في 7 أغسطس عام 1999، عبرت قوات ”لواء حفظ السلام الإسلامي“ تحت قيادة الإرهابيين (شامل باساييفا) و(سامر صالح السويلم) –الملقب بـ”خطّاب“– حدود (داغستان) واحتلت منطقة (بوتليخ)، استولى المسلحون في وقت قصير على قرى (راخاتا) و(تاندو) و(شودرود) و(غودوبري) و(أنسلت). بعد ذلك، غزت أفواج جديدة من المقاتلين أراضي الإقليم، واستولوا في اليوم الثاني من دون إطلاق نار على قريتين أخريين هما (شودروث) و(سيبيرخالي).
في اليوم الثاني في إقليم (داغستان)، نشر الإرهابيون معلومات حول إصدار وثيقتين عمّا يسمى ”مجلس الشورى الإسلامي في داغستان“ وهما: «إعلان استعادة الدولة الإسلامية في داغستان» و«القرارات المتعلقة باحتلال دولة داغستان». تحدثت هذه الوثائق عن الهدف بتحرير البلاد من الاحتلال الروسي وتأسيس حكومة إسلامية جديدة، وبالإضافة إلى ذلك دعا «القرار المتعلق باحتلال دولة داغستان» جميع المسلمين إلى أن يصبحوا مجاهدين وأن ينضموا إلى الجهاد ضد ”الكفار“.

كان المفكر الرئيسي للحركة هو الوهابي (باغوتدين كيبيدوف)، بعد الاستيلاء على السلطة بدأ تلفزيون ”الوهابيين“ البث في (داغستان)، استلم (شامل باساييفا) و(خطّاب) مناصب قادة القوات المسلحة في (داغستان)، لكن في اليوم الخامس فقط من الغزو وقعت أولى المعارك الخطيرة، والتي بدأت بصدام المسلحين مع الجنود الروس على تلة «أذن الحمار» Donkey Ear.
المعركة على تلة أذن الحمار:
في 9 أغسطس، قامت مجموعة من المسلحين بقيادة (شاميل باساييف) بالاستيلاء على تلة (إيللين) أو ما يعرف بـ«أذن الحمار». كان هذا الموقع عبارة عن جبل أجرد يقع غرب قرية (بوتليخ) على ارتفاع حوالي 500 متر، وكان في التل قمتان أعلاها بارتفاع 1622.5 متر والأخرى بارتفاع 1361.5 متر عن سطح البحر.

وقد سمح تمركز المسلحين على التل بمهاجمة المروحيات الروسية ورؤية حركة المظليين الروس. في 12 أغسطس قصفت القوات الفيدرالية هذه المواقع بصواريخ (غراد)، وقامت بتوجيه ضربات صاروخية بواسطة الدعم الناري من المروحيات.
في 13 أغسطس تقدّم 63 مظلياً من فوج الحرس المظليين رقم 108 –108th Guards Parachute Regiment– التابع لفرع الاقتحام الجوي السابع –Guards Airborne Assault Division– تحت قيادة الرائد (كوستين) وفصيلة استطلاع إلى التل، تم إنشاء ثلاث مجموعات اقتحام، وكان لكل منها مهمتها الخاصة.
بينما كانت المهمة الرئيسية للسرب هي الاستيلاء على التلة وتعديل الإحداثيات المعتمدة للضربات الجوية ضد مواقع العدو في قرى (شدرودة) و(راخات) و(أنسالت)، ففي الساعة الخامسة صباحاً وبفضل عامل المفاجأة تمكن المظليون من طرد العدو من القمة الأخفض.
من مذكرات أحد المظليين:
تحركنا نحو المكان في المساء، قادتنا مجموعة من القوات الخاصة من اللواء 22 من GRU إلى التل. وصلنا في الساعة 5.30 صباحاً. تمركزت مجموعة واحدة تحت الارتفاع الرئيسي حيث تم نصب مدفع (هاون)، أما العناصر الـ45 المتبقين بقيادة قائد الكتيبة (كوستين) فتمركزوا على الارتفاع الرئيسي.
حوالي الساعة السادسة صباحاً، رأى الكشافة 5 أشخاص يتسلقون على ارتفاع عالٍ، وتبين أنهم كانوا إرهابيين، وفتحنا النار عليهم. منذ تلك اللحظة، بدأ تبادل إطلاق النار، كانت المناوشات خفيفة خلال حوالي 15 دقيقة، لكنهم قاموا على ما يبدو بسحب الاحتياطات، ثم بدأوا قصفاً هائلاً على التل. كانوا يضربون بكل ما كان لديهم من رشاشات (بي كي أم)، وكان القناصة يطلقون النار من تل قريب ويطلقون قاذفات القنابل، وبعد ذلك بقليل بدأ طاقم الهاون يعمل في مواقعنا، ثم بدأ الهجوم الأول للإرهابيين من جانب فصيل الاستطلاع، وحاول حوالي 20 شخصًا اختراقه نحو القمة، وقد صدت الكشافة الهجوم الأول، ثم تتالت أمواج الهجمات…

