in

منشآت كبرى كلفت الكثير من المال دون فائدة

حول العالم هناك العديد من المنشآت المهجورة اليوم، من مدن صناعية ومعامل كبرى سابقاً إلى ضواحٍ سكنية فقدت ما يجذب الناس لسكنها، وحتى مشاريع كبرى فاشلة لم تقدم ما هو مطلوب منها، لكن قلة من هذه المنشآت كلفت ثروات طائلة، ومعظمها لعب دوراً مهماً وحقق غاية معينة في وقت ما على الأقل قبل أن يتراجع الاهتمام به لاحقاً، وبالطبع فالعديد من المباني لم تكتمل أصلاً وبقيت شواهد منصوبة على سوء الإدارة أو أسباب أخرى منعت تحقيقها لغايتها.

على أي حال فهنا في هذا المقال سأتناول بعضاً من المشاريع التي كلفت مبالغ طائلة لتنفيذها وكان من المفترض أن تكون معالم مهمة جداً وذات تأثير على صعيد عالمي، لكنها فشلت في تحقيق أهدافها أو أنها استضافت حدثاً واحداً مهماً ومن ثم نسيت تماماً ولم تعد لها أي فائدة تاركة منشئيها في خسائر كبرى بسببها.

جسر Russky – أقصى شرق روسيا

جسر جزيرة Russky شرق روسيا
أن تبني جسرأ معلقاً هو الأطول في العالم فذاك إنجاز كبير، لكن أن يكون دون أي فائدة ويكلف أكثر من مليار دولار فذلك فشل كبير

ما الذي يخطر ببالك عند الحديث عن روسيا من الناحية الجغرافية والتوزع البشري؟ في حال كنت تعرف القليل عن ديموغرافية المنطقة وجغرافيتها فمن الواضح أن الغالبية العظمى من السكان يتواجدون في الشطر الأوروبي من البلاد (غرب جبال الأورال) فيما أن الشطر الشرقي مكون من مناطق قاحلة تكاد تنعدم فيه البشرية مع قرى ومدن صغيرة متناثرة، لكن دون مدن كبرى في الواقع.

على أي حال فهذا الوضع لم يكن يعجب الروس الذين يريدون نفوذاً أكبر باتجاه الشرق كون سواحلهم الغربية مقيدة إلى حد بعيد بكون البحر الأسود شبه مغلق بمضيق البوسفور الذي تتحكم به تركيا، وبحر الشمال أبرد بكثير من أن يشكل مركزاً لبحرية قوية سواء في المجال العسكري أو التجاري.

في عام 2007 تم اختيار مدينة Vladivostok الروسية لانعقاد المؤتمر الاقتصادي لدول المحيط الهادي لعام 2012، وتجهيزاً للمؤتمر من ناحية وأملاً بتحويل المدينة الواقعة أقصى الشرق إلى مقصد سياحي صرفت روسيا مليار دولار على بناء أطول جسر معلق بالكوابل في العالم يصل منطقة Vladivostok على البر الروسي، بجزيرة Russky التي سيعقد المؤتمر فيها ويمتد بذلك على طول 3 كيلومترات مع عمودين ضخمين تمتد منهما الكوابل الحاملة للجسر.

الجسر كان مشابهاً إلى حد بعيد لجسر The Golden Gate (البوابة الذهبية) الأيقوني في مدينة سان فرانسيسكو الأمريكية، لكن على عكس جسر The Golden Gate ومعظم الجسور الكبيرة الأخرى، هذا الجسر لم يبنى بين منطقتين سكنيتين ذوات أهمية كبيرة مع تنقلات دائمة بينهما، فجزيرة Russky لا يبلغ عدد سكانها سوى 5000 نسمة فقط، ما يكافئ عدد سكان بلدة صغيرة فقط.

بالنتيجة ومع أن الجسر كان مفيداً للغاية خلال المؤتمر، فبعد عام 2012 بات قليل الاستخدام للغاية بسبب موقعه والمناطق التي يصلها، وبذلك ضيعت الحكومة الروسية مليار دولار على المؤتمر فقط.

