سفيان عشي
الروعة هي شيء صعب التحقيق، خصوصاً إذا كان عملك هو اكتشاف ما عليك القيام به لتنال إعجاب ملايين المشاهدين أسبوعاً تلو الآخر، لكن هذا ما على برامج التلفزيون القيام به.
يحلم كل مسلسل بأن تكون لديه حلقة افتتاحية مثالية، لكن ليست كل المسلسلات محظوظة مثل Cheers وFriends، فبعضها يحتاج بعض الوقت لتكتشف هويتها وما يجعلها تتميز عن بقية البرامج الأخرى، وهذا لا يعني أن المسلسل لم يكن جيداً في البداية، بل يعني أن بلوغ المسلسل لدرجة الروعة لم يحصل إلا بعد مرور موسم أو أكثر.
هذه تسع حلقات لمسلسلات يعترف الجميع بعظمتها، لكنها أخذت بعض الوقت لتبلغ هذا المستوى من الروعة، وهي بالتأكيد ليست محاولة للتقليل من شأن هذه المسلسلات وحقيقة أنها جيدة ذلك أنها عرفت كيفية الانتقال لمستوى أعلى وهو شيء يستحق الاحتفال به في حد ذاته.
إليك عزيزي قارئ ”دخلك بتعرف“ هذه التسع حلقات التي انتقلت فيها المسلسلات من جيدة إلى رائعة:
1. مسلسل Seinfeld، الحلقة الـ11 بعنوان The Chinese Restaurant من الموسم الثاني:
هناك شيء خاطئ نوعاً ما في بداية مسلسل Seinfeld، فقد كان يتحرك بوتيرة بطيئة والدعابات لم تصب المكان المناسب، ربما لأن ”العرض الذي يتحدث عن اللاشيء“ كان يتجه نحو اللاشيء من الوصف، وينطبق هذا الوصف على الحلقات الأولى من الموسم الثاني، لكنه بدأ يتمالك نفسه في حلقات The Pony Remark وThe Statue وThe Deal، لكن عبقرية المسلسل تظهر بدون شك في حلقة The Chinese Restaurant.
الحلقة تدور بالفعل حول اللاشيء حيث يمضي (جيري) و(إيلاين) و(جورج) نصف ساعة في انتظار الطاولة التي لا تصبح متاحة أبداً.
تنتقل الحلقة ببراعة من دعابة إلى أخرى بينما تزداد شهية (إيلاين) وتصبح أكثر نهماً، وهذه هي الحلقة التي اكتشف فيها منتجو المسلسل أنهم قادرون على خلق كثير من الأشياء من ”اللاشيء“.
2. مسلسل Buffy the Vampire Slayer، الحلقة 14 بعنوان Innocence من الموسم الثاني:
في أول مجموعة من الحلقات، كان مسلسل (بافي) برنامجاً ممتعا قام بتحويل المراهقين إلى وحوش حقيقية ومن ثم أتاح الفرصة لـ(بافي) -الشخصية الرئيسية- وأصدقائها بأن يضربوا بقوة، وفي منتصف الموسم الثاني فقدت عذريتها لصديقها مصاص الدماء، وبذلك أزالت اللعنة التي لم تكن تعلم بوجودها أصلاً، فصديقها فقد روحه وهي فقدت براءتها.
جعلت هذه الحلقة Buffy تقوم بما لم يرده أي من معجبي المسلسل: أن تقتل صديقها مع المحافظة على نمط الرعب، لكن المشاهدين أصبحوا على علم بقدرته على إثارة المشاعر في أية لحظة.
3. مسلسل The Office، الحلقة الأولى بعنوان The Dundies من الموسم الثاني:
من الصعب علينا أن نتخيل الحياة بعد انتهاء مسلسل The Office، لكن اقتباس شركة NBC للمسلسل البريطاني الناجح قوبل باستهجان واسع، فلم يثر الموسم الأول الكثير من المخاوف بعد أن التزم بالأجواء والحبكة التي قدمها كل من (ريكي جيرفيس) و(ستيفن مارشانت) في النسخة الأصلية.
انطلق الموسم الثاني من المسلسل في رحلة لطاقم مكتب The Dunder Mifflin إلى مطاعم Chili’s لحضور حفل توزيع الجوائز الخاص بـ(مايكل سكوت)، وكانت للحلقة حبكة جديدة، ومنحت طاقم العمل الفرصة لكي يبرزوا مواهبهم.
