in

الرئيس الروسي (بوتين) يكشف النقاب عن سلاح نووي ”لا يقهر“ أطلق عليه اسم ”الشيطان 2“

صورة الصاروخ (آر آس 28 سارمات) الروسي

خلال خطاب له في يوم الخميس الفارط، عرض الرئيس الروسي (فلاديمير بوتين) صورا لصاروخ باليستي جديد عابر للقارات، وكان هذا السلاح النووي، الذي يدعى الـ(آر آس 28 سارمات) RS – 28 Sarmat، أو (ساتان 2)، قيد التطوير منذ سنة 2009.

كما روج (بوتين) لكون هذا الصاروخ الباليستي ”لا يقهر“، ولا يمكن للدفاعات المضادة للصواريخ أن تتغلب عليه بأي شكل من الأشكال، بالإضافة إلى عرضه لشرائط فيديو  تبرز العديد من الأسلحة الأخرى، بما في ذلك ما يسميه البعض غواصة ”يوم القيامة“ ذاتية القيادة.

وخلال الخطاب السنوي الخاص بالرئيس الروسي (فلاديمير بوتين) الذي انعقد يوم الخميس الفارط، شغل الحدث الأبرز عرضه لعدة فيديوهات كشفت الستار عن سلاح نووي جديد كليا مع قدرات تدمير رهيبة.

وأعلن بذلك (بوتين) عن صاروخ عابر للقارات يشتغل على الطاقة النووي، الذي لديه مدى غير محدود تقنيا ومنه بإمكانه إصابة أي هدف على الكوكب، ثم عرض الرئيس الروسي كذلك شريط فيديو Animation لنفس الصاروخ وهو ينطلق من منصته ثم يحوم حول الكوكب لإصابة أبعد النقاط من منطلقه.

صورة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين

كما عرض الرئيس كذلك شريط فيديو آخر لغواصة، ذاتية القيادة حاملة للرؤوس النووية تمتاز بسرعة كبيرة، وهي تفجر السفن وبعض الأهداف على السواحل.

وخطب (بوتين) في الجماهير في العاصمة (موسكو) قائلا: ”لطالما كانت روسيا أكبر قوة نووية في العالم، وستبقى كذلك، لا تنسوا هذا أبدا، لا أحد رغب في التحدث معنا، ولا أحد استمع لما كان لنا أن نقوله“.

لكن (دافيد رايت)، وهو فيزيائي وخبير صواريخ لدى (اتحاد العلماء المعنيين) Union of Concerned Scientists قد علق على ذلك بكون فكرة صاروخ عابر للقارات لا يمكن إيقافه وبإمكانه الطواف حول الكوكب كله دون أن يتم رصده هو محض ”خيال“، ذلك أنه: ”سيسخن وترتفع حرارته كثيرا لتصل إلى درجات عالية جدا“، لكنه قال أنه على الأقل من الممكن أن يكون سلاح واحد من بين الأسلحة التي عرضها (بوتين) موجودا فعلا: ”نحن نعلم أنهم يعملون على تطوير نوع جديد من الأنظمة ذات مدى أوسع، والتي بإمكانها حمل شحنة أكبر“.

يطلق على هذا الصاروخ الذي عرضه الرئيس بوتين اسم (آر آس 28 سارمات) RS-28 Sarmat، على الرغم من كون حلف الناتو يطلق عليه اسم (آس آس آكس 30 ساتان 2) SS-X-30 Satan 2 أو (الشيطان 2)، وقد كانت روسيا تعمل على تطويره منذ سنة 2009 على الأقل.

عرض (بوتين) شريط فيديو يبرز قدرات صاروخ (ساتان 2) خلال خطابه، وفي ذات الفيديو يظهر صاروخ باليستي عابر للقرات وهو يطلق من منصة إطلاقه تحت الأرض، معقبا الفيديو بشريط فيديو Animation لذات الصاروخ وهو يقترب من الفضاء، ثم يحوم حول الكوكب في مسار بشكل قوس مرتفع جدا، ويفتح مقدمته المخروطية كاشفا عن خمسة رؤوس نووية.