مسار النقل الداخلي في منطقة الشركات – ديترويت، الولايات المتحدة

الترام الخاص بمدينة ديترويت الأمريكية
انهيار صناعة السيارات دمرت مدينة ديترويت تقريباً، وقزمتها إلى ثلث حجمها السابق تقريباً

في وقت من الأوقات كانت مدينة ديترويت الأمريكية الرابعة في البلاد من حيث عدد السكان وواحدة من أكثر المدن ازدهاراً بفضل صناعة السيارات التي كانت تجعلها قوة اقتصادية كبرى ومركزاً صناعياً واقتصادياً هاماً، لكن مع كونها تفتقر لنظام مترو أنفاق كما هو موجود في المدن الأمريكية الأخرى ومعظم المدن الكبرى في العالم، فقد كان من الضروري إيجاد طريقة لتنظيم قطاع النقل بشكل أكبر وبالأخص ضمن المنطقة الاقتصادية وسط المدينة، ومن هنا أتت فكرة مسار نقل أحادي وسط المدينة.

المشروع كان قطاراً أحادي المسار يلف المنطقة المركزية من المدينة بطول 5 كيلومترات تقريباً مرفوع عن الأرض ويتيح التنقل بسهولة بين أجزاء المنطقة الاقتصادية من المدينة، لكن خط النقل كان يعاني من مشكلة أساسية هو كونه غير متصل بشبكة خارجية وبالتالي فالتنقل في المدينة سيتطلب تغيير وسيلة النقل عدة مرات، كما أنه بني في الفترة التي بدأت فيها المدينة بالانهيار بشكل شبه كامل بسبب انهيا قطاع السيارات الأمريكي الذي حول المدينة من رابع أكبر مدينة أمريكية إلى مدينة مع عدد سكان لا يتجاوز 700,000 شخص فقط.

المشكلة الإضافية كانت ان تذاكر شركة الحافلات التي تشغل المدينة لم تكن ذات فائدة في مسار النقل هذا، والركاب يجب أن يشتروا بطاقات جديدة مستقلة للركوب على هذا المسار الذي لا يتصل بأي مسار آخر حوله، هذا الامر كان أساسياً في فشله، ومع أنه صمم لينقل ما توقع ان يصل حتى 70,000 شخص في اليوم، انتهى بنقله لحوالي 6000 فقط مما تسبب بعجز كبير حيث أن الركوب يكلف الراكب 0.75 دولاراً (75 سنتاً) بينما يكلف المدينة 3 دولارات وهو ما لعب دوراً أساسياً في كون المدينة ككل أعلنت إفلاسها لاحقاً وكانت أكبر مدينة أمريكية تتعرض للإفلاس.

فندق Ryugyong – بيونغ يانغ، كوريا الشمالية

الفندق الكبير كما كان يبدو طوال 16 عاماً من عمره بين عامي 1992 و2008

ما هي أشهر ميزات كوريا الشمالية؟ ربما الحكم الدكتاتوري لعائلة Kim، أو المجاعات التي تضرب البلاد كل حين، أو الأسلحة النووية التي تلوح بها البلاد في كل وقت ضد الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية واليابان.

أياً كان ما تعرفه عن كوريا الشمالية فالشيء المعروف هو أنها لا تشتهر بالسياحة ولم تكن يوماً مقصداً سياحياً، وبالمتوسط يأتيها زوار خارجيون أقل من أي بلد آخر في العالم نتيجة عزلتها الكبيرة، على أي حال فهذا الامر من وجهة نظر الخارجيين، أما من وجهة نظر القائد الأعلى الأمور مختلفة.

عام 1987 بدأ في عاصمة كوريا الشمالية بيونغ يانغ أكبر عملية بناء في تاريخ البلاد، والهدف منها كان إنشاء أطول فندق في العالم في ذلك الوقت بارتفاع 105 طوابق وبسعة 3000 غرفة فندقية ليشكل معلماً مهماً للبلاد واستقبال الزوار الخارجيين للبلاد ربما (مع كونهم يعدون على الأصابع)، لكن كما هو متوقع فالمشروع عانى من مشاكل كبرى في الميزانية وتوقفات متكررة، وبالوصول لعام 1992 وانهيار الاتحاد السوفييتي وتوقف مساعداته المالية سرعان ما توقف المشروع بشكل مؤقت بعد بناء الهيكل الداخلي له، وبقي بذلك كهرم اسمنتي عملاق وسط المباني المنخفضة لعاصمة البلاد.

