in

دخلك بتعرف الفرق بين كارثتي تشيرنوبل وفوكوشيما النوويتين؟

صورة: DigitalGlobe / Getty Images

تسبب البشر، على امتداد تاريخ وجودهم على سطح الأرض، بكوارث لا تعد ولا تحصى، لكن لعل أسوأها تلك التي تتعلق بشكل مباشر أو غير مباشر بالطاقة النووية. إذ أسهمت الأخطاء البشرية، بشكل مباشر، كحوادث النقل وأعطال المعدات، في وقوع العديد من الحوادث، بينما أدت كوارث طبيعية بشكل غير مباشر إلى تعطل مفاعلات وحدوث تسريبات في أخرى.

لعل أشهر كارثتان نوويتان كانتا (تشيرنوبل) في الاتحاد السوفيتي سابقاً والتي أنتجت شركة (إتش بي أو – HBO) مسلسلاً عنها أثار الجدل وحصد العديد من الجوائز، وحادثة (فوكوشيما) في اليابان والتي تعتبر ثاني أسوأ كارثة نووية شهدها العالم.

سنقارن في مقالنا اليوم بين الحادثتين لنرى بما تتشابهان وما الاختلاف بينهما. بإمكانك أن تقرأ عن كلّ حادثة بشكل منفصل أو أن تنتقل إلى آخر فقرة في المقال لتقرأ مقارنةً مختصرةً سريعةً.

كارثة تشيرنوبل

صورة لمجمع الطاقة النووية بعد 3 أيام من الانفجار. صورة: AP

في 26 من شهر نيسان عام 1986، انفجر المفاعل النووي رقم 4 في محطة (تشيرنوبل) للطاقة النووية، واستيقظ سكان مدينة (بريبيات) شمال (أوكرانيا) السوفيتية على وقع الصوت لتتغير حياتهم إلى الأبد. أنشأت الحكومة السوفيتية تلك المدينة خصيصاً لأجل العاملين في المحطة، وقد صممت تبعاً لأرقى المعايير وحُسد سكانها عليها لكن ليس طويلاً.

لم يبدأ نقل السكان من المنطقة إلا بعد 36 ساعةً من الانفجار، وكانت أعراض التسمم بالإشعاع النووي قد بدأت تظهر بالفعل على القاطنين، لذا كان لا بدّ من الإخلاء وإلا تساقط الناس موتى نتيجة الإشعاعات النووية. وبالفعل بدأ الإخلاء متأخراً، لكنه مضى سريعاً نتيجة تصميم المدينة العصري وطرقها الواسعة. أصبحت (بريبيات) تُدعى في نهاية الأمر ”مدينة الأشباح“ وأعلنت السلطات أن (أوكرانيا) باتت منطقةً منكوبة.

بحلول 14 أيار كانت الحكومة قد أغلت منطقةً على بقطر 30 كم حول المفاعل المُنفجر، وأُخلي ما يقارب 120 ألف قاطن.

صورة أخرى بعد الانفجار. صورة: Wojtek Laski/Getty Images

قتل الانفجار اثنين من العاملين في المنشأة على الفور، فيما لقي 28 شخصاً حتفهم خلال أول 4 أشهر عقب الحادثة. توفي 31 شخصاً خلال 3 أشهر نتيجة تعرضهم للإشعاع بشكل مباشر. وقد سجلت لاحقاً أكثر من 20 ألف حالة من سرطان الغدة الدرقية لأشخاص كانوا في المنطقة عند وقوع الانفجار وكانت أعمارهم أقل من 18 عاماً.

إن سبب وقوع الكارثة هو الإخلال بمعايير السلامة أثناء إجراء فحص روتيني للصيانة، إذ كان المسؤولون عن المفاعل وقت الانفجار يخططون لاختبار أنظمة الكهرباء فأوقفوا تشغيل أنظمة التحكم الأساسية، ما أدى إلى وصول المفاعل إلى مستوىً غير مستقر ومنخفض من الطاقة.

