in

اكتشاف منحوتة بشكل ”قضيب“ يعود تاريخها إلى 1800 سنة في الماضي في إنجلترا

ينزل علماء الآثار داخل مقلع حجارة عمقه 10 أمتار باستخدام الحبال من أجل مسح جدار (هادريان) بواسطة تقنية الليزر، بهدف إنشاء نماذج ذات تفصيل دقيق ثلاثية الأبعاد عن هذه المنحوتات الأثرية التي يزخر بها.

منحوتة قضيب عمرها 1800 سنة في حائط هادريان في إنجلترا

كان «حائط هادريان» سداً وحاجزاً شيّده الرومان من أجل توفير الحماية لهم ضد قبائل أعدائهم البرابرة، ويبلغ من العمر ما تبقى من هذا الهيكل ألفاً من الزمن، وواقع أنه مازال منتصباً إلى يومنا هذا ما هو إلا شهادة على الإتقان الهندسي لدى الرومان.

لطالما كان هذا الحائط يستدعي بعض التصليحات بالطبع، ولأجل نفس الغرض راح الجنود الرومان الأوفياء ينقلون مواد البناء إليه ويعززون من بناء الأجزاء التي بدى وكأنها مهددة بالسقوط منه. عندما كان الملل ينال من هؤلاء الرومان، كانوا يخلّفون علاماتهم المميزة على الحائط بأكثر من طريقة.

وحد علماء الآثار من جامعة (نيوكاسل) وهيئة Historic England جهودهم من أجل تسجيل وتوثيق هذه المنحوتات المكتشفة حديثاً، والتي تتضمن كاريكاتورات، وعبارات، وحتى رسومات تبرز قضيباً بشرياً.

يعرف هذا الحائط ويشتهر باسم «صخر (جيلت) المكتوب»، وقد تعلم الباحثون الكثير من الخبايا من خلال النزول داخل مقلع الحجارة، البالغ من العمق 10 أمتار والمتواجد في (كومبريا)، واستكشاف كل تلك المنحوتات التي تمنحهم نظرة شاملة على ما كان يجول في عقول الجنود الذين ساهموا في أعمال صيانته وكيف كانوا يقضون أوقات فراغهم.

كتابات رومانية منحوتة في حائط هادريان
كتابات رومانية منحوتة في الجدار. صورة: Historic England

يعود تاريخ نحت إحدى المنحوتات، وهي عبارة: APRO ET MAXIMO CONSVLIBVS OFICINA MERCATI إلى السنة 207 ميلادي، عندما خضع جدار (هادريان) إلى إصلاحات كبيرة وواسعة وأعمال تحديث تحت إشراف كل من (آبر) و(ماكسيموس).

يعتبر نحت القضيب —الذي يعد رمزاً للحظ الجيد بالنسبة للرومان آنذاك— واحداً من عدة منحوتات مازالت قيد الدراسة والتحليل، وكان يُعتقد في السابق أن «صخر (جيلت) المكتوب» يحتوي على تسعة كتابات رومانية منحوتة، وبينما يمكن اعتبار أن ستة منها أصبحت قابلة للقراءة الآن، فإن الباحثين يتوقعون العثور على المزيد.

يشير كذلك المنظر الذي تمنحه هذه الصخرة التاريخية إلى المشاعر الشخصية التي كانت تتحرك في نفوس الجنود الذين ساهموا في بناء الحائط وصيانته، والطريقة التي كانوا ينظرون بها إلى قادتهم والمشرفين عليهم، حيث نحت هؤلاء رسما كاريكاتوريا لأحد الضباط المسؤولين عن أعمال الصيانة والإصلاح.

يقول (مايك كولينز)، مسؤول الآثار القديمة في حائط (هادريان) لدى Historic England: ”إن هذه المنحوتات الموجودة على صخر (جيلت) المكتوب تمنحنا نظرة داخل تنظيم مشروع ضخم يتجلى في بناء وتشييد حائط (هادريان)، ناهيك عن بعض اللمسات الإنسانية والشخصية، على شاكلة الرسومات الكاريكاتورية التي تناولت أحد الضباط المسؤولين، والتي رسمتها مجموعة من الجنود“.

رسم كاريكاتوري منحوت في الحائط، يعود على الأرجح لأحد الضباط المشرفين.
رسم كاريكاتوري منحوت في الحائط، يعود على الأرجح لأحد الضباط المشرفين.

يعتبر كل من في الموقع هذه الاكتشافات مثيرة للحماس ذلك أن الوصول إليها والنظر إليها لم يكن متاحاً بعد ثمانينات القرن الماضي، وذلك بعد انهيار أحد الطرقات المؤدية أسفل المقلع بفعل أخدود لنهر (جيلت) المجاور.

لسوء الحظ، تعرض الحائط لقدر كبير من الحت والتعرية بسبب مياه النهر منذ ذلك الوقت، مما يجعل من تسجيل وتوثيق كل ما فيه من منحوتات أمرا حيويا وضروريا جداً.

يقول (يان هاينز)، وهو بروفيسور علم الآثار في جامعة (نيوكاسل): ”إن هذه المنحوتات معرضة لأضرار لاحقة“، وأضاف: ”إن هذه فرصة عظيمة لتوثيقها مثلما هي عليه في سنة 2019، وذلك باستخدام أفضل التكنولوجيا الحديثة من أجل ضمان القدرة على دراستها في المستقبل“.

من الناحية العملية، يعني هذا الاضطرار إلى استخدام الحبال من أجل النزول إلى داخل مقلع الحجارة، واستخدام تقنية المسح الليزري لتوثيق هذه المنحوتات بأكثر تفصيل ممكن، ثم العمل على ما تم مسحه ومعالجته بواسطة الحواسيب لتحويله إلى نماذج رقمية ثلاثية الأبعاد لدراستها مستقبلاً.

لربما كان أفضل شيء وأكثره إثارة للاهتمام حول هذه المغامرة التاريخية هو أن الناس سيكونون قادرين على مشاهدة هذه المنحوتات عن كثب، على الرغم من أنها قد تكون رقمية، وذلك للمرة الأولى منذ 40 سنة.

مقالات إعلانية