تعد لوحة «خلق آدم» المرسومة على سقف كنيسة الـ(سيستين) من أعظم الكنوز الفنية على مستوى العالم، وصف (فرانك ليين ميشيبيرجير) عام 1990 هذه اللوحة التي شاهدها الملايين من الناس لعدة قرون بأنها ”صورة تشريحية دقيقة للدماغ البشري مرسومة على شكل الإله“، إذ تبين بعد الفحص الدقيق للوحة بأن الخطوط فيها تمثل التلافيف الداخلية والخارجية لسطح الدماغ، وجذع الدماغ، والشريان القاعدي، بالإضافة إلى الغدة النخامية، وتصالب العصبين البصريين.
أضف إلى ذلك أن يد الإله لم تلمس يد آدم، لكن آدم يبدو حياً تماماً، وكأن شرارة الحياة قد انتقلت إليه عبر الفراغ الصغير بينهما كما يحدث في انتقال الإشارات العصبية في المشبك العصبي الكيميائي.

يوجد أسفل ذراع الإله ملاك حزين، يقابل مكان وجوده في الصورة على سطح الدماغ منطقة يعرف بأنها تنشط بالتصوير المقطعي بالإصدار البوزيتروني PET عندما يراود الشخص شعور الحزن، أما مكان تموضع الإله في الصورة فإنه يقابل على سطح الدماغ مكان وجود الجهاز الحافي (الجهاز النطاقي) الذي يعتبر مركز الدماغ الإنفعالي، والمسؤول عن الوظائف الانفعالية في الجسم، وربما يعد التجلّي التشريحيّ الملموس للروح البشرية. بينما تمتد ذراع الإله اليمنى في الصورة على طول المنطقة المقابلة لمكان وجود القشرة أمام الجبهية، والتي تعتبر أكثر مناطق الدماغ البشري تميزاً وإبداعاً.
رسم الفنان الإيطالي المبدع (مايكل أنجيلو بوناروتي) هذه اللوحة الرائعة على سقف كنيسة الـ(سيستين) في الفاتيكان بتصريح من البابا (يوليوس الثاني)، انكب (مايكل أنجيلو) على رسم هذه اللوحة بنفسه دون مساعدة أحد طوال الفترة الممتدة ما بين 1508 و1512. تجادل العديد من العلماء فيما إذا كان (مايكل أنجيلو) قد حصل على توجيهات من الكنيسة بخصوص المناظر والمشاهد التي قام برسمها، والمعاني التي أراد إيصالها من خلال هذه الصور.
يعتقد بروفيسور الطب (فرانك ليين ميشيبيرجير) بأن (مايكل أنجيلو) قد ضمّن داخل لوحته المعروفة بـ«خلق آدم» –والتي قد يكون من الملائم أكثر تسميتها «هبة آدم»– رسالة خاصة مخفية، متوافقة مع الأفكار التي عبر عنها في قصيدته القصيرة.
أدرك (مايكل أنجلو) –الفنان المتفوق في الرسم والنحت– أن موهبته تكمن في عقله وليست في يديه، لقد كان يعتقد بأن القدسية أو الجزء المقدس الذي نحصل عليه من الإله هو ”الفهم والإدراك“.
يشرح (مايكل أنجيلو) في القصيدة التالية كيف نحت التماثيل ورسم هذه اللوحات، ويبين –على حسب اعتقاد البروفيسور السابق الذكر– كيف أن الإله أعطى الإنسان موهبة الفكر والإدراك:
بعدما يبدأ الجزء المقدس بالابتكار جيدا، فإن الرجل يستطيع إحياء الصخر بعقله ويديه معاً، منطلقاً من نموذج بسيط، وهذا لا علاقة له بالموهبة، كما يظهر في الرسم أيضاً، حيث أنه لا يمكن لليد أن تأخذ الفرشاة وتبدأ برسم كل ما تريده، إلا بعد أن يسعى الفكر إلى الأفضل والأعلى.
تعكس منحوتات ورسومات (مايكل أنجيلو) معرفته العظيمة بعلم التشريح الذي اكتسبه من خلال إجرائه عمليات تشريحية عديدة على الجسم البشري. وثّق (جورجو فازاري) المعاصر لـ(مايكل أنجيلو) خبرة الأخير في علم التشريح في كتابه «حياة الفنانين» Lives of the Artists حيث كتب: ”صنع (مايكل أنجيلو) صليباً خشبياً لكنيسة (سانتو سبيريتو) في مدينة فلورنسا لإرضاء رئيس دير الرهبان، الذي قام بوضع غرف تحت تصرفه كان يستخدمها عادة في سلخ وتشريح الجثث ليكتشف أسرار علم التشريح، وتم وضع هذا الصليب فوق المذبح الأعلى في الكنيسة، ولا يزال موجوداً هناك حتى الآن…“.
تظهر لوحة خلق آدم محاولة كل من الإله وآدم الوصول إلى الآخر بمد ذراعه حتى تكاد أن تتلامس أصابعهما، لدرجة أن المشاهد للوحة يستطيع أن يتخيل انتقال شرارة الحياة من الإله إلى آدم عبر هذا الفراغ الضئيل بين رؤوس الأصابع، وعلى الرغم من أن آدم حيٌ بالفعل ومكتمل التكوين وعيونه مفتوحة، فإنه يحاول الوصول إلى الإله أيضا، والمغزى من هذا التصوير هو إظهار أن آدم سوف يتلقى شيئاً آخر من الإله عدا شرارة الحياة تلك.
يعتقد البروفيسور (ميشيبيرجير) بوجود طبيعة أساسية أخرى للوحة لم يتم التعرف عليها من قبل، ويرغب في أن يبين هذه الرسالة المخفية من خلال مقارنة الرسوم التصويرية الاستشفافية لهذه اللوحة مع رسومات التشريح العصبي التي رسمها بروفيسور الطب (فرانك نيتيير) في كتابه في مجال الجهاز العصبي البشري بعنوان: The CIBA Collection of Medical Illustrations, Volume I — The Nervous System.


