in

ممثلة مصرية ترتدي ثوباً جذاباً ملفتاً الذي قد يكون سبباً في دخولها السجن بتهمة ”الفسق والفجور“

اعتذرت الممثلة رانيا يوسف عن ارتدائها لباساً كاشفاً لبعض تفاصيل جسدها في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي.

الفنانة رانيا يوسف

خلال الأسبوع الماضي؛ مشت ممثلة مصرية باختيال وتباهٍ فوق السجادة الحمراء في القاهرة وكانت ترتدي فستاناً شفافاً من الدانتيل من ناحية الفخذين والساقين إلى حدود القدمين، حيث كان أملها أن تلفت الأنظار وتذهل العقول وتأسر القلوب في عالم الاحتفالات السينمائية، ولكن عوضاً عن ذلك هي تواجه الآن تهم جنائية من الممكن أن تدخلها السجن.

قام ثلاثة محامين معروفين باستخدامهم الدائم للمحاكم في رفع دعاوى قضائية متعلقة بالأخلاق العامة في مصر برفع قضية ضد الممثلة رانيا يوسف، متهمين إياها بارتداء ثوب ”يحرض على الفسق والفجور“ في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي.

الآن قد تم تحديد موعد جلسة المحكمة الافتتاحية في شهر يناير من عام 2019، ومن الممكن في حال ثبتت التهمة على الممثلة الأربعينية أن تواجه عقوبة سجن قد تصل إلى خمسة أعوام.

هذه القضية هي أحدث قضية من سلسلة القضايا التي تستهدف شخصيات مصرية مشهورة ورفيعة المستوى تحت ظل حكم الرئيس عبد الفتاح السيسي، حيث غالباً ما يتم استدعاء هؤلاء الممثلين والشخصيات الاعتبارية إلى المحاكم بتهم سخيفة كارتداء ملابس غير محتشمة، أو التصرف غير اللائق على خشبات المسارح، أو شاشات التلفزة، أو التلفظ بعبارات غير لائقة، وحتى أنهم قد بدأوا يحاسبونهم على إطلاقهم للنكت بحجة حماية نسخة هشة من القيم والقومية المصرية.

غالباً ما تفشل هذه الملاحقات القضائية في تحقيق أي نتيجة، فمثلاً في قضية مشابهة نسبياً حكمت المحكمة في البداية على مغنية البوب المصرية شيرين عبد الوهاب بالسجن لمدة ستة أشهر بسبب قولها لنكتة على المسرح تسخر بها من نوعية ونظافة مياه نهر النيل، المعروفة بأنها سيئة السمعة وغير قابلة للشرب لكونها ملوثة بشدة، ولكن الحكم النهائي بعد الاستئناف كان البراءة التامة لها. ولكن في بعض الأحيان قد تثبت التهم المتعلقة بخرق الآداب العامة وتسبب إدانة المتهم مما قد يسبب حكماً بالسجن للعديد من الفنانين.

وقد أثرت هذه الملاحقات القضائية التي تحدث في مجال الإعلام والفن المصري تحت ظل حكم السيسي على حرية التعبير بشكل كبير، غير أن الحكومة المصرية ألفت تقييد العديد من الحريات العامة من قبل، كالحرية الجنسية، كما تفرض قيوداً على المثليين الجنسيين.

كما يوجد الآن في سجون مصر المكتظة مغنٍ حُبس بتهمة القيام بإشارات بذيئة في فيديو كليب لأغنية بوب خاصة به، وناشطة حقوقية نشرت فيديو على فيسبوك تتحدث فيه بألفاظ بذيئة عن تعرضها للتحرش في الأماكن العامة المصرية.

لطالما شكّل لباس النساء صدعاً في جُدر الثقافة المصرية ومشكلة كبيرة، في حين تختلف الآراء حول تقليد الرقص الشرقي فمنهم من يعتبره أمراً مثيراً للاهتمام، ومنهم من يعتبره أمراً مثيراً للاشمئزاز.

أثار الثوب التي ارتدته رانيا يوسف -فستان شفاف يظهر أغلب ساقيها- حفيظة العديد من المصريين المتشددين مما دعاهم لدعم تحريك مثل هذه القضية ضدها، حيث غرد أحدهم على تويتر قائلاً: ”يجب عليها وعلى الأشخاص الذين سمحوا لها بالظهور بهذا المظهر أن يقادوا إلى المحاكم“.

الفنانة رانيا يوسف
الفنانة رانيا يوسف – صورة: Suhail Saleh/Agence France-Presse/Getty Images

بينما يرى مصريون آخرون أن هذه القضية تُظهر الوجه والفكر الذكوري المقرف الذي ينطوي تحته تفكير هؤلاء الذين قاموا برفع مثل هذه الدعوة ضد الممثلة، والذين استغلوا وجود مواد غريبة وغامضة في القانون المصري، كإهانة الأخلاق العامة وإضعاف الأمة المصرية، وحوروها لمصلحتهم مما سمح لهم برفع أنواع دعاوى تافهة وسخيفة مثل التي قدموها.