أطول فندق في العالم - بيونغ يانغ - كوريا الشمالية
على الرغم من أن الفندق لا زال شبه فارغ من أي تجهيز في الداخل، فعلى الأقل أن شكله بات جميلاً في الأفق الكوري الشمالي الكئيب

بقي المشروع على حالته تلك لـ 16 عاماً تالياً حتى عام 2008 حيث حصلت شركة مصرية على عقد لبدأ شبكة اتصالات بتقنية 3G في البلاد، سرعان ما تحولت إلى مشروع لإكساء الهرم العملاق بألواح زجاجية وهوائيات إرسال في القمة.

بحلول عام 2012 كان من المفترض أن المشروع كان قد اكتمل لكن افتتاحه تأخر مرة بعد مرة وحتى الآن لم يتم افتتاحه أو تشغيله بشكل رسمي كما ظهرت العديد من الصور لمسربة للجزء الداخلي منه الفارغ من أي شيء تقريباً. بالمحصلة حتى اليوم كلف المشروع حوالي 1.15 مليار دولار أمريكي ما يكافئ حوالي 8% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد.

مطار Mirabel الدولي – مونتريال، كندا

مطار Merabil، مونتريال - كندا
أكبر مطار في العالم عند بناءه.. واليوم مجرد مطار للشحن بشكل أساسي

حقبة الستينيات كانت مرحلة مهمة في تاريخ المدينة الكندية الأكبر والتي كانت قد بدأت التحول من عاصمة ثقافية للبلاد إلى مدينة عالمية باستضافتها لواحد من أنجح المعارض العالمية عام 1967 بالإضافة لحصولها على أول استضافة لدوري البيسبول الأمريكي الكندي خارج الولايات المتحدة والأهم اختيارها لاستضافة الألعاب الأولمبية الصيفية لعام 1976، هذا الأمر مع كونها أقرب مدن أمريكا الشمالية إلى أوروبا وكون الرحلات الجوية في تلك الحقبة قصيرة المدى بحيث أن الرحلات التي تخطط لعبور الأطلسي يجب أن تتزو بالوقود مجدداً على الساحل الشرقي قبل إكمال رحلتها.

حكومة المدينة قررت حينها أن مطار المدينة الكبير لم يكن كافياً لمستقبلها المرسوم من قبلهم، لذا فقد بدأ بناء مطار جديد للمدينة بمساحة تزيد عن 570 كيلومتر مربع هو الأكبر في العالم في ذلك الوقت من حيث المساحة، المطار بني على بعد حوالي 50 كيلومتراً من مركز مدينة مونتريال، وعند افتتاحه عام 1975 قررت حكومة المدينة أن تستخدمه للرحلات الدولية مقابل الاستمرار باستخدام المطار القديم للرحلات المحلية.

الأمر لم يكن مفيداً حقاً في الواقع، فالمسافرون من أماكن ضمن كندا إلى أوروبا مثلاً كانوا يتقفون أولاً في المطار الأصلي ومن ثم يحتاجون لرحلة حافلة لمدة حوالي ساعة للوصول إلى المطار الجديد الذي كان يستخدم للرحلات الدولية.

هذا الأمر تسبب بإزعاج كير في الواقع ومع كون معظم الطائرات كانت قد تطورت كفاية في تلك الحقبة لعدم الحاجة للتوقف في مونتريال مما أدى إلى كون العديد من الشركات تفضل التوقف المؤقت في المطار القديم أو عدم التوقف أصلاً بدلاً من الأسلوب الأول، بالطبع فالأمر أدى إلى تناقص كبير باستخدام المطار الجديد. مع الوقت تناقص استخدام المطار الجديد وبحلول عام 2004 بات مستخدماً كمطار للبضائع بشكل أساسي فقط.

المدينة الأولمبية لأولمبياد عام 2004 – اليونان

الاستاد الأولمبي - أثينا - اليونان
الاستاد الأولمبي في أثينا تحفة فنية دون شك.. لكنه تحفة فنية مكلفة جداً ودون فائدة

في عام 1997 أعطيت العاصمة اليونانية أثينا شرف استضافة الألعاب الأولمبية الصيفية لعام 2004، وبعد اعتراضات كبرى على سوء التنظيم الذي كانت تعاني منه الألعاب الأولمبية في مدينة أتلانتا الأمريكية عام 1996 والتي عانت من ضيق المنشآت المخصصة ومشاكل في المواصلات قررت اللجنة أن الألعاب الأولمبية القادمة يفترض أن تمتلك منشآت معدة بشكل أفضل لذا فقد كان أولمبياد أثينا يحتاج إلى العديد من المباني الجديدة وكذلك تأهيل المزيد من المباني والمنشآت الموجودة سابقاً في أراضي الألعاب الأولمبية الأصلية.