افحص الشكلين 1 و2 لتحدد فيما إذا كان يوجد أي تشابه بينهما، ثم افحص الشكلين التاليين 3 و4 وقرر إذا كانا متشابهين أيضا.


خذ وقتاً كافيا لفحص هذه الأشكال حتى تكوّن انطباعك الشخصيّ عنها:

بالعودة إلى علم التشريح العصبيّ، يظهر الشكل 5 مقطعاً سهمياً للجمجمة، حيث يتبين فيه تموضع الدماغ داخل القحف آخذاً شكله. خذ انطباعاً كلياً عن شكل القحف من خلال التدقيق في الصورة السابقة.

يظهر الشكل 6 المنظر الجانبي الأيسر للدماغ موضحاً التلافيف والشقوق الموجودة على سطح نصف الكرة المخية. يفصل شق سيلفيوس (الثلم الوحشي) ما بين الفص الجبهي والفص الصدغي، ويعد الشكل 1 رسماً تصويرياً لهذا الشكل.


يصور الشكل 7 مقطعاً في وسط نصف الكرة المخية الأيمن، ويبين الشكل 8 رسماً تصويرياً لهذا المقطع الوسطي الذي يظهر فيه الدماغ وجزء من النخاع الشوكي.
يفصل الثلم الحزامي التلفيف الحزامي عن كل من التلفيف الجبهي العلوي والتلفيف أمام المركزي.
يقسم الفص الجداري إلى التلفيف الأسفيني والتلفيف اللسيني، ويظهر واضحاً أن الغدة النخامية المتموضعة في الحفرة النخامية مقسومة إلى فصين، ويبين الشكل أيضا امتداداً صاعداً للنخاع الشوكي يدعى الجسر (جسر فارول).
يقع تصالب العصبين البصريين مباشرة أمام الغدة النخامية. الشكل 3 مأخوذ من الشكل 8 بعد إزالة كل من المخيخ وبنى الدماغ المتوسط التي تقع أسفل التلفيف الحزامي وبعد تدوير النخاع الشوكي إلى الخلف من موضع التشريح القياسي.

