in

بعد مرور 167 عاماً لإنطلاق الصحافة السريانية الآشورية

مراحل الإنتقال من العجلة الى القلم، ومن الطين إلى الحبر:

إنطلقت الصحافة السريانية، أو كما يحلو للبعض تسميتها بـ”الآشورية“، بجريدة ”زهريري دبهرا“ العريقة ذات الاصدار الشهري، وبواقع أربعة صفحات وباللغة السريانية، رئيس تحريرها د. ”بنيامين لاباري“ بمساعدة من ”رابي ميرزا شموئيل“.

مرت أكثر من 167 سنة على هذا الإنجاز الحضاري لواحدة من أقدم النهضات الصحفية في الشرق الأوسط، إذ سبقت الصحافة العراقية بـ18 سنة، وسبقت شقيقتها الكردية بـ49 سنة! فكانت مؤسسة ومدرسة في آنٍ واحدٍ لأنها لم ترث خبرة ولا وسيلة ولا طريقة عمل، بل شقت طريقها الوعر بنفسها عبر مواضيعها الأخبارية والثقافية والتعليمية والتوجيهية.

تمتلك الصحافة السريانية ”الآشورية“ خصائص معينة تتمايز في عدة نقاط وهي:

1. السبق في الظهور: ظهور الصحافة السريانية ”زهريري دبهرا 1-11-1849“ قبل العراقية ”الزوراء 1867“، والكُردية ”كردستان 1898“ أعطاها مساحة كبيرة خالية من تجارب سابقة لتستفيد منها، فكانت الجريدة والمؤسسة الصحفية والمدرسة الأدبية للمراحل اللاحقة، فقد صنعت لنفسها شكلا وكينونة خاصة ومتميزة.

2. علاقتها بالإرساليات المسيحية: إرتباط ظهور الصحافة السريانية بالإرساليات المسيحية التبشيرية ”الأمريكية – الفرنسية – الروسية – …إلخ“، فأختلفت مقاصد الصحف الصادرة نظراً للإختلافات الناجمة عن تبعية البعثات وإختلاف أهدافها، حيث بدأ التنافس بينها لإستمالة الشعب، على سبيل المثال لا الحصر: ساعدت البعثة الأمريكية صحيفة ”زهريري دبهرا/أشعة النور“ في الصدور، وساعدت البعثة الفرنسية في إصدار ”قالا دشرارا/صوت الحق“.

3. الإصدار عن بعد: كان معظمها يصدر بعيدا عن مدن ومناطق الشعب السرياني الآشوري التاريخية (هذا لا يعني الإستخفاف بالوجود التاريخي لهذا الشعب في أورميا/إيران، وديار بكر/تركيا) كصدور صحيفة ”بيث نهرين“ (1916 – 1929) في نيوجرسي بأمريكا لـ”نعوم فائق“، وصدور صحيفة ”خدانايوثا سوريتا“ / الجامعة السريانية (1934 – 1961) لـ”فريد نزهة“ في بوينس آيرس بالأرجنتين، وذلك لأسباب متعددة ومختلفة أغلبها سياسي، بالإضافة إلى الاضطهاد الذي كان يمارس عليها، وهذه النقطة تتشاركها الصحافة السريانية مع نظيرتها الكُردية لتشابه الظروف.

4. عدم الإستمرارية: تشترك معظم الصحف السريانية بعدم الإستمرارية، وهذه العدوى مستمرة الى يومنا هذا، إذ إنطلقت العديد منها ولم تلبث أن توقفت، على الرغم من تقديمها رؤية جديدة وإثرائها الساحة الصحفية، لكن أسباب التوقف تراوحت بين سياسية كملاحقة مصدريها، وأسباب مالية كعدم وجود رأس المال الكافي لتواصل الطباعة، وأسباب مؤسساتية كقلة محرريها أو موت المؤسسين، على سبيل المثال: ”كوخوا“ -نجم الشرق- (1910 – 1912) لـ”نعوم فائق“ الصادرة في ديار بكر بتركيا، وصحيفة ”مهديانا اثور“ (1910 – 1914) لـ”آشور يوسب“، وصحيفة ”شيبورا“ -البرق- (1912 – 1915) التي أصدرها ”بشار بوراجي“ من ديار بكر بتركيا، وغيرها كثيرة.

5. التعدد اللغوي: تعتبر الصحافة السريانية غنية بمقالات مختلفة لغوياً ومتعددة فكرياً، متأثرة بالثقافة السريانية الآم وبثقافة الشعوب المجاورة، وثقافة الإرساليات أدباً ولغة -التركية والإنكليزية والفرنسية والروسية والعربية والكُردية-، فصدرت باللغة السريانية وبلغات أخرى تكاد تكون أربعة لغات في صحيفة واحدة، كما هو الحال في صحافتنا اليوم، والهدف منها زيادة عدد القراء وتقريب وجهات النظر، ونقل أخبار الشعب وقضيته.

6. الإستقلالية والتحزب والسياسة: إرتبطت الصحافة السريانية ”الآشورية“ بقضايا الأمة فلم تتعدد أهدافها، إنحصرت على نشر الوعي القومي وتثبيت اللغة السريانية في حالات صدورها عن أشخاص، ونشر الوعي السياسي والحقوق والخطابات الحزبية والتوجهات الفكرية التحررية، فكانت الإستقلالية معدومة في كثير من الأحيان، خصوصاً في العقود القريبة الماضية، فاتجهت أغلب الصحف السريانية لتكون مرتبطة بمؤسسة أو منظمة أو حزب.

7. عصرنة اللغة السريانية: تعد هذه النقطة الأهم، فقد كانت الصحافة السريانية بحق الأداة المجددة والناقلة للغة السريانية ومفرداتها الى العصر الحديث والمعاصر، فأصبحت لغة أكاديمية سلسة للكتابة الصحفية، وجاهزة للتعليم بها كافة العلوم والمعارف في المدارس القومية، وبلغة سريانية جديدة مطعمة باللغة الشعبية الدراجة، بعد أن كانت السريانية قبل ظهور صحافتها حبيسة ومقيدة بالكتب الدينية والطقوسية الكنائسية، فخرجت من إطارها التقليدي وانطلقت لتتكيف مع معطيات العصر الجديد.

مقالات إعلانية