لمدينة باكو الأثرية تاريخ إسلامي عريق يمتد من العصور الوسطى، وصولاً إلى القرنين التاسع عشر والعشرين، حينها تأثرت المدينة بأسلوب العمارة الأوروبي والتصاميم وناطحات السحاب.
يمكننا التعرف على تاريخ هذا البلد العريق والدفين من خلال استكشاف العمارة المذهلة لهذه المدينة، والأطوار المعمارية المتغيرة وفقاً لفترات زمنية مختلفة.
لمحة تاريخية عن باكو
من المهم والضروري أن نتعرف على قصة هذه المدينة قبل الخوض في رحلة تاريخية معمارية حولها.
منذ 2000 عام تقريباً، انتشرت الديانة الزرادشتية في البلد. ازدهرت المدينة القديمة ونمت وأصبحت محصنة في القرن الثاني عشر.
استقر الشروانشاهيون –نسبة إلى منطقة تاريخية في القوقاز تُدعى شروان– في باكو، وجعلوا منها عاصمة لهم في القرن الخامس عشر، وهذا عقب وقوع زلالٍ شماخى الشهير.
كانت أذربيجان بعدها مسرحاً لتصارع قوى عالمية وقتها، كالفرس والعثمانيين والامبراطورية الروسية. استطاع الروس السيطرة على المنطقة عام 1813، وشهدت أذربيجان أول انتعاش نفطي لها في القرن التاسع عشر، مما دفع بالبارونات الأثرياء إلى بناء القصور والمنازل الفخمة، والتي بقيت حتى يومنا هذا.
حكم السوفيات لاحقاً تلك المنطقة لفترة طويلة من القرن العشرين، وهكذا كانت المصادر والموارد الطبيعية، والانتعاش النفطي بدون شك، إحدى الأسباب التي ساعدت هذا البلد في اللحاق بالدول المتطورة.
لأسلوب العمارة في باكو نكهة خاصة: المدينة القديمة بعمارتها التي تعود إلى القرون الوسطى، وناطحات السحاب التي بُنيت بأموال النفط، وصولاً إلى الأحياء السوفياتية والتصاميم المعاصرة وغيرها…
تابعوا معنا هذه المقالة لتكتشفوا هذا البلد الساحر والعمارة المميزة التي تجعل من يراها يعتقد أنه في قلب أوروبا.
1. المدينة القديمة

يعود تصميم وبناء المدينة القديمة، أو المدينة الداخلية، إلى القرن الثاني عشر. وإن زرتها ستشاهد الكثير من الأبنية المصممة على الطراز الإسلامي، كقصر الشروانشاه والمساجد القديمة والحمامات السابقة. تتشابك الأزقة في هذه المدينة المبنية على هضبة مرتفعة. يعرض الباعة منتجات أذرية تقليدية، كالسجاد والهدايا وغيرها.

هناك أيضاً برج العذراء، أو برج مايدن كما يُسمى بالإنجليزية، وهو برج قديم اسطواني الشكل ترتفع قمته عالياً، وهو أبرز الأمثلة عن عمارة العصور الوسطى في باكو.
عاش القسم الأكبر من السكان ضمن المدينة القديمة حتى أوائل القرن التاسع عشر، عندها غيّر النفط حياة الأذريين إلى الأبد.
2. قصر الإسماعيلية


عندما أصبحت باكو جزءاً من الإمبراطورية الروسية وساهم النفط في إثراء السكان، أراد أغنياء باكو تشييد منازل وقصور تعكس ذلك الثراء. وكان (محسن شهير موسى ناجييف) أحد أولئك الأثرياء.


للأسف، قصة هذا القصر ليست بقدر روعته وجماله، بل هي قصة حزينة نوعاً ما. حيث توفي وقتها ابن (ناجييف)، والذي كان يُدعى (اسماعيل). فقرر الوالد بناء قصرٍ متجانس وضخم في شارع الاستقلال تخليداً لذكرى ابنه، وانتهى البناء عام 1913.
3. مسرح أكاديمية دولة أذربيجان للأوبرا والباليه

وهو بناء يمتاز بلونيه الأسود والأصفر وأسلوب الفن الجديد، وهو مطابق لأسلوب العمارة في الامبرطورية الروسية، وافتتح عام 1911. يتميز المبنى بتصميمه الفريد، لكن تاريخه أغرب بكثير.

