in

ماذا لو استطعنا إنشاء طريق سريع يدور حول الأرض كلها؟

جسر

تخيل أن يكون بمقدورك شد الرحال في رحلة برية حول العالم، بالتحديد على طريق سريع يحيط بالكوكب كله عند خط الإستواء!

قد تستوقفنا هنا عزيزي القارئ لتخبرنا بأنه لا يوجد طريق سريع يحيط بالكوكب عند خط الإستواء، لكننا هنا لنخبرك أنه ليس موجودًا ”بعد“، فنظريًا تلك فكرة هندسية قابلة للتطبيق.

وهي كذلك فكرة تمطر أذهاننا بالكثير من التساؤلات المثيرة على شاكلة: ماذا لو استطعنا إنشاء طريق من هذا النوع؟ ما الذي سيتطلبه بناء أطول طريق معبد على الأرض؟ كم ستستغرق من الوقت خلف عجلة القيادة لإكمال هذه الرحلة الملحمية؟ وهل سيتسبب بناء طريق مثل هذا في إثارة حفيظة حماة البيئة؟

في مقالنا هذا على موقعنا «دخلك بتعرف»، سنجيب عن جميع هذه الأسئلة وأكثر، تابع معنا القراءة عزيزي القارئ:

هنالك حوالي 64 مليون كيلومتر من الطرقات بجميع أنواعها حول الكوكب، لكن لا توجد شبكة طرقات سريعة واحدة تستطيع نقلك من نيويورك في الولايات المتحدة مباشرة إلى (كايب تاون) في جنوب إفريقيا على سبيل المثال، أي أن الطرقات السريعة العابرة للقارات البعيدة غير موجودة حتى الآن.

سيكون الطريق السريع الافتراضي الذي نحن بصدد بنائه قادرًا على أخذك من كولومبيا على طول الخريطة إلى أندونيسيا، ثم من القارة الآسيوية من الجانب الآخر على طول المحيط الهندي عودة إلى القارة الأمريكية الجنوبية.

سيبلغ طول هذا الطريق السريع الافتراضي حول خط الإستواء حوالي 40 ألف كيلومتر.

غير أن مشروعًا بمثل هذا الحجم سيكون بدون شك إنجازًا هندسيًا ذا تكلفة خيالية، وذلك لأن قسمًا كبيرًا من هذا الطريق السريع سيتم تشييده تحت سطح المحيط.

في المتوسط، يستغرق إنشاء طريق سريع بين 5 إلى 10 سنوات، غير أننا هنا لن نكون بصدد بناء طريق سريع كأي طريق سريع آخر، حيث سيكون هدفنا هو إنشاء 40 ألف كيلومتر من الطريق المعبد الازدواجي على طول خط الإستواء حول الكوكب كلّه.

من أجل بناء طريق مثل هذا في نفس المدة الزمنية التي يستغرقها إنشاء أي طريق سريع عادي آخر، يجب أن تنطلق الأشغال من مناطق متفرقة في نفس الوقت، وتستمر على ذلك المنوال بدون توقف.

سيتطلب طريقنا السريع العابر للكوكب هذا حوالي 8 ملايين عامل محترف، وغلافًا ماليًا يقدر بحوالي 9.2 تريليون دولار، وتلك أرقام خيالية يجب أخذها في الحسبان.

كيف ستكون الرحلة عبر طريق مثل هذا؟

يمر خط الاستواء عبر 13 بلدًا مختلفًا ويعبر 3 محيطات في العالم. لنفترض أن تنطلق في رحلتك هذه على هذا الطريق السريع في القارة الجنوبية الأمريكية في الإكوادور بالتحديد، فتنطلق شرقًا عبر كولومبيا والبرازيل. ستستمع بدون شك بالمناخ الإستوائي الرطب، ودرجات الحرارة العالية.

عليك أن تتأكد من أن السيارة التي ستخوض فيها الرحلة مجهزة بمكيف الهواء الذي يجب أن يعمل بكفاءة عالية، حيث ستعبر الكثير من الجبال، وستصادف نهر الأمازون الذي إذا ما قررت السباحة فيه تذكر وجود أسماك البيرانا المتعطشة للدماء التي تعيش في مياهه.

ستكون رحلتك في غابات الأمازون قد بدأت للتو، قبل أن تصل لنهايتها بوصولك إلى ساحل البرازيل على المحيط الأطلسي، وهنا تكون على وشك دخول أول قسم مغمور تحت المحيط من هذا الطريق السريع: ”النفق الأطلسي العظيم“، والمنظر هناك لن يعجبك كثيرًا، بل سيكون مملا إلى أبعد حد.