يبين الشكل 9 السطح السفلي للدماغ، يمتد العصبان البصريان من تصالبهما إلى الخلف عبر السويقتين المخيتين. يتشكل الشريان القاعدي من اندماج شريانين شوكيين فقريين يمتدان من الحدود السفلى للجسر إلى حدوده العليا.

يظهر الشكل 10 مرور الشريان الفقري الشوكي نحو القحف عبر ثقوب الفقرات الرقبية حتى يصل إلى السطح السفلي للجمجمة، ثم ينثني فجأةً حول النتوء المفصلي للفقهة (فقرة العنق الأولى)، ويمتد منعطفاً انعطاف آخر ليدخل جوف القحف عبر الثقبة العظمى (فتحة كبيرة في العظم القذالي للجمجمة البشرية) حيث يلتقي هناك مع الشريان الفقري الشوكي الآخر ليتشكل الشريان القاعدي من اندماجهما.
بالعودة إلى لوحة خلق آدم وبعد دراسة هذه الصور التشريحية السابقة، فإننا نلاحظ أن الشكل المحيط بالإله هو رسم للدماغ.

يظهر الشكل 12 بأننا نستطيع الحصول على الرسم التصويري الموضح في الشكل 2 سابقاً من خلال تتبع الخطوط الخارجية للرسم المحيط بالإله، ورسم الخط الذي يبين الثلم الوحشي (شق سيلفيوس).

يظهر الشكل 13 بأننا نستطيع الحصول على الرسم الموضح في الشكل 4 من خلال تتبع الخطوط الخارجية الأساسية لشكل الإله والملائكة المحيطة به، وبذلك نصل إلى الاستنتاج بأن الأشكال 1 و3 مطابقة للرسوم التشريحة المرسومة من قبل (فرانك نيتيير)، والأشكال 2 و3 مطابقة للوحة (مايكل أنجيلو) «خلق آدم».
يمتد الثلم الوحشي على طول الخط الخارجي لورك الملاك المتموضع أمام الإله، ويتابع امتداده على طول الخط الخارجي لأكتاف الإله ثم إلى أسفل ذراعه اليسرى ماراً من فوق جبهة حواء.
يمثل الثوب الأخضر المسترسل في الأسفل بطياته وانعطافاته حتى النتوء المفصلي للملاك، وبامتداده على طول السطح السفلي للجسر (جسر فارول)، يمثل مسلك الشريان الفقري المتجه نحو الأعلى (للدماغ).
يمثل ظهر الملاك الممتد جانبياً أسفل الإله الجسر، أما ورك الملاك نفسه وساقه فيمثلان النخاع الشوكي.
تُمثَّل الغدة النخامية والسويقة المخية بالقدم اليسرى للملاك الممتدة أسفل قاعدة الصورة، وعلى خلاف قدم الإله وقدم آدم، فإن قدم هذا الملاك مقسومة إلى شطرين فقط، ويمثل فخذ ساقه اليمنى الملتوية عند الركبة والورك العصب البصري، وتمثل ركبة نفس الساق التصالب البصري، وبالتالي فإن هذه الساق تمثل السبيل البصري.
على الرغم من كل هذا، فإن النقطة الرئيسية المهمة وفقاً للبروفيسور (ميشيبيرجير) لا تكمن في التحديد الدقيق لهذه البنى التشريحية على اللوحة، بل بتحديد المعنى الأشمل للوحة، ألا وهو أن عطاء الإله لآدم مرتبط بالدماغ، وبذلك فإن (مايكل أنجيلو) يحاول أن يصور أن الإله يعطي آدم الإدراك والفهم، وبهذا يستطيع الإنسان أن ”يسعى إلى الأفضل والأعلى“، وأن ”يحقق كل ما يخطر بباله“.