القصة وراء هذا المبنى هي كالتالي: غضب أحد الأثرياء لأنه لم يتلق دعوة إلى حفلة أقامتها مغنية أوبرا شهيرة في منزلها. لذا قرر الرجل بناء دار أوبرا خاص به، وأصبح اليوم مسرحاً. لكن هذا ليس كل شي، خاض الرجل الثري رهاناً مع أحد البارونات، وكان الرهان ينص على دفع البارون أموالاً إن لم ينته بناء دار الأوبرا خلال 10 أشهر. انتهى البناء في الموعد، وفاز الرجل الثري برهانه.
4. قصر السعادة

يمتاز هذا القصر بأسلوب العمارة القوطي الحديث، وهو –كالعديد من القصور على هذه القائمة –ناجمٌ عن ازدهار النفط وإنفاق الأغنياء مبالغ مالية ضخمة على متعهم الشخصية. وظَف (مورتوزى موختاروف) المعماري البولندي (يوزف بيوشكو) لتقليد مبنى في فرنسا أعُجبت به زوجة (موختاروف).
استغرق بناء القصر 9 أشهر فقط، واكتمل البناء عام 1912. لكن عندما جاءت الشيوعية، اشتاح البلاشفة القصر عام 1920، فرد البارون عليهم بإطلاق النار. قتل البارون 3 ضباط قبل أن يوجه السلاح إلى رأسه. اليوم، يستضيف المبنى التاريخي المؤلف من 5 طوابق قصر تسجيلات الزواج.
5. مبنى الحكومة

هو مبنى هائل الضخامة في مركز المدينة على جادة Neftchilar، وعندما تشاهد هذا المبنى ستشعر على الفور بالجمال المعماري. لا يمكننا التخيّل أن الحكام الذين أمروا بتشييد مبنى الباروك الخلاب هذا هم نفسهم من شيّد تلك المجمعات السكنية الشيوعية الجامدة، والتي تنتشر عبر شرق أوروبا.

انتهى تشييد المبنى عام 1952، وكان يتسع لـ 5500 موظف حكومي. أما اليوم، فيحتل مبنى الحكومة مركزاً في قائمة أجمل المباني المعمارية في باكو.
6. كنيسة المُخلّص في باكو

هي كنيسة لوثرية مبنية بأسلوب العمارة القوطي ومؤلفة من 3 طوابق. تقع الكنيسة قرب شارع 28 مايو، ويعود تاريخ بنائها إلى أواخر القرن التاسع عشر. خلال فترة الانتعاش النفطي التي شهدتها باكو، تدفق الأوروبيون، وتحديداً الألمان، إلى باكو للاستثمار والعمل. وهكذا كانت الكنيسة المعروفة باسم (كيرشي) –وهي كلمة ألمانية تعني كنيسة –تماثل الكثير من الكنائس في ألمانيا.

عندما وصل السوفيات إلى باكو، قدم الأذريون اللوثريون وعداً بأن يصلوا لـ (ستالين) إذا لم يهدم السوفيات الكنيسة. أعدم السوفيات الأذريين اللوثريين في العام التالي، وأصبحت الكنيسة لاحقاً قاعة حفلات موسيقية.
7. أبراج اللهب

يختلط تاريخ وثقافة أذربيجان مع النار بشكل عام. فمنذ القدم، عبد الزرداشتيون النار. واليوم، يشعل احتياطي الغاز اقتصاد هذا البلد مما يسمح بتشييد تلك المباني العملاقة وناطحات السحاب.

إذا أردت تجربة العمارة المعاصرة في باكو، فعليك بزيارة أبراج اللهب. وهي عبارة عن 3 ناطحات سحاب بتصاميم منحنية ومثلثية بحيث تبدو وكأنها لهبٌ مشتعل.
بُنيت ناطحات السحاب على هضبة، ويصل ارتفاع أطولها إلى 182 متر، مما يجعلها أيقونة للمدينة وأطول ناطحة سحاب في البلد.

لكن عليك مشاهدتها في الليل، حيث تُضاء الأبراج ويتغير لونها وفقاً لألوان علم أذربيجان ولون النار.
8. مركز حيدر علييف

يُعد هذا المركز رمز الحداثة في باكو، وهو يحمل اسم الرئيس الأسبق (حيدر علييف)، ويهدف إلى خلق نوعٍ من الانفتاح والإيجابية والرومانسية في عاصمة البلاد. لكن الهدف الأكبر هو استغلال تلك التصاميم المنحنية والمتموجة لخلق بناء سائل يناقض تلك المجمعات السوفياتية السكنية التي صممتها السلطات سابقاً.

انتهى البناء عام 2012، وتجدر بنا الإشارة إلى مصمم هذا المركز، وهي المعمارية الشهيرة زها حديد التي نالت الكثير من الجوائز عن تصميمها المبتكر.

