in

كل ما تريد معرفته حول الفيلسوف باروخ سبينوزا Spinoza وحياته ومؤلفاته

سبينوزا
صورة Samuel Hirszenberg سنة 1907

لا ندري علة العودة الدائمة إلى السبينوزية، كما لا يمكننا فهم قول وشهادة مجموعة من الفلاسفة في شخص سبينوزا وفكره إلا باستعادته والاستئناس به، بعبارة أخرى السؤال ملح علينا، لأن السبينوزية دائمة الظهور، مثل ذلك الطائر الأسطوري Phoenix، الذي ما ينفك يعود بعد موته، أو لنقل بعد الظن أنه قد مات؛ فما الداعي لهذا الاسترجاع الدائم؟

لنستهل بما قاله بعض الفلاسفة والعلماء:

”سبينوزا نقطة حاسمة في الفلسفة الحديثة، الرهان هو: سبينوزا أو ليس هناك فلسفة… فالفكر يجب أن يصعد إلى مستوى الإسبينوزية قبل أن يصعد إلى ما هو أعلى منها، أتريدون أن تكونوا فلاسفة؟ إبدأو بأن تكونوا سبينوزيين“ —هيجل

”أنا مندهش، مبتهج، أنا لا أعرف سبينوزا جيدا، لكن أحس بنفسي منجذبا إليه ليس فقط لأن له نفس إتجاهي… هذا المفكر، غير العادي، والذي كان وحيدا بشدة، قريب لي بشدة“ — نيتشه

”لا أعرف غير سبينوزا الذي عقل بشكل جيد، لكن لا أحد يستطيع قراءته“ — فولتير

”أعترف بكل سرور باعتمادي على تعليمات سبينوزا، رغم أنني لم أتكلف عناء الإشارة إليه باسمه“ — فرويد

”كم أحب هذا الرجل الشريف، وحتى الكلمات تعجز عن ذلك، إنه لم يخش البقاء وحيدا مع هالته المشعة“ — أينشتاين

حياة سبينوزا

سبينوزا

ولد باروخ سبينوزا يوم 23 نونبر سنة 1632 في حي أمستردام اليهودي من عائلة غنية إسبانية أو برتغالية الأصل، اسمه بالبرتغالية هو ”Benito De Espinoza“، أما باللغة اللاتينية ”Bendictus de Spinoza“، دلالة اسمه هي المبارك، أو الذي يرعاه الإله.

تلقى تعليمه الأول في المدارس اليهودية، قرأ فيها التلمود والتوراة، مما مكنه من إتقان اللغة العبرية وكذا الدراية بالثقافة العبرية ككل، بدأ العمل بالتجارة في محل أبيه رفقة أخيه غابرييل ابتداء من سن الثالثة عشر، سيتوفى والده ميشال سنة 1654 وسيستمر في التحصيل إلى حدود 1656، هنا ستطرأ له طفرة سيتغير بها مجرى السير الذي تود عائلته له، أي السير وتوجه التجارة والتلمود، بحيث سيبدأ بتعميق معرفته حول الفلسفة والتلمود الوسطوي، خاصة منها ألواح موسى وأفكار ابن عزرا، وكذا الفلسفة اليهودية لابن ميمون، وسيبدأ حينها بالانفصال عن الكنيس اليهودي والطائفة اليهودية ببطء، إلى أن يحرر ورقة يصلي فيها الدين اليهودي نقدا مريرا، معلنا فيه الانفصال النهائي عن المعبد اليهودي وجاليته.

في 26 من يوليوز سنة 1656، أصدر مجلس اليهود الأعلى بأمستردام تصريحاً بنفي سبينوزا، وفي 27 يوليو من نفس السنة، أصدر الكنيس اليهودي أمر الحرمان الكنسي والطرد من المجتمع اليهودي، المسمى بـ”חרם“ أو ”herem“ [وهو أشد أشكال الإقصاء من المجتمع اليهودي. يعتبر من صرح باسمه كافرا ومن أولياء الشيطان، لا يقترب منهم ولا تذكر أسماءهم إلا باللعن]، قال الكنيس فيه:

