in

التاريخ والنبيذ: كيف ساهمت المشروبات الكحولية في تغيير تاريخ عالمنا

تاريخ الخمر

تعرّف الإنسان على المشروبات الكحولية منذ آلاف السنين، ففي بلاد الإغريق امتهن الناس صناعة النبيذ منذ عام 2000 قبل الميلاد. ولم يكتفوا بذلك، بل صنعوا آلهة خاصة بهذا المشروب المسكر. أما في الهند مثلاً، فدرجت عادة تقطير مشروب يدعى (سورا) من الأرز، وذلك قبل 1000 عام تقريباً، وكذلك كان البابليون يشربون المسكرات منذ عام 2700 قبل الميلاد، وأيضاً كرسوا آلهة خاصة لها.

ولم يكن الكحول مشروب عامة الشعب فحسب، بل كان الملوك والملكات والحكام يحتسون المشروبات الكحولية أيضاً، واستمروا بذلك حتى يومنا هذا. وإذا كان هؤلاء الحكام مدمنين على احتساء هذا المشروب المسكر، لذا لا عجب أن يكون للكحول دور في القرارات السياسية التي اتخذت على مر التاريخ.

وهكذا، سنرى في هذه المقالة أن للكحول أثر هام في تاريخنا، ففي بعض الأحيان، كانت المشروبات الكحولية نعمة وليست نقمة، حيث ساعدت بعض الشخصيات في تحقيق مبتغاها والوصول إلى مرادها. بينما في أحيان أخرى، كانت لعنة على محتسيها، وسببت الكثير من الفوضى. على أي حال، تابع معنا لتتعرف أكثر.

1. السلطان سليم الثاني، والحرب التي خاضها في سبيل نبيذه المفضل

السلطان العثماني سليم الثاني. صورة:Wikimedia Commons

عُرف عن السلطان سليم الثاني، الذي حكم الامبراطورية العثمانية منذ عام 1566 وحتى عام 1574، بكونه سكّيراً، لذا يمكنكم تخيّل المنهج الذي اتبعه هذا السلطان، وحياته خلال توليه الحكم.

سليم الثاني هو ابن السلطان سليمان الفاتح، والأخير هو من حقق أمجاد الامبراطورية العثمانية ونهض بها، لكن ابنه دمّر كل شيء بناه والده، فافتعل عداوات كثيرة وأرهق خزينة الدولة وخسر مساحات واسعة من الأراضي، وفوق كل ذلك، ووفقاً للأسطورة، وكلّ ذلك بسبب حبه للخمور، وتحديداً النبيذ القبرصي.

لم يكن سليم الثاني قائداً موهوباً، ولا نستطيع حتى أن نعتبره سياسياً محنكاً. ولم يصل إلى السلطة إلا بسبب وفاة أخيه الأكبر بمرض الجدري، أما باقي إخوته، فتوفوا نتيجة مؤامرات ودسائس من داخل البلاط. لذا، وفي شهر أيلول من عام 1566، توّج سليم الثاني سلطاناً للامبراطورية العثمانية، بالرغم من افتقاره للخبرة، وعدم رغبته حتى بتولي هكذا مهمة. ولكن كحال العديد من الملوك والسلاطين ضعيفي الحكم، ترك سليم الثاني شؤون البلاد إلى مستشاريه، بينما أقام الحفلات الماجنة، ونال في نهاية المطاف لقب السكّير.

وعُرف عن سليم الثاني ولعه الشديد بالنبيذ القبرصي، وكانت علاقته مع هذا النبيذ أحد الأسباب الرئيسية –إن لم يكن السبب الرئيسي –وراء إصداره أمراً بغزو جزيرة قبرص. وبالنظر إلى قوة الامبراطورية العثمانية العسكرية في تلك الفترة، فلم يكن احتلال قبرص بالأمر الصعب على الإطلاق.

لكن أفعال السلطان لم تمر مرور الكرام بالنسبة للأوروبيين، فأمر البابا (بيوس الخامس) بإطلاق حملة شبيهة بالحملات الصليبية لوقف المد العثماني، وبالفعل، بعد مرور 12 شهراً على غزو قبرص، اشتبكت مئات السفن الحربية في معركة (ليبانتو)، وكانت تلك الواقعة كارثة بالنسبة للسلطان سليم الثاني.

