in

دخلك بتعرف الجندي الذي كان قادرا على إنهاء حياة (هتلر) لكنه أبقى عليها وقرر عدم إطلاق النار

الجندي الذي كان قادرا على قتل هتلر

شاع أنه في يوم الثامن والعشرين من سنة 1918 حدثت واحدة من أكثر الأحداث الغامضة خلال الحرب العالمية الأولى، فخلال خامس معركة تنشب في مدينة (إيبرس) في بلجيكا، بالقرب من قرية فرنسية صغيرة يطلق عليها اسم (ماركوان)، نال جندي بريطاني يدعى (هينري تاندي) وسام صليب فيكتوريا جزاء بطولاته التي حققها، وبالإضافة إلى الكثير من الأوسمة البطولية التي حاز عليها، كان أكثر جندي ينال الأوسمة والتشريفيات خلال الحرب العالمية الأولى.

لكن خلال تلك المعركة التي نال فيها ذلك الوسام البطولي، كان أحد الجنود الألمان المصابين في مرمى نيران بندقيته وكان يمثل هدفا سهلا تماما بالنسبة له، لكن (تاندي) قرر عدم إطلاق النار وترك الجندي الجريح يعيش رأفة منه، وما لم يكن يعرفه حقا أنه بتلك الالتفاتة المشفقة منه تسبب في تخييم ظلال شؤم كبيرة على سمعته وسجله العسكري الحافل، أو تدرون من كان ذلك الجندي الألماني الجريح؟ لقد كان (أدولف هتلر) نفسه.

كان أول من سمع بهذه القصة هو الوزير الأول البريطاني (نيفيل تشامبرلاين)، ففي سنة 1938 وصل (تشامبرلاين) إلى ألمانيا من أجل المفاوضات على إحلال السلام مع (هتلر)، وتضمنت زيارة (تشامبرلاين) تلك إقامة مع (هتلر) في منتجعه الجبلي في أعالي جبال (بافاريا)، حيث مر لدى دخوله القصر بجانب لوحة فنية زيتية تظهر جنودا تابعين لقوات الحلفاء في معركة (مينين) في سنة 1914.

زيارة (تشامبرلاين)
زيارة (تشامبرلاين) لـ(أدولف هتلر).

ارتبك (تشامبرلاين) قليلا واحتار من الأمر لأنه لم يكن يعتقد أن موضوع اللوحة قد يشكل مصدر اهتمام بالنسبة لـ(هتلر)، خاصة باعتبار الإذلال الذي لحق بألمانيا خلال خسارتها الفادحة في الحرب العالمية الأولى، لكن (هتلر) نوه مشيرا إلى أحد الجنود المصوًّرين في تلك اللوحة بأنه كان قريبا جدا من قتله لدرجة جعلته يفقد الأمل في رؤية ألمانيا مجددا، لكن ذلك الجندي تردد ولم يطلق عليه النار.

(أدولف هتلر) في بزته الرسمية كجندي في الحرب العالمية الأولى
(أدولف هتلر) في بزته الرسمية كجندي في الحرب العالمية الأولى.

ادعى (هتلر) أنه عرف هوية ذلك الجندي من خلال رؤيته لتلك اللوحة بالذات، وقد كانت تلك اللوحة تبرز مجموعة من الجنود البريطانيين يحمل أحدهم جنديا جريحا ويحاول نقله إلى بر الأمان، وكان ذلك الجندي بالضبط الذي أشار إليه (هتلر) بأصبعه مشيرا إلى أن اسمه (هينري تاندي) وأنه هو الرجل الذي أخلى سبيله وتركه يعيش في معركة قرية (ماركوان).

على الرغم من غرابتها غير أنه توجد بعض الأدلة الملموسة التي تدعم هذه القصة، فقد كان الجنود المصورين في تلك اللوحة ينتمون إلى نفس الفوج العسكري الذي كان ينتمي إليه (هينري تاندي) آنذاك، أضف إلى ذلك أنه توجد رسالة في أرشيفات متحف الفوج العسكري تثبت أن الفوهرر كان على الأقل قد رأى تلك اللوحة.

اللوحة الفنية التي يشاع أن (هتلر) تعرف من خلالها على هوية (هنري تاندي).
اللوحة الفنية التي يشاع أن (هتلر) تعرف من خلالها على هوية (هنري تاندي).

كتب هذه الرسالة الضابط المساعد الأول لـ(أدولف هتلر) النقيب (فريتز ويدمان)، ويبدو أن ما ورد فيها يؤكد على أن اللوحة تبرز وجود علاقة بين فوج (تاندي) العسكري والديكتاتور النازي، حيث ورد فيها: ”يكون الفوهرر غالبا مهتما بالأغراض المرتبطة بتجاربه الحربية والعسكرية الشخصية السابقة، وقد بدا عليه تأثره البالغ عندما عرضت عليه هذه الصورة“.

وعلى الرغم من هذه العلاقة الغامضة المثبتة بالدليل، فقد شكك كاتب السيرة الذاتية لـ(هينري تاندي) الدكتور (دايفيد جونسون) في أن يكون (تاندي) قد التقى بـ(هتلر) في تلك المعركة في الحرب العالمية الأولى، ويستدل في طرحه ذلك بأنه على خلاف ما ورد في اللوحة، كان (تاندي) ليكون مغطى كليا بالأوحال والدماء مما يجعل التعرف على هويته أو تذكر ملامحه شبه مستحيل.

