in

حجرة ذهبية مدفونة تحت جبل في اليابان، تحتوي على مياه نقية يمكنها إذابة المعادن، كما تساعد العلماء على اكتشاف النجوم المحتضرة

يختبئ تحت جبل (إيكينو) في اليابان كنز كبير يقع على عمق 1000 متر، يُعرف باسم Super-Kamiokande أو ما يشار إليه أحياناً بـSuper-K، أو كاشف النيوترونات، والحقيقة أن النيوترونات هي جسيمات دون ذرية تنتقل عبر الفضاء كما تنتقل عبر المادة الصلبة كما لو كانت في الهواء، وإنّ دراسة هذه الجسيمات تساعد العلماء على اكتشاف النجوم المحتضرة ومعرفة المزيد عن أسرار الكون. في هذا المقال سنتعرف على كيفية عمل غرفة الذهب العملاقة ومخاطر إجراء التجارب بداخلها.

رؤية عالم الأجسام دون الذرية

يصعب اكتشاف النيوترونات لدرجة أن (نيل دجراس تايسون) أطلق عليها اسم ”الفريسة الأكثر مراوغة في الكون“، لذلك فإن غرفة الكشف تلك مدفونة في عمق الأرض لمنع الجزيئات الأخرى من الدخول، يقول (نيل): ”المسألة لا تشكل عقبة أمام النيوترينو حيث يمكنه أن يمر عبر مسافة مائة سنة ضوئية من الأجسام الصلبة دون أن يتباطأ“، لكنّ السؤال الأبرز لماذا يصعب الإمساك بتلك الجسيمات؟

يقول الدكتور (يوشي أوشيدا) من جامعة (إمبريال) في لندن: ”بالعودة لنظرية الـ(سوبر نوفا)، أو ما يعرف بالانفجار العظيم، حيث ينهار مركز النجم على نفسه ويتحول إلى ثقب أسود وافتراض حدوث ذلك في مجرتنا، فإن شيئاً مثل Super-K هو أحد الأشياء القليلة جداً التي تمكننا من رؤية النيوترونات من خلالها“.

الـ(كراب نيبولا)، وهو نتاج انفجار مستعر أعظم.
الـ(كراب نيبولا)، وهو نتاج انفجار مستعر أعظم.

ولكن قبل أن يبدأ النجم في الانهيار فإنه يطلق نيوترونات، لذلك يعمل Super-K كنوع من نظام الإنذار المبكر، ويخبرنا متى نبحث عن هذه الأحداث الكونية المبهرة، يتابع الدكتور ( أوشيدا): ”وفقاً للحسابات، فإنّ النيوترونات ستنطلق مرة واحدة كل 30 عاماً، عندما تنفجر المستعرات العظمى في النطاق الذي يمكن أن يكتشفه كاشفنا، فإذا فاتتك تلك الظاهرة عليك أن تنتظر لبضعة عقود أخرى حتى ترى الظاهرة التالية“.

إطلاق النيوتريونات عبر اليابان

لا يمسك Super-K النيوترونات القادمة من الفضاء فقط، ففي منطقة (توكاي) على الجانب الآخر من اليابان، تطلق تجربة Tokai to Kamioka واختصارها T2K شعاع النيوترينو على مسافة 295 كم عبر الأرض ليتم التقاطها في Super-K على الجانب الغربي من البلاد.

إنّ دراسة الطريقة التي تتغير بها النيوترونات أو ”تتأرجح“ أثناء مرورها عبر المادة قد تخبرنا أكثر عن أصول الكون، على غرار العلاقة بين المادة والمادة المضادة، وهي امتداد لمفهوم الجسيم المضاد للمادة، حيث تتكون المادة المضادة من جسيمات مضادة بنفس الطريقة التي تتكون منها المادة العادية من جزيئات في فيزياء الجسيمات.

يقول الدكتور (مورجان واسكو) من جامعة (إمبيريال) لموقع: ”تتنبأ نماذج الانفجار الأعظم بأنّ المادة والمادة المضادة يجب أن تكونا قد نشأتا من أجزاء متساوية، لكن الآن اختفت معظم المواد المضادة بطريقة أو بأخرى“، وبذلك قد تكون دراسة النيوترونات طريقة للتعرف على كيفية حدوث ذلك.

منظر في سقف الحجرة.
منظر في سقف الحجرة.

كيف يلتقط Super-K النيوترونات؟

إنّ Super-Kamiokande مدفون على عمق 1000 متر تحت الأرض، وهو مبنى كبير يعادل مبنى مكون من 15 طابقاً، يمتلئ هذا الخزان الهائل بـ50000 طن من الماء شديد النقاوة، وذلك لأن النيوترونات أسرع من الضوء عند الانتقال عبر الماء، لذلك عندما ينتقل (النيوترينو) عبر الماء سوف ينتج الضوء بنفس الظاهرة التي تنتج بها طائرة الـ(كونكورد) السريعة أمواجاً عند اختراق حاجز الصوت.

