in

دخلك بتعرف كيف قاد تفجير حركة طالبان لتمثالي بوذا باميان إلى اكتشافات أثرية جديدة وغاية في الأهمية

تماثيل بوذا في أفغانستان.
تماثيل بوذا في أفغانستان.

كان تمثالا بوذا باميان تمثالين عملاقين تم نحتهما في جرف الجبل في أفغانستان الوسطى. في سنة 2001، دمرت حكومة طالبان في أفغانستان التمثالين لأنهما كانا في نظرها ”صنمين لا يمتان للإسلام بصلة“، غير أن دمارهما قاد إلى اكتشافات أثرية جديدة وغاية في الأهمية.

قبل تدميرهما، كان تمثالا بوذا في باميان بأفغانستان أكبر تمثالي بوذا منتصبين في العالم، حيث يبلغ طول أحدهما 35 مترًا بينما يبلغ طول الآخر 53 مترًا، ونُحت هذان التمثالان في جرف جبلي في زمن ما في القرن الخامس ميلادي.

ابتداء من القرن الثاني للميلاد حتى الغزو الإسلامي لأفغانستان في القرن السابع ميلادي، كانت باميان مركزًا بوذيًا مزدهرًا وكانت موطنًا لعدة معابد. كانت في نفس الوقت جزءا مهما من طريق الحرير التجاري، لذا كانت تقام فيها احتفالات سنوية كانت تستقطب الكثير من الحجاج والمخلصين الذين كانوا يقدمون القرابين للتمثالين.

بينما تم نحت التمثالين مباشرة في الجرف الجبلي، فإنهما كانا يتضمنان على بعض التفاصيل والزينة التي كانت مصنوعة من الطين، والجص، والقش. غير أن هذه التفاصيل اندثرت بفعل العوامل الطبيعية منذ زمن بعيد، ولم يتبق منها سوى سلسلة من الثقوب على مستوى التمثالين، والتي استُخدمت لتثبيت الجص بواسطة دعامات خشبية.

في سنة 1999، تسلمت حركة الطالبان في أفغانستان مقاليد السلطة في البلد، وقال قادتها في البداية بأنهم سيحمون التمثالين. غير أنهم في سنة 2001 أمروا بتدميرهما. يقول البعض أن تدمير التمثالين كان عبارة عن احتجاج على المال الذي يُنفق في سبيل صيانتهما، بينما يقول البعض الآخر أنهما دُمرا لأنهما كانا وثنين وهو أمر محرم في الإسلام.

حركة الطالبان.
حركة الطالبان. صورة: Wikimedia Commons

في البادئ، صرّح الملا عمر، زعيم حكومة الطالبان في أفغانستان، بأنه لن يتم تدمير التمثالين على أنهما صنمان لأنه لم يعد هنالك من بوذي يعيش في أفغانستان كما أن التمثالين لا تتم عبادتهما من طرف أي أحد الآن.

قال كذلك بأن التمثالان يستقطبان الزوار من مختلف دول العالم مما يمثل بالنسبة لحكومته مصدر دخل ومصدرًا مهماً للعملة الصعبة.

غير أن رجال الدين الأصوليين هاجموا التمثالين وقالوا عنهما بأنهما وثنان لا يجب أن ينتصبا في بلاد الإسلام، ومنه غيرت حكومة طالبان موقفها تجاههما.

في حوار معه، قال الملا عمر بأن التمثالين سيتدمران احتجاجًا عن الأموال الدولية التي تصرف في سبيل المحافظة عليهما وصيانتهما بينما يعاني الأطفال الأفغان من المجاعة.

قال أحد سفراء حكومة طالبان كذلك: ”عندما طلب رئيس مجلس الشورى الأفغاني المال من الجهات الدولية من أجل إطعام الأطفال بدلا من صيانة التمثالين، رفضوا طلبه وقالوا له: ’لا، المال موجه لصيانة التمثالين لا غير وليس موجها لإطعام الأطفال‘. هنا قرر القادة تدمير التمثالين“.

غير أن ممثلين آخرين عن حكومة طالبان قالوا بأنه سيتم تدمير وهدم التمثالين ببساطة لأنهما ضد ما يمثله الإسلام، كما أشارت بعض الأصوات الناقدة إلى أنه لو كان شغل طالبان الشاغل هو إطعام الأطفال، كانوا ليقبلوا الأموال من المتاحف التي عرضت المساعدة مقابل الإبقاء على التمثالين.

