in

تاريخ توليفة المفاتيح CTRL + ALT + DELETE التي تلجأ إليها في كل مرة يتعطل فيها حاسوبك

توليفة المفاتيح CTRL + ALT + DELETE

في سنة 2013، اعترف (بيل غايتس) بأن عدم إدراج مفتاح واحد يجمع توليفة CTRL + ALT + DELETE كان عبارة عن خطأ كبير، وألقى اللوم على شركة (إي بي آم) IBM.

لكن لماذا قد يلوم مؤسس شركة (مايكروسوفت) شركة IBM على مفتاح تدعمه أنظمة التشغيل التي تصدرها شركته؟ وهل سبق لك وأن تساءلت حول الطريقة التي ظهرت بها هذه التوليفة إلى الوجود في المقام الأول؟ تابع معنا قراءة هذا المقال عزيزي القارئ لتحصل على إجابات كل تلك الأسئلة:

في ربيع سنة 1981، كان (دايفيد برادلي) جزءا من فريق مختار في أحد مكاتب شركة IBM في (بوكا راتون) بـ(فلوريدا)، وكانت مهمته أن يساعد في بناء أحدث حاسوب شخصي تصنعه هذه الشركة، وبما أن شركتي (آبل) و(راديوشاك) كانتا بصدد بيع كمبيوترات شخصية صغيرة PCs، كان هذا المشروع -الذي سمي (آكورن)- مستعجلا نوعا ما، فقد تقرر إنجازه في مدة لا تتجاوز السنة الواحدة، علما أن المشاريع من هذا النوع تستغرق عادة خمسة سنوات على الأقل حتى تنجز تماما.

وكان من بين المشاكل المزعجة التي تعرض لها المبرمجون القائمون على هذه المهمة هو أنه في كل مرة كان الحاسوب يواجه فيها خللا برمجيا، فيتعين عليهم أن يقوموا بإعادة تشغيل النظام كله يدويا، وكانت عملية إعادة تشغيل الحاسوب تلك تطلق سلسلة من اختبارات الذاكرة الآلية، وهو الأمر الذي كان يهدر وقتا ثمينا من المبرمجين الذين كانوا على عجلة من أمرهم.

يقول (برادلي): ”في بعض الأيام، كان يتحتم علينا إعادة تشغيل النظام كل خمسة دقائق خلال بحثنا عن المشاكل البرمجية“، فكانت اختبارات الذاكرة تلك تجعل من المبرمجين يعانون الأمرّين.

ومنه قام (برادلي) بإنشاء اختصار على لوح المفاتيح يمكن من إعادة تشغيل النظام دون الحاجة إلى إطلاق سلسلة اختبار الذاكرة التي تجرى آليا في كل مرة يعاد تشغيله يدويا.

(دايفيد برادلي).
(دايفيد برادلي).

لم يحلم (برادلي) يوما بأن ذلك الحل السريع الذي أتى به سيجعل منه يوما ما ”بطلا“ برمجيا، وأن يجعل منه شخصا يقف الناس في طوابير طويلة حاملين ألواح المفاتيح من أجل أن يقوم بتوقيعها لأجلهم في المؤتمرات التكنولوجية، كما لم يتكهن كذلك بمستقبل توليفة المفاتيح هذه التي ستصبح لاحقا جزءا من حياة كل مستعمل كمبيوتر.

انضم (برادلي) للعمل في شركة (إي بي أم) كمهندس برمجيات في سنة 1975، وكان حينها يعمل على (داتاماستر)، وهو أول محاولة للشركة في إنتاج حاسوب شخصي، وقد كانت تلك الحقبة مثيرة، حيث بدأت الحواسيب تصبح متاحة أكثر فأكثر للعامة، وكانت لـ(برادلي) فرصة المساعدة على جعلها أكثر رواجا وشعبية.

في شهر سبتمبر من سنة 1980، اختُتم به فريق مهندسي برمجيات يتكون من 12 مهندسا تم اختيارهم للعمل على مشروع (آكورن).

تم نقل هذا الفريق المتجانس بسرعة من مقرات شركة (إي بي أم) في مدينة (نيويورك)، يقول (برادلي): ”كنا في عزلة تامة وتوفرت لنا جميع ظروف العمل المريح“، وأضاف: ”كان علينا أن نقوم بالتصميم كله انطلاقا من ورقة بيضاء فارغة“.