يدعي (بوتين) كذلك أن هذا الصاروخ الذي يبلغ طوله قرابة الثلاثمائة متر هو سلاح ”لا يمكن لأنظمة الدفاع المضادة للصواريخ أن تقهره“.

ما الذي يجعل الصواريخ الباليستية العابرة للقارات مصدر تهديد كبير؟

إن الصواريخ الباليستية العابرة للقارات هي عبارة عن نسخ تشبه كثيرا الصواريخ التي تطلق الأقمار الصناعية خارج الغلاف الجوي للأرض في مداراتها حول الكوكب، لكنها بدل حملها لقمر اصطناعي، أو مجموعة من رواد الفضاء، فهي تحمل رؤوسا نووية ويتم توجيهها نحو أهداف لها على الأرض.

صورة الصاروخ (آر آس 28 سارمات) الروسي
صورة الصاروخ (آر آس 28 سارمات) الروسي

يسافر هذا النوع من الصواريخ في شكل مسار قوس عريض حول كوكب الأرض مما يخوله من إصابة أهداف بعيدة جدا قد تكون في النصف الثاني من الكرة خلال ساعة من الزمن.

يعتبر صاروخ (ساتان 2)، الذي ادعى الرئيس (بوتين) أن موسكو بدأت في نشر بعض منه في منصات الإطلاق حول البلاد، بديلا لنسخة حقبة السبعينات من الصواريخ الباليستية الروسية العابرة للقارات الذي حمل اسم (ساتان).

يقدر أن تدخل هذه النسخة الجديدة قيد الاستخدام الكامل في خمسين منصة إطلاق بحلول سنة 2020، وذلك وفقا لـ(مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية).

ووفقا لـ(مشروع الدفاع ضد الصواريخ) لنفس المركز، فقد وردت تقارير في وسائل الإعلام الروسية عن صاروخ (ساتان 2) تفيد بأنه بإمكانه حمل عشرة رؤوس نووية كبيرة، وستة عشر رأسا نوويا صغيرا، ومزيجا من الرؤوس النووية والتدابير المضادة -التدابير المضادة هي نوع من الأسلحة الدفاعية المضادة لأنظمة الدفاع ضد الصواريخ التي قد تستهدف الصاروخ خلال مساره نحو أهدافه-، أو ما قد يصل عدده إلى 24 (مركبة انزلاق معزز) من نوع (واي يو – 74 هايبر سونيك).

يطلق على التكنولوجيا التي تمكن من إيصال العديد من الرؤوس النووية إلى العديد من الأهداف داخل صاروخ واحد باسم تكنولوجيا (المركبات العائدة المتعددة ذات الأهداف المستقلة) Multiple Independently Targetable Reentry Vehicle أو باختصار الـMIRV، يطلق هذا النوع من الأجهزة حمولته من الرؤوس النووية بعد أن يصل إلى سرعات كبيرة تصل إلى 241 ألف كلم/سا.

وباعتبار مكان إطلاق الرأس النووي في الجو، والطريقة التي يناور بها، بإمكان كل واحد من تلك الرؤوس النووية أن يصيب أهدافا تكون بعيدة عن الأهداف الأخرى بمسافة مئات الكيلومترات.

لماذا قال الرئيس (بوتين) بأن صاروخ (ساتان 2) لا يقهر:

عرض لنسخ مقلدة عن رؤوس نووية يحملها صاروخ (بيسكيبر) Peacekeeper أو (حافظ السلام) الأمريكي عائدة إلى الأرض متوهجة خلال تجارب أداء.
عرض لنسخ مقلدة عن رؤوس نووية يحملها صاروخ (بيسكيبر) Peacekeeper أو (حافظ السلام) الأمريكي عائدة إلى الأرض متوهجة خلال تجارب أداء.