”اللعنة عليه، اللعنة عليه في الصباح والمساء، اللعنة عليه في دخوله وخروجه، اللعنة عليه إلى الأبد، فليمسح أسمه من هذا العالم، وليجعل الإله منه معزولا عن اليهود، ولينزل عليه كل اللعنات… وأنتم الذين تعلمون الإله وتعرفونه، اعلموا أنه يحرم عليكم أي علاقة به، لا كتابية ولا كلامية، لا يقدم له أحد خدمة ولا يقترب منه أحد أكثر من أربعة أمتار، لا يجالسه ولا يكون معه تحت نفس السقيفة، ولا أحد يقرأ كتاباته…“

في الفترة التي أصدر القرار بعزله عن اليهود، كان سبينوزا قد دأب على زيارة مدرسة الفيلسوف فرانسيس فان إيدن المعروف بأفينوس، ففيها تعلم اللاتينية، ودرس التاريخ وفلسفة العصور القديمة، ودرس فيها أيضا فكر فرانسيس بيكون، توماس هوب، غروتيوس، وكذا مؤسس السياسة الواقعية الأول ميكيافيلي، بالإضافة إلى الانهماك في فهم فلسفة ديكارت وقراءتها، وستكون هذه أرضية قاعدية لظهور سبينوزا كفيلسوف.

عرضت عليه الجماعة اليهودية 1000 فلورين في السنة ليحجب عن شكوكه، وحين رفض تعرض لمحاولة اغتيال – من طرف أحد المتطرفين اليهود – باءت بالفشل، يقول جيل دولوز:

”ويحكى أن الفيلسوف قد أحتفظ بردائه وعليه المزق التي خلفتها السكين، ليتذكر بشكل أفضل بأن الفكر ليس دائما شيئا محبوبا عند الناس“.

ثم انتقل إلى لاهاي، هذا الانتقال المكاني، والانفصال الفكري ألزمه بأن ينفصل عن مصدر رزقه وكذا طريقة عائلته التي هي التجارة، فالتجأ إلى تعلم طريقة أخرى لكسب قوته، فتعلم صقل العدسات البصرية، حتى يضمن لنفسه البقاء والحد الأدنى من شروط الحياة، ليكون عمله هذا مكسبا مؤهلا لتعلم مسلك البصريات وعلم الضوء وقوانين انتشاره، بالإضافة إلى أنه كان يمارس الرسم أيضا.

سبينوزا الفيلسوف: (ميتافيزيقي وأخلاقي ومفكر سياسي وديني)

لا شك أن نفي سبينوزا ولنقل إصدار حكم بنفيه عن المعبد اليهودي والطائفة اليهودية يدل على كونه صار يشكل خطرا من ناحية، ومن ناحية أخرى صارت تبرز فيه بوادر الاختلاف وبذور الفكر الفلسفي المتسم بالوقوف على كل ما لامعقول في الأنساق الفكرية للإنسان.

مؤلفاته:

مولفات سبينوزا

– الرسالة القصيرة «Tractatus de Deo et Homine Ejusque Felicitate» سنة 1660

في هذه الرسالة يركز سبينوزا على فكرة الإله باعتباره أصلاً/علة للكل، مع العلم أن الطبيعة والعالم نتجا عنه ضرورة، إنه مطابق للطبيعة ولقوانين الطبيعة، الوجود تجلي من تجليات أحواله والإنسان يحتويه هذا الأمر كذلك.

للإنسان طبيعة معينة، وهي طبيعة الإنفعالات، هذه الأخيرة تقود الأفراد إلى التعاسة والحزن إذا ما تحكمت في الإنسان كما دأب على ذلك، لكنها في نفس الوقت قد تكن من بلورة المعرفة خاصة المعرفة الحدسية إن هي عقلت، وعرفت عللها وكيفية عملها، هذا النوع من المعرفة هو الممكن الإنسان من بلوغ السعادة.

– رسالة في إصلاح العقل «Tractatus de Intellectus Emendatione» سنة 1661-1677

هذا الكتاب يعتبر عرضا بهيجا للمنهج السبينوزي في تحليل وتصور الأشياء، فهو معنون بعنوان آخر فرعي: في الطريقة التي تؤدي إلى المعرفة الحقيقية بالأشياء، يتحدث فيه عن الخير الذي يسعى إليه الإنسان، والخير الأسمى والذي هو الخير الحقيقي، عن قواعد للحياة تنم على نسقية عقلانية صارمة، فلا بحث عن مال إلا لضرورة ولا متع إلا للحفظ الصحة، أشكال الإدراك التي تمكن العقل من فهم الأشياء، مع التأكيد على أن أفضل نمط للإدراك هو الإدراك الذي يكون مبنيا على معرفة طبيعتنا وطبيعة الأشياء الحقيقية، بالإضافة إلى معرفة ممكنات واستحالات هاته الأشياء، بمعنى محاولة فهم الأشياء فهما مطابقا.