قام (سيرجي كوستين) بتوزيع مقاتليه على نقاط النار وتأكد من اتجاه إطلاق نيران المدفعية، وسرعان ما بدأ المسلحون مهاجمة مواقع القناصين وقاذفي القنابل للقوات الفيدرالية بنيران مدافع الهاون، في حوالي الساعة 9:15، أصيب (كوستين) لكنه لم يترك ساحة المعركة.
خلال الموجة التالية من الهجوم، تمكن المسلحون من الاقتراب من مواقع المظليين. قاد (كوستين) الهجمات المضادة التي تحولت إلى اشتباكات طاحنة خلال المعركة التالية، فسقطت قذيفة في خندق القيادة مما تسبب في إصابات خطيرة ومقتل العديد من الجنود الروس، جمع القائد (كوستين) الاحتياطيات الأخيرة ونظّم هجوماً مضاداً. في النهاية، أصيب بجروح قاتلة.

في وقت لاحق، جاءت وحدات المشاة الآلية لمساعدة المظليين، يذكر واحد من المشاركين في المعركة ما يلي: ”نفذت الذخيرة من المجموعة في النهاية، لذا تقرر إرسال ذخيرة مع طائرة مروحية وللتعرف على وضع الاتصالات، ترأس نائب قائد الكتيبة (تسييف) المجموعة، وأظهر الطيارون بطولة لا تصدق، لكن المروحية هبطت بين انفجارات القنابل اليدوية، وحالما هبطت مجموعتنا، أصيب قائد الكتيبة مرة أخرى، نقل (تسييف) الوضع للقيادة التي قررت سحب القوات تحت غطاء من نيران المدفعية…“

نتيجة للمعركة، أجبر الجنود الروس على التخلي عن مواقعهم، وقُتل 11 جنديا مع الرائد (كوستين) وأصيب 25 آخرون بجروح، غير أن الخسائر الدقيقة في صفوف الإرهابيين تبقى غير معروفة.
في 18 أغسطس، تمكن المظليون الروس من الالتفاف حول تل «أذن الحمار» وشنوا هجوماً ولكن دون جدوى، كتب المراسل (ألكسندر باباكين)، وهو شاهد عيان على الأحداث في مذكراته: ”صرخ أحد قادة المجموعة الذي خرج لتوه من المعركة نصف أصمّ بغضب أن وحدته غير المدربة تقريباً أُلقيت على هذا التل اللعين تحت نيران المدافع الرشاشة والقناصين…“، لكن في 19 أغسطس أصبحت النيران من مواقع المتشددين أقل كثافة، وأصبح من الواضح أن الوهابيين كانوا يعانون من نقص في الذخيرة، فتركوا الموقع بعد عدة أيام، وساهم أيضا في انسحابهم الغارات الجوية التي شنّت خلال الفترة من 21 إلى 22 أغسطس.

حصل (سيرغي كوستين) على جائزة ”بطل الاتحاد الروسي“، و”وسام الشجاعة“، وميدالية ”الشجاعة“.
على الرغم من المقاومة التي أظهرتها قوات المظليين، تم انتقاد تصرفات قادتها، فبدلاً من توجيه ضربات صاروخية قاموا بإرسال الجنود إلى الأرض بينما كان من الممكن اتباع نهج أكثر منطقية لتقليل الخسائر البشرية.