in

دخلك بتعرف لغز اختفاء حراس منارة جزر فلانان

منارة فلانان

أبحر قارب يدعى (هيسبيروس) إلى جزيرة (إيليان مور) في شهر ديسمبر من عام 1900م، وتعتبر جزيرة (إيليان مور) واحدة من جزر (فلانان) السبع الموجودة قبالة الساحل الشمالي الغربي لإسكتلندا. تم تكليف الكابتن (جيمز هارفي) بتوصيل حارس منارة الإغاثة كجزء من الروتين الطبيعي للمناوبة.

لكن تم تأجيل الرحلة لبضعة أيام بسبب الأحوال الجوية السيئة، وبعد أن هدأت العاصفة وصل (هارفي) وطاقمه إلى الجزيرة، وشعروا حينها بوجود شيء غريب وغير مفهوم، فلم يلحظوا الإجراءات الاعتيادية التي تتخذ في كل مرة بالحالة الطبيعية عند الوصول إلى الميناء، كما وجدوا سارية العلم عارية ولم يأت أي من الحراس للترحيب بهم واستقبالهم كما جرت العادة، واتضح فيما بعد أن الحراس ليسوا في الجزيرة كلها، ليتبين لاحقاً أنهم اختفوا جميعهم بطريقة غامضة.

كانت لجزيرة (إيليان مور) خصوصياتها الفريدة، حيث أنّ المقيمين الدائمين في هذه الجزيرة هم الرعاة وأغنامهم، الذين كانوا يشيرون إليها على أنها ذلك ”البلد الآخر“، حيث كانوا يؤمنون بوجود قوى خارقة تسيطر على هذا المكان، ولطالما أثارت جزيرة (إيليان مور) المخاوف والحيرة لدى زوارها، حيث كان مصدر الجذب الرئيسي إلى هذا الموقع البعيد هو كنيسة بناها القديس (فلانان) في القرن السابع ميلادي، وقد كان العديد من الناس يمارسون طقوس العبادة هناك حتى أولئك غير المتدينين، وقد انتشرت الخرافات والطقوس من قبل العابرين وممن اعتبروا أن لتلك الجزيرة نوعاً من الهالات الروحية التي تحيط بها، والتي كانت لا تصدق ولا يمكن تجاهلها في نفس الوقت.

بدأ الفريق بالتحري ووصل إلى معلومات محيرة، حيث كان أول من تم التحقيق معه هو الحارس البديل (جوزيف مور)، الذي أعلن عن فزعه الشديد عند صعوده المنحدر نحو المنارة المشيدة حديثاً، ليجد أطباقاً مليئة باللحم والبطاطا والمخللات كانت متروكة على الطاولة، كما كانت الساعة معطلة إلى جانب كرسي مقلوب، وما يدعو إلى الغرابة أكثر كان وجود معطف واحد يعود لأحد الحراس المفقودين، وكانت أسماء هؤلاء (توماس مارشال)، و(جيمس دوكات)، و(دونالد ماك آرثر)، وأخيراً وليس آخراً كانت البوابة الرئيسية والباب مغلقين بإحكام.

لم تكن تلك الحقائق والمعطيات كافية أو نافعة للوصول إلى ما يبحث عنه الكابتن وطاقمه، بل خلقت مزيداً من الأسئلة مثل: لماذا خرج أحد الحراس بلا معطفه؟ ولما خرج الثلاثة معاً في الأساس والقوانين لا تسمح بذلك؟ حيث يجب أن يكون واحداً منهم على رأس عمله بكل الأوقات، لذلك يجب أن يكون قد حدث شيء طارئ استدعاهم للخروج معاً.

أعد (مور) تقريراً كاملاً بعد عودته، كما قام (هارفي) بتفتيش الجزيرة بأكملها، ولكن كل المحاولات باءت بالفشل وكانت دون جدوى، الأمر الذي جعل الكابتن يقوم بإرسال برقية إلى البر الرئيسي وجاء فيها:

لقد وقع حادث مروع في (فلانان)، حيث أن الحراس الثلاثة اختفوا من الجزيرة كلها، فمنذ وصولنا إليها لاحظنا انعدام ملامح الحياة بكل أشكالها في كافة أنحائها. أطلقنا صاروخاً لكن بما أنه لم تردنا أية استجابة من المنارة، قمنا بإنزال الحارس (مور)، الذي صعد المنارة ولم يجد أيًا من الحراس هناك.

كانت الساعات متوقفة وكل الإشارات تدل على أن الحادث يجب أن يكون قد وقع قبل أسبوع من الآن، فأولئك المساكين الثلاثة لابد وأن سقطوا من الجرف أو غرقوا في المنحدر أثناء محاولتهم إنقاذ طائر غرنوق أو شيء من هذا القبيل، والآن ومع حلول الليل لا نستطع البقاء مكبلي الأيدي دون فعل أي شيء حول مصيرهم.

