in

دخلك بتعرف قصة ذلك السلاح الذي كان خطيرا لدرجة أن حتى الألمان امتنعوا عن استعماله في الحرب العالمية الثانية

دبابة تحترق

بين الحين والآخر يتم اكتشاف مركبات كيميائية جديدة، أو يتم إنشاؤها وتركيبها من خلال المزاوجة والمزج بين بعضها بهدف استعماله في مجال معين.

أحياناً تكون بعض هذه المركبات الكيميائية مفاجأة تامة تنشأ وتُكتشف عن طريق الصدفة، مثل ذلك المركب الكيميائي الجديد كليا الذي اكتشف في سنة 1930 من طرف (روف) و(كروغ) في ألمانيا، والذي كان غير مستقر لأبعد الحدود لدرجة تم تجاهله على مر عقد من الزمن، إلى أن أحاط به الاهتمام مجددا، وهذه المرة من طرف العلماء النازيين في معهد (كايزر ويلهلم).

أدولف هيتلر
ألمانيا النازية.

كان في المعهد السابق ذكره حيث أُطلق على هذا المركب اسم (آن-ستوف) أو «المادة ’ن‘» والتي أظهرت لدى العمل عليها بعض الخصائص الملفتة للانتباه والمثيرة للاهتمام:

كان هذا المركب يغلي في درجة حرارة الغرفة المعتدلة وكان ينتج غازا ساما، وإذا ما تم إحداث شرارة قريبة منه –وهو الأمر الذي ثبت كونه سهلا جدا–، كان هذا المركب يحترق لتصل درجة حرارته لـ2400 درجة مئوية، وإذا ما تحلل كان يتحول إلى حمض الهيدروفلوريك وحمض الهيدروكلوريك، وعادة في حالته البخارية.

لقد كانت «المادة ’ن‘» عبارة عن مادة آكلة ومتفجرة حتى لدى ملامستها للماء، أما إذا ما ارتبطت بعنصر الكاربون فقد كانت تتحول لمادة متفجرة تنفجر عند مجرد لمسها، ثم بدا لاحقا أنها كانت مادة مؤكسدة أفضل من الأكسجين نفسه، وهو الأمر الذي يعني أنها كانت ممتازة في إضرام النار في مواد لا نعتبرها قابلة للاحتراق عادة، مثل الرمل، أو الزجاج.

مواد كيميائية تتفاعل

تم نقل الأبحاث على هذا المركب وعملية إنتاجه إلى «مركب فالكنهاغن الصناعي» وفي مدينة (براندنبرغ)، وهناك تم مزج المركب مع عدة مواد كيميائية خطيرة أخرى على غرار غاز (السارين). كانت الخطة تقضي بإنتاج حوالي خمسين طنا منه في الشهر الواحد، واستعماله لتذويب الدفاعات، وحرق الدبابات، وتحطيم الجيوش، وحرق المدن، لقد كان نوعاً من الأسلحة التي لا نراها إلا في برامج الخيال العلمي التي تنم عن جنون العلم والعلماء.

غير أنه بحلول نهاية الحرب العالمية الثانية لم يكن سوى ثلاثون طنا من هذا المركب قد اكتمل إنتاجه على يد النازيين، والسبب في ذلك هو كونه كان غير مستقر وخطير جدا لدرجة لم تكن هناك أية طريقة عملية وآمنة لاستعماله.

اقترحت إحدى الأفكار وضعه في قاذفات اللهب ثم توجيهه نحو الأعداء، وكانت المشكلة الأساسية التي أعاقت هذه الفكرة هو أنه سيعمل على تآكل مكونات قاذفات اللهب نفسها التي لم تكن مصنوعة من الفولاذ، ثم كان ليحرق كل شيء في سبيله.

كان أول من استولى على «مركب فالكانهاغن الصناعي» بعد انهيار ألمانيا النازية هو الجيش السوفييتي، ويبقى ما حدث بالذات خلال السنوات القليلة التي تلت ذلك مجهولا تماماً، لكن مركب (آن-ستوف) اختفى من صفحات التاريخ بعدها على مدى عقود من الزمن.

إن الاسم التقني لهذا المركب عالي الخطورة الذي يطلقه عليه العلماء هو «ثلاثي فلوريد الكلور»، وقليل جدا من المنظمات من اهتمت به أو التعامل معه، أو تطويره.

تعتبر المواد المؤكسدة مهمة وذات حيوية كبيرة عندما يتعلق الأمر بوقود الصواريخ، وقد كان أكثرها فعالية في الأكسدة هو «ثلاثي فلوريد الكلور» هذا، وكانت خصائصه المميزة هذه هي ما جعلت وكالة ناسا تمعن النظر في إمكانية تحويله إلى وقود للصواريخ، وقد استمر الأمر على هذه الحال إلى غاية خمسينات القرن الماضي عندما تضررت إحدى حاويات هذا المركب وتسبب الأمر في سكب 900 كيلوغرام منه على أرضية من الخرسانة، وكان ما حدث مرعباً بحق.

لقد اندلعت النيران في الخرسانة —على الرغم من أن عدم انفجاره كان معجزة في ذلك اليوم— واستمرت ألسنته في جعل طبقة الخرسانة تتآكل بشدة لدرجة توغلت في عمق ثلاثين سنتمترا من سماكتها، ثم أحرقت كتلة من الحصى بلغ سمكها 90 سنتمتراً، وتحت أية ظروف أخرى، كان من المستحيل إضرام النار في الحصى وجعلها تحترق، حيث بالإمكان تذويبها تحت درجات حرارة هائلة، لكن يتطلب الأمر نوعا خاصا جدا من المواد الكيميائية لجعلها تحترق، حيث يتطلب «ثلاثي فلوريد الكلور».

كما واجهت وكالة ناسا كذلك المشكلة الأخرى التي كان يمثلها عنصر «ثلاثي فلوريد الكلور»، وهي أنه عند مزجه بأي نوع آخر من الوقود أو مواد متفاعلة فقد كان يشتعل على الفور في كل مرة، فبدا واضحا أنه كان لا يحب اللعب مع أي مركب آخر.

ومثلما قاله عنه الدكتور (جون دروري كلارك)، وهو خبير في علوم الصواريخ لدى وكالة ناسا: ”كان المتعامل [مع هذا المركب] يواجه مشكلة الاضطرار إلى التعامل مع نار حارقة للمعادن، ومن أجل التعامل مع هذه الوضعية إذا ما وُجدت فيها، أنا دائما أنصح انتعال زوج من الأحذية الرياضية الجيدة“.

مثلما قد تتوقعه عزيزي القارئ، فقد قامت وكالة ناسا بإنهاء التجارب على هذا المركب الصغير المسبب للمشاكل، وأخيراً تم اكتشاف طريقة مسالمة لاستعماله والانتفاع من خصائصه، حيث بات يستعمل بكميات ضئيلة جدا في تنظيف غرف الموصلات الفائقة دون الاضطرار إلى تفكيكها.

مقالات إعلانية