يحوي المركز متحفاً وقاعة مؤتمرات ومعرض فني. وإذا أردت زيارة هذا المبنى الفريد والتعرف على أسلوب العمارة الحديثة في باكو، فاتجه إلى محطة المترو <<ناريمان ناريمانوف>>، وعندها سيكون مركز حيدر علييف على بعد 5 دقائق سيراً على الأقدام.
9. متحف تاريخ أذربيجان

يمنحك الترحال والسفر حول العالم فرصة فريدة ورائعة للتعرف على العالم ورؤية المعارض والأدوات الأثرية. وهنا في باكو، بإمكانك زيارة متحف التاريخ المتموضع داخل منزل فخمٍ مبني على أسلوب عمارة النهضة الإيطالية.
يحوي المتحف نحو 300 ألف قطعة أثرية، ويحكي لنا تاريخ هذا البلد من العصور القديمة وحتى العصر الحديث، وهو بذلك أكبر متحف في أذربيجان وأحد المعالم المميزة في باكو.
10. شارع نظامي

سُمي هذا الشارع تيمناً بشاعر أذري يُدعى (نظامي غانجافي)، وهو شارع يمتد لـ 3 كيلومترات ونصف، وهو يشكل بذلك منطقة محال تجارية خلابة.


إذا سرت في هذا الشارع، فامعن النظر في الأسلوب المعماري للأبنية: حيث ستلاحظ أن أسلوب العمارة يتغير على طول الشارع، من أسلوب الباروك إلى الأسلوب القوطي الحديث وصولاً إلى النهضة الحديثة، وبالتأكيد، ستجد بعض الأبنية الجامدة المبنية على الطراز الشيوعي.
11. ساحة النوافير

إحدى المعالم المهمة في باكو، وهي ساحة للمشاة تحوي عشرات النوافير التي تملأ المنطقة من شارع نظامي وصولاً إلى الأسوار الشرقية للمدينة القديمة.


تحوي الساحة أيضاً عدة بارات ومقاهي ومطاعم بشرفات خارجية تطل على الشارع.
12. ساحة العلم الوطني

افتُتحت هذه الساحة عام 2007، وهي رمز وطني مهم. كما تحوي أضخم علمٍ في العالم بقياس 70 بـ 35 متر، متموضع على سارية يصل ارتفاعها إلى 162 متر. وهكذا استطاع العلم الأذري دخول موسوعة غينيس للأرقام القياسية. لكن طاجكستان تبوّأت هذا المركز حالياً.
13. صالة الكريستال

هي مبنى مُصمم لعدد من الأغراض والنشاطات، فهي مخصصة لاستضافة الأحداث الرياضية والحفلات الموسيقية داخل المبنى، حيث استضافت الصالة مسابقة الغناء Eurovision عام 2012.
بدأت عمليات بنائها في شهر أغسطس عام 2011، واستغرق البناء 8 أشهر فقط، وحدث الافتتاح في السابع من شهر مايو عام 2012، وكلّف المشروع بأكمله 350 مليون دولار أمريكي.

يتسع المبنى لنحو 27 ألف شخص، وهو بالتالي من أكبر المباني في البلد. لكن لهذه الصالة قصة مثيرة للجدل، حيث ادعت منظمات حقوق الإنسان، ومنها «هيومن رايتس ووتش»، أن الحكومة الأذرية أجلت عشرات العائلات كي يتسنى لها استخدام منطقة أكبر للبناء، وأن الحكومة لم تقدم أي تعويضات لتلك العائلات، لكن أذربيجان تنكر تلك الاتهامات.
14. البندقية الصغرى

إذا كنتم تحلمون بزيارة البندقية في إيطاليا ولم تسنح لكم الفرصة، فبإمكانكم زيارة بندقية أخرى مشابهة لها في أذربيجان.

البندقية الصغرى هي منطقة صغيرة على جادة باكو، وهي عبارة عن جزيرتين كبيرتين وأخرتين صغيرتين، تتصل الجزر مع بعضها عن طريق الجسور.
يدفع السكان والسياح مبلغاً مادياً رمزياً مقابل أخذ جولة في النسخة الأذرية من الجنادل عبر نظام القناة الاصطناعي. افتتحت البندقية الصغرى في ستينيات القرن الماضي، وهي اليوم من المعالم الشهيرة في باكو.
15. مُتحف السجاد

معلم رائع بُني عام 1967 وأصبح أول متحف في العالم صُمم لهذا الغرض. أكثر ما يميّز هذا المبنى هو تصميمه الفريد الذي يبدو على هيئة سجادة مطوية ومزينة بالنقوش.

وإذا دخلت المتحف، بإمكانك التعرّف على تاريخ نسج السجاد في البلد والأهمية الثقافية لهذه الصناعة.
16. متحف نظامي للأدب

في نهاية شارع نظامي وقرب المدينة الداخلية، ستجد متحف الأدب. وهو متحف سُمي تيمناً بشاعر فارسي من القرن الثاني عشر.

يملك المبنى واجهة جذابة، ويتميز بالتماثيل الـ 6 التي تُجسد أشهر الشعراء والكتاب والأدباء في تاريخ البلد.
وهكذا نكون قد تعرفنا على أهم المعالم السياحية المعمارية في العاصمة الأذرية باكو.

ننصحكم فعلاً بزيارة هذا البلد الحديث والتعرّف على تاريخه، وكيف استطاع اللحاق بالدول المتطورة من خلال استثمار الموارد الطبيعية كالنفط والغاز.