حيث خسرت الامبراطورية العثمانية معظم قواتها البحرية في تلك المعركة، كما خسرت أيضاً آلاف الرجال الذي اقتيدوا إلى الأسر. أما بالنسبة للسلطان، فاستطاع الاحتفاظ بأجزاء من جزيرة قبرص، وبالتالي، استطاع الاحتفاظ بمخزونٍ جيد من نبيذه المحبب. وهكذا، استمر السلطان سليم الثاني في صرف الأموال وعيش حياة باذخة لـ 3 سنوات أخرى في اسطنبول، حيث توفي بعدها، على الأغلب، سعيداً وثملاً!

2. تمكّن الحلفاء من القيام بإنزال النورماندي بنجاح، والفضل يعود إلى ضابط نازي سكير

صورة أثناء الإنزال الأميركي تحت عنوان «ضمن فكي الموت». صورة: Wikimedia Commons

في حزيران من عام 1944، أطلقت قوات الحلفاء حملة لاجتياح أوروبا، حيث تدفق وهبط عشرات آلاف المقاتلين على سواحل فرنسا الشمالية لوضع حد أخير للنازيين. وفي الوقت ذاته، أُنزلت بعض القوات في الداخل الفرنسي، في عملية عُرفت باسم (عملية تونغا) في كاين (كوميون، أو أصغر وحدة إدارية) في مدينة نورماندي الفرنسية، وذلك بين يومي 5 و7 حزيران. هبط بعض الرجال بالمظلات بينما وصل آخرون على متن طائرات شراعية خاصة، وكانت الخطة ناجحة بشكل عام، حيث كانت مفاجئة ساحقة للعدو، وخاصة أولئك الضباط النازيون الذي شربوا الخمور وثملوا قبل يوم الإنزال!

كانت خطة الحلفاء بسيطة للغاية، وتقتضي السيطرة على الجسور الاستراتيجية فوق قناة كاين ونهر أورن، وإن حصل ذلك، فلن يستطيع الألمان إرسال تعزيزاتٍ إلى الشواطئ حيث أنزل الحلفاء قواتهم. بالطبع، سيقوم الحلفاء بتدمير كل الجسور الأخرى بعد الاستيلاء على الرئيسية والمهمة منها.

في المقابل، يعلم النازيون تمام العلم مدى أهمية هذه الجسور، ولن يسمحوا أبداً بسقوطها في أيدي الأعداء، لذا زرعوا المتفجرات حولها وفخخوها. وعند ملاحظتهم أي علامة أو إشارة تدل على تقدم العدو، فعلى القادة أن يعطوا الأوامر بتفجير هذه المعابر.

ولكن بحسب إحدى القصص، والتي وثقها المؤرخ والكاتب الشهير (ستيفن إم. أمبروز) –وهو مؤلف كتاب Band of Brothers، الذي اقتبس منه المسلسل الشهير بنفس العنوان –فبعض الجسور تُركت سليمة ولم تُدمر، والسبب؟ حماقة ضابط نازيين سكير!

أُوكل الرائد (هانس شميت) بمهمة حماية جسرين فوق نهر الأورن، وبسبب أهميتهما الاستراتيجية، طُلب من الرائد فعل أي شيء يمنع سقوطهما في أيدي العدو، حتى لو اضطر إلى تفجيرهما.

وعندما تقدمت قوات الحلفاء، لم يكن (هانس) مستعداً على الإطلاق، فقد كان نائماً في سريره عندما تم الإنزال، حيث كان يحتفل ويشرب في الليلة السابقة مع إحدى السيدات حتى ساعات الصباح الباكر. وعندما دق جرس الإنذار، لم يقم الرائد بتفجير الجسرين كما كان متفقاً عليه، بل قاد قواته مباشرة لقتال البريطانيين. وفي نهاية المطاف، أُسر (هانس شميت) وتمكن الحلفاء من الاستيلاء على الجسرين.

3. استطاع أوليسيس غرانت الانتصار في معارك هامة خلال الحرب الأهلية الأميركية عندما كان تحت تأثير الكحول

صورة للرئيس الأميركي أوليسيس إس غرانت نحو العام 1870. صورة: Wikimedia Commons

كان (أوليسيس إس. غرانت) جندياً وسياسياً ورئيساً للولايات المتحدة الأميركية، كما كان عبقرياً محنكاً، سواء من الناحية السياسية أو العسكرية، ولكن بالإضافة لكل ذلك، كان (غرانت) يحبّذ تناول كأس أو كأسين من المشروب.