4. مسلسل It’s Always Sunny in Philadelphia، الحلقة 3 بعنوان Dennis and Dee Go on Welfare من الموسم الثاني:
يعتبر (داني فيتو) من الشخصيات المهمة والأساسية في برنامج (أولوايز ساني) التلفزيوني لدرجة أصبح من المستحيل تخيله بدونه، هذا على الرغم من أن هذا ما كان عليه البرنامج خلال موسمه الأول، حيث لم تظهر شخصية (فرانك راينولدز) المهووسة والمتوحشة والمتعطشة للدماء إلا خلال الحلقة الافتتاحية للموسم الثاني للمسلسل، وتعتبر حلقة Dennis and Dee Go on Welfare نقطة تحول أساسية في مجريات البرنامج، لأنها جمعت بين (فرانك) و(تشارلي) و(ماك) للمرة الأولى، مما نتج عنه علاقة شراكة مدمرة ستستمر أسبوعا تلو أسبوع للعشرة سنوات التالية، وفي الحبكة الأصلية يصبح (دينيس) و(دي) مدمنين على المخدرات، وهذه هلي الحلقة التي يدرك فيها برنامج (أولوايز ساني) أنه برنامج إثارة حية.
5. مسلسل 30 Rock، الحلقة السابعة بعنوان Tracy Does Conan من الموسم الأول:
كان لدى مسلسل (ثيرتي روك) الكثير ليثبته عند بداياته الأولى، ليس لكونه أول إنتاج هزلي للكاتبة الرئيسية لبرنامج Saturday Night Live (تينا فاي) فقط، بل لأنه تضمن كذلك كوكبة من الممثلين الكبار على غرار (آلاك بالدوين) و(ترايسي مورغان) و(جاين كراكوفسكي).
وليس هذا فحسب، بل أن حلقته الافتتاحية من موسمه الأول تزامنت مع الحلقة الافتتاحية لمسلسل الدراما بعنوان (ستوديو سيكستي) Studio 60 المستوحاة من برنامج SNL نفسه، مما جعل الجميع يعتقد أن هذا البرنامج سيحتل الصدارة.
كانت الحلقات القليلة الأولى لبرنامج (ثيرتي روك) جيدة ولا بأس بها، لكن البرنامج انتقل إلى المستوى التالي من الإثارة حقا عندما توحد فريق TGS معا من أجل تحضير استضافة (ترايسي جوردان) ضمن برنامج (لايت نايت) Late Night الشهير مع (كونان أوبريان).
يبدأ (كريس كورنال) مسيرته في هذا البرنامج بشخصية الدكتتور (ليو سبايسمان) غير السوي ذهنيا، وتحوز (راشال دراتش) على حجر كريم غريب يعرف باسم ”الصاح الأزرق“ أو Blue Dude. أضف إلى ذلك أن في هذه الحلقة نشاهد الرد المفحم والأيقوني لـ(جاك دونافي) على (ليز) عندما سألته لماذا يرتدي بذلة رسمية، فأجابها: ”لقد تجاوزت الساعة السادسة، ماذا تظنيني؟ مزارعا؟“
6. مسلسل Mad Men، الحلقة 13 بعنوان The Wheel من الموسم الأول:
أثبت مسلسل (ماد مان) أن شبكات الكايبل البسيطة على غرار شركة AMC بإمكانها إنتاج أعمال درامية قوية على غرار أي عمل آخر تنتجه شركة شهيرة وقوية مثل شركة HBO، نحن لسنا هنا لنقول أن بداية مسلسل (ماد مان) لم تكن جيدة، لكننا نريد التنويه إلى أن المسلسل قد عرف تطورا كبيرا من ناحية الجودة والحبكة خلال الحلقة الختامية لموسمه الأول، حيث شهدنا خلال هذه الحلقة الكثير من الأحداث الجياشة بما في ذلك معاناة (بيت كامبل) لإثبات نفسه وحمل (بيغي أولسن) المفاجئ.
لكن ما رفع هذا البرنامج ليصبح أعظم سلسلة يتم إنتاجها آنذاك هو المشهد الذي يقوم فيه (دون درايبر) ببيع المسلاط النافذ الدائري -جهاز عرض فيديو قديم جدا-، فخلال مشهد واحد يغوص (دون) في عمق الحنين إلى الماضي -هذا الحنين إلى الماضي الذي يعتبر السبب الأول الذي جعل الناس يتابعون مسلسل (ماد مان)-، ويلقي بخطاب مؤثر حرّك مشاعر الرجال في الغرفة التي كان يتواجد بها، وكذا مشاعر المشاهدين الذين كانوا يتابعونه من منازلهم.
7. مسلسل Breaking Bad، الحلقة 12 بعنوان Phoenix من الموسم الثاني:
تماما مثل مسلسل (ماد مان) من الصعب جدا القول بأن مسلسل (بريكينغ باد) لم يكن مسلسلا عظيما منذ بدايته، لقد كان هذا المسلسل دون شك أعظم مسلسل وأكثرها إثارة للمشاعر خلال موسميه الأول والثاني، لكن الأمور اتخذت منعطفا مغايرا تماما وخطيرا في نهاية الموسم الثاني في لحظة لم يعد فيها المسلسل قادرا على سحبها بعد ذلك.