– رسالة في اللاهوت والسياسة «Tractatus Theologico-Politicus» سنة 1670

يعتبر هذا الكتاب لحظة فيصل في فكر سبينوزا، لأنه كان في الفترة التي عكف عن كتابة الإيتيقا، وانغمس ليخلق هذا المشروع، نظرا للظروف التي أحاطت بالدولة الهولندية التي عاشت أزمة عقائدية وتضاربا بين الطوائف والأديان، فعزم فيه سبينوزا على معالجة مجموعة من القضايا التي تهم هذا الشأن السوسيوديني، والدين-سياسي، وكذلك الفكر-دين، هذا الكتاب الذي اعتبر الكتاب الأشد كفرا في التاريخ [المصدر: هاشم (صالح)، مدخل إلى التنوير الأوروبي، دار الطليعة، بيروت، 2005، ص185.] لاحتوائه على مجموعة من الأنساق اللاإعتيادية وكذا غير المقبولة في الوسط اللاهوتي/الديني، بحيث أخضع فيه سبينوزا التوراة إلى منهج صارم جداً في دحض الأحداث أو تأكيدها، وبالتالي توصل إلى إنكار مجموعة من الأحداث والتصورات التي تعتبر ركيزة للاهوت اليهودي والمسيحي على السواء إن لم نقل الإبراهيمي عموما.

إن كتاب رسالة في اللاهوت والسياسة هو كتاب حافل بمجموعة من المناهج والتي سنتطرق إليها في حينها، هاته الأخيرة تتبع التفسير، وتبيين بأن لا مضرة للدولة في التفكير وحرية التعبير والضمير، وأن القانون الإلهي يتجلى في النظام الديمقراطي، وأن الصور التي رسخت في الأذهان حول المفاهيم الدينية كالوحي والنبوة والمعجزة صور مغلوطة، لأنها لا تمكن الذهن إلا من إدراك ماهو وهم، لا ما هو حقيقة في الحقيقة.

هذه الرسالة جاءت نتاج كون الوحي/الرسالة/تعاليم الأنبياء ..الخ تنقلب على ذاتها إلى ضدها، فسبينوزا يدرس كيف تقلب المفاهيم عموما، كيف تصير الروح مادة، والإيمان إلى تعصب، والحقيقة إلى بطلان، والدين إلى وثنية، والطقوس إلى انعزالية… وكل هذه العلاقات التضادية كيف ينقلب عكسها إلى عكسها أيضا. هذا الكتاب أيضا طرح أسئلة الجمهور ولا عقلانيته، وكذلك حبه للعبودية، بالإضافة إلى استشكال الدين كمعطى منتج للسلبيات رغم اعتباره أساسا لكل ما هو إيجابي.

سنة 1670 ستصدر رسالة في اللاهوت والسياسة بدون توقيع وفي طبعة ألمانية مزورة، لكن لن تفتأ هوية الكاتب تعرف، ليُتعرضَ له باللعن والسب من طرف كل من الكاثوليكيين واللوثريين والكالفينيين، بل وحتى الديكارتيين، لتصير كلمة السبينوزي والسبينوزية نوعاً من الشتيمة والإهانة والسباب.

– مبادئ الفلسفة الديكارتية «Renati Descartes Principia Philosophiae»

– خواطر ميتافيزيقية «Cogitata Metaphysica» سنة 1633

هما الوحيدان اللذان نشرا باسم سبينوزا وبشكل صريح وفي حياته، فكتاب مبادئ الفلسفة الديكارتية هو تعليل لم قام ديكارت بالشك في كل شيء، بغاية إيجاد أسس تمكن من فهم أسباب الخطأ وتدفع بالعقل إلى أبعد الحدود لبلوغ الحقيقة الواضحة. من بناء الشك الكوني (الشك في كل شيء والتخلص من كل أحكام مسبقة) حتى بلوغ الحقيقة. بشكل عام الكتاب يشرح فلسفة ديكارت المتعلقة؛ بالتعريفات، والصفات والأحوال والجوهر، والمعرفة والإله والحركة… إن هذا الكتاب يتبع فيه سبينوزا منهج البرهان الهندسي؛ أي الانطلاق من مقدمات/تعريفات، لبناء قضايا والبرهان عليها… وهذا الكتاب غير مكتمل.