حاول معارضوه استغلال نقطة ضعفه، ألا وهي الشراب، ويذكر المؤرخون أن (غرانت) كان ثملاً معظم الأوقات، حتى (غرانت) نفسه لا ينكر ذلك. لكن هناك قصة مثيرة للجدل بخصوص (غرانت) والمشروب، فهل حقاً ساعده الكحول أم أعاقه خلال مسيرته السياسية والحربية أثناء الحرب الأهلية الأميركية؟ وهل كان (غرانت) قادراً على اتخاذ القرارات التي اتخذها أثناء الحرب لو كان صاحياً؟

كان (غرانت) مدمناً على الكحول بالرغم من تربيته العائلية الصارمة، حيث وُلد (غرانت) في أوهايو عام 1822 لعائلة تنتمي للكنيسة (الميثودية) –أو المنهجية، وهي طائفة مسيحية بروتستانتية ظهرت في المملكة المتحدة في القرن الثامن عشر، وانتشرت في الولايات المتحدة لاحقاً. وتركز الكنيسة الميثودية على المشاعر الروحية، وهي أقرب إلى التصوف.

لاحقاً، خدم (غرانت) في صفوف الجيش الأميركي أثناء الحرب المكسيكية الأميركية، ولم تكن حياته المدنية جيدة على الإطلاق، حيث عانى من عدة مشكلات مادية، وكانت سبباً في تأزم حالته النفسية. وعاود الالتحاق بجيش الاتحاد عند اندلاع الحرب الأهلية، وارتقى منصبه بشكل سريعٍ نسبياً، فخلال أشهر، تقلّد (غرانت) منصب جنرال في الجيش، وساعدته معركة شيلوه وحصار فيكسبرغ في السيطرة على المسيسيبي، وتلك وقائع محورية في الصراع الأهلي الدامي.

إذاً، ما دور المشروب في حياة (غرانت)؟ حسناً، لو عاش (غرانت) في عصرنا هذا لاعتبر مدمناً على الكحول صاحب أداء وظيفي عالي، وهو مصطلح يُطلق على الأشخاص الذين يتحسّن أداءهم عند معاقرة الكحول، وهذا أمر لاحظه فيه الرئيس (أبراهام لينكولن) بذاته، حيث أوضح أن الكحول تجعل من (غرانت) ”قائداً ميدانياً بشكل أفضل“.

وبسبب ماضيه التعس، وإدراكه كمّ الأخطاء التي ارتكبها والفشل الذي مرّ به، لم يكن لدى (غرانت) ما يخسره، بالتالي كان واحداً من أشجع الجنرالات في الحرب، وكان مستعداً لخوض المخاطر بلا تردد. كما كان محباً للنظام والانضباط، بالرغم من كونه فوضوياً إلا حد ما، لكنه أراد من جنوده إظهار انضباط لا مثيل له، لذا كان جيشه محترفاً ومدرباً بشدة.

ووفقاً للمؤرخ (جيمس مكفيرسون)، ساعدت هذه الأمور (غرانت) في الانتصار أثناء حصار فيكسبرغ. فبعد أن أفرط في الشرب، قرر الانقضاض بسرعة وقوية، ولم يرغب الانتظار حتى تصل المؤن والمساعدات العسكرية والطبية. ولكن عندما فشل الهجوم المباشر، قرر محاصرة البلدة، وحقق الانتصار في نهاية المطاف. وبالمناسبة، وأثناء الحصار، قرر (غرانت) الانضمام إلى أصدقائه في جلسة شرب، وأخذ يحتسي الويسكي معهم على ضفاف نهر (يازوو).

كانت الخمرة صديقة (غرانت) أثناء معاركه وحروبه، لكنه أقلع عنها تماماً عندما دخل البيت الأبيض وأصبح الرئيس الثامن عشر للولايات المتحدة الأميركية. حيث تشير الوثائق إلى إقلاع (غرانت) عن الشرب المفرط أثناء توليه الرئاسة، وأخذ منصبه على محمل الجد تماماً، خاصة أن أعداءه كثرٌ، أي سيستغلّون أي فرصة يكون فيها غائباً عن الوعي نتيجة الشرب.

