in

عمر سليمان… ما بعد العالمية!

عمر سليمان
صورة لـmichel mees من فليكر

كان يستل سيجارته من التبغ العربي الواحدة تلو الأخرى، يمرر الدخان إلى رئتيه الهرمتين ولا يبالي بتأثير ذلك عليه، فقد كان جمهوره لا يتعدى بسطاء في حفلات شعبية. أما الآن فقد أصبحت السيجارة الإلكترونية لا تفارق أصابعه الخشنة،—التي أرهقتها حرثه أثناء عمله في الفلاحة—، محافظاً على ما تبقى من حنجرته المعتقة، حتى يدندن بأحباله الصوتية لجمهوره في أنحاء العالم، التي باتت أغانيه تطربهم باختلاف ثقافتهم ولغاتهم، تغزو مسامعهم، متراقصين على أنغام غالباً لا يفهمون كلمتها.

يضع رجله فوق الأخرى، بارستقراطية، ساقاه متصالبتين كأنه اقتعد عرشاً، يمكنك أن ترى عيناه الناعستين من خلف نظارته الشمسية التي لا يخلعها إلا إذا اختلى بنفسه!

شارب كثيف، ومازال ينفث الدخان لتتسلل ألسنة الدخان خلال شاربه، يرتدي ثوبه التقليدي، وكوفية، يتهدل من أكمامه عبق التاريخ! وكأنه انتقل من الصحراء عبر بوابة زمنية إلى أوروبا، محافظاً على تراثه ومعتزاً به.

يجلس مؤقتاً في شقة تعود لمدير أعماله، كالمعتاد يتجهز لإحياء حفلة جديدة في إحدى مدن القارة العجوز. وما زال الصحفيون يترددون عليه لعقد لقاءاتهم يومياً، كلماته ينطقها بصوت خافت وبلكنة بسيطة، يسهل على العارف بأساسيات اللغة العربية فهمها، متداخلة مع حس الفكاهة، لكن بنبرة خشنة وملامح حادة، تتراوح بين الوقار والإتضاع.

تتجمع المشاهد السالفة لتترجم ذاتها للناظر إلى حال هذا الرجل الآن، لتشكل صورة مذهلة لتلك الأحفورة الحية ”عمر سليمان“.

ما أوصله للعالمية..؟

عمر سليمان
صورة لـEstefanía Henríquez Cubillos من فليكر

مسألة ضربات الحظ لا تنطبع إلا بقواميس الجهلة، فشخص مثل عمر سليمان، قد ذاق المر على مدار سنين. لترى نجاح مسيرة أحدهم، لا تنظر إلى حاضر ما وصل إليه، بل تتبع الأحداث المندرجة بالتسلسل الزمني لحياته.

بالنسبة لعمر، عمله في الفلاحة، وحياته في البادية، وعمله لساعات طويلة في حفلات شعبية وأعراس بمقابل زهيد، وبصيت متقوقع على ذاته لا يتعدى حدود بلده، وأتت أحداث سوريا لتقفل سلسلة المعاناة، خاتمة ليست بمسك!

نزح من سوريا، تحديداً مسقط رأسه رأس العين، لأحد الدول الأوروبية، وبدأ يتعسعس بعض الفرص ليعرض ما في جعبته من فن كما يراه، وقد نال ذلك بالغناء في أحد المهرجانات الأوروبية ليلاقي بعد ذلك إقبالا كبيرا.

فنه الفريد في غناء الأغاني التراثية السورية والعراقية باللغتين العربية والكردية، وطريقته الرائعة في مزج عدة ثقافات في ألحانه مستخدماً الموسيقى الشعبية، وحديثاً طور من فنه بإضفاء بعض الألحان الغربية المتسللة بشكل خافت في ألحانه، ليشكل مزيجا سرياليا مذهلا أطرب الغربي قبل العربي.

