله وتقديسه بما أنه يعد ابن كاتبهم العظيم، مما يؤدي إلى مقتله وجنون الأم وسط حالة اللامبالاة التي تقمصها بطل القصة.

الفيلم للمخرج (دارين أرنوفسكي).

القضية رقم 4: محامي الإله يتنازل في The Sunset Limited

فيلم The Sunset Limited

بعد محاولة انتحار فاشلة للملحد الذي يقوم بدوره (تومي لي جونز)، يقرر (صامويل جاكسون) أن يعقد معه مناظرة في منزله الصغير على أمل أن يصل إلى منعه من الإقدام على الانتحار مرة ثانية عن طريق حثه على الإيمان بالإله الذي لا يسمح بذلك.

شهد الفيلم الذي يمتد لساعة ونصف تقريبا سيطرة المؤمن (صامويل) على مجريات المناظرة بالمنطق فقط دون محاولة الاستعانة بالنصوص التي يؤمن بها، وظلت الأمور كذلك حتى آخر 10 دقائق حينما ألقى (تومي) الطرف الآخر خطبة قصيرة رائعة عن العيوب الأخلاقية في معاناة البشر، التي تثبت بأنه لو وجد إله فقد يضطر إلى الدفاع عن نفسه وليس الاستماع إلى دفاع البشر عن أنفسهم مثلما كان يعتقد.

لتنتهي أحداث الفيلم الفلسفي بجملة (صامويل جاكسون) البائسة الذي يمثل طرف الدفاع عن الرب حيث عاتب إلهه قائلا: ”لماذا أعطيته الكلمات بدلا من أن تعطيها لي“، في إشارة إلى أنه خسر المناظرة في آخر رمق لها.

الفيلم من إخراج بطل العمل (تومي لي جونز) وإنتاج عام 2011.

القضية رقم 5: الأنيميشن له محكمته أيضا في Sausage Party

فيلم Sausage Party

الفيلم الذي يحكي قصة المنتجات من الألبان واللحوم والفاكهة والكثير من محتويات سلسلة (ماركت)، الذين يظنون طوال الوقت أن الآلهة المتمثلة في زبائن ذلك المكان طيبون، حتى أن كل واحد من تلك المنتجات لطالما كان على أمل أن يقع عليه الاختيار والذهاب برفقة الزبائن مثل من سبقوه.

ولحادثة استرجاع أحد المنتجات الدور الأبرز في فهم المنتجات لحقيقة طبيعتها، حينما فضح المنتج المسترد ما شاهده في منزل الآلهة من تقطيع وحرق وتكسير للمنتجات الأخرى التي ذهبت معه ولم تعد، فيبدأ بطل القصة وهو ”السجق“ في البحث خلف القصص المزعومة التي كان يؤمن بها من قبل، ليتوصل إلى ثلاثة من المنتجات القديمة التي لعبت ذلك الدور وأوهمت باقي المنتجات بقصصها المزيفة حتى تتمكن من لعب دور هام في ذلك الـ”ماركت“، ويقوم السجق بحشد باقي المنتجات ضد الآلهة وبالفعل ينتصر في الحرب التي شنها حينما فتحت الأبواب في اليوم التالي.

الفيلم الذي صدر عام 2016 من إخراج (كونراد فيرنون) و(غريغ تيرنان).

لم تقرر كل الأفلام أن الإله مذنبًا بالطبع وفقا للقصة التي تم روايتها، حيث وجدت بعضها الآخر فرصة لتصفية الأمور من وجهة نظر الخالق ذاته، وتصحيح مفهوم ما، فمثلا فيلم The Shack تناول قضية أن يقرر الإله موت أحد أطفالك صغيرا بطريقة بشعة، وأن ينتظر منك عبادته بعد تلك المعاناة، حيث يقوم بطل الفيلم برحلة تنتهي بمقابلة الإله ويسوع وفتاة جميلة تمثل الروح القدس ليقوموا بتوضيح وجهة نظرهم أن معاناته تسهل الأمور عليهم في الموازنات الحياتية اليومية، وفيلم آخر هو Bruce Almighty حينما يلتقي (جيم كاري) بالإله (مورجان فريمان) بعد سلسلة من سوء الحظ الذي قلب حياة الأول، ويعطي (مورجان) الفرصة لـ(كاري) حتى يقوم بدور الإله لمدة أسبوع، حتى يتفهم طبيعة العمل الصعب والمعقد الذي يضطر الإله للقيام به طوال اليوم.

وسواء كنت ترى أن الإله مذنب أو بريء أو لا وجود له من الأساس، فستستمتع بالتأكيد بنصوص فلسفية رائعة مع مزيج الأداء المبدع لأبطال هذه الأعمال، إذا ما قررت أن تشاهد إحدى تلك المحاكمات المذهلة.

مقالات إعلانية