يطلق على أحدث تكنولوجيا تم عرضها لعزل وردع الرؤوس الحربية اسم (مدمر مركبات الصواريخ الحركي) Kinetic Kill Vehicle، الذي يتكون بشكل أساسي من رصاصات ضخمة ذات تقنية عالية يتم إطلاقها من الصواريخ، وبإمكان هذه الرصاصات استهداف الرؤوس الحربية، والارتطام بها في منتصف مسارها الجوي، وإتلاف السلاح.

يقول الخبير (رايت): ”لكنه توجد هناك العديد من الطرائق التي تخولك من اختراق الدفاعات المضادة للصواريخ“، وأضاف: ”مما قد يفسر ما كان يريد به (بوتين) من خلال قوله ’لا يقهر‘ لدى وصفه لـ(ساتان 2)“.

إن صاروخ (ساتان 2) مجهز بأنظمة توجيه متقدمة للغاية، كما جهز ببعض الإجراءات المضادة المصممة خصيصا لتضليل أنظمة الدفاعات المضادة للصواريخ وخداعها، وقد تتضمن هذه التكتيكات والإجراءات العشرات من الطعوم والشراك خفيفة الوزن التي صنعت لتبدو في شكلها مثل الرؤوس الحربية، والتي ستجل مدمر مركبات الصواريخ يستهدف الأغراض الخاطئة مغفلا عن الرؤوس الحربية الحقيقية.

كما كان (رايت) قد درس كذلك طرائق أخرى للتسلل عبر أنظمة الدفاع المضادة للصواريخ الأمريكية، بما في ذلك أنظمة تبريد الرؤوس الحربية التي قد تربك الأنظمة المضادة للصواريخ التي تعمل بتعقب الحرارة الصادرة عن الصاروخ، وكذلك تنكّر الرؤوس الحربية لجعلها تبدو مختلفة عما يبدو عليه الرأس الحربي الاعتيادي.

لكن إطلاق عدد كبير من الرؤوس الحربية في الوقت ذاته قد يكون كافيا بكل بساطة بغض النظر عن كل التكتيكات السابقة، حيث أن الأجهزة الدفاعية مدمرة المركبات حاملة الصواريخ قد لا تشتغل خلال خمسين بالمائة من الوقت، وذلك بناء على اختبارات أجريت عليها سابقا، كما أنها تكنولوجيا مازالت قيد التطوير منذ عقود مضت.

ومع كل هذا، فإن (ساتان 2) ليس فريدا من نوعه كما قد تعتقد عزيزي القارئ:

ما الذي تملكه الولايات المتحدة ليجابهه:

إطلاق صاروخ (ترايدنت 2) Trident II أو الـ(دي 5) D-5 من على متن غواصة.
إطلاق صاروخ (ترايدنت 2) Trident II أو الـ(دي 5) D-5 من على متن غواصة.

أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية في سنة 2005 أنها توقفت عن استعمال صاروخ الـ(بيسكيبر) Peacekeeper الشهير وأحالته على التقاعد، هذا الصاروخ الذي كان أكبر صاروخ باليستي حامل للرؤوس الحربية المتعددة تملكه الولايات المتحدة، حيث بإمكان صاروخ (بيسكيبر) واحد أن يتسع لعشرة رؤوس نووية حرارية، التي لدى كل منها احتمال خمسين بالمائة في إصابة أهدافه خلال منطقة تبلغ مساحتها مساحة ملعب كرة قدم.

لكن الولايات المتحدة تملك صواريخ باليستية متعددة الرؤوس الحربية أخرى غير هذا في ترسانتها الحربية في يومنا هذا، هذه الرؤوس التي يشكل صاروخ الـ(ترايدنت 2) الباليستي واحدا منها.

يتم إطلاق هذا الصاروخ من على متن الغواصات، وبإمكانه نقل حمولة تصل إلى العشرات من الرؤوس النووية.

صاروخ أمريكي آخر يملك هذه القدرات هو الـ(مينيتمان 3) Minuteman 3، الذي يتم إطلاقه من منصة إطلاق أرضية وبإمكانه حمل ثلاثة رؤوس حربية.