في الأخير ستصل إلى اليابسة في الطرف الآخر من المحيط بعد أيام قضيتها في نفق مغمور تحت الماء، وستجد نفسك في القارة الإفريقية. ستقود سيارتك عبر حقول السافانا، والمستنقعات والغابات المطيرة في كل من الغابون والكونغو، وعبر صحاري كينيا والصومال.

نفق مغمور
خلال رحلتك هذه، ستعبر عدة أنفاق مغمورة تحت المحيط، التي ستكون طويلة للغاية. صورة: Norwegian Public Roads Administration

في طريق رحلتك الشيّقة هذه قد تصادف الأفيال، والغوريلا، والثيران البرية، والنمور المرقطة والفهود، وهو ما سيجعلك تشعر بأن الرحلة الطويلة والمملة عبر النفق كانت تستحق العناء بكل تأكيد.

وهنا تنتهي القارة الإفريقية وتجد نفسك بصدد دخول نفق آخر مغمور تحت المحيط، وفي هذه المرة سيكون ”النفق الهندي العظيم“، الذي سيكون مملا هو الآخر.

بعد الخروج من النفق الهندي العظيم ستجد اليابسة مرة أخرى، وهنا ستكون قد دخلت أندونيسيا الخلابة مع جزرها الـ17000 المنتشرة حول خط الإستواء.

ستجد نفسك تقود عبر سلسلة من الأنفاق القصيرة المغمورة لتنتقل من جزيرة إلى أخرى، وفي كل مرة تجد نفسك فيها في اليابسة ستصاب بالذهول من درجة جمال المناظر والطبيعة هناك: من جبال بركانية، إلى حقول أرز، ناهيك عن الغابات المطيرة الاستوائية، كما قد تستقطع بعض الوقت لتقضي يومًا أو إثنين على أحد شواطئ النخيل الإستوائية الجميلة.

هنا يحين وقت عبور نفق آخر، وآخر الأنفاق في هذه الرحلة، إنه ”النفق الهادئ العظيم“، أطول نفق في هذه الرحلة كلها وأكثرها رتابة، هو في الواقع سيكون أطول بثلاثة مرات من بقية الأنفاق السابقة، وفي نهايته، ستصادف آخر نقطة مثيرة من هذا الطريق السريع وهي جزر (غالاباغوس) الساحرة، التي تستعرض التطور في أبهى حلته، حيث تزدهر فيها أكثر أشكال الحياة غير المعهودة في البرية.

ستكون جولة سريعة في هذه الجزر بدون شك بمثابة متعة للبصر بعد رحلة طويلة وشاقة في نفق مغمور تحت المحيط الهادي، ثم ستكمل طريقك إلى أبعد بقليل عبر نفق أخير مغمور لتصل إلى نقطة البداية: الإكوادور.

تهانينا، فقد أكملت لتوك رحلة برية على متن السيارة عبر الكوكب كلّه.

كم ستستغرق هذه الرحلة من الزمن؟

نفق
ستقضي معظم الوقت خلال هذه الرحلة الافتراضية متنقلًا داخل الأنفاق المغمورة تحت سطح البحر، وهو ما سيكون مملا للغاية بدون شك. صورة: RS Creation Presents

في حالة ما كنت تسير بسيارتك بسرعة 100 كلم/سا، ستقضي ما مجمله 400 ساعة أو 17 يومًا على الطريق، وستقضي 12 يومًا من مدة هذه الرحلة كلها في الأنفاق المغمورة تحت المحيطات.

باقتطاع بعض أوقات الراحة للنوم ليلًا أو الاستراحة نهارًا، وبعض الوقت للاستمتاع بالمناظر الطبيعية التي تصادفها خلال رحلتك، ستكون مدة الرحلة كلها حوالي شهران إثنان على الأقل.

كل ما نتمناه أن نكون في يوم ما قادرين على تحمل تكلفة رحلة عمر مثل هذه، لكن على قدر ما تبدو عليه هذه الفكرة ممتعة وجميلة فإنها ستمثل ضربة قوية بالنسبة لمناخ الكوكب.

آثار بناء طريق سريع بهذا الحجم على مناخ كوكبنا

بناء طريق سريع
سيكلف بناء طريق سريع بهذا الحجم حوالي 9.2 تريليون دولار، إلى جانب تشغيل أزيد من 8 ملايين عامل محترف.

ستتسبب عملية بناء الطريق السريع في حد ذاته في اضطراب الأنظمة البيئية في كل من البر والبحر، وفوق كل هذا ستتسبب سيارتك خلال هذه الرحلة التي لا تدوم إلا شهران من الزمن في إصدار ضعف إنبعاثات ثاني أكسيد الكربون التي تصدرها سيارة عادية خلال سنة من الزمن.

على ما يبدو، لن نشهد إنشاء طريق معبد مثل هذا عبر خط الإستواء في أي وقت قريب في المستقبل.

 

مقالات إعلانية