الأمر الآخر كان الاعتماد الكبير على الرعاية الكبيرة من قبل الشركات الكبرى، مما أدى للمطالبة بكون الألعاب ممولة بشكل أساسي من قبل الحكومة، على أي حال فالمنشآت كانت ممتازة تماماً وأدت لقيام واحدة من أكثر الألعاب الأولمبية تنظيما في التاريخ الحديث، لكن الأمور لا تستمر للأبد بالطبع والمشاكل بدأت بالظهور بعدها عندما انتهت الألعاب الأولمبية ووجدت اليونان نفسها في موقف حرج من حيث امتلاكها لعدد كبير من المنشآت الرياضية المصممة على مستويات عالية لكنها دون أي فائدة أو استخدام حقيقي في الواقع.

المشكلة كانت أن معظم المنشآت استخدمت لمرة أو مرتين لا أكثر ومن ثم تركت دون أي استخدام في الواقع عدا ملعب كرة القدم الذي يستخدم من قبل فرق كرة القدم المحلية، ليزداد الطين بلة فالألعاب الأولمبية كلفت البلاد حوالي 7 مليارات دولار ما كان يوازي حوالي 5% من الناتج المحلي للبلاد مما ساهم إلى حد بعيد بخلق بدايات الأزمة الاقتصادية التي عصفت بالبلاد ولا تزال تعصف به حتى الآن مسببة أزمات داخلية كبيرة وحتى اضطرابات في علاقة اليونان بالاتحاد الأوروبي.

توسيع مطار Lambert – سانت لويس، الولايات المتحدة الأمريكية

مدرج مطار Lambert
المدرج الجديد دمر حياً بأكمله وقسم المنطقة إلى نصفين وكلف الكثير من المال ليبقى دون استخدام

في منتصف التسعينيات كان مطار Lambert واحداً من الأكثر استخداماً عالمياً وتاسع أكثر مطار مزدحم في الولايات المتحدة، فعلى الرغم من أنه لم يكن يمتلك سوى بضع مدرجات متوازية متقاربة بحيث لا تستوفي شروط الطيران للاستخدام معاً في الطقس السيء، فقد كان المقصد الأساسي للرحلات المحلية نظراً لكونه مركز عمل واحدة من اهم شركات الطيران الأمريكية حينها والتي كانت تسمى TWA.

على أي حال فالازدحام الكبير للمطار أدى إلى مشروع طموح للغاية لتوسيع المطار وإضافة المزيد من المدرجات، لكن المشكلة كانت أن المطار يقع في منطقة سكنية محاطاً بالضواحي.

المخطط الأولي كان بناء مطار جديد بدلاً من المطار الأول، لكن المشكلة كانت أن المنطقة المناسبة لبنائه كانت تقع في ولاية إيلينوي المجاورة، لذا فقد تقرر توسيع المطار الموجود أصلاً وإضافة المزيد من المدرجات بين الضواحي السكنية، والأمر أدى إلى التضحية بضاحية سكنية يسكنها أكثر من 20,000 نسمة من الطبقات العاملة مما تسبب باعتراضات كبيرة على الأمر لكن المدينة أكملت مشروع التوسيع على أي حال وعلى الرغم من الاعتراض على الأمر فقد دفع حوالي 1.1 مليار دولار لإتمام المشروع.

بعد تدمير أكثر من 2000 منزل و4 مدارس لبناء عام 1998 بدأ بناء المدرجات الجديدة وعلى مدار 3 سنوات لاحقة استمر الأمر إلا أن عام 2001 حمل معه بيع شركة TWA بكاملها من قبل شركة American Airlines، لكن الشركة الجديدة كانت تمتلك مراكز كبرى أصلاً في كل من مدينتي شيكاغو ودالاس ولم تكن لتحتاج لمركز جديد لها بين المدينتين أصلاً.