4. تحوّلت قمة الملك هنري الثامن إلى مصارعة بين ملِكين مخمورين

لوحة من رسم الفنان هانس هولباين الأصغر، يصوّر فيها الملك هنري الثامن. صورة: Wikimedia Commons

كان لدى ملك إنجلترا (هنري الثامن) شهية كبيرة، ولا نقصد تجاه النساء والطعام فحسب، بل كان الملك سكيراً ومحباً للخمور، فكان يشرب كثيراً على مائدة طعامه الفاخرة. ووفقاً لكتب التاريخ، غالباً ما كانت المهرجانات التي يقيمها تتحول إلى محفلٍ للمجون نتيجة الخمور والشرب المفرط. وهكذا، عندما رتّب الملك (هنري الثامن) قمة جمع فيها ملك فرنسا (فرانسيس الأول)، كان النبيذ حاضراً بقوة ليشعل أجواء هذه القمة الدبلوماسية.

نُظمت القمة في الريف قرب مدينة (كالي) اليوم في شمال فرنسا، وعلى مدار أسبوعين خلال شهر حزيران من عام 1520، أحضر الملكان جماعات كبيرة من الناس معهما إلى الحدث، والذي كان الهدف منه تحسين العلاقات بين البلدين.

حضر هذه القمة مئات الأشخاص، وتحوّل هذا الحدث، الذي من المفترض أن يكون حدثاً دبلوماسياً جدياً، إلى حفلة هائلة. حيث نُصبت الخيم الكبيرة والمصنوعة من الحرير الذهبي، وأُقيمت عروض الرماية ومسابقات المبارزة.

وعندما ثمل الملك (هنري الثامن)، تحدى ملك فرنسا في مباراة مصارعة، مع أن مبارزة الملكين أمرٌ غير شائع على الإطلاق. تختلف المصادر التي وثّقت هذه الحادثة، بسبب الانحياز السياسي أغلب الظن، لكن من الواضح أن (هنري) لم يكن ذلك المصارع القوي والمحترف، بالرغم من بنيته الجسدية القوية، حيث ربح الملك (فرانسيس) هذه المبارزة. ولأن (هنري) لا يحب الخسارة، تحوّلت أجواء الفرح والمرح إلى توتر شديد بعد خسارة (هنري)، فانتهت الحفلة بسرعة وعاد كل ملك إلى دياره.

إذاً ما أثر هذه الحادثة على التاريخ؟

لم تستطع القمة ضمان السلام والأمن في أوروبا، فبعد عودة الملك (هنري) إلى انجلترا، أمر ساعده الأيمن، الكاردينال (ولزي)، بإجراء اتحاد مع (تشارلز الخامس) ملك إسباني ورأس الامبراطورية الرومانية المقدسة، وذلك بعد أسابيع من انتهاء القمة السابقة. وهكذا، خلق الملك (هنري) عداوة مباشرة وصريحة مع ملك فرنسا (فرانسيس)، وفي العام ذاته، أعلن ملك إسبانيا (تشارلز الخامس) الحرب على فرنسا، وبدأ بذلك صراعاً استمر 5 سنوات وخلّف آلاف القتلى.

5. الاسكندر المقدوني يحرق بيرسيبوليس ويدمرها تحت تأثير الكحول

رسمٌ فسيفسائي يصوّر الاسكندر المقدوني. صورة: Wikimedia Commons

في شهر أيار من عام 330 قبل الميلاد، استطاع (الاسكندر) المقدوني احتلال مدينة بيرسيبوليس الفارسية، وحصل بذلك على عاصمة الامبراطورية الفارسية وقلبها الحيوي، بالرغم من تمكن ملك الفرس (داريوس الثالث) من الفرار.

كانت بيرسيبوليس مدينة عظيمة، بقصورها المزخرفة وبنيتها المتقدمة وجنانها الوارفة. لذا من الطبيعي أن يحافظ أي جنرال أو امبراطور أو ملك على هذا الكنز ويتمتع به، لكن (الاسكندر) أمر بإحراق المدينة بأكملها، وهو قرار اتخذه بلحظة، وندم عليه لاحقاً أشد الدم. إذاً، ما الذي دفع (الاسكندر) إلى التصرف بهذه الطريقة؟ وفقاً للمؤرخين، لم يكن (الاسكندر) جيداً باتخاذ القرارات عندما تتعلق بأمرين اثنين: النساء الجميلات والكحول!