لقد تركت في الجزيرة هناك (مور) و(مكدونالد) واثنين من البحارة، للحفاظ على الضوء مشتعلاً حتى نقوم بترتيبات أخرى، ولن أعود الى (أوبان) حتى أتلّقى رداً منكم حول هذا الموضوع، ولقد أرسلت نفس الرسالة لـMUIRHEAD في حال لم تكونوا في المنزل، سأبقى هنا في مكتب التلغراف إلى أن يغلق تماماً بانتظار الرد.

لم تسفر التحقيقات الأخرى عن أي شيء، على الرغم من أن كتاب سجل المنارة قد قدم مجموعة جديدة من التفاصيل المربكة، ففي الثاني عشر من ديسمبر ذكر (مارشال) الرياح الشديدة التي لم يسبق أن هبت طوال العشرين سنة الماضية في الجزيرة، حيث كتب وصفاً لأحداث ذلك اليوم قائلاً: ”كان (داكت) هادئاً على عكس (ماك آرثر) الذي كان يبكي طوال الوقت، وذلك السلوك ليس سلوكاً طبيعياً بالنسبة لرجل يعتبر قوياً وبحاراً ذو خبرة واسعة“.

كما كتب (مارشال) مزيداً من التفاصيل عن العاصفة التي اشتدت في اليوم التالي وقال أنه كان يصلي برفقة زملائه الآخرين، وقد أثار هذا السلوك المحير الكثير من التساؤلات، لأنه ينم عن خوف كبير دب في نفوس حراس مخضرمين يعملون في مبنى منارة جديد وآمن كليًا.

من أرشيف الصحف البريطانية في وصف الحادثة الغامضة
من أرشيف الصحف البريطانية في وصف الحادثة الغامضة.

ولكن الحدث الأكثر غرابة كان في عدم تسجيل أي عاصفة في المنطقة خلال أيام 12 و13 و14 من شهر ديسمبر نفسه، فقد كانت الأوضاع هادئة حتى تاريخ 17 من ذلك الشهر، ويعود تاريخ آخر تقرير في الكتاب إلى اليوم الموافق لـ15 ديسمبر، وكانت آخر جملة كتبت فيه: ”العاصفة انتهت، البحر هادئ والله فوق الجميع“.

أثارت هذه المعلومات المزيد من الأسئلة وأبرزها: هل حدث شيء خارق للطبيعة؟ أم أن ذلك بسبب مخلوقات بحرية؟ هل وقعت جريمة مروعة في تلك الليلة؟ أم أنها كانت عمليات حكومية سرية؟ هل زار الحراس الثلاثة جواسيسٌ غرباء؟ أم كان السبب وراء ذلك كله كائنات فضائية؟

وفي نهاية الأمر كانت الأخبار والأدلة من خارج المنارة هي التي وضحت كل ما حدث مع الحراس الثلاثة، ففوق منصة الهبوط الغربية وصلت أضرار العواصف الى ارتفاع 200 قدم فوق مستوى سطح البحر، ووُجِدت الحبال مبعثرة ولم تكن مربوطة بالصندوق الخاص بها الموصول برافعة الإمدادات.

كتب (روبرت مورهيد)، وهو المشرف الأعلى على إدارة المنارات الشمالية، رداً رسمياً جاء فيه: ”أعتقد أن التفسير الأقرب إلى ما حدث مع أولئك الرجال أنهم غادروا المنارة بعد ظهر يوم السبت الموافق لـ15 ديسمبر، وذهبوا إلى منطقة قريبة من المرسى الغربي لتأمين الصندوق بحبال المرسى وغير ذلك من الإجراءات بعد العاصفة، وبشكل صادم ومفاجئ ضربت موجة كبيرة الجزيرة، أدت إلى ارتفاع المياه أعلى مما كانت عليه من قبل، وسقطت عليهم لتجرفهم بقوة كبيرة لم يتمكنوا من مقاومتها“.

وعلى الرغم من أن هذا التحليل قد يبدو منطقياً إلى حد ما، إلا أنه ترك المعنيين في حيرة من أمرهم، فعدم وجود الجثث، والظروف الجوية التي من المفترض أنها كانت هادئة في الفترة المذكورة، والخبرة والمهارة الكبيرة للحراس لم تُؤخذ بعين الاعتبار ولن تؤخذ على ما يبدو، وفي السنوات التالية ادعى حراس آخرون أنهم سمعوا أصواتاً في السماء تنادي بأسماء الحراس الثلاثة المفقودين.

كتب المؤلّف (بوب كوران) في كتابه بعنوان «ميثولوجيا سلتية غامضة في التراث الشعبي الأمريكي»: ”بالنسبة للسكان المحليين، لم يكن هنالك من شك إلى أن الحراس الثلاثة رُفعوا إلى العالم الفوقي“.

مقالات إعلانية