in

هل سبق وسمعت بسلّة زبلين الألمانية المخصصة للتجسس

سلة زبلين للتجسس

كانت منطقة المراقبة الجوية التابعة لطاقم منطاد (زبلين) الألماني من أكثر المناطق خطورة خلال الحرب العالمية الأولى، فقد كان هذا الموقع المُعلق بنهاية حبل طويل متدلي من أسفل المنطاد مختصاً بمراقبة مناطق تمركز العدو واستهدافها.

كان المُراقب يجلس داخل مركبة التجسس التي أُطلق عليها اسم «بالون التجسس» أو «سلة التجسس» التي تتدلى من أسفل منطاد (زبلين)، في حين يبقى المنطاد محاطاً بالسحب والضباب مما يجعله بعيداً عن أنظار العدو، اعتمد قبطان منطاد (زبلين) على مرصد المراقبة الجوي بشكل كبير، حيث كان يزوده بالتعليمات ويوجهه عبر الهاتف، وعلى الرغم من خطورة هذه المهمة إلا أن الطاقم قد استمتع بمهمة المراقبة وذلك لكونه المكان الوحيد الذي يُسمح لهم بالتدخين فيه.

مركبة المراقبة في منطاد زبلين موجودة داخل متحف الحرب الإمبراطوري في لندن.
مركبة المراقبة في منطاد زبلين موجودة داخل متحف الحرب الإمبراطوري في لندن.

شرح لنا قبطان منطاد (زبلين) الألماني (إرنست لأوجست ليمان) في كتابه The Zeppelins المنهجية التي اتبعها لتطوير مركبة المراقبة بالتعاون مع (بارون جيمنغن)، وهو ابن شقيق الجنرال (فرديناند فون زبلين)، فقال: ”كانت فكرتنا تتمحور حول اختراع مركبة مراقبة صغيرة يتم إنزالها على بعد نصف كيلومتر أو أكثر أسفل منطاد (زبلين)، بحيث يمكن للمراقب توجيه مسار المنطاد وإطلاق النار على العدو بينما يختبئ المنطاد الكبير خلف السحب، لذلك وبصفتي مهندساً تم اختياري لتصميم هذه المركبة ولكنها في الواقع ليست من اختراعي، حيث قدم عدة أشخاص أفكاراً مماثلة ومنها فكرة رجل الأعمال والمهندس المدني (هاجين) من جامعة (كولونيا) الذي كان لديه ورشة ميكانيكية قريبة، وعندها بدأنا بالعمل سوياً وإجراء الاختبارات الأولى باستخدام أدوات تجريبية بسيطة“.

منطاد زبلين للجوسسة.
مركبة المراقبة في منطاد زبلين.

لاختبار النموذج الأولي؛ قام (ليمان) بوضع عصبة على عيني قبطان المنطاد ثم جلس بداخل صندوق خشبي وتم إنزاله أسفل المنطاد على مسافة 150 متراً من حجرة القنابل باستخدام ذراع ذو مقبض، وبالطبع تم تزويده بهاتف وبوصلة بحيث يتمكن من تزويد القبطان بالتعليمات وتوجيه المنطاد للمكان المنشود.

بعد نجاح التجربة قرر (ليمان) صنع مركبة مراقبة أكثر صلابة وقوة وتزويدها بأداة قيادة خاصة بها ومنفصلة عن غرفة تحكم المنطاد الرئيسية، عُرفت هذه المركبة باسم الجندول، والتي تم تصميمها على شكل طائرة صغيرة مزودة بذيل خلفي مع وجود زعانف جانبية.

تم تزويد هذه المركبة بذراع تحكم خاص بها يتيح للمراقب بداخلها التحكم بالاهتزاز وحركة المركبة غير المستقرة الناتجة عن الاضطرابات الجوية، لكن سرعان ما تبين أنه أمر غير ضروري ولا فائدة منه، كما يوجد داخل المركبة كرسي مريح، وطاولة لرسم الخرائط، ومصباح كهربائي، ومانع صواعق، وبوصلة، وهاتف.

تم استخدام مركبة جندول للتجسس أثناء الغارة الجوية على بلدة (كاليه) الواقعة في شمال فرنسا في شهر مارس سنة 1916، كان كل من (بارون جيمنغن) و(ليمان) يرغبان في أن يكونا أول من يجرب مركبة التجسس ولكن في النهاية كان (جيمنغن) هو أول من يجربها، حيث تم إنزال (جيمنغن) أسفل المنطاد على بعد نصف ميل وتوارى المنطاد عن الأنظار متخفياً بين السحب، وعند انتهاء التجربة قال (جيمنغن) أنه قد شعر بالوحدة بالأسفل عندما رأى منطاد (زبلن) وهو يتلاشى ويختفي داخل الغيوم.

مركبة المراقبة في منطاد زبلين

كتب (ليمان): ”لم نتمكن من رؤية (جيمنغن) من المنطاد، كان الظلام والضباب يحيط بنا كجدار لا يمكن اختراقه، ولكن تمكن (جيمنغن) من إيصال الأوامر لنا عبر الهاتف وتزويدنا بالتوجيهات الصحيحة مستخدماً البوصلة، تمكنا من التحليق فوق الحصن لمدة 45 دقيقة وهو وقت كان كافياً لـ(جيمنغن) لزراعة القنابل بدقة، ولكنه لاقى صعوبة في توجيه العمليات حيث كان يأمر بإسقاط بعض القنابل الصغيرة ثم الكبيرة، تمكنا من شن خمسة هجمات منفصلة واستولينا على محطة السكك الحديدية والمستودعات والترسانة وبعض النقاط المهمة الأخرى“.

فيما بعد تبنت القوات البحرية الأمريكية سلال التجسس هذه وقامت بتعليقها أسفل مناطيد (أكرون USS) المملوءة بغاز الهيليوم، ولكن اتضح لهم أن مواقع تمركز الجنود داخل السلة قد جعل منها غير مستقرة وخطيرة لذلك تم إضافة موازن رأسي لإيقاف التأرجح والاهتزاز، ولكن لم ينفع هذا الأمر وعندها قررت القوات البحرية أن هذه السلال تشكل خطراً كبيراً على جنودها.

يمكنك رؤية مركبة المراقبة في متحف الحرب الإمبراطوري في لندن، والذي قد تم العثور عليها بالقرب من بلدة (كلوتشيستر) بعد غارة (زبلين) الجوية في سبتمبر سنة 1916، حيث يُعتقد أن المقبض المسؤول عن تثبيت المركبة في الجو قد خرج عن السيطرة مما تسبب بتحطمها، ولكن لحسن الحظ لم يكن هناك من طيار بداخلها.

مقالات إعلانية