in

صداقة غريبة: عندما زار نجم كرة السلة (دينيس رودمان) زعيم كوريا الشمالية (كيم جونغ أون)

صورة: KCNA KCNA/REUTERS

يُعرف عن (دنيس رودمان) كونه أحد نجوم كرة السلة الأمريكية، وعلى الرغم من حياة (دنيس) المجنونة أساساً، لكنك ستسغرب حقاً عندما تراه يغني في عيد ميلاد الزعيم الكوري الشمالي (كيم جونغ أون).

في شهر يناير من عام 2014، بلغ عمر الزعيم الكوري 31 سنة. وفي عيد ميلاده ذاك، احتفل بالمناسبة أمام جمهور مؤلف من 12 ألف شخص، إلى جانب ضيف الشرف (دينيس رودمان).

على الرغم من العلاقة السيئة والمتوترة التي تجمع بين الولايات المتحدة الأمريكية وكوريا الشمالية إثر محاولة الأخير بناء سلاحٍ نووي، يبدو أن (رودمان) لا يأبه كثيراً بالسياسة الأمريكية، فتلك الزيارة لم تكن الأولى ولا الأخيرة لكوريا الشمالية وزعيمها الذي يصفه (رودمان) بـ ”الصديق المفضل“. بل أن العلاقة التي جمعت بين الاثنين أدت في كثير من الأحيان إلى حلحلة بعض الأمور العالقة بين الدولتين. إجمالاً، زار (رودمان) كوريا الشمالية 5 مرات، وفي كل مرة، كانت الزيارة أكثر جنوناً من السابقة، وجميع تلك الزيارات لم تكن رسمية، إذ توصي الولايات المتحدة سكانها بعدم زيارة كوريا الشمالية.

لعلك تستغرب الآن كيف استطاع (رودمان) التواصل مع الحكومة الكورية، وكيف عاد عدة مرات إلى هذا البلد السري، على الرغم من تلقيه ردود فعل سلبية من طرف عامة الشعب الأمريكي، وهل تسهم الصداقة بين الرجلين في حلّ الأمور دبلوماسياً؟ لنعرف القصة أكثر، علينا العودة إلى البدايات، تحديداً تسعينيات القرن الماضي.

بداية القصة

صورة من الزيارة الأولى لـ (دنيس) إلى كوريا الشمالية. صورة: Jason Mojica/VICE MediaAssociated Press

عندما كان (كيم جونغ أون) طفلاً، عاش حياة معزولة اجتماعياً بخلاف باقي الأطفال في سنه، فخلال السنة الأخيرة من دراسته الثانوية، أُجبر على البقاء ضمن مجمع العائلة في بيونغيانغ، وتلقى دروسه على يد أساتذة مختصين. بينما كان يقضي فترات الصيف على شواطئ ونسان، كما مُنع من إقامة صداقات مع الآخرين، بل وصل الأمر لدرجة منعه من اللعب مع أخيه غير الشقيق. قد تكون تلك الأسباب هي ما دفعت (كيم) إلى تبني شخصية وسواسية، كما بات مهتماً بشدة بالطائرات والسفن وكرة السلة.

في عام 1996، عندما كان (كيم) في الـ 12 من عمره، أُرسل إلى مدرسة في مدينة بيرن السويسرية، تحت اسم مستعار بالطبع. اشترت له عائلته 6 شقق في الحي الدبلوماسي، وهناك تعرّف (كيم) بشكل أكبر على الثقافة الغربية.

منذ تلك الفترة، كان (كيم) يرتدي زيّ فريق شيكاغو بولز، وتحديداً سترة اللاعب الشهيرة (مايكل جوردن) ذات الرقم 23، كما كان مولعاً أيضاً بأحذية Air Jordan. كان (كيم) قصيراً، وشجعته والدته على لعب كرة السلة أملاً بأن يصبح طويل القامة.