كان قرار إحراق بيرسيبوليس خاطئاً لعدة أسباب، فجيشه المتعب من الترحال والحرب بحاجة ماسة إلى الراحة، ومشاركة الانتصار، ونهب المدينة أيضاً. وأيضاً، كان لـ (الاسكندر) حصة من هذا التخريب، حيث أرسل الذهب والمعادن النفيسة والمجوهرات المسروقة إلى بلده مقدونيا. وهكذا، كانت هذه الأعمال كافية من الناحية النظرية للاستمتاع بهذا النصر، لكن (الاسكندر) لم يكتف بذلك!

تعبيراً عن النصر، أقام (الاسكندر) وجيشه حفلاً كبيراً، وطبعاً، احتوى هذا الحفل كميات هائلة من النبيذ. وكما نعلم، عندما يخوض الرجال حرباً شرسة، سيفرّغون رغباتهم المكبوتة في طرقٍ شنيعة وعنيفة أغلب الأوقات. لذا بدأت فكرة حرق المدينة تدور في رأس (الاسكندر)!

بالطبع، نصحة مستشاروه وجنرالاته بعدم الشروع في هكذا مخطط، ولكن كما قلنا سابقاً، لا يستيطع (الاسكندر) مقاومة النبيذ أو النساء، وهكذا، أغرته محظيّة جميلة اسمها (ثيس)، ووفقاً للمؤرخ والكاتب (ديودورس سيكولوس)، قالت المرأة لـ (الاسكندر) أن أعظم احتفالٍ له في آسيا، وأكبر انتصار في تاريخه، سيكون بإحراق قصور هذه المدينة. وهكذا، لم يستطع (الاسكندر) المخمور مقاومة هذا الطلب، وتحوّلت حفلة السكر والعربدة إلى مهرجانٍ من التخريب والإحراق، فاشتعلت المدينة بالحرائق، بينما كانت النساء تعزفن الموسيقى!

استيقظ (الاسكندر) وهو يعاني آلام الصداع، ولكن أشد آلامه كان الندم. فاحتلال بيرسيبوليس كلّفه الكثير، حيث ارتحل مع جنوده قاطعاً مسافات شاسعة بهدف الاستيلاء عليها، وفي ليلة شرب وسكر، مُحيت المدينة بأكملها. واليوم، تشهد آثار المدينة المتبقية على عظمتها، حيث صُنفت ضمن مواقع التراث العالمي لليونيسكو.

6. تحوّلت عملية الاستيلاء على القصر الشتوي في روسيا إلى حفلة ماجنة

صورة للقصر الشتوي أثناء ثورة أكتوبر.

كان القصر الشتوي الذي بناه وعاش فيه قياصرة روسيا رمزاً للفساد وعدم المساواة بالنسبة للبلاشفة، الذين أعلنوا بدورهم الثورة على القيصرية في روسيا لتخليص المجتمع الروسي من الطغيان. فكان احتلال هذا القصر خلال ثورة أكتوبر أمراً حاسماً، لكن هذا الفعل خرج تماماً عن السكة التي سار فيها البلاشفة، فحالما فُتحت الأبواب وتمكنوا من الدخول، بدأت حفلات الشرب والسَكَر. كانت الحفلات ماجنة ومفرطة بشدة، حتى بالنسبة إلى معايير الشرب الروسية.

في تلك الفترة، كانت روسيا بأكملها تحارب القيصر وحراسه، لذا كان القصر شبه خالٍ وقتها. وعندما استطاع البلاشفة اقتحام الأسوار، توجهوا على الفور إلى الأقبية، فهناك، امتلك القيصر مجموعات من أفخم المشروبات الكحولية في العالم أجمع، من النبيذ إلى الويسكي والكونياك، وأخيراً، الفودكا!

توجهت حشود هائلة إلى القصر الشتوي، وبدأت بذلك احتفالات الشرب واستمرّت لأسبوع كاملٍ! وبالطبع، لم يكترث أحد خلال ذلك الأسبوع بعملية بناء روسيا من جديد بعد الثورة. ولم يكتف الجنود بالشرب وحسب، حتى مفوضو (لينين) أنفسهم كانوا سكارى. ذُهلت القيادات البلشفية بهذا التصرف، وقرروا أن يفعلوا شيئاً بسرعة وإلا فقدت الثورة زخمها.