أدت معاهدات الحد من التسلح إلى خفض عدد الرؤوس الحربية التي بإمكان صاروخ واحد حملها، حيث بإمكان الـ(ترايدنت 2) حمل خمسة منها، والـ(مينيتمان 3) رأسا واحدا فقط، كما أدت إلى إحالة صاروخ الـ(بيسكيبر) على التقاعد.

اليوم يوجد قرابة الـ15000 رأسا وسلاحا نوويا في العالم، سواء مخزنة، أو في انتظار النشر على مواقعها ومنصات إطلاقها، هذه الترسانة النووية العالمية التي تملك الولايات المتحدة وروسيا 90 بالمائة منها.

هل نحن على أبواب حرب باردة ثانية؟

الرئيس الأمريكي (دونالد ترمب)
الرئيس الأمريكي (دونالد ترمب)

يقول (رايت) بأن تصريحات الرئيس الروسي (بوتين) الأخيرة والتعليقات التي تضاهيها سخونة من طرف نظيره الرئيس الأمريكي تبدو وكأنها صدى لما كان قد أطلق العنان لسباق التسلح بالأسلحة النووية خلال الحرب الباردة سابقا، حيث قال: ”ما يدفع على الإحباط حقا هو أنه في نهاية الحرب الباردة، أصبح الجميع يحاول خفض عدد الرؤوس الحربية التي بإمكان صاروخ باليستي واحد حملها، أو التوقف عن اعتماد هذا النوع من الصواريخ أصلا“.

وأضاف (رايت) بأن إزالة الرؤوس الحربية ساعدت على تهدئة الأوضاع بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا وخفضت خطر تنفيذ ضربات نووية متهورة سواء متعمدة أو عرضية، ومنه فإن خطوة روسيا لاعتماد أسلحة جديدة مع رؤوس حربية متعددة هي تصعيد خطير قد يعيد التوتر إلى الساحة.

يقول (رايت) كذلك: ”واحد من الأسباب التي تجعلك ترغب في التسلح بصواريخ باليستية ذات رؤوس حربية متعددة هي إن كنت في مواجهة أسلحة دفاعية ضد الصواريخ الباليستية المتقدمة، وكان (بوتين) قد تحدث حول هذا من قبل“، موضحا بأن الولايات المتحدة ساعدت في بناء الأنظمة الدفاعية المضادة للصواريخ في أوروبا في السنوات القليلة الماضية: ”وبذلك تكون الإجابة الواضحة على هذا هي بتحديث قدراتك الهجومية“.

وأضاف كذلك بأن الخطوة التي خطتها روسيا لا يجب أن تثير دهشتنا بالنظر إلى سياقها التاريخي، فبعد أن قام الرئيس الأمريكي الأسبق (جورج وولكر بوش) بسحب الولايات المتحدة من اتفاقية منع الصواريخ الباليستية في سنة 2001، صرّح جنرال روسي لصحيفة الـ(نيويورك تايمز) بأن ”الخطوة ستخل بطبيعة التوازن الاستراتيجي عبر تحرير أيدي سلسلة من البلدان التي ستبدأ حقبة تسلح جديدة“.

كما كانت تصريحات الرئيس الأمريكي الحالي (دونالد ترمب) المشحونة التي دعا من خلالها إلى سباق جديد نحو التسلح قد زادت الطين بلة، والوضع سوءا.

في الواقع، ترغب إدارة الرئيس (ترمب) وتخطط لتوسيع مخطط الرئيس السابق (باراك أوباما) في تحديث الأسلحة النووية، هذا البرنامج الذي سيستغرق ثلاثين سنة وسيكلف دافعي الضرائب الأمريكيين أكثر من 1.7 تريليون دولار، كما سينتج عنه إنشاء أسلحة نووية صغيرة تكتيكية، التي يخشى الخبراء من أن تجعل من استخدام الأسلحة النووية أمرا شائعا.

مقالات إعلانية