في أحد الأيام، اختفى (كيم جونغ أون) من المدرسة ولم يعد. ثم بعد مرور قرن تقريباً، ظهر (كيم) فجأة في بيونغيانغ، وبدأ بترقي مناصب أرفع ليصبح وريث والده. لم يُعرف عنه الكثير حينها، لدرجة أن الكثير من الناس لم يعرفوا عمره الحقيقي، وكانت مشكلة وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية أنها لا تعلم الكثير عن هذه الشخصية، فكيف ستستطيع التأثير عليها؟

استغل الأمريكان عشق (كيم) لكرة السلة، فحاولوا القيام بحيلة أجروها سابقاً مع والده، وهي إرسال كرة سلة موقعة شخصياً من (مايكل جوردان). أما في حالة الابن، فكان الاعتماد على لاعب آخر من شيكاغو بولز، وهو (رودمان).

لم ترسل الوكالة (رودمان) في مهمة رسمية، بل يبدو أن الفكرة كلها لم تأتي من عندهم. في المقابل، أرادت وكالة Vice الإعلامية تصوير فيلم عن أحد نجوم السلة، فطرحوا الفكرة على عميل (مايكل جوردان) وعلى المفوضية الأممية الخاصة بكوريا الشمالية في نيويورك. توقفت المحادثات مع (جوردان)، ثم برزت مشكلة أخرى: وهي أن كوريا الشمالية باتت تتوقع قدوم (مايكل جوردان)، فاضطرت وكالة Vice للكذب وإخبارهم أن (جوردان) يخاف الطيران، لكن باستطاعهم جلب نجم آخر هو (دينيس رودمان).

بدا الأمر مثالي! فـ (رودمان) أيضاً من نجوم كرة السلة الأمريكية الذين شاهدهم (كيم) في طفولته، و(رودمان) أيضاً هو ذاك الشخص الغريب الذي يفعل أي شيء للحصول على الشهرة. وهنا نأتي على أحداث من حياة (رودمان) الجامحة، فهذا الرجل دخل في مسابقة للزواج في فنلندا، وتعلّم المصارعة باحتراف، وكتب الكتب وشارك في الكثير من برامج تلفزيون الواقع، عدا عن سلوكه المثير للجدل.

برزت مشكلة أخرى تتمثل بتردد كوريا الشمالية تجاه قناة «فايس Vice»، حيث طالب الكوريون الشماليون بلقاءٍ مع قناة HBO، وهي التي اشترت العرض. فوافق الطرفان على المضي قدماً، ووافق (كيم جونغ أون) على الزيارة، وبالطبع، لم يكن تخييب آمال الزعيم خياراً متاحاً.

الزيارة الأولى

زعيم كوريا الشمالية (كيم جونغ أون) ونجم كرة السلة الأمريكية (دنيس ردومان) يشاهدان مباراة استعراضية في بيونغيانغ عام 2013. صورة: Getty Images

في السادس والعشرين من شهر فبراير عام 2013، وصل (دينيس رودمان)، بصحبة آخرين وطاقم «فايس» والكثير من المساعدين، إلى العاصمة الصينية بكين، ثم كان عليهم الانتقال إلى بيونغيانغ. منذ وصوله لأول مرة إلى بكين، بدا واضحاً أن (رودمان) لا يعلم شيئاً عن كوريا الشمالية، حتى أن مساعده لم يدرك على ما يبدو الفرق الشاسع بين الكوريتين، فأخبر (رودمان) أن اللقاء سيكون عبارة عن مباراة سريعة والكثير من التوقيعات، لدرجة أن (رودمان) نفسه نشر تغريدة على حسابه على تويتر قائلاً أنه قد يشاهد المغني الكوري الجنوبي (ساي PSY) خلال زيارته، ليرد عليه الأخير قائلاً: ”أنا من كوريا الجنوبية يا رجل!“.

في اليوم التالي لوصوله إلى بيونغيانغ، أُخذ (رودمان) إلى ملعب كرة سلة مليء بالحضور لمشاهدة مباراة استعراضية، وفجأة، دخل الزعيم الكوري (كيم جونغ أون) وجلس بجانبه وسأله إن أعجبته كوريا الشمالية. ويبدو أن (رودمان) لم يكن يعلم من هذا الشخص الذي جلس بجانبه، فأجاب: ”نعم إنها جيدة“. وبذلك، أصبح (دينيس رودمان) أول شخصية أميريكية رفيعة المستوى تلتقي (كيم جونغ أون).