أمرت القيادات العليا بغمر الأقبية بالماء، وبالمناسبة، حتى رجال الإطفاء الذين أرسلوا لأداء هذه المهمة شاركوا أيضاً باحتساء المشروب، وكان بعضهم مخموراً لدرجة تمنعه من العمل. وبالرغم من ذلك، لم توقف المياه رغبة البعض باحتساء الكحول، فسبح بعض الناس حتى وصلوا إلى الأقبية، وبعضهم غرق في سعيه وراء رشفة من المشروب!

لم يجد المسؤولون حلاً سوى إطلاق النار على أي شخصٍ يرفض التوقف عن الاحتفال والشرب، وهكذا، استمرّت قضية القصر الشتوي والخمر مدة شهرٍ كامل حتى انتهت! وبالطبع، فقدت الثورة أيضاً زخمها. لكن في نهاية المطاف، يبدو أن البلاشفة لم يستطيعوا حلّ أي شيء سوى عن طريق القوة والقسوة، وهذا ما يُفسر تمسكهم بالسلطة حتى تسعينيات القرن الماضي.

7. الرئيس ريتشارد نيكسون يهدد بحرب نووية تحت تأثير الكحول

الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون ونظيره السوفياتي ليونيد بريجنيف وهما يشربان كأسان في إحدى المناسبات. صورة: Getty Images
الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون ونظيره السوفياتي ليونيد بريجنيف وهما يشربان كأسان في إحدى المناسبات. صورة: Getty Images

قد تكون الأمثلة السابقة مسؤولة عن تغيير تاريخ بلدان بعينها، لكن ما رأيك بمثال عن علاقة المشروب والسياسة، كاد أن يغيّر مستقبل العالم بأكمله؟ خاصة عندما يكون صاحب القرار هنا أكبر قوة سياسية على وجه الأض، وقادرٌ بكل بساطة وبدون أي مساءلة أن يتخذ قراراً ببدء حرب نووية!

وفقاً لعدد من كتاب السيرة الذاتية الذين عملوا مع الرئيس الأميركي (ريتشارد نيكسون)، كان الرئيس على مقربة من سنّ حربٍ نووية على أعدائه تحت تأثير الكحول والغضب، ولحسن الحظ، كان مساعدوه على دراية تامة بمزاجه المتغير جراء شرب الكحول، لذا عملوا جاهدين على منع هكذا قرار.

كشف السياسي (هنري كسنجر) عندما كان في البيت الأبيض أثناء فترة حكم (نيكسون) أن الرئيس كان مدمناً على الكحول بشدة في تلك الفترة، وكان الرئيس يميل أحياناً إلى المبالغة في رد فعله، حيث قال (كيسنجر) إحدى المرات: ”لو تصرّف الرئيس كما يحلو له، لاندلعت حرب نووية كل أسبوع“.

ففي عام 1969، وقعت حادثة شهيرة قامت فيها كوريا الشمالية بإسقاط طائرة تجسس أميركية، ونتيجة ذلك، وتحت تأثير الكحول، استدعى (نيكسون) هيئة الأركان المشتركة، وأمرهم بوضع قائمة بالأهداف الكورية لضربها بقنابل نووية. حثّ (كيسنجر) هيئة الأركان بالمماطلة في اتخاذ القرار، ونجح في هذه الطريقة بتأجيل الكارثة النووية، فاستفاق الرئيس (نيكسون) في اليوم التالي حيث هدأ وعدل عن هذا القرار.

لم يكن هذا الحادث الوحيد الذي كاد (نيكسون) أن يقترفه جرّاء الإفراط في شرب الكحول، ففي أغلب الأوقات، يتحوّل (نيكسون) إلى شخصٍ عدواني عند الشرب، ويحاول دائماً الاستفادة من صلاحياته كقائد عام للقوات العسكرية.

ففي إحدى المناسبات، دفعه جدال حول كمبوديا إلى طلب الهاتف وأمر مسؤوليه بإلقاء القنابل على ذلك البلد الآسيوي. وهكذا أصبح الطاقم الرئاسي قلقاً جداً من رئيسهم غير المتوازن، خاصة عندما كان يُصاب بالاكتئاب أحياناً ويقرر الانعزال، فدائماً كان الجميع يخاف من انجرار الرئيس وراء الحل النووي!