لم تقتصر أضرار انفجار المفاعل النووي على الاتحاد السوفيتي فقد نتج عن انصهار قلب المفاعل واشتعال حريق هائل وسحابة قاتلة من الإشعاعات النووية امتد تأثيرها على مناطق عديدة منها بولندا وألمانيا والتشيك وتركيا، ولم تعلم هذه البلدان بمدى هول الكارثة وحدتها، إذ تفادت السلطات السوفيتية في ذلك الوقت الاعتراف بحجم الضرر، إلى أن وصل التأثير إلى السويد وبدأت أعراض التلوث الإشعاعي بالظهور على السكان بعد ثلاثة أيام من وقوع الانفجار، ما ساعد العلماء بإجراء حساباتهم وأجبر السلطات على الكشف عن حجم الكارثة الواقعة.

جرى احتواء ما تبقى من المفاعل داخل هيكل فولاذي ضخم أُنشئ في أواخر عام 2016، كما أن جهود الاحتواء والمراقبة ما تزال مستمرة، ومن المتوقع أن يستمر التنظيف حتى عام 2065 على الأقل. لا يزال تأثير الكارثة على الغابة والحياة البرية المحيطة أيضًا موضعاً للدراسة والبحث. كما تحوّلت غابة بمساحة 10 كم2 لتصبح ما يُطلق عليه اليوم ”الغابة الحمراء“ لأن العديد من الأشجار فيها تحوّلت إلى اللون البني المحمر وماتت بعد أن تعرضت لمستويات عالية من الإشعاع.

بالرغم من كون المنطقة باتت غير مأهولة، إلا أنها تجذب العديد من السياح على مدار العام، وقد ارتفعت نسبة السياحة في المنطقة بزيادة تصل إلى ما بين 30 إلى 40 بالمئة وذلك عقب إطلاق مسلسل (تشيرنوبل) في عام 2018.

كارثة فوكوشيما

كارثة فوكوشيما الناجمة عن زلزال ضرب ساحل اليابان. صورة: U.S. Navy/Getty

تقع المنشأة النووية على ساحل المحيط الهادئ الياباني، في شمال شرق محافظة (فوكوشيما) على بعد حوالي 100 كم جنوب (سنداي)، وتديرها شركة طوكيو للكهرباء والطاقة (تيبكو). تتكون هذه المنشأة من 6 مفاعلات تعمل بالماء المغلي شُيّدت ما بين عامي 1971 و1979. في وقت وقوع الحادث، كانت المفاعلات 1 و2 و3 فقط تعمل، وكان المفاعل 4 بمثابة تخزين مؤقت لقضبان الوقود المستهلكة، فيما كان المفاعلان 5 و6 في وضع التبريد.

بدأت هذه الكارثة بزلزال هزّ قاع محيط الهادئ من ناحية السواحل الشرقية لليابان في 11 أذار عام 2011 بعزم زلزالي بلغ 8.9، وبقوة 9 ريختر، ليتسبب الزلزال مباشرةً بمقتل أكثر من ألف شخص وتنطلق بعده عدّة موجات تسونامي بارتفاع 15 م تقريباً والتي تسببت في مقتل أكثر من 20 ألف شخص، لكن الفاجعة لا تنتهي هنا.

بمجرد استشعار وقوع الزلزال انطلقت أجهزة الإغلاق الأوتوماتيكية في المفاعلات، لكن الكهرباء انقطعت عن المنشأة بفعل الزلزال بشكل مباشر ما أدى لأن تبدأ المولدات الاحتياطية بالعمل لتُشغّل أجهزة التبريد. لكن الزلزال كان قد تسبب في وقوع أضرار لأنظمة التبريد كذلك، ثم أتت ضربات موجات التسونامي لينتهي الأمر بفشل الأنظمة بالكامل واحدةً تلو الأخرى خلال الأيام القليلة التي تبعت وقوع الزلزال بالرغم من جهود العاملين المستميتة لإنقاذ المفاعلات وتفادي وقوع الكارثة.

بعد تعطل أنظمة التبريد تسبب ارتفاع الحرارة المتبقية داخل نواة كلّ مفاعل في ارتفاع درجة حرارة قضبان الوقود في المفاعلات 1 و2 و3 وانصهارها جزئيًا، مما أدى إلى انطلاق إشعاعات من بعضها. كما سقطت المواد المذابة في قاع أوعية الاحتواء في المفاعلين 1 و2 وسببت ثقوبًا كبيرة في أرضية كل وعاء. كان المسبب الرئيس لحدوث الانفجارات تراكم غاز الهيدروجين المضغوط في مباني الاحتواء الخارجية التي تحيط بالمفاعلين 1 و3 والتي انفجرت في 12 آذار و14 آذار على التوالي. لكن لحسن الحظ لم تنفجر المفاعلات واستمرت مساعي المهندسين والعمال في تبريد النوى الثلاثة وتثبيطها عن طريق ضخ مياه البحر وحمض البوريك فيها.

