in

دخلك بتعرف ”السحب تحت عارضة السفينة“.. أبشع طرق التعذيب التي عرفت في القديم بين البحارة

تشتهر أقدم أشكال وأنواع التعذيب بقسوتها المفرطة والآلام الفظيعة التي تسلطها على ضحاياها، كما يعرف عنها بعدها الكامل عن الإنسانية وتنوع طرائقها في إحلال الجحيم على ضحاياها، هذه الطرائق التي لا يشكل ”السحب تحت العارضة“ أي استثناء منها.

يقال أن طريقة ”السحب تحت عارضة السفينة“ أو ”السحب تحت قعر السفينة“ في التعذيب هي ممارسة كان القراصنة ورجال البحرية الحكومية على حد سواء يتبعونها خلال القرنين السابع عشر والثامن عشر، وهي شكل من أشكال العقاب، حيث يتم تعليق الضحية بواسطة حبل تثبت به أثقال ثم يجر أسفل العارضة الطولية التي تقع في قعر السفينة تحت الماء من جهة، ويسحب بعدها من الجهة الأخرى –هذا إن لم يُرد بذلك قتله، ومنه جاء اسم Keelhauling أي السحب تحت العارضة، فكلمة Keel تعني عارضة قعر السفينة، وكلمة Hauling تعني السحب.

ومن أسباب التي تجعل هذه الممارسة فظيعة للغاية وتسلط آلاما لا تطاق على ضحاياها هو أن سحب جسد الضحية يتم باحتكاكه مع عارضة قعر السفينة، التي تكون موطنا للمئات من محارات البرنقيل المسننة والقاسية، مما يحدث تمزقات غائرة على جسد الضحية، ناهيك عن الملح المتواجد في المياه الذي يزيد من شدة عذابه.

مشهد من مسلسل Black Sails يمثّل طريقة التعذيب هذه خير تعذيب، حيث صوّرت فيه وهي تطبق على قبطان القراصنة الشهير Edward BlackBeard.

مسلسل Black Sails

وعلى قدر البشاعة التي تتصف بها، فعندما يتعلق الأمر بحقيقة هذه الممارسة؛ تجد التخمينات والتأويلات تطغى على الحقائق في هذا الصدد، فلم يفصل بشكل قاطع في ما إذا كانت تستعمل على متن السفن البحرية النظامية، وكذا الفصل في الوتيرة التي كانت تتبع وفقا لها، أي أن أسئلة من نوع ”من ابتكرها ومارسها؟“، و”لكم من الوقت ظل يمارسها؟“ لم يُجب عنها بشكل مفصل وموثوق.

ذُكر مصطلح Keelhauling، أو ”السحب تحت عارضة السفينة“، في قصص رويت عن القرن السابع عشر من طرف الكثير من الأدباء والمؤلفين الإنجليز، إلا أن المراجع المذكورة في هذه القصص أو الأدلة التي قد تدعمها كانت قليلة جدا، ومنه كان العثور على ذكر مفصل عن هذه الممارسة أمرا نادرا.

وكان أكثر ذكر ملموس يبرز ممارسة طريقة السحب تحت العارضة في التعذيب على متن السفن البحرية مصدره البحرية الهولندية، فعلى سبيل المثال تظهر هذه الممارسةَ وتصفها لوحةٌ زيتيةٌ حملت عنوان «تعذيب طبيب الأميرال (جان فان ناس) بطريقة السحب تحت عارضة السفينة»، التي تقبع في متحف (ريجكسميوزيم) في (أمستردام)، والتي يقدّر تاريخها بين سنتي 1660 و1686.

عنوان هذه اللوحة المرسومة: "تعذيب طبيب الأميرال (جان فان ناس) بطريقة السحب تحت عارضة السفينة"، يقدر تاريخ اللوحة بين سنتي 1660 و1686.
عنوان هذه اللوحة المرسومة: «تعذيب طبيب الأميرال (جان فان ناس) بطريقة السحب تحت عارضة السفينة»، يقدر تاريخ اللوحة بين سنتي 1660 و1686.

يلقي الوصف الذي رافق اللوحة الفنية بعض الضوء على هذه الممارسة الفظيعة، حيث ذُكر فيه بأن طبيب الأميرال (فان نيس) تم تعذيبه بها، وورد في الوصف: ”عقاب شديد يسحب فيه الرجل المحكوم عليه تحت عارضة السفينة بواسطة حبل، وكانت بمثابة تحذير شديد اللهجة موجه لجميع البحارة آنذاك“.

بالإضافة إلى ذلك، ذكر الكاتب (كريستوفوروس فريكيوس) في كتابه الذي ألفه سنة 1680 بعنوان «رحلات كريستوفوروس إلى الهند الشرقية وعبرها» Christophorus Frikius’s Voyages to and through the East Indies الكثير من حالات التعذيب بطريقة السحب تحت عارضة السفينة، التي كانت تجري في القرن السابع عشر.

وصف البريطانيون كذلك كيفية أداء هذه العملية في «معجم البحرية العالمي» Universal Dictionary Of The Marine في سنة 1780، الذي يقبع في الأرشيف، على أنها: ”يتم إجراؤها من خلال غمس الشخص المذنب عدة مرات تحت قعر السفينة من جهة، ثم إخراجه من تحت المياه من الجهة الأخرى للسفينة، بعد أن يكون قد مر محتكا بالعارضة“، ويضيف المعجم في وصفه: ”يتاح للشخص الواقع تحت التعذيب بهذه الطريقة عدة فترات استراحة تتخلل العملية، وذلك حتى يسترجع حس الشعور بالألم، وهو الأمر الذي قد يحرمه منه تكرار العملية“، ويبرز هذا الوصف كذلك أن الهدف الرئيسي من اتباع هذه الممارسة هو التعذيب فقط، وليس الإعدام أو القتل.

كما كان البريطانيون كذلك يشيرون إلى هذه الممارسة على أنها ”عقاب يتم تسليطه كجزاء على عدة تجاوزات في البحرية الهولندية“ مما يظهر أنه على الأقل بحلول سنة 1780، لم تكن هذه الممارسة متبعة من طرف البحرية الملكية البريطانية.

ويقال أيض بأن ممارسة البحرية الملكية البريطانية لطريقة التعذيب المشينة هذه كان متقطعا حوالي سنة 1720، بينما لم يعمد الهولنديون إلى حظرها بصفة رسمية كطريقة للتعذيب حتى سنة 1750.

وردت كذلك بعض الروايات في الوثائق البرلمانية الخاصة بمجلس الشعب التابع لبريطانيا العظمى حول بحّاريْن مصريين تم تعذيبها وفقا لطريقة السحب تحت عارضة السفينة في أواخر سنة 1882.

أما فيما يخص الأمم والدول التي اتبعت هذه الممارسة، وإلى كم من الوقت قامت بذلك فيبقى صعبا الفصل فيه بسبب نقص السجلات الموثوقة آنذاك.

لكن بسبب كون ذكرها جاء في العديد من النصوص القديمة والأعمال الفنية والأدبية، فلا بد من أن ”السحب تحت عارضة السفينة“ Keelhauling لم تكن عبارة عن أسطورة أو خرافة مبتدعة، بل كانت حقيقة وواقعا.

مقالات إعلانية