رسم بياني يوضح الـSuper-K
رسم بياني يوضح الـSuper-K

يتابع (د.أوشيدا): ”إذا كانت الطائرة تسير بسرعة كبيرة وأسرع من سرعة الصوت فسوف تنتج صوتاً أو موجة صدمات كبيرة بطريقة لا يحدثها جسم بسرعة أبطأ، وبنفس الطريقة فإن الجسيم الذي يمر عبر الماء يعتمد على السرعة، فإذا كان يسير بسرعة أكبر من سرعة الضوء في الماء، يمكنه عندها إنتاج موجة صدمية من الضوء“.

تكون هذه الغرفة مبطنة بـ11000 مصباح ذهبي اللون، وهي عبارة عن أجهزة استشعار للضوء حساسة بشكل لا يصدق تسمى Photo Multiplier Tubes، واختصارها PMTs، والتي يمكنها التقاط هذه الموجات الصدمية، ويصفها الدكتور (واسكو) بأنها عكس المصباح التقليدي، حيث يمكنها اكتشاف كميات ضئيلة جداً من الضوء وتحويله إلى تيار كهربائي يمكن ملاحظته بعد ذلك.

المياه شديدة النقاوة

الحقيقة هي أنه لكي يصل الضوء من هذه الموجات الصدمية إلى المستشعرات، يجب أن يكون الماء أنظف مما تتخيل، ولذلك تقوم Super-K بترشيح المياه وإعادة تنقيتها باستمرار باستخدام الأشعة فوق البنفسجية لقتل أي بكتيريا قد تتواجد فيها، مما يجعل الأمر مخيفاً إلى حد ما، حيث قال الدكتور (أوشيدا): ”الماء النقي جداً ينتظر إذابة الأشياء فيه، وهذا الماء النقي عبارة عن شيء سيئ للغاية فهو يحتوي على خصائص الحمض والقلوية معاً“.

وقال الدكتور (واسكو): ”إذا ذهبت لملامسة المياه الموجودة في Super-K فائقة النقاوة، فسوف تحصل على جلسة تقشير مجانية سواء كنت تريد ذلك أم لا“، لذلك عندما يحتاج Super-K إلى الصيانة يستخدم الباحثون قوارب مطاطية لإصلاح واستبدال المستشعرات التي تحتاج الصيانة.

قارب مطاطي.
إنزال القوارب المطاطية داخل الخزان من أجل أعمال الصيانة

كان الدكتور (ماثيو مالك) من جامعة (شيفيلد) واثنان آخران يقومون بأعمال الصيانة في المكان، وذلك عندما كان (مالك) طالب دكتوراه، ففي نهاية العمل اليومي حصل عطل في الزورق الذي يأخذ عادة الفيزيائيين داخل وخارج الخزان، لذلك اضطر هو ورفاقه للجلوس لفترة من الوقت في قاربهم ريثما يتم إصلاحه.

قال (مالك): ”ما لم أكن أدركه بينما كنا مستلقين في هذه القوارب ونتحدث، هو أن القليل من شعري ربما لا يزيد طوله عن ثلاثة سنتيمترات غُمر في الماء“، لكن المفاجأة كانت عندما استيقظ في الساعة الثالثة صباح اليوم التالي، حيث يتابع (مالك): ”استيقظتُ في الساعة الثالثة صباحاً مع حكة فظيعة في فروة الرأس، حكة كبيرة تشبه تلك المرافقة لمرض جدري الماء عند الأطفال، لقد كان ذلك مزعجاً للغاية ولم أستطع النوم“.

الـSuper-K
يتم خفض مستوى المياه تدريجيا حتى يتسنى لعمال الصيانة الوصول لكل ضوء PMT

أدرك الرجل بعد ذلك أن الماء قام بترشيح المغذيات الموجودة بشعره من خلال الأطراف، وأن نقص المغذيات هذا قد شق طريقه حتى فروة رأسه، وسرعان ما دخل (مالك) إلى الحمام وأمضى نصف ساعة وهو يغسل شعره بقوة.

وبرواية أخرى يرويها الدكتور (واسكو) الذي سمع أنه في عام 2000 عندما تم استنزاف الخزان بشكل كامل، وجد الباحثون مفتاح الربط في أسفل الخزان، وقال: ”من الواضح أن شخصاً ما ترك مفتاح ربط هناك عندما تم ملؤه عام 1995، لكن الصدمة كانت عندما وجدنا المفتاح قد انحل في الماء“.

النسخة الثانية من الـSuper-K

قد يكون Super-Kamiokande ضخماً، لكن الدكتور (واسكو) يقول بأنه تم اقتراح جهاز للكشف عن (النيوترينو) أكبر منه بكثير يسمى Hyper-Kamiokande، وقال: ”نحاول أخذ الموافقة على تجربة Hyper-Kamiokande، ومن المحتمل أن يبدأ العمل في حوالي عام 2026“، ومن المتوقع أن يكون Hyper-K أكبر من Super-K بـ20 مرة من حيث الحجم الهائل، كما سيحوي ما يقارب 99000 كاشفاً للضوء بدلاً من 11000.

مقالات إعلانية