على أي حال فبحلول عام 2006 عندما كان قد تم البناء بأكمله كان مجموع الرحلات التي تمر منه قد انخفض بمقدار 80% من مقدارها السابق ولم يعد هناك أي حاجة للمدرج الجديد أصلاً مما أدى بالنتيجة إلى كونه دون فائدة فالطائرات بقيت تستخدم المدرج السابق المجاور للمباني بدلاً من المدرجات الجديدة البعيدة.

الاستاد الأولمبي – مونتريال، كندا

الاستاد الأولمبي - مونتريال - كندا
واحدة من أهم ميزات الاستاد الضخم هي سقفه القابل للطي.. لكن هذه الميزة كانت سبب بلائه

في فقرة سابقة تحدثا عن المطار الفاشل في مدينة مونتريال الكندية والذي بني لعدة أغراض أحد أهمها كان الألعاب الأولمبية لعام 1976، لكن الأولمبياد لم يكن تأثيره محدوداً بذلك الأمر فقط، فمع أن الأولمبياد بحد ذاته كان نجحاً للغاية، فكما الأمر بالنسبة لأولمبياد أثينا الأمور لم تستمر كما هي والعديد من المنشآت التي بنيت لأجل الأولمبياد لم يكن يخطط لمستقبلها حينها وبالتالي فقد استخدمت لفترة قصيرة ومن ثم باتت دون فائدة حقيقية وقليلة الاستخدام واستثماراً خاسراً بالمحصلة خصوصاً مع التكاليف الكبيرة للتحقق الأمني بعد ما حدث في أولمبياد ميونخ السابق عام 1972.

على عكس أثينا التي بنت معظم المنشآت التي استخدمت للأولمبياد، فالأمر كان مختلفاً في مونتريال التي تركز اهتمامها على الاستاد الأساسي الضخم والذي كان تحفة فنية بالنسبة لوقت بناءه وتميز بالعديد من الميزات الجديدة وقتها مثل السقف القابل للإزالة مثلاً، لكن هذه الميزة هي كانت السبب الأساسي لفشل الاستاد أصلاً، ففي البداية عندما بني الاستاد لم يكن البرج المخصص لفتح السقف قد تم إكماله بعد، مما أدى إلى ترك السقف مثبتاً مكانه لفترة طويلة من الزمن.

المخطط الأصلي كان استخدام المبنى الضخم للإستاد للمعارض والأحداث المهمة وحتى الحفلات الموسيقية مستقبلاً، لكن السقف المؤقت بدأ بالتسبب بالمشاكل مع كونه كان عرضة للتشقق والتمزق بشكل كبير كما أنه مان يسرب الماء وسيئاً في الحفاظ على الحرارة الداخلية للمبنى مما جعل المكان غير مرغوب به خصوصاً أن السقف كان غير قابل للاستخدام تحت الثلوج الكثيفة أو الرياح القوية، وبالنسبة لمدينة مثل مونتريال فهذه شروط غير مناسبة بسبب طبيعة طقسها عموماً.

في النهاية وبعد العديد من السنوات المخيبة انتقلت المعارض والفعاليات معظمها إلى العاصمة الأمريكية واشنطن وبقي الاستاد دون أي مستفيد حقيقي منه بعد أن كلف أكثر من 1.6 مليار دولار.

قصر البرلمان – رومانيا

قصر البرلمان - رومانيا
القصر بحجمه الكامل قادر على استيعاب حكومات كاملة لدول أكبر بكثير من رومانيا في الواقع

طوال سنوات طويلة كانت رومانيا تحت التأثير السوفييتي المباشر وحكمها مجموعة من الدكتاتوريات الشيوعية أحادية الحزب مما أدى إلى جعل البلاد في حالة من الفقر المدقع مع الصرف الحكومي الهائل وتحكمها بكامل مفاصل اقتصاد البلاد، وفي عام 1984 قرر الدكتاتور الروماني الشهير Nicolae Ceausescu إنشاء قصر جديد للبرلمان يشكل مقراً كبيراً جداً للبرلمان وقصراً رئاسياً يسكنه هو أيضاً، وعلى مدار السنوات التالية بني القصر الذي كان الأكبر في أوروبا حينها، لكن Ceausescu اغتيل عام 1989 تاركاً خلفه القصر الضخم الذي لم يجد أحد استخداماً مناسباً له.