كما يوجد كذلك تضارب في التواريخ، فيُزعم أن هذا الالتقاء كان قد وقع بتاريخ الثامن والعشرين من شهر سبتمبر سنة 1918، لكن وثائق رسمية من (أرشيف الهيئة البافارية) تظهر أن (أدولف هتلر) كان في إجازة في الفترة الممتدة بين الـ25 والـ27 من شهر سبتمبر، ثم هناك عامل بعد المسافة كذلك، فقد كان الفوج العسكري المنتمي إليه (هتلر) يبعد مسافة 70 كليلومترا عن مكان تواجد فوج (تاندي) في ذلك اليوم في معركة قرية (ماركوان).

إذن، هل يعقل أن (هتلر) كان مرتبكا أو مشوشا؟ أو مخطئا؟ أم أن القصة لا تتعدى مجرد تلفيق من طرفه؟

التاريخ شاهد على أن (هتلر) لم يكن يوما مترفعا عن تلفيق القصص والأساطير من أجل الترويج لحملاته ولفكره المتطرف، فقد أصبح هذا اللقاء المزعوم مع (تاندي) جزءا من حبكة طويلة يقصّها على الجماهير ليثبت بأنه الشخص ”المختار“ لقيادة الشعب الألماني نحو المجد.

في مؤلفه بعنوان (كفاحي)، يدّعي (هتلر) أن قوة إلهية كانت تحرسه دائما، وذات مرة خلال الحرب العالمية الأولى، سمع صوتا غامضا قادما من السماء يخبره بأن يبتعد عن موقعه الذي كان يتواجد به، وبعد لحظات من مغادرته له نزلت عليه قذيفة متفجرة، مما تسبب في مقتل رفاقه ونجاته هو.

بالعودة لتلك المواجهة المزعومة بينه وبين (تاندي)، وبالنظر للقصة من منظور الجندي (تاندي) نلاحظ وجود بعض الاختلالات التي تنبئ بعدم صحتها.

يُزعم أنه بعد حديثه ذلك مع (هتلر) في قصره في (بافاريا)، هاتف رئيس الوزراء البريطاني (تشامبرلاين) منزل (تاندي) للاستفسار عن أحداث تلك الواقعة، غير أن (هنيري تاندي) لم يكن في المنزل آنذاك، وكان ابن شقيقه من رد على الهاتف، لكن سجلات شركة الاتصالات البريطانية تظهر بأن (هينري تاندي) لم يكن يملك هاتفا في منزله على الإطلاق.

دون ذلك، فقد كان (تشامبرلاين) يبقي على يوميات ورسائل يفصل فيها بالذكر كل ما يصادفه في حياته اليومية، هذه اليوميات التي لم يرد فيها ذكر قضية (تاندي) هذه ولا مرة واحدة.

جندي الحرب العالمية الأولى (أدولف هتلر) في أقصى يمين الصورة.
جندي الحرب العالمية الأولى (أدولف هتلر) في أقصى يمين الصورة.

على الرغم من هذا، كان (تاندي) قد سمع بهذه القصة من أحد الضباط الذين سمعوها من رئيس الوزراء (تشامبرلاين)، ولدى الحديث معه، اعترف (تاندي) بأنه كان قد أبقى على حياة بعض الجنود الألمان في يوم الثامن والعشرين من شهر سبتمبر، لكنه لم يكن قادرا على التأكيد ما إذا كان (هتلر) واحدا منهم.

وأثناء حوار له مع جريدة الـCoventry Herald التي مقرها مدينة (كوفنتري) سنة 1939، قال: ”وفقا لما سمعته، فقد أكون قد واجهت (هتلر) في ذلك اليوم، قد تكون هذه الإشاعات صحيحة، لكنني مازلت غير متأكد ولا يمكنني التذكر بشكل قاطع“.

لكنه بعد مدة بدا وكأنه أصبح متأكدا أكثر، فقال: ”لو كنت فقط أعلم آنذاك ما كان ليصبح عليه (هتلر) الآن، فقط لو كنت قادرا على رؤية كل أولئك الأشخاص والنساء والأطفال الذين قتلهم، أنا متحسر جدا لأنني تركته يفلت“، وكان هذا اقتباسا اعتبره البعض تأكيدا على كونه كان قد وجد نفسه في مواجهة مع (أدولف هتلر) بالفعل، إلا أن ذلك لم يكن سوى ردة فعل تحركها العواطف بعد مدة وجيزة من قصف ألمانيا النازية لبلدته الأم (كوفنتري).

لا يسعنا الجزم بشكل قاطع عما إذا كان هذا اللقاء الجدلي قد حصل بالفعل أم لا، لكن أمرا واحدا يبقى مؤكدا، وهو أن (تاندي) يجب تذكره على بطولاته التي حققها في معركة الـ28 من سبتمبر سنة 1918، التي جعلت ينال وسام صليب فيكتوريا باستحقاق.

(هينري تاندي) وهو يحمل أوسمته
(هينري تاندي) وهو يحمل أوسمته.

ومن تفاصيل تلك المعركة، أن (تاندي) وجد نفسه معرضا لخطوط نيران المدافع الثقيلة للجيش الألماني، غير أن ذلك لم يثنه عن المجازفة وتصليح جسر خشبي لمفرده مما سمح لفوجه العسكري بالعبور والفرار من الموت المحتوم، وفي وقت لاحق من نفس اليوم، شن مواجهات مباشرة بواسطة خنجر بندقيته ضد مجموعة كبيرة من الجنود الألمان، وهو الأمر الذي نتج عنه أسره لـ37 منهم.

لدى اندلاع الحرب العالمية الثانية، حاول (هينري تاندي) جاهدا التجند للمشاركة فيها لكن دون جدوى، وقد يكون فعل ذلك بغية الحظي بفرصة أخرى لمواجهة (هتلر) في ساحة المعركة مرة أخرى.

توفي (هينري تاندي) في سنة 1978، ويقبع جثمانه الآن حيث جرت مواجهته المزعومة مع (أدولف هتلر) في قرية (ماركوان) الفرنسية.

مقالات إعلانية