كتاب خواطر ميتافيزيقية عبارة عن ملحق أو تذييل لكتاب مبادئ الفلسفة الديكارتية، يهتم هذا الكتاب بالتطرق للصعوبات المتواجدة في الميتافيزيقا، وبالضبط قضية الكائن وأحواله، الإله وصفاته، والروح الإنسانية. إن هذا الكتاب يحيل عنوانه على فحواه فهو يتحدث عن العقل والزمن والخير والإله وأزليته وإرادته وقدرته… إنه عبارة عن تحليل وتفسير أو لندقق العبارة هو برهان من نوع آخر على مجموعة إشكالات فلسفية/ميتافيزيقية/لاهوتية بطريقة رياضية وعقلانية وهندسية… كتاب شديد الدقة برهانا وعبارة.

– الإيتيقا «Ethica» سنة 1677

لم ينشر كتاب سبينوزا الإيتيقا حفاظا على سلامته الشخصية إلا بعد وفاته يوم 21 فبراير سنة 1677، بسبب تمكن مرض السل منه، هذا الداء الذي يرجح أن سببه هو اشتغاله في العدسات والتعرض لغبارها. نشر الكتاب بدعم من مجهول، بعد أن بقيت مخطوطة الكتاب بحوزة صديقه لويس مايير، ويعتبر كتاب الإيتيقا، من أهم الكتب التي جادت بها الفترة الحديثة، فهو كتاب تناسق وانسجام وهدنة مع الطبيعة ككل، إنه دعوة إلى ترك التصور التقليدي الديني والسعي نحو أفق العقلنة – والصلح مع الموجود والوجود.

فهو يتناول مواضيع متميزة؛ الميتافيزيقا، علم النفس ثم الأخلاق ونمط السلوك، متبعا في ذلك نمطا هندسيا دقيقا، يقول برتراند راسل :

”اﻟﻜﺘﺎب ﻛﻠﻪ ﻣﻌﺮوض ﻋﻠﻰ ﻃﺮﻳﻘﺔ ﻫﻨﺪﺳﺔ إقليدس، إذ يبدأ بتعريفات ومجموعة من المسلمات، ومنها يستمد المجموعة الكاملة للقضايا اللازمة عنها، مع كل ما تقتضيه من براهين ونتائج و تفسيرات، وهذه الطريقة في التفلسف لم تعد شائعة أو مرغوبة، ولا بد أن يظهر مذهب سبينوزا تدريبا بحق في نظر أولئك الذين لا يعجبهم شيء سوى أنباء الصحافة، ولكن هذا المذهب لا يبدو في تركيبه، على هذا القدر من الغرابة، بل إنه يظل في ذاته، عملا من أروع أعمال التفكير المنضبط والدقيق“. [المصدر: راسل (برتراند)، حكمة الغرب 2، ترجمة فؤاد زكريا، عالم المعرفة، الكويت 1983، ص62]

كتاب الإيتيقا كان محطة تدارس حمالة لإشكالات و حاملة لتجديدات مفاهيمية وكذلك فتحاً لأفق فكري جديد، فلا ينفك سبينوزا يشير له في جل مؤلفاته الأخرى، كأنه ناموس أو قاعدة أو فقه سبينوزي يبني عليه كل أنساقه، بل إن فيه من كل بستان زهرة؛ يتحدث فيه عن نظرية المعرفة، الانفعالات، الأخلاق، أسس غير مباشرة للسياسة، الفرح والحزن، إشكالية الموت والإله، الفكر، الوعي… كأننا أمام جامع لأحكام العيش والفكر الفلسفي ككل.