عمل (برادلي) على كل شيء تقريبا من برامج الإدخال والإخراج إلى ألواح استكشاف الأخطاء وتصليحها، وبعد انطلاق المشروع بخمسة أشهر، اخترع توليفة الـCtrl+Alt+Del، وكان اختراعه هذا في البداية عبارة عن واحدة من الكثير من المهمات التي كان عليه أن ينجزها في ذلك اليوم لا أكثر، يقول في ذلك: ”استغرقني الأمر خمسة إلى عشرة دقائق على الأكثر، ثم انتقلت إلى المهمة التالية من بين لائحة 100 مهمة كان يجب أن تٌنجز في ذلك اليوم“.

وقرر (برادلي) أن يكون موقع ثالث مفتاح بعد Ctrl+Alt بعيدا في لوح المفاتيح بمسافة معتبرة حتى لا يخطئ المهندسون في تفعيل التوليفة بالخطأ عبر الضغط على كل تلك المفاتيح في آن واحد، ومنه اختار مفتاح ”الحذف“ Del في الجهة الأخرى من لوح المفاتيح.

تمكن الفريق في نهاية المطاف من إنجاز مشروع (أكورن) في الوقت المحدد؛ في خريف سنة 1981، طرحت شركة (إي بي آم) كمبيوترها الشخصي الأحدث في الأسواق، وتوقع الخبراء أن الشركة ستحقق حوالي 241،683 وحدة خلال السنوات الخمسة الأولى، وعلق خبراء الشركة على هذه التوقعات بأنها كانت ”متفائلة“ جدا، ولكنهم كانوا كلهم مخطئين، فقد وصلت مبيعات كمبيوترات (إي بي أم) الشخصية للملايين، فهب الناس من كافة الأعمار والشرائح لاقتنائها من أجل لعب ألعاب الفيديو، وتعديل الوثائق، وإجراء مختلف الحسابات، فكان ذلك عهدا جديدا سيغير وجه الاعلام الآلي إلى الأبد.

ومع ذلك كان قلة قلائل من هؤلاء الزبائن على دراية باختصار (برادلي) القابع داخل آلاتهم تلك، ولم يكن حتى بداية سنوات التسعينات -مع إطلاق نظام تشغيل شركة (مايكروسوفت) الـ(ويندوز)- حتى أصبح هذا الاختصار مشهورا، حيث كانت كل الحواسيب حول البلد (الولايات المتحدة بالتحديد) تتعطل بين الحين والآخر، وكانت تظهر للمستعمل الشاشة الزرقاء الشهيرة، وانتشر الحل المفتاحي السريع Ctrl+Alt+Del بين الأصدقاء الذين تناقلوه الواحد تلو الآخر، وفجأة تحول الكود البرمجي الصغير الذي أنشأه (برادلي) إلى مفتاح مهم جدا في حياة شريحة مستعملي الحواسيب التي أخذت في الاتساع بشكل رهيب.

الشاشة الزرقاء الشهيرة التي تظهر للمستعمل في كل مرة يحدث فيها عطل في الكمبيوتر.
الشاشة الزرقاء الشهيرة التي تظهر للمستعمل في كل مرة يحدث فيها عطل في الكمبيوتر.

في سنة 2001، هب مئات الأشخاص وشدوا الرحال إلى متحف الابتكار التكنولوجي في (سان خوزي) من أجل الاحتفال بعيد ميلاد الكمبيوتر الشخصي لشركة (إي بي أم) العشرين، فخلال عقدين من الزمن، تمكنت الشركة من بيع 500 مليون كمبيوتر حول العالم كله.

وبعد وجبة العشاء، كان رواد عالم التكنولوجيا على غرار (بيل غايتس)، جالسين على منصة الاستوديو للمناقشة مع الصحافة، لكن أول سؤال في الجلسة لم يكن موجها لـ(بيل غايتس)، بل كان موجها لـ(دايفيد برادلي)، المبرمج الذي لطالما كان متفاجئا بقدر الشعبية التي منحته إياها تلك الخمس دقائق التي أمضاها في إختراع توليفة المفاتيح الشهيرة Ctrl+Alt+Del، لكنه لم يشأ الاحتفال بذلك لوحده، فقال: ”علي أن أتشارك الثناء مع هذا الإنجاز مع شخص آخر“، وأضاف: ”قد أكون أنا من اخترع هذا المفتاح لكن الفضل يعود لـ(بيل غايتس) في جعله مشهورا“.

مقالات إعلانية