بعد موسم كامل من الغرابة التي ما تنفك تتزايد وتوتِّر العلاقة بين (جيسي) و(والت) خاصة بسبب إدمان الأول على تعاطي الكوكايين وعلاقته المدمرة والفاشلة مع (جاين)، حسم البرنامج هذه الحبكة وهذا الجزء من القصة بطريقة مرعبة:
انتهى الأمر بـ(والت) واقفا أمام سرير يستلقي عليه كل من (جيسي) وصديقته الحميمية (جاين) نائمين، ثم تبدأ (جاين) بالتقيؤ والاختناق في آن واحد بسبب جرعة زائدة من الكوكايين وهي نائمة، وبعد صراع نفسي داخلي دار في ذهن (والت) حول ما إذا كان يتعين عليه مساعدتها أم لا، يقرر هذا الأخير عدم مساعدتها وتركها تموت في نومها، ويعتبر هذا المشهد الطويل أكثر المشاهد توترا وحدَّة في جميع المسلسلات إلى يومنا هذا، وهو المشهد الذي سيتم إعادته في إحدى الحلقات النهائية للمسلسل بعد سنوات.
لقد علم صنّاع مسلسل (بريكينغ باد) أن تلك كانت نقطة اللاعودة.
8. مسلسل Parks And Recreaction، الحلقة العاشرة بعنوان Hunting Trip من الموسم الثاني:
تماما مثلما كان مسلسل (أميريكان أوفيس) تقليدا عن مسلسل (أوفيس) البريطاني، جاء مسلسل (باركس أند ريكريايشن) في موسمه الأول ليشبه كثيرا مسلسل (أميريكان أوفيس).
في البادئ كانت شخصية (ليزلي كنوب) شخصية تتصف بحماقة متناهية، وكان المسلسل برمته جافا جدا على قدر جفاف تلك الحفرة المغبرّة التي وقع فيها (آندي)، لحسن الحظ فعل البرنامج بالضبط ما فعله مسلسل (أوفيس) واستجمع أموره جيدا خلال الموسم الثاني، خاصة في هذه الحلقة بالذات؛ من جهة كان لجميع طاقم التمثيل يد في هذا التغيير النوعي بما في ذلك الممثلين الثانويين مثل (جيري) و(دونا) -مثل المشهد الذي ذعرت فيه (دونا) بسبب تعرض سيارتها لإطلاق النار-، ومن جهة أخرى أشعلت هذه الحلقة الشرارة بين (آندي) و(آيبريل) مما نتج عنه زوج أصبح لاحقا أكثر الأزواج والعلاقات استمرارية في المسلسل كله.
والأمر الأهم كله هو أنه في هذه الحلقة اكتشفنا بأن (ليزلي) ليست عديمة خرقاء وعديمة الكفاءة مثل (مايكل سكوت)، لا بل هي كفؤة للغاية لدرجة أنها واعية جدا بالنظرة التي يحملها المجتمع عن المرأة، ومن دهائها أن تقوم بانتحال أدوار نمطية وتلعبها أمام أحد حراس المتنزه لتحمي (طوم) الذي ذهب في جولة صيد بدون ترخيص. لقد قدمت هذه الحلقة جانب “المحاربة” في شخصية (ليزلي)، نفس الشخصية البطلة التي ستترشح لاحقا لمنصب ضمن مجلس البلدة.
9. مسلسل Superstore، الحلقة 12 بعنوان Rebranding من الموسم الثاني:
كانت أول عقبة صادفها مسلسل (سوبرستور) هي تاريخ إطلاقه حلقته الافتتاحية، حيث بدأ صدور هذا المسلسل مباشرة بعد نهاية كل من مسلسل (أوفيس) و(ثيرتي روك) و(كوميونيتي) و(باركس أند ريكريايشن)، كما بدأ المسلسل مشواره قبل أن تطلق شركة NBC موجتها من باقة مسلسلات كوميدية، عناوين على غرار The Good Place وTrial & Error وA.P وBio وChampions وGreat News.
ثم هُجر مسلسل (سوبرستور) تقريبا بعد أن تهافت الناس على كل تلك الأعمال التلفزيونية من إنتاج NBC وهو أمر غير عادل نوعا ما، لكن البرنامج تمكن أخيرا من اكتشاف هويته في الموسم الثاني وتحول بعدها إلى عمل كوميدي مثالي.
يتحول المسلسل إلى النمط الكوميدي في هذه الحلقة عندما تدخل (ساندرا) في علاقة رومانسية خيالية مع المدير الجهوي (جيف)، كما تزيد من حدّة الترقب فيما إذا كان (آيمي) و(جونا) سيستمران معا عندما بدأ هذا الأخير في التفكير في العودة إلى كلية الأعمال لإكمال دراسته، وانطلاقا من هذه النقطة، يتحول مسلسل (سوبرستور) إلى مسلسل هزلي رائع.