جلس الرجلان، بصحبة زوجة (كيم) أيضاً، جنباً إلى جنب، وتبادلا الأحاديث عن طريق مترجم، وشاهدا المباراة الاستعراضية التي جمعت بين لاعبين أمريكيين وكوريين. انتهت المباراة بنتيجة تعادل (110 نقاط).

رودمان وكيم في صورة لهما من زيارة عام 2013. صورة: The Times

لم يكن (رودمان) يدرك الكثير عن هذا البلد، فكلّ ما شعر به هو التمجيد والشهرة في هذا البلد السري الدكتاتوري. عندما عاد إلى أميريكا بعد زيارته الأولى، لم تكن نظرة بلاده قد تغيرت تجاه كوريا الشمالية، حتى أن (رودمان) نفسه اعتبر الزيارة قائمة على لعبة السلة وليس لأهداف أخرى، بل أن (رودمان) أوضح بنفسه أنه لا يمثل الولايات المتحدة بهذه الزيارة.

بعد تزايد الضغوط الإعلامية على (رودمان)، بدأ الأخير يأخذ موقفاً حيادياً، وكأنه دبلوماسي، وطلب من الزعيم الكوري في تغريدة على تويتر أن يطلق سراح المبشر المسيحي المحتجز في كوريا الشمالية (كينيث باي)، وقال مازحاً: ”إن لم أكن ضمن المرشحين الثلاثة الأوائل لجائزة نوبل للسلام، فهناك خطبٌ كبير في تلك الجائزة“.

لو قام شخص آخر بهذه الزيارة غير (رودمان)، فعلى الأرجح أن القصة كانت انتهت حينها. لكن (رودمان) كان تواقًا للعودة إلى كوريا الشمالية، وفي المرة الثانية، أراد الذهاب لوحده بعيداً عن طاقم «فايس»، وفي هذه المرة، برز اسم (جوزيف تيرويليغر)، وهو بروفيسور أميريكي في علم الأعصاب يدرّس في جامعة ضمن كوريا الشمالية. راهن (تيرويليغر) على مبلغ 2500 دولار أميريكي مقابل لعب إحدى الألعاب المشهورة في كرة السلة، وتدعى H–O–R–S–E، ضد (رودمان)، بحيث يذهب الرهان إلى صالح جمعية خيرية.

الصديقان يشاهدان مباراة أخرى عام 2014 جمعت بين لاعبين سابقين في المنتخب الأمريكي ضد المنتخب الكوري الشمالي لكرة السلة. صورة: Reuters

تواصل الرجلان مع شخص ثالث كندي يُدعى (مايكل سبافور)، وهو يتحدث الكورية بطلاقة ويدير شركة سياحية كورية شمالية، وله علاقات طيبة مع الزعيم الكوري (كيم جونغ أون)، لكنه اعتُقل عام 2018 من طرف السلطات الصينية. على أي حال، أصدرت وزارة الرياضية الكورية الشمالية تأشيرات سفر لـ (رودمان)، وفي شهر سبمتبر عام 2013، عاد (رودمان) إلى كوريا الشمالية.

في تلك الزيارة الثانية، خطرت ببال (رودمان) فكرة مفادها إجراء لعبة تنافسية حقيقية في عيد ميلاد الزعيم الكوري في شهر يناير. فعاد في شهر ديسمبر لينتقي أعضاء الفريق الكوري ويجري الترتيبات اللازمة لتلك الرحلة التي أصبحت أكثر رحلاته جدلاً وإثارة للاهتمام، وهي رحلة عام 2014 التي ألقى فيها (رودمان) خطاباً ارتجالياً وغنى للزعيم الكوري أغنية عيد الميلاد في ملعب بيونغيانغ الداخلي.