مفاعل فوكوشيما 1 في صورة فضائية بعد الانفجار. صورة: Wikipedia

أنشأ المسؤولون الحكوميون منطقة حظر طيران على امتداد 30 كم حول المنشأة بسبب مخاوف التعرض للإشعاع المحتمل، وجرى نقل السكان وإخلاء منطقة بمساحة نصف قطرها 20 كم حول المنشأة.

وقع الانفجار الثالث في 15 أذار وقد شكّ المسؤولون أن الانفجار أدى إلى إتلاف حاوية قضبان الوقود النووي ولتخوفهم من ذلك انتهى الأمر بهم إلى توسيع دائرة الأخلاء ليصبح نصف قطرها بطول 30 كم حول المنشأة. أدى الحريق الذي تبع الانفجار الثالث إلى تسخين الوقود المستهلك في المحطة 4 ما أدى إلى إطلاق المزيد من الإشعاع.

صورة جوية للمفاعل النووي بعد الانفجار. صورة: Reuters

استمر القلق المحيط بهذه الواقعة حتى نهاية العام تقريباً ولم يعلن رئيس الوزراء الياباني (نودا يوشيهيكو) استقرار المنشأة إلا في منتصف شهر كانون الأول 2011، إذ اكتمل حينها الإغلاق البارد للمفاعلات. لم يكن هناك أيّ وفيات أو حالات مرضية نتيجة الإشعاعات المنطلقة لكن سُجلت حالات وفاة بسبب عملية الإخلاء.

أثر حادث (فوكوشيما داي-إيتشي) في عام 2011 على جوانب مختلفة من المجتمع النووي في جميع أنحاء العالم. وقد كشفت الحادثة عن بعض المشاكل في الأساليب التقليدية المتبعة لضمان سلامة المنشآت النووية.

يعرض هذا الفيديو بشكل تفصيلي كيف وقعت الكارثة وما الذي أدى فعلياً لانفجار المفاعلات. وبإمكانك مشاهدة هذا الفيديو لترى ما الذي كان يحدث على مدار الأيام القليلة التي تبعت الزلزال وأدت في نهاية الأمر لانفجارات وحرائق في المفاعلات الأربعة.

مقارنة سريعة بين حادثتي تشيرنوبل وفوكوشيما

المكان:

  • تشيرنوبل: الاتحاد السوفيتي سابقاً، أوكرانيا الآن.
  • فوكوشيما: اليابان.

الزمان:

  •  تشيرنوبل: 1986
  • فوكوشيما: 2011

عدد المفاعلات:

  • تشيرنوبل: 4 مفاعلات.
  • فوكوشيما: 6 مفاعلات.

سبب الكارثة:

  • تشيرنوبل: خطأ بشري وخرق للإجراءات.
  • فوكوشيما: كارثة طبيعية (زلزال تبعه تسونامي).

تعداد الوفيات نتيجة الإشعاع:

  • تشيرنوبل: شخصان نتيجة الانفجار، و28 بشكل مباشر خلال الأشهر التالية، وما بين 4 آلاف إلى 20 ألف نتيجة سرطانات مرتبطة بالتعرض للإشعاع.
  • فوكوشيما: لا يوجد.

مساحة المنطقة المتضررة:

  • تشيرنوبل: ما يقارب الـ500 كم.
  • فوكوشيما: 60 كم شمال شرق و40 كم جنوب وجنوب شرق المنطقة.

مساحة منطقة الحظر:

  • تشيرنوبل: دائرة بنصف قطر 30 كم.
  • فوكوشيما: دائرة بنصف قطر يبلغ 20 كم ثمّ امتدّ لـ30 كم، و45 كم باتجاه الشمال الشرقي.

تعداد الأشخاص الذين جرى إجلاؤهم:

  • تشيرنوبل: 335 ألف شخص.
  • فوكوشيما: 154 ألف شخص.

تعداد الأشخاص الذين عادوا إلى منازلهم:

  • تشيرنوبل: 0.
  • فوكوشيما: 122 ألف شخص.

مقالات إعلانية