عدل سبينوزا عن نشر الإتيقا في البداية، وتظهر لنا أسباب ذلك في رده على أولدينبورغ بحيث قال:

”لقد وصلتني رسالتك بينما كنت على أهبة السفر إلى أمستردام كي أدفع الكتاب الذي حدثك عنه للطبع، ولما كنت منشغلا بذلك إذ ذاع نبأ صدور كتاب لي عن الله، حيث أسعى إلى إنكار وجوده، وصدق بهذا النبأ عدد كبير جدا من الأشخاص، وبعض اللاهوتيين (لعلهم أول من روج هذه الإشاعة) قد اغتنموا الفرصة لرفع شكوى ضدي أمام الأمير والقضاء، وإن بعض الديكارتيين الأغبياء الذين عرفوا بتأييدهم لي لم يجدوا بداً، كي يتبرؤوا من كل شبهة، من الإعراب في كل مقام عن كرههم الشديد لأفكاري ومؤلفاتي. ولما بلغني من أشخاص جديرين بالثقة، فأخبروني في نفس الوقت بما يدسه لي اللاهوتيون من مكائد، قررت أن أرجئ نشر ما أعددته، عسى تتضح الأمور، إلا أنها على ما يبدو، تزداد تأزما كل يوم، ولست أدري حقا ما سأفعله“.

ويعتبر هذا الكتاب من الكتب الثقيلة الوزن التي رشحت في العصر الحديث وهو نفسه أخطر مؤلف له [تتجلى خطورة الكتاب في كونه نقدا لبعض المفاهيم اللاهوتية، ويظهر ذلك في كونه سببا من الأسباب التي أدت إلى نعت سبينوزا بالإلحاد والنزعة اللاأخلاقية حينها، رغم أنه كان ذا أخلاق عالية، بحيث يقول في الرسالة 30 التي أرسلها إلى أولدينبورغ : ”إن الرأي لا ينظر لي إلا كفاسق شرير، فلا ينفكون يتهمونني بالإلحاد، الذي أنا ملتزم بمحاربته ما أمكن“. ويقول في الرسالة 43: ”الملحدون اعتادوا على البحث الدائم عن كل ما هو شرف وثروة، هاته الأشياء التي ما انفككت أحتقرها، وكل من يعرفني يعلم ذلك جيدا“.] وفي نفس الوقت الكتاب الجامع لكل نسقه، لذلك يعتبر ركنا أساسيا من نسقه.

– رسالة في السياسية «Tractatus Politicus» سنة 1677

هذا الكتاب محاولة لإيجاد الطريقة الأفضل لسياسة المجتمع، يتحدث سبينوزا فيها عن الأنظمة الممكنة؛ الملكية، الأرستقراطية، الديمقراطية، الأولى والثانية باعتبارهما بؤرة شر ممكن وهو الطغيان والاستبداد، مع التأكيد على أن السلم والحرية للأفراد لا تشكل شرا أو أذى للأفراد، بل هي ترسيخ للقانون الطبيعي، وتقعيد لقواعد القانون الإلهي الأزلي. بعبارة أخرى الديمقراطية هي تجلي القانون الإله/الطبيعة في السياسة ومجال الاجتماع بين أفراد البشر.

بناء هذا الكتاب لا يخرج عن البناء الذي اعتمدته أغلب الكتب الفلسفية السياسية في الفترة الحديثة (هوبز، روسو، مونتيسكيو…)، فقت ابتدأ سبينوزا بالحالة الطبيعية التي هي حالة انفعالات وهي نفسها علة الاجتماع لتحقيق الخير المشترك الذي هو حفظ الذات وتوفير شروط العيش، وبالتالي فالحالة المدنية امتداد للحالة الطبيعية، ولا يمكن أن تكون صالحة إلا إذا احترمت ما هو طبيعي لدى الأفراد، خاصة تفاوتاتهم، قدراتهم، طبيعتهم، ضروراتهم.

يؤكد سبينوزا في هذا الكتاب على معطيات الحرية، والتفكير، الاعتقاد، وممارسة التفلسف بل والتأكيد عليها لأنها تجلب كل خير ممكن للدولة وتحافظ عليها وتساهم في تطويرها.

تمثال سبينوزا في امستردام
تمثال سبينوزا في امستردام – صورة لـSerge Ottaviani

عموماً… عاش هذا الفيلسوف بشكل فلسفي خاص، فهو يمزج بين الزهد وحب الحياة، فمن ترك الغنى إلى العيش على صناعة اليد، ورغم ذلك فقد شكل لحظة فيصل في تاريخ الفكر – الفلسفي على الخصوص – ذلك لأنه دشن تصوراً قديماً بشكل جديد وهو تصور الوحدوية Panthéisme وقام بخلق أرضية أولية لمجموعة من العلوم على رأسها علم النفس و الأنثروبولوجيا. ليكون بذلك رجلا ضمن زمرة الذين سبقوا زمانهم، فما ينفكوا يعودون دوما… إنه من رجالات المستقبل.

مقالات إعلانية