شاهد (دينيس رودمان) يغني أغنية عيد الميلاد السعيد للزعيم الكوري (كيم جونغ أون)

 

أطلقت شركة (كوريو تورس)، التي تتخذ من بكين مقراً لها، تذاكر بقيمة 9000 دولار أمريكي لحضور ما أسمتها ”مباراة العُمر“، وبُيعت تلك التذاكر خلال أيام فقط. وصل الأمر بسلطات الولايات المتحدة إلى التحقيق حول مزاعم بخصوص حصول (رودمان) على هدايا باهظة الثمن وغير قانونية، وقال الرئيس الأمريكي (باراك أوباما) آنذاك أن لو باستطاعة الحكومة منع تلك الزيارة لما ترددت في ذلك.

في تلك الفترة، كان (كيم جونغ أون) قد أمر بإعدام عمه قبل شهر واحد من تلك الزيارة الشهيرة، فكان الرأي العام متخبطاً، خاصة بعدما أعلن العديد من لاعبي الدوري الأمريكي لكرة السلة NBA ندمهم على القيام بتلك الرحلة. برزت صورة (رودمان) بشكل متناقض أيضاً، فهل (رودمان) ذلك الشخص البريء الذي ذهب لزيارة مكان يحبه؟ أم أنه بطل دبلوماسي في مهمة لإنقاذ العالم؟ ما زاد من الجدل الأمريكي حول هذه القضية.

تشمل زيارات (رودمان) إلى بيونغيانغ العديد من الحفلات الخاصة وتبادل الهدايا بينه وبين (كيم). صورة: REUTERS

تعرّض (رودمان) للكثير من الضغوط والانتقادات، فاعتبره البعض ”شحاذاً“ يكسب أمواله من نظام دكتاتوري، بينما اعتبره آخرون مجرد أبله يلعب ضمن لعبة جيوسياسية أكبر منه بكثير، لدرجة أنه ظهر في الكثير من المقابلات وهو يروّج لفكره الداعي إلى خلق سلام بين دولتين متحاربتين. وبعد كل هذه الانتقادات والجدل، كان من المنطقي ألا يذهب (رودمان) في زيارة أخرى، لكن (رودمان) قرر العودة لزيارته ”صديقه المفضل“، ضمن سلسلة جديدة من الظروف التي ساعدته على بلوغ هدفه.

الزيارة الأخيرة

وصف النجم الأمريكي زعيم كوريا بـ “الصديق المفضل”. صورة: REUTERS

عاد (رودمان) مجدداً عام 2016، وفي تلك الفترة، وقع حدثان منفصلان لكن لهما أثر مباشر، الأول هو تولي (دونالد ترمب) منصب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، والثاني هو اعتقال طالب جامعي أمريكي قام بزيارة إلى بيونغيانغ وسجنه لـ 15 سنة جراء سرقته أحد الملصقات السياسية. ما علاقة (دينيس رودمان) إذاً؟

ظهر (رودمان) سابقاً في برنامج تلفزيون الواقع الخاص بالسيد (ترمب) قبل 7 أعوام من الحادثة، وفي المقابل، كان (رودمان) الشخص الوحيد على سطح هذا الكوكب الذي يملك علاقة جيدة وطيبة مع كل من الزعيمين الأميريكي والكوري الشمالي.

في الفترة التي أرسلت فيها الولايات المتحدة بعثة رسمية لإخلاء سراح السجين الأمريكي، ظهر (رودمان) وهو يلعب كرة السلة في كوريا الشمالية، جالباً معه نسخة من كتاب (دونالد ترمب) الشهير «فن الصفقة» الذي أهداه للزعيم الكوري، ما جعل زيارة (رودمان) إلى كوريا تعود للواجهة من جديد.

إن (رودمان) نفسه شخصية مثيرة للجدل، فما بالكم بزياراته لكوريا الشمالية وادعائه أنه قادرٌ على حلّ السلام بين الدولتين. على أي حال، تبقى تلك القصة إحدى القصص القليلة التي سمعناها عن كوريا الشمالية، ومن يدري، لربما يعلم (رودمان) أموراً كثيرة لا نعلمها نحن عن ذلك البلد.

مقالات إعلانية