in

دخلك بتعرف (فيكتوريا وودهل).. أول امرأة تترشح لرئاسة أمريكا قبل 150 عاماً من الآن

فيكتوريا وودهل
صورة: The New York Public Library

عندما دخلت (هيلاري كلينتون) سباق الرئاسة للوصول إلى البيت الأبيض أول مرة سنة 2008، اعتبرت بعض وسائل الإعلام الدولية حينها أن الولايات المتحدة قد بدأت أخيراً تدخل عصر التغيير المؤسساتي بالاتجاه الصحيح نحو التنوع للخروج من إطار حصرية وصول رئيس أمريكي لسدة الحكم من الذكور والعنصر (الانجلو ساكسوني)، خصوصاً أن المرشح الآخر عن الحزب الديمقراطي حينها مع (كلينتون) كان (باراك أوباما) ذو الأصول الأفريقية.

لكن ما لا يعرفه كثيرون في الولايات المتحدة والعالم بأن أول تجربة لامرأة من أجل الوصول إلى رأس الهرم السياسي كانت قد جرت قبل نحو 150 عاماً وفي الولايات المتحدة تحديداً، فبعد أن بدأت حياتها المهنية كوسيط أو سمسار في (وول ستريت) وكمدافع عن حق المرأة الأمريكية في الاقتراع والانتخاب، دخلت (فيكتوريا وودهل) التاريخ من بابه العريض في سنة 1872 عندما أعلنت ترشحها لمنصب رئيس الجمهورية في أمر لم يحدث من قبل في الولايات المتحدة.

كامرأة مطلقة لمرتين ووسيط في (وول ستريت)، والتي ادعت ذات مرة بأنها كانت قادرة على التواصل مع الموتى، دخلت (فيكتوريا وودهل) التاريخ أيضاً بأن تكون أول أمريكية تظهر صورها على منشورات المرشحين لرئاسة الولايات المتحدة الأمريكية، وقد مضت في هذا الأمر حتى نهايته في عام 1872.

حياتها المبكرة

ولدت (فيكتوريا وودهل) وهي تحمل اسم (فيكتوريا كاليفورنيا كلافلين) في ريف ولاية (أوهايو) في عام 1838، وكان والدها الذي وُصف بأنه ”بائع زيت أعور بعين واحدة تشبه عين الثعبان“، يبيع ما يسمى أكسيراً سحرياً وهو غالباً سائل بلا أي فائدة. كان ذلك الأكسير مشهوراً في تلك الفترة خلال منتصف القرن التاسع عشر، حيث كان الأب يدعي بأن للأكسير قدرات خارقة على معالجة وشفاء أي علة أو مرض من الربو إلى السرطان.

عندما كانت (وودهل) ما تزال طفلة، جعلها والدها تتجه نحو العمل المنتج برفقة أختها (تينيسي). كان عمل الأختان يتمثل في لعب دور الوسيط والعراف، وتمكنت الأختان من تحقيق إنجاز غير مسبوق في مهنة الوساطة في عام 1868 عندما تمكنتا من الحصول على وظيفة عرافة ووسيطة من قبل أكبر قطب في عالم سكة الحديد في الولايات المتحدة آنذاك، رجل الأعمال فاحش الثراء (كورنيليوس فاندربيلت)، الذي لم يكن فقط معجباً بقدرات الفتاتين بل أيضاً كان واقعاً في حب (تينيسي).

على اليمين (كورنيليوس فاندربيلت)؛ رجل أعمال وقطب مشاريع سكة الحديد الأمريكية، وعلى اليسار (فيكتوريا وودهل)
على اليمين (كورنيليوس فاندربيلت)؛ رجل أعمال وقطب مشاريع سكة الحديد الأمريكية – صورة: Heritage Auction Galleries من ويكيميديا، وعلى اليسار (فيكتوريا وودهل) – صورة: The New York Public Library

وبدعم من (كورنيليوس فاندربيلت)، انتقلت الفتاتان من مجرد عرافتين لتصبحا سمسارتين في (وول ستريت)، حيث قامتا بافتتاح أول شركة وساطة ترأسها النساء تحت اسم (وودهل، كلافلين وشركاؤهم) في عام 1870، وعندما نشرت صحيفة (نيو يورك صن) مقالاً تعلن فيه افتتاح الشركة، وضعت للمقال عنوناً يقول «لابسات التنورة بين البليدين كالأبقار والدببة»، وتمكنت الفتاتان من أن تبليا بلاء حسناً وتحققا نتائج جيدة في عملهما عبر الاستفادة من ”مصدر غير مُستغل في استثمار رأس المال“، وهو النساء.