غرد المخرج المصري عمرو سلامة على تويتر قائلاً: ”هذا الفستان يظهر شغفك فقط يا رانيا“.

اعتذرت رانيا عن ارتدائها لهذا الثوب وأكدت على احترامها للقيم الثقافية والأخلاقية المصرية، حيث صرحت قائلةً:

”احتراماً لمشاعر كل أسرة مصرية أغضبها الفستان الذي ارتديته في حفل ختام مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، أود أن أؤكد أنني لم أكن أقصد الظهور بشكل يثير حفيظة وغضب الكثيرين ممن اعتبروا الفستان غير لائق، من الممكن أن يكون قد خانني التقدير حيث ارتديت الفستان للمرة الأولى ولم أكن أتوقع أن يثير كل هذا الغضب.

غالبا ما تؤثر آراء مصممي الأزياء والموضة على قرارات اختيار الملابس، وقد يكونوا وضعوا في الاعتبار أننا في مهرجان دولي ولم أكن أتوقع ما حدث وإن كنت أعلم لما ارتديت الفستان من الأساس، وهنا أكرر التأكيد على تمسكي بالقيم والأخلاق التي تربينا عليها في المجتمع المصري والتي كانت وما تزال وستظل محل احترام، وإنني أعتز بكوني فنانة لها رصيد طيب وإيجابي لدى الجمهور، فإنني أتمنى من الجميع تفهّم حسن نيتي وعدم رغبتي في إغضاب أحد وإن شاء الله سأكون عند حسن ظن الجميع“.

ادّعى أحد هؤلاء المحامين الثلاثة، الذي يدعى سمير صبري، أنه خلال مسيرته في مجال المحاماة التي فاقت 40 سنة رفع أكثر من 2700 دعوة استهدفت شخصيات مؤثرة في المجتمع المصري كممثلين، ورجال دين، وسياسيين وحتى راقصات شرقيات، حتى أنه قد رفع دعوى قضائية ضد منتجي برنامج الدمى الشهير المعروف بعنوان «أبلة فاهيتا» لقيام الممثلة بتأدية دور كوميدي مأخوذ عن رواية Fifty Shades of Grey، ولكن القضية فشلت لسخافتها. كما رفع المحامي صبري المؤيد للرئيس السيسي دعاوى قضائية ضد خصوم الرئيس السياسيين، بما في ذلك أعداء من جماعة الإخوان المسلمين.

في عام 2013 دعم العديد من المصريين انقلاباً عسكرياً نفذه الرئيس المصري الحالي عبد الفتاح السيسي، وكانت نتيجة هذا الانقلاب عزل الرئيس السابق محمد مرسي التابع لجماعة الإخوان المسلمين، والذي كان نظامه يقيد الحريات بشكل كبير وخاصة حرية المرأة وحرية التعبير، ولكن لا يبدو بأن نظام السيسي أفضل من نظام مرسي فهذه الحريات أيضاً الآن لا زالت تمشي باتجاه الاندثار شيئاً فشيئاً.

أدى نشاط المحاكم غير المسبوق هذا في عهد الرئيس السيسي لتقييد العديد من الحريات، وخاصة المتعلقة بحريات الأقليات الدينية والأقليات من ذوي الميول الجنسية المثلية بشكل سريع جداً، وهذه القضية المتعلقة بالممثلة رانيا يوسف تظهر ما أسلفنا ذكره بشكل واضح للغاية.

غالباً ما تكون وتيرة سير القضايا التي تشمل تهماً كهدم الأخلاق العامة وتهديد القومية المصرية سريعةً جداً، فالممثلة يوسف ستمثل أمام المحكمة في 12 يناير عام 2019، بينما يقبع السجناء السياسيون وسجناء الرأي وحقوق الإنسان في سجونهم منذ أعوام منتظرين قدوم موعد محاكمتهم الذي يبدو بأنه لن يأتي.

تقوض هذه القضايا نهوض الاقتصاد المصري المريض أساساً من خلال تأثيرها على تخفيض نسبة السياحة والسياح في مصر، فمن قد يأتي لزيارة دولة تقوض الحريات العامة وتحاسب على لباس الشخص دون أفعاله؟ كما أن المعمعة التي أثارتها قضية رانيا أثرت إعلامياً وخففت من وهج اكتشاف ثماني مومياءات في موقع قريب من أهرامات الجيزة، كما أنها أثرت على وهج المهرجان ككل والذي كان يحتفل بذكرى مرور 40 عاماً على إنشائه.

أما بالنسبة لرانيا فهي تأمل بأن لا تكون جلسة محاكمتها القادمة مثالاً يظهر مدى التقييد الذي وصل له الفن في مصر، ويجدر بنا القول بأن هذه الممثلة وفي هذا العام كانت قد أنهت تصوير فيلم تمثل فيه دور فنانة مشهورة تُرسل إلى السجن، وبعد خروجها تبدأ رحلتها في الكفاح من أجل إعادة بناء حياتها من جديد.

هل ستفشل هذه القضية أم سيتم الزج بالسيدة رانيا في السجن، لننتظر ونرى.

مقالات إعلانية