بعد إعلان حركة طالبان عن نيتها لتدمير التمثالين، تعالت أصوات الاستهجان في المجتمع الدولي. عبرت عدة دول على شاكلة الهند، وباكستان، والعربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة عن احتجاجها ضد قرار التدمير، بينما عرضت اليابان عدة حلول لإنقاذ التمثالين، من بينها تغطيتهما وحجبهما بستار، ودفع المال للحكومة الأفغانية، أو نقل التمثالين ببساطة إلى اليابان، كما كان هناك الكثير من المواطنين الأفغان المعارضين لقرار التدمير والهدم.

في شهر مارس من سنة 2001، بدأ عملية التدمير من خلال توجيه مدفعيات مضادة للطيران إلى التمثالين وإطلاق القذائف عليهما.

مدفعية
تماثيل بوذا في أفغانستان. صورة: DVIDSHUB/ Flickr

تبين لاحقًا لحكومة الطالبان أن تدمير التمثالين لم يكن بالمهمة الهيّنة ولا السهلة، حيث علق وزير الإعلام والاتصال الأفغاني عن صلابة ومتانة التمثالين في قوله: ”إن عملية التدمير ليست بسيطة مثلما يعتقده البعض. لا يمكنك ببساطة هدم التمثالين بواسطة القذائف ذلك أن كلاهما منحوت في الجبل، فهما متصلان بشدة بالجبل“.

تسببت قذائف المدفعية في أضرار بليغة للتمثالين لكنها لم تنجح في تدميرهما. كانت الخطوة التالية بالنسبة لحكومة الطالبان المصرة على هدم التمثالين هي نصب الألغام المضادة للدبابات في قاعدتهما وحولهما وهكذا عندما تسقط الصخور بفعل قصف المدفعية من أعلى الجرف على الألغام تنفجر هذه الأخيرة وتدمر التمثالين، غير أنه من أجل التدمير الكامل لهذين التمثالين، تعين على الطالبان إنزال رجال من أعلى الجرف على طول التمثالين لزرع الديناميت في الثقوب التي أحدثتها عمليات القصف.

كشف تدمير وهدم التمثالين عن وجود 50 كهفًا خلفهما، كما تضمنت هذه الكهوف عددا من الاكتشافات المهمة من بينها أقدم لوحة زيتية في العالم.

تمثال بوذا صغير كشف عنه النقاب بعد تفجير التمثال الأكبر.
تمثال بوذا صغير كشف عنه النقاب بعد تفجير التمثال الأكبر. صورة: Wikimedia Commons

استُخدمت هذه الكهوف كمنازل للرهبان البوذيين، وقد عثر الباحثون داخلها على لوحات زيتية، التي تعتبر الأقدم في التاريخ، وقد سبقت ظهور اللوحات الزيتية في أوروبا بمئات السنوات.

اكتشاف مهم آخر عثر عليه داخل الكهوف كان ترجمة لكتاب Pratītyasamutpāda Sutra السنسكريتي، ويعتبر هذا الكتاب الوثيقة التي توضح المعتقدات الرئيسية في الديانة البوذية. تمت كتابة هذه التعاليم على لحاف الشجر، وتعتبر هذه المرة الأولى التي يعثر فيها على Pratītyasamutpāda Sutra داخل تمثال بوذي في أفغانستان.

وجد علماء الآثار كذلك ختمًا من صلصال وصفيحة معدنية صغيرة تم تزينها برسمة ثعبان وطائر وزهرة. يعتقد الخبراء أن هذه الرموز ربما تشير إلى مجموعة معينة قامت بتمويل بناء التمثالين العملاقين.

لوحة زيتية قديمة عثر عليها داخل أحد الكهوف التي انكشفت بعد تفجير التمثالين.
لوحة زيتية قديمة عثر عليها داخل أحد الكهوف التي انكشفت بعد تفجير التمثالين. صورة: Wikimedia Commons

في سنة 2008، استخرج العلماء تمثال بوذا آخر يبلغ طوله حوالي 20 مترًا قريبًا من التمثالين السابقين، غير أنهم مازالوا في بحث عن تمثال بوذا عملاق وأسطوري آخر يقال أنه يتواجد في نفس الموقع ويقال أن هذا التمثال، الذي كتب حوله الكثير في السجلات التاريخية القديمة، يبلغ من الطول 300 مترٍ.

منذ تدمير التمثالين، عرضت الكثير من الدول والمنظمات يد المساعدة لإعادة بنائهما، وقد انطلقت بالفعل أعمال ترميم وإعادة بناء التمثالين باستخدام العناصر الأصلية مع مواد عصرية.

مقالات إعلانية