وما ركله إلى القمة وجعل منه ظاهرة غزت الأوساط الفنية الغربية، غناؤه في حفل جوائز نوبل للسلام عام 2013، وهذا ما عكس صورة التعايش السلمي والمحبة للعرب في الغرب خاصة السوريين منهم.

ما أنجزه عمر

يسعى عمر سليمان دائماً لتقديم أعمال فريدة ومثيرة للجدل للبعض، لكنها تلاقي النجاح والرواج اللازم لاستمراره فيما يقدمه.
كان الأمر في بادئه، الغناء في المهرجانات الكبيرة، أغاني قديمة لعمر كانت مسجلة في حفلات شعبية أو مأخوذة من أشرطة فيديو لأعراس قد أحياها عمر في سوريا.

ثم تم التعاقد مع عمر لإعادة إنتاج هذه الأغاني القديمة بجودة أفضل للجمهور الغربي، (برأي أن هذا قد يفقدها رونقها، حيث أن متعة الاستماع لتلك الأغاني يكمن في صوت التشويش الخافت العتيق، وصوت تصفيق حاضرين الحفلات الشعبية، فهذا ما يأخذك لتعيش تجربة جميلة لأحد أعراس التراث الشرقي القديم).

ثم قامت استوديوهات أخرى بإنتاج ألبومات جديدة لعمر، وأغاني فردية لاقت نجاح وشعبية كبيرة، بالإضافة لتعاونه مع عدة فنانين عالميين مثل بيورك ودايمون ألبارن.

عمر سليمان في عيون الغرب

كنت لأخصص فقرة للحديث عن آراء أبناء الضاد عن ابنهم، لكن تشعر وكأن آراءهم موحدة ونموذجية لأي شخص ينجح—إلا قلة—، فالعديد اعتبر ما يقدمه عمر سليمان (فن هابط)، وأنه يعكس صورة سيئة عن العرب، وهذا يعكس أننا متخلفون ورجعيون، وهذا ليس بأنه فعلاً كذلك، لكن لا أحد يحب أن يرى شخصا ناجحا، وكأننا نولد بصفة تطورية وهي الحقد!

لكن المطلع على ما يدور في الغرب وأراء الناس هناك وما تتناقله الصحافة هناك، يرى عكس ذلك تماماً. فيكفي أن ترى سرعة نفاذ تذاكر حفلات عمر هناك، ووجه الحاضرين والفرحة عارمة عليها، والتصفيق الحار عندما يبدأ عمر سليمان بالغناء ومن معه بعزف الموسيقى.

بعض المقالات التي كتبت عن عمر، ترأسها عناوين مثل ”عمر سليمان.. أروع رجل في العالم“، ”كيف جلب عمر سليمان الحب معه بدل الحرب“، ”عمر سليمان وجه سوريا الجميل“، وغيرها من العنوانين الجميلة.

أحد الصحفيات وهي (ميهير) تقول:

”أول مرة سمعت أغنية لعمر سليمان عندما كنت في الأردن في جوله صحفية، استمعت جداً بما سمعته، رغم أني لا أتحدث العربية إلا القليل، لكن الكلمات والألحان كانت مذهلة، تبعث فيك السعادة لا إرادياً“.

وأخرى تقول:

”عندما قمت بعمل لقاء صحفيَ مع عمر سليمان، اعتقدت أنني سوف أجده مغرورا بسبب الشهرة التي وصل إليها، لكنه عكس ذلك تماماً، شخص متواضع ولديه حس دعابة، وإذا أخطأت أمامه يتركني لكي أعدل خطأي بابتسامة جميلة“.

أما الطالبة السورية ريم، تدرس في أحد الجامعات الأمريكية تقول:

”دائماً بعض الأساتذة في الجامعة، يضربون المثل الطيب بعمر سليمان كرمز للحب والسلام، وبموسيقاه التي تعجبهم كثيراً كما يقولون، ويتردد ذكره كثيراً بين الفترة والأخرى عند ذكر سوريا“.

مقالات إعلانية