قصدت الشركة -التي خصصت غرفة خلفية ”للنساء فقط“ من أجل النقاشات الخاصة- الأرامل والمعلمات والممثلات وسيدات المجتمع وحتى بنات الليل، حاملات معهن مدخراتهن ليستثمرنها مع الشركة، الأمر الذي مكن الشقيقتين من تحقيق أرباح كافية خولتهما الحصول على شقة في منطقة (مانهاتن) الراقية، وكذلك تأمين الدعم المادي لطموحاتهما السياسية.

السيدة (وودهل) تطالب بحقها في التصويت والاقتراع
السيدة (وودهل) تطالب بحقها في التصويت والاقتراع – صورة: The New York Public Library

صبّت السيدة (وودهل) في بداية الأمر اهتمامها على فكرة حقوق المرأة، وذلك عندما تزوجت للمرة الثانية -إذ على الرغم من أنها انفصلت عن زوجها الأول في خمسينيات القرن التاسع عشر، احتفظت (فيكتوريا) باسم عائلة ذلك الزوج (كانينغ وودهل) لبقية حياتها- أما بالنسبة لزوجها الثاني، العقيد (جايمس بلود)، الذي كان من قدامى المحاربين في الحرب الأهلية الأمريكية والذي كان يحلو له أن يصف نفسه ”المحب الحر“، فهو من شجع (فيكتوريا وودهل) على النضال من أجل حقوق المرأة وزيادة اهتمامها بالأمر بعد زواجهما عام 1866.

بالنسبة لـ(فيكتوريا وودهل) كان مفهوم ”الحب الحر“ يعنيها أكثر في إطار حق المرأة في ”الزواج والطلاق وتحمل نفقة الأولاد دون تدخل الحكومة“، وليس في تلك الأفكار التي تبنتها فيما بعد ما عُرفت بالثورة الجنسية في ستينيات وسبعينيات القرن العشرين، والتي أصبحت ترتبط بمسألة حقوق المرأة منذ ذلك الحين.

وعلى الرغم من مناصرة (وودهل) لبعض الأفكار الأكثر راديكالية في ذلك الوقت مثل تقنين مهنة الدعارة؛ أعلنت في إحدى المرات بأنها تناضل ببساطة من أجل الحصول على ”حقها الطبيعي والدستوري غير القابل للتفاوض بأن تحب من تشاء، وبقدر ما تشاء من الوقت، وبحقها في الانتقال لحب آخر كل يوم إذا أرادت ذلك.“

وفي تجسيد لتلك الأفكار النظرية، اتخذت (وودهل) موقفاً عملياً قوياً آخر عندما أصبحت أول امرأة تدلي بشهادتها أمام لجنة في الكونغرس الأمريكي، حين ظهرت كمدافعة عن معاناة النساء في اللجنة القضائية في مجلس النواب الأمريكي في عام 1871، ولم تدلي بشهادتها أمام اللجنة فحسب، بل جادلت اللجنة بأن التعديلين اللذين تم إقرارهما مؤخراً على الدستور الأمريكي، وهما التعديل الرابع عشر والخامس عشر، قد ضمنا للمرأة حق التصويت، وهو الحق الذي للأسف لم يجد طريقه نحو التنفيذ إلا بعد مرور نحو خمسة عقود.

(فيكتوريا وودهل) وهي تلقي خطابها حول المساواة الدستورية أمام اللجنة القضائية التابعة لمجلس النواب في الولايات المتحدة في 12 يناير 1871
(فيكتوريا وودهل) وهي تلقي خطابها حول المساواة الدستورية أمام اللجنة القضائية التابعة لمجلس النواب في الولايات المتحدة في 12 يناير 1871 – صورة: The New York Public Library

وعلى الرغم من أنها لم تتمكن في حقيقة الأمر من التصويت لنفسها، أعلنت (فيكتوريا وودهل) في عام 1870 بأنها سوف ترشح نفسها لمنصب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، وتم تمويل حملتها الانتخابية للرئاسة من الأموال التي جنتها مع شقيقتها نتيجة العمل في (وول ستريت)، وتم ترشيحها لانتخابات الرئاسة الأمريكية من قبل حزب الحقوق المتساوية الذي كانت قد ساعدت هي نفسها على تأسيسه وتنظيمه فيما بعد في عام 1872.

كانت (وودهل) لتنافس آنذاك الرئيس الأمريكي (يوليوس أس. غرانت) الذي رشح نفسه لدورة ثانية، وقد اختارت (فريديرك دوغلاس) المشهور بتأييده لإلغاء العبودية كنائب ومرافق لها في الانتخابات، إلا أن (دوغلاس) كان قد أعلن انضمامه لحملة الرئيس (يوليوس أس. غرانت) المنافس لها.

رسم كاريكاتوري للسيدة (فيكتوريا وودهل) يصورها كأنها ”سيدة الشيطان“ ساخراً من برنامجها الانتخابي المرتكز على فكرة ”الحب الحر“.
رسم كاريكاتوري للسيدة (فيكتوريا وودهل) يصورها كأنها ”سيدة الشيطان“ ساخراً من برنامجها الانتخابي المرتكز على فكرة ”الحب الحر“.

وهكذا أصبحت (فيكتوريا وودهل) أول امرأة يظهر اسمها على بطاقات المرشحين لرئاسة الولايات المتحدة، لكن ونتيجة لحقيقة أن اسمها تم نزعه أو شطبه عن العديد من تلك البطاقات لأن مرشحة حزب الحقوق المتساوية كانت عملياً قابعة في السجن في يوم الانتخابات بالتحديد بسبب تهم بالتشهير لم تثبت صحتها -أسقطت التهمة فيما بعد-، لم نعرف عدد الأصوات التي حصلت عليها أول امرأة تترشح لرئاسة الولايات المتحدة.

إضافة لما سبق، شكك البعض في شرعية ترشحها أصلا لمنصب رئيس الجمهورية، مبررين الأمر بأنها كانت تبلغ من العمر 34 عاماً في ذلك الحين، وهو سن أقل بعام من الحد الأدنى المقبول للترشح للرئاسة وفق الدستور الأمريكي وتعديلاته.

إرث فيكتوريا:

استمر رد الفعل العنيف على مطالبة (فيكتوريا وودهل) بالمساواة، الذي بدأ مع ”خدعة“ حبسها يوم الانتخابات بتهم تشهير باطلة، طوال السنوات الأخيرة من حقبة السبعينيات في القرن التاسع عشر، وسرعان ما وقعت (وودهل) في خلافات أخرى ولكن هذه المرة مع بعض الناشطات المطالبات بمنح المرأة حق الاقتراع والمؤيدات للحقوق المتساوية بين الرجال والنساء على غرار (سوزان بي. أنطوني)، التي أرسلت برسالة إلى ناشطة حقوقية أخرى أعلنت فيها تبرأها من الأختين (فيكتوريا) و(تينيسي) ووصفتهما بأنهما ”كلتاهما تعتبران غير محتشمتين وبذيئتين“.

ونتيجة الضغوط المتزايدة عليها، حصلت (فيكتوريا وودهل) على الطلاق من العقيد (بولد) في عام 1876، وذلك قبل فترة قصيرة من انتقالها للعيش في لندن حيث التقت زوجها الثالث والأخير: (جون بيدلوف مارتن).

في نهاية المطاف، توفيت (فيكتوريا وودهل) في انجلترا في عام 1927، وذلك بعد سبع سنوات من التعديل التاسع عشر في الدستور الأمريكي الذي ضمن للنساء في الولايات المتحدة حق الاقتراع والتصويت، لكن هذا لم يحدث إلا بعد مرور حوالي قرن على ترشح أول امرأة بشكل جدي للوصول إلى قمة الهرم السياسي في الولايات المتحدة الأمريكية.

مقالات إعلانية