الحكومة التالية قررت أن القصر الضخم سيكون مناسباً لكل حاجاتها أيضاً (لا يوجد سياسي سيرفض المزيد من المساحة المجانية بالطبع)، القصر تم إشغاله بعدها بكامل الحكومة ومكاتبها وكل شيء حكومي تقريباً، لكن رومانيا بحد ذاتها ليست كبيرة حقاً وحكومتها بالتالي لا تحتاج لأن تكون كبيرة جداً، لذا فمع استخدام القصر كمجمع حكومي لكل شيء تقريباً فأقل من ثلث مساحته تم الاستفادة منها فيما بقيت معظم المساحات دون فائدة حقيقية في الواقع.

ملاعب كأس العالم 2014 – البرازيل

ملعب موحل من ملاعب كأس العالم 2014 في البرازيل
في الفترة الأخيرة، يبدو أن كأس العالم والأولمياد لا يسببان سوى الازمات المالية للمدن والدول التي يحلان بها

عبر التاريخ كان هناك العديد من المنشآت التي تسببت يجدل ومشاكل كبرى، لكن أياً منها لا يقارن بما حدث في البرازيل نتيجة استضافتها لكأس العالم عام 2014، فالبلاد التي تعاني من مشاكل اقتصادية لا حصر لها والبطالة والفقر في تزايد مضطرد يوماً بعد يوم لم تكن جاهزة لاستقبال كأس العالم عام 2014، ومع الحب الكبير لكرة القدم من البرازيليين فالأمور لم تجري بسلاسة والمظاهرات كانت في كل مكان احتجاجاً على سياسات الحكومة الغريبة، التي فضلت صرف المال العام على إنشاء ملاعب لاستضافة كأس العالم بدلاً من صرفها على تأهيل البلاد وبناء بنى تحتية يحتاجها الناس بشدة.

تخطيط الحكومة البرازيلية للأمر كان سيئاً جداً في الواقع، فالبلاد كانت تغرق في أزمات سياسية واقتصادية كبيرة واعتراضات شعبية في كل مكان، لكن الأمر اكتمل على أي حال وصرفت الحكومة البرازيلية أكثر من 15 مليار دولار على المونديال حوالي 3 مليارات منها لبناء ملاعب جديدة وتأهيل أخرى قديمة لاستضافة الحدث الأهم في عالم الرياضة، ومع أن البلاد تعد من الأكثر تعلاً بالرياضة المحبوبة ووجود عدد كبير من الأندية، فبعض الملاعب بنيت في أماكن غريبة جداً وأحياناً غير مناسبة.

في السنة التالية للمونديال كانت العديد من الملاعب قد أصبحت دون استخدام حقيقي ومتروكة دون أي عناية بها حتى، فهذه الملاعب بنيت في أماكن غير قادرة على تغطية تكاليفها التشغيلية حتى، ووسط الأزمة الاقتصادية الكبرى التي تواجه البرازيل والتي أفقدتها أكثر من ثلث ناتجها المحلي الإجمالي فقلة هم من يشترون بطاقات المباريات مما تسبب بخروج 6 من ملاعب كأس العالم الـ 12 عن العمل خلال السنة الأولى فقط، فمع غياب الأندية ذات الشعبية بقيت الملاعب دون دعم أو عناية ومع أنها كلفت الكثير لبنائها وتشغيلها فالعائدات لم تكن كافية وتوقفت الكثير منها عن العمل لتبقى كأماكن مهجورة مع أرض ترابية دون عشب ومقاعد مكسرة أحياناً.

قبة الألفية – لندن، المملكة المتحدة

قبة O2 لندن - المملكة المتحدة
كما تم المبالغة بالضرر الذي من الممكن أن تسببه مشكلة الألفية Y2K فيبدو أنه قد تمت المبالغة بتأثير الألفية على رغبة الناس بالاحتفال

بداية الألفية الجديدة كانت واحدة من أهم الأحداث التي مرت مؤخراً، فهي مناسبة مهمة جداً وشكلت ولادة جديدة للعالم الذي بات يستخدم التقنية والإنترنت في كل شيء تقريباً بدلاً من العصور السابقة التي كانت تمر القرون فيها دون تغييرات حقيقية على حياة البشر.

وعلى الرغم من أن شبح مخاف تعطل الأنظمة الحاسوبية بسبب ما عرف وقتها بمشكلة ”Y2K“ (السنة ألفين) فالاحتفالات بالألفية كان مخططاً لها أن تكون الأكبر في التاريخ، ولندن كانت كما غيرها تحاول الاستفادة من هذا الحدث الهام لترويج السياحة والمعارض فيها وكانت قبة الألفية وسيلتها لذلك.