أشار (جيمس شليزنغر)، وهو سكرتير الدفاع الخاص بالرئيس، في مذكراته أنه طلب من جميع القادة العسكريين التحقق من أوامر إطلاق الصواريخ والقنابل النووية الآتية من الرئيس (نيكسون) قبل البدء بتنفيذها. وأتى هذا الإجراء نتيجة إدمان (نيكسون) على المشروبات الكحولية بشكل متزايد. وفي نهاية المطاف، اضطر الرئيس إلى التخلي عن منصبه إثر ”فضيحة ووترغيت“ الشهيرة. وفي آخر ساعات رئاسته، مُنع الرئيس المقبل على التقاعد من حمل أكواد إطلاق الأسلحة النووية، وبقيت هذه الأكواد في البيت الأبيض أثناء مغادرة الرئيس العاصمة الأميركية واشنطن!

8. ملك إنجلترا المستقبلي يغرق أثناء سباق قوارب جرّاء الإفراط في شرب الكحول

الأمير ويليام محمولاً بوساطة خدمه في قارب صغير. صورة: britishmuseum

كان لـ (ويليام أدلِن) مستقبل بارز لو عدل عن هذا التصرف الطائش، حيث كان الشاب الوريث الشرعي لعرش انجلترا، لكنه توفي وهو في السابعة عشر من عمره قرب سواحل نورماندي في فرنسا. والمشكلة أن الأمير الشاب لم يُقتل على يد أعداءه، كما كان يحدث غالباً في تلك العصور، بل قتل نفسه بيده. وبذلك، تسبب في أزمة خلافة كبيرة جداً في انجلترا كادت تؤدي لاندلاع حرب طويلة.

كان (ويليام) ابن ملك انجلترا (هنري الأول)، ووالدته (ماتيلدا) من اسكوتلندا، وكان الأمير دوق نورماندي، بالرغم من أن اللقب الأخير رمزيٌ إلى حد ما. وكان من المقرر أن يتزوج (ويليام) بـ (ماتيلدا) من أنجو، وهو اتحاد سيقوي الروابط بين انجلترا ونورماندي –في تلك الفترة، كانت السلالة الحاكمة تنحد من الملك (ويليام الفاتح)، وأصله نورماندي أيضاً.

وهكذا، وفي الخامس والعشرين من شهر تشرين الثاني عام 1120، كان (ويليام) ورجاله في نورماندي يجهزوّن أنفسهم للعودة إلى انجلترا وعبور القناة الإنجليزية بحراً. لكنهم قرروا أولاً الاستمتاع بوقتهم على الشاطئ واحتساء القليل من الكحول، ولسوء حظه، كانت سفينته، المعروفة باسم ”السفينة البيضاء“ معروفة بأنها أسرع سفينة في الأسطول الملكي، أي كان باستطاعتهم اللحاق بباقي السفن بسهولة.

وبعد أن جهزوا أنفسهم للعبور، قام رجلا دينٍ بمباركة السفينة، لكن (ويليام) أبعدهما كي لا يفسدا جوّ المرح والاحتفال الذي كان قائماً. استمر الشاب بالشرب عندما كانوا على متن السفينة، ودعا طاقمها أيضاً إلى احتساء الخمور، ثم أمرهم بالإسراع والاستعجال كي يلحقوا باقي الأسطول، وهكذا حلّت الكارثة: حيث اصطدمت السفينة البيضاء بصخرة وغرقت في الماء.

ومع ذلك، كان باستطاعة (ويليام) النجاة، حيث تمكّن من الركوب في زورق حتى بعد غرق السفينة، لكنه اضطر للعودة إلى الماء كي ينقذ أخته غير الشقيقة (ماتيلدا فيتزروي)، لكن للأسف، غرق الاثنان في البحر.

وبعد وفاة الوريث الوحيد للعرش، واجه الملك (هنري) أزمة خلافة، فاضطر لترشيح قريبه (ستيفن) من بلوا لاعتلاء العرش الملكي. وهكذا، غرقت انجلترا في فترة تاريخية تُعرف بـ ”الفوضى“ منذ عام 1135 وحتى عام 1153، ولم تعرف انجلترا الأمن والسلام إلا بعد مرور 20 عام، وكل ذلك بسبب شابٍ مخمورٍ مغفل.

وبذلك، نجد أن تاريخنا وتاريخ الشعوب الأخرى كاد يتغير بشكل جذري، والسبب هو بلا شك، ذاك المشروب الذي كان يأخذ عقل الحكام والسياسيين!

مقالات إعلانية