in

كيف ننقذ كوكبنا من الاحتباس الحراري؟

بعد ما يزيد عن قرن كامل عن أول تنبؤٍ بالاحتباس الحراري، فالعديد من الناس ما يزالون يجهلون الكارثة التي تهددنا وآخرون ينكرون وجودها أصلاً، وجهودنا عموماً ما تزال ضئيلة للغاية لمنع هذه الكارثة القادمة نحونا على الرغم من أن علاماتها أصبحت واضحة أكثر من أي وقت مضى، مع التقلص المستمر للغطاء الجليدي للقطبين وارتفاع مستويات مياه البحر وازدياد معدلات درجات الحرارة العالمية بما يزيد عن درجتين عن المعدلات السابقة للثورة الصناعية.

هذا الأمر يعني أننا بحاجة ملحة للحد من هذه الظاهرة إذا كنا نرغب بأن تستمر البشرية عبر الأجيال القادمة بالحياة على كوكبنا الأزرق، فحتى الآن ليس لنا أي بديل له (وحتى مع وجود بديل فقد نحتاج قروناً لإجراء الانتقال الممكن إلى الكوكب البديل، وهو وقت غير متاح لنا في ظل التصاعد المستمر لخطورة هذه الظاهرة)، مما يعني أن الحلول الممكنة يجب أن تطبق بشكل أفضل من السابق لتجنب الكارثة، هذه الحلول تتضمن ما يلي:

الاستغناء النهائي عن الوقود الأحفوري:

حقل نفطي
حرق الوقود الأحفوري هو المسبب الأول لانبعاثات غازات الدفيئة.

مع كون حرق الوقود الأحفوري هو المصدر الأول والأساسي لغازات الدفيئة المسببة للاحتباس الحراري العالمي، فالتقليل من استخدامها أمر أساسي للوقاية من الكارثة. لكن الأمر أسهل بالكلام منه بالفعل، فالنفط هو المحرك الأساسي لعجلة التطور الاقتصادي حتى اليوم، وكل ما نستخدمه تقريباً يتطلب الوقود لتشغيله بداية من السيارات ووسائط النقل حتى وسائل التدفئة والطاقة الكهربائية، التي يعتمد العالم عليها وتعتمد بدورها على الفحم في 50% من الحالات كوقود أساسي.

البدائل الممكنة ليست مثالية حتى الآن، لكن التقدم التقني جعل طاقة الرياح والأمواج والطاقة الشمسية وحتى الطاقة المولدة من عنفات السدود أقرب إلينا من أي وقت مضى، مع كون البديل الأفضل حتى الآن هو الطاقة النووية التي وإن كانت لا تنتج غازات الدفيئة، فهي تنتج نفايات مشعة خطيرة كذلك.

تحسين البنى التحتية:

مبنى من القرن العشرين
المباني القديمة تمتلك أنظمة تهوية سيئة عموماً تجعلها أكثر حاجة للطاقة للتدفئة أو التبريد.

المباني القديمة والعاجزة عن الاحتفاظ بالتدفئة شتاءً أو عزل حرارة المحيط صيفاً تعني استهلاكاً أكبر للطاقة وانبعاثات أكبر لغازات الدفيئة، وكذلك هو الأمر بالنسبة للطرقات السيئة والاختناقات المرورية التي تزيد من هذه الانبعاثات بشكل كبير.

الحل هنا ليس مثالياً تماماً، فعزل المباني وبناء مبانٍ جديدة صديقة للبيئة بشكل أكبر يتطلب بدوره انبعاثات كبيرة لغازات الدفيئة لتصنيع الإسمنت الأساسي للبناء والإسفلت الضروري للطرقات، بالإضافة لمواد العزل الباهظة.

على المدى القريب فهكذا حل سيزيد بشكل ملحوظ من غازات الدفيئة، لكن على المدى الطويل والبعيد كفاية فالتخطيط الجيد للمباني والطرق والبنى التحتية الأخرى من شأنه أن يقلل بصمتنا الكربونية في الغلاف الجوي، ويؤجل الكارثة على الأقل.

العيش بالقرب من أماكن العمل:

ازدحام الذروة في الصين
عدا عن إضاعة الوقت والجهد، فالازدحام المروري يتسبب بفترات أطول من استخدام السيارات وبالتالي غازات دفيئة أكثر.

تعد وسائط النقل من المنتجات الأساسية لغازات الدفيئة، فمع العدد الهائل للسيارات والشاحنات بشكل أساسي والطائرات والسفن بشكل ثانوي فوسائط النقل تضخ الكثير من غازات الدفيئة في الغلاف الجوي، والتأثير يتزايد بمرور الزمن مع الازدياد المستمر لوسائط النقل هذه.

أحد الحلول الممتازة هو استخدام السيارات الكهربائية، مثل تلك التي تطورها شركات جديدة مثل Tesla وLexus وبعض الشركات الكبرى مثل BMW وToyota. لكن الكهرباء بدورها غالباً ما تعتمد على الوقود أصلاً مما يجعل الأمر حلقة مفرغة (الآن على الأقل).

ويبقى الخيار الأفضل هو محاولة تقليل الانتقال بالسيارات قدر الإمكان واستخدام وسائل النقل الجماعي مثل المترو والحافلات الكبيرة، أو حتى المشي أو استخدام الدراجات بدلاً من وسائط النقل العاملة بالوقود.

الاقتصاد وتقليل الاستهلاك:

مصابيح إنارة للشوارع من نوع LED
مصابيح الشوارع من نوع LED توفر الكثير من الطاقة مقارنة بالمصابيح التقليدية ذات اللون الأصفر.

واحد من الأساليب الأفضل هو الاقتصاد بما نستخدمه قدر الإمكان، فبدلاً من قيادة سيارات الدفع الرباعي أو السيارات الرياضية التي تنفث كميات كبيرة من الدخان والغازات السامة في الهواء، يمكن استخدام السيارات الهجينة (التي تحوي محركين أحدهما يعمل بالبنزين أو الديزل والآخر كهربائي)، أو تلك التي لا تستهلك كميات كبيرة من الوقود للمسافات المقطوعة.

تأثير مشابه يمكن تحقيقه بترشيد استخدام الطاقة الكهربائية (بفرض أنك لا تعيش في البلاد العربية ولم تنسَ ماذا تعني الكهرباء بعد) فاستخدام أدوات تتطلب طاقة أقل مثل البرادات والمكيفات الاقتصادية أو حتى أضواء الفلورسنت الاقتصادية، وإيقاف الأدوات الكهربائية عن العمل خارج وقت استخدامها من شأنه أن يفيد بشكل كبير بتقليل الحاجة للطاقة وتقليل استهلاك الوقود وانبعاث الغازات.

– من المهم التذكير بأن أضواء الفلورسنت عادة ما تحتوي معدن الزئبق شديد السمية، لذا من الواجب التخلص منها بعناية وفق توجيهات الاستخدام.

تقليل استهلاك اللحوم والاعتماد على الطعام المحلي:

سلطة أو هامبرجر
نحن لا نقول لك أن تصبح نباتياً، لكن استهلاك اللحوم المفرط خطر صحي عدا عن كونه يتطلب الكثير من موارد الأرض.

زراعة المحاصيل الغذائية يتطلب مساحات واسعة من الأراضي وكميات كبيرة من السماد والمبيدات الحشرية والعناية والحصاد وغيرها… وهي جميعها أشياء تزيد من انبعاثات غازات الدفيئة. تصنيع اللحوم عن طريق تربية الماشية بدوره يتطلب موارد أكبر بكثير لإنتاج نفس الكمية البروتين والمغذيات الأخرى، مما يعني انبعاثات غازات دفيئة أكبر واستخداماً أكبر للطاقة.

مع عجزنا عن الاستغناء التام عن اللحوم والمنتجات الحيوانية (نتيجة حاجتنا لبعض المغذيات غير الموجودة في المنتجات النباتية والتي لا يستطيع جسدنا إنتاجها) فيمكننا على الأقل تقليل استهلاك اللحوم الهائل للبشرية، أو حتى الاعتماد على لحوم حيوانات أقل حاجة للموارد مثل الدجاج والخنازير بدلاً من الأغنام والأبقار مثلاُ.

هكذا انتقال سيقلل من الانبعاثات من جهة ويقلل من الحاجة لأراض زراعية متزايدة، مما يعني تقليل قطع أشجار الغابات وزيادة قدرة الأرض على تقليل نسبة غاز الدفيئة الأساسي: ثنائي أوكسيد الكربون في الهواء.

التوقف عن قطع أشجار الغابات بشكل جدي:

قطع أشجار الغابات
الغابات الخضراء هي الوسيلة الأفضل لنا لتقليل خطر غازات الدفيئة.

الغابات الاستوائية هي الوسيلة الأكثر فعالية حتى الآن لتنقية الهواء من ثنائي أوكسيد الكربون وتقليل امتصاص الأرض للحرارة القادمة من الشمس، أي أنها الخط الدفاعي الأول ضد الاحتباس الحراري وارتفاع درجة حرارة الأرض.

لكن هذه الغابات تتعرض للقطع الجائر؛ لها فملايين الهكتارات من أراضي الغابات يتم تدميرها للحصول على الأخشاب بشكل سنوي، وهذا ما يزيد من انبعاثات ثنائي الكربون بمقدار 1.5 بليون طن سنوياً.

إعادة تدوير الورق واستخدام المنتجات الخشبية المستعملة بدلاً من شراء تلك الجديدة من شأنه أن يقلل قطع أشجار الغابات، كما أن إعادة زراعة الأشجار في الأراضي التي قطعت أشجارها قد يوصلنا إلى حالة توازن حيث لا نستنزف موارد الغابات ويصبح كمية الخشب المستهلك مساوياً لكمية الخشب المنتج.

تقليل الولادات وحتى اعتماد سياسة الطفل الواحد:

سياسة الطفل الواحد
عدد أقل من الأطفال يعني كمية أقل من الموارد اللازمة وفرصة أكبر للحفاظ على بقائنا.

مع تجاوز عدد البشر عتبة 7 بلايين نسمة وتوقع وصول الرقم لما يزيد عن 9 بلايين بحلول عام 2050؛ فالانفجار السكاني مشكلة خطيرة للغاية تهدد وجودنا الآن كوننا نستهلك أصلاً موارد هائلة للأرض، وازدياد السكان سيفرض الحاجة للمزيد من الطاقة والمنتجات والطعام والموارد كافة، وسيكون عائقاً كبيراً أمام مساعي منع تفاقم كارثة الاحتباس الحراري.

بطبيعة الحال، فسياسة الطفل الواحد ليست سياسة مستدامة إذ تتسبب بأزمات كبيرة على المدى البعيد، لكنها قد تكون ضرورية لمدة زمنية على الأقل ريثما يستقر عدد البشر ويصبح من الممكن الحفاظ على معدل ولادات 2.1 للمرأة الواحدة، والذي يعد المعدل المثالي للحفاظ على ازدهار الحضارة دون انفجار عدد السكان.

في النهاية، هناك العديد من الحلول الراديكالية المقترحة الآن والتي تتراوح من بكتريا معدلة جينياً لامتصاص ثنائي أوكسيد الكربون وتفكيك البلاستك، وأفكار قد تبدو جنونية كحواجز فضائية عملاقة تحيط بالأرض وتقلل من تعرضها للشمس وبالنتيجة تقلل من ارتفاع حرارتها، لكن هذه الحلول لا تزال في طور الدراسة ولا يمكن التنبؤ بنتائجها التي قد تكون كارثية لنا، لذا فخيارنا الأفضل هو استخدام الوسائل الممكنة والتي تعلم مقدار فعاليتها.

مقالات إعلانية