الحكومة البريطانية كانت واثقة من أن الاهتمام بالألفية سيمتد لكامل السنة التالية، لذا فقد قامت ببناء ما يعرف بقبة الألفية في لندن بتكلفة تقارب 1.3 مليار دولار على ضفة نهر التايمز الشهير لتكون أشبه بمعرض دائم على مدار السنة للعديد من الفعاليات والشركات ويحقق الفائدة للعاصمة الإنجليزية وأكبر المراكز الاقتصادية في أوروبا، في البداية كان من المتوقع أن المعارض التي ستقام ضمن القبة ستجذب أكثر من 12 مليون زائر سنوي، وهذا ما كان سيعطي لندن مكانة سياحية كبرى بالطبع.

المعرض كان أدنى من التوقعات وبدلاً من 12 مليون زائر نجحت القبة بجذب 6 ملايين فقط، لكن المشكلة الأساسية كانت بسبب أن القبة بنيت لهذا المعرض دون تخطيط مستقبلي لما قد يتم استخدامها لاحقاً. بالطبع فالقبة بقيت دون استخدام أو فائدة حقيقية بعدها، ومع أنها باتت تستضيف حفلات وأحداث موسيقية من وقت لآخر حتى الآن، فهي لا تمتلك استخداماً دائماً، وبالمحصلة كانت فشلاً كبيراً ومعلماً على التخطيط الاقتصادي قصير المدى.

مجمع جنوب الصين التجاري الجديد – دونغوان، الصين

مركز تسوق جنوب الصين الجديد
مع 12 عشر متحراً يعمل من أصل 2000، فهذا المجمع التجاري يستحق عن جدارة أن يكون أفشل مبنى عملاق في العالم

خلال الحقبة الأول من حكم الحزب الشيوعي عانت البلاد من مجاعات كبرى وخسرت ملايين السكان نتيجة السياسات الفاشلة للحزب الشيوعي الصيني، ومع أن الحزب الشيوعي لا زال يحكم الصين بقبضة حديدية حتى الآن، فسياساته في الفترة الأخيرة تغيرت إلى حد بعيد وعبر العقود الأخيرة انتقلت الصين لأن تكون منفتحة اقتصادياً واستثمارياً والقوة الأكبر صناعياً في العالم وثاني أقوى اقتصاد عالمي بعد الولايات المتحدة، ومع هذا التغيير الاقتصادي الكبير جرى تغيير ثقافي كبير في البلاد التي انتقلت من القيم التقليدية والزراعة، إلى الصناعة والتجارة والقيم الغربية الاستهلاكية.

مع تزايد قوة هذه التأثيرات على الصين مؤخراً، بني عام 2005 أكبر مجمع تسوق (Mall) في العالم في مدينة دونغوان الصينية، المجمع يحتوي ضمنه أكثر من 2000 مساحة للمتاجر بالإضافة لمطاعم عدة ومرافق ترفيهية عديدة، حتى أن المجمع كان مصمماً بحيث يقدم سمات مختلفة في أجزاءه المختلفة مثل نسخة عن القناة الرئيسية في فينيسيا (البندقية) وقوس النصر الفرنسي بحيث يوحي بالعالمية التي كانت رمز تلك المرحلة في تاريخ الصين.

للأسف فتخطيط مكان المجمع التجاري كان خاطئاً إلى حد بعيد، فقد بني قرب مدينة دونغوان، وعلى الرغم من أنها مدينة يسكنها 10 ملايين نسمة فهي مدينة فقيرة نوعاً ما مع كون معظم سكانها من الطبقة العاملة ولا يستطيعون تحمل تكاليف التسوق في مراكز تسوق فخمة كهذا أو حتى التنقل بحرية إلى مركز التسوق بسبب المواصلات العامة القليلة وكون السكان نادراً ما يمتلكون سيارات خاصة حتى.

النتيجة كانت أن المجمع بقي فارغاً بشكل شبه تام مع أقل من 12 متجراً يعمل ضمنه فقط بينما الأجزاء الأخرى بقيت فارغة حتى الآن وبينما كانت التوقعات أن يكون هناك أكثر من 100,000 زائر يومياً، فالنتيجة كانت أقل من 200 زائر